هل تستطيع سيارات الأجرة الروبوتية المستقبلية أن تشحن نفسها؟

4 دقائق

تبدو سيارات الأجرة الروبوتية الكهربائية فكرة قابلة للتحقيق على أرض الواقع؛ حيث إن الاتجاهات السائدة في مجالات النقل والطاقة والدراسات الإحصائية للتركيبات السكانية تشير إلى أن السيارات المستقبلية ستعمل بشكل مستقل، وستعتمد في عملها على الكهرباء بدلاً من الوقود الأحفوري، وستكون متاحة للتشارك بدلاً من كونها ملكية خاصة.

ولكن قبل أن يتمكن أحد من تشارك الركوب في السيارات الكهربائية ذاتية القيادة، فإننا في حاجة إلى أماكن مخصصة لشحنها، وهذا الأمر يمثل تحدياً اليوم؛ إذ ليس هناك سوى ما يقرب من 20,000 محطة شحن مخصصة للسيارات الكهربائية في الولايات المتحدة، في حين أن هناك أكثر من 125,000 محطة وقود للسيارات التقليدية.

ووفقاً لتوقعات ماكنزي (شركة رائدة في مجال استشارات الأعمال) فإن الاقتصادات الكبرى -في الصين، وأوروبا، والهند، والولايات المتحدة- سوف تحتاج إلى الاستثمار بنحو 55 مليار دولار في البنية التحتية المخصَّصة لعمليات الشحن بحلول العام 2031؛ وذلك لكي تدعم 140 مليون سيارة كهربائية يُتوقَّع انتشارها على الطرقات في ذلك الوقت.

كما أن هناك مسألة توصيل أجهزة الشحن بالسيارات؛ إذ لن يكون لسيارات الأجرة الروبوتية -بحكم تعريفها- سائقون من البشر للتعامل مع كابلات الشحن الطويلة والثخينة.

وتعتقد إحدى الشركات الناشئة -والتي تحمل اسم "واي تريسيتي"- أن طريقة الشحن اللاسلكي التي تسمَّى "الرنين المغناطيسي" تعدُّ أسلوباً أكثر ذكاء للتزوُّد بالكهرباء؛ فهذه التكنولوجيا تستمد الطاقة من الشبكة الكهربائية العامة عبر ناقل سلكي، ثم تمرِّرها عبر وشيعة نحاسية موضوعة على الأرض؛ فينشأ بسبب ذلك حقلٌ مغناطيسي، وعندما تقترب وشيعة نحاسية أخرى متصلة بالجانب السفلي من السيارة ضمن نطاق هذا الحقل، فحينئذٍ يتولَّد تيار كهربائي من جهة السيارة، والذي يُستخدم في شحن بطاريتها.

ويتعين على السيارة الكهربائية -لكي تتم عملية الشحن- أن تقف ببساطة فوق إحدى هذه الوشائع والانتظار لبضع ساعات، وتقول واي تريسيتي إن كفاءة هذه الطريقة تعادل كفاءة توصيل كابل الشحن بالسيارة مباشرة.

1 من 4
ستتضمن عمليات التوزيع الأولى لمنتجات واي تريسيتي أنظمة شحن مخصَّصة للمرائب وممرات السيارات المنزلية.
مصدر الصورة: واي تريسيتي
2 من 4
بعد ذلك سيتم دمج تقنيتها في مواقف ومرائب السيارات.
مصدر الصورة: واي تريسيتي
3 من 4
كما تأمل الشركة الناشئة في تشغيل سلسلة من مواقف السيارات المنتشرة في الشوارع.
مصدر الصورة: واي تريسيتي
4 من 4
ويمكن في النهاية أن تُستخدم تقنيتها لتزويد حيِّز إضافي جانبي من الطريق بالكهرباء؛ بحيث يكون ممتداً تحت رتل من سيارات الأجرة مثلاً.
مصدر الصورة: واي تريسيتي

وليست واي تريسيتي هي الشركة الوحيدة التي تعمل على أنظمة الشحن اللاسلكي بالاعتماد على الرنين المغناطيسي، ولكن الشركة تقول إن تقنيتها سوف تعمل مع أي نوع أو طراز من السيارات، بما في ذلك ميزات الأمان؛ (فمثلاً يتوقف الشاحن عن العمل تلقائياً عند مرور أطفال أو حيوانات بين الوشائع)، ويمكنها أن تنقل الطاقة عبر الإسفلت أو الأرصفة.

وفضلاً عن ذلك، تقول واي تريسيتي إن من الممكن إدماج شواحنها في مواقف السيارات والمرائب والشوارع دون الحاجة إلى إجراء الصيانة بشكل متكرر؛ مما يثير بعض المخاوف حول السلامة، أو التحول إلى أهداف للصوص النحاس، وتأمل الشركة لكل هذا أن يمنح الحكومات المحلية وسماسرة العقارات وإدارات الممتلكات حوافزَ جديدة لتمويل محطات الشحن.

يقول أليكس جروزن (الرئيس التنفيذي لواي تريسيتي): "إذا أردنا أن نشهد ما يلزم من الاستثمارات الهائلة في البنية التحتية للسيارات الكهربائية على مدار السنوات العشر القادمة، فعلينا أن نحدِّد الجهات التي ستدفع مقابل ذلك، وما الذي سيدفعها لهذا الفعل".

فالسعر يمثل مسألة جوهرية بالنسبة لواي تريسيتي؛ حيث تتراوح كلفة أنظمتها في الوقت الحالي من 1,000 دولار إلى 1,500 دولار، في حين تبلغ كلفة شاحن التوصيل العادي أقل من 1,000 دولار، ولكن الشركة تأمل في استهداف مواقف السيارات والمرائب المرفقة في المباني السكنية، وليس فقط المرائب وممرات السيارات المنزلية.

ويقول جروزن إنه بدأ يخاطب أصحاب الأملاك الراغبين في دفع التكاليف للتوجه إلى المستأجرين الذين يملكون سيارات كهربائية.

وفي النهاية تريد واي تريسيتي الذهاب إلى ما هو أبعد من إعادة شحن السيارات المتوقفة؛ حيث تتمثل إحدى الأفكار في إدماج التقنية تحت حيز إضافي على جانبي للطريق، مما سيمكِّن السيارات من إجراء عملية الشحن أثناء الحركة. ويأمل جروزن للمطارات ومحطات القطارات أن ترغب في الحصول على هذا النظام لمساراتها المخصصة للسيارات الأجرة.

وهو يقول: "إن وجودك بالمدن والولايات سيجعلك لا ترغب في شق الكثير من الكيلومترات من الطرق السريعة لهذه الغاية، وفي الواقع سيكون من المنطقي أن توجد طوابير من سيارات الأجرة؛ حيث لا يتعين عليك سوى تزويد 100 متر بإمكانية الشحن، بدلاً من 100 كيلومتر، ويمكن عندها للسيارات أن تشحن نفسها طوال الوقت الذي تقضيه في الطابور".

ثم هناك الهدف الأكثر طموحاً بالنسبة لواي تريسيتي، وهي السيارات التي تمثِّل بنوكاً متنقلة للطاقة؛ حيث ترى الشركة أن السيارات الكهربائية تمثل -بشكل أساسي- بطاريات متجددة تختزن الكهرباء حتى فترات الذروة، ثم تعيد بعضاً من هذا المخزون إلى الشبكة الكهربائية مقابل مدفوعات مالية، أو مقابل التزوُّد بالكهرباء مجاناً في المرة المقبلة التي تحتاج فيها إلى زيادة مخزونها من الشحن.

وعلى الرغم من أن السيارات قد تُجري هذا النوع من نقل الطاقة عبر أجهزة الشحن التقليدي، إلا أن التبادل اللاسلكي -نظرياً- سيكون أكثر سرعة وبساطة، خاصة عندما تعمل السيارات بشكل مستقل.

وعندما نتأمل في هذه الأفكار نجد أن بعضها مُجدٍ أكثر من البعض الآخر؛ فواي تريسيتي لديها شراكات مع أكثر من 12 شركة من شركات تصنيع السيارات، بما في ذلك 9 شركات من بين العشرة الأكبر في العالم، ولم تُسفِر معظم هذه الصفقات سوى عن تجارب تتعلق بالبحث والتطوير؛ مثل نظام الشحن اللاسلكي الذي عرضته هيونداي في مارس 2018 على سيارتها الكهربائية "كونا"، ولكن بي إم دبليو تبيع حالياً سيارة كهربائية هجينة مزوَّدة بتقنية واي تريسيتي المدمجة، ويمكن للعملاء في مناطق معينة أن يشتروها. يقول جروزن إن شركات التصنيع الأخرى ستحذو حذو غيرهم، خاصة عندما تتفق الشركات على معيار عالمي لشحن السيارات الكهربائية لاسلكياً.

ويتوقع جروزن أن يتم بناء مواقف السيارات والمرائب المجهَّزة بتقنية واي تريسيتي خلال العامين المُقبلين، ومن المرجح أن يتم بناء المواقع الأولى -حسب تعبيره- في المدن الصينية الكبيرة الت تعيش فيها نسبة كبيرة من السكان في المباني السكنية.

ولا يزال أمامنا عدة سنوات غالباً قبل أن نشهد تزويد شوارع المدن بالشحن الكهربائي، وعمليات التبادل اللاسلكي للطاقة بين السيارات والشبكة الكهربائية العامة، ولكن واي تريسيتي لديها نموذج أولي لنظام قامت بتطويره بالتعاون مع هوندا؛ ويقول جروزن إن إدارة المرافق العامة في اليابان قد أبدت اهتمامها بهذا المشروع، ويرجع ذلك جزئياً إلى أن البلاد حرَّرت سوق الطاقة لديها، وترغب الشركات في تقديم خدمات فريدة من نوعها حتى تتبوأ مكانة بارزة بين المنافسين.

أما جون جارتنر -الذي يعمل في تحليل قطاع النقل لصالح شركة "نافيجانت" للأبحاث في مجال الأسواق- فيعتقد أن خدمات كلٍّ من ركوب السيارات ومشاركة السيارات هي الوسيلة الأنسب لتطبيق تقنية واي تريسيتي.

وهو يقول: "ستدرك هذه الشركات -على المدى القريب- فائدة عدم اضطرارها إلى تدريب السائقين -غير المُلمِّين بالسيارات الكهربائية- على كيفية توصيلها بالشحن الكهربائي، أو التحقق من أنهم قاموا بتوصيلها. وعندما يصبح لدينا سيارات ذاتية التحكم، فإن الحاجة إلى وجود أشخاص يقومون بتوصيلها لإجراء الشحن الكهربائي ستُشكِّل تكلفة إضافية ستتطلع هذه الشركات إلى تجنبها أيضاً".

المحتوى محمي