هناك الكثير من المناهج والدورات على المواقع مثل (كورسيرا، وإيد إكس، ويوداسيتي)، لدرجة أن الشركات لا تستطيع تحديد أفضل محتوى لتقديمه إلى موظفيها، وبمجرد أن تختار الشركات برنامجاً تعليمياً معيناً، يصعب عليها تحديد المهارات التي اكتسبها موظفوها، وإلى أي درجة أتقنوا هذه المهارات؛ أي أنهم في حاجة إلى مقياس موضوعي لتقييم الكفاءة.
ولذلك طوَّرت شركة كورسيرا أداة جديدة تستخدم الذكاء الاصطناعي لهذا الغرض؛ حيث تسمح هذه الميزة -التي أعلنت عنها مؤخراً شركة ناشئة تقع في منطقة خليج سان فرانسيسكو- للشركات التي تشترك في برامجها التدريبية بأن تعرف مَن الموظفون الذين يحققون أفضل النتائج في صفوف كورسيرا، وما مستوى الموظفين مقارنة مع موظفي الشركات المنافسة، وما المناهج التي تساعد في ملء أية نواقص معرفية لديهم. كما أنه سيتاح لأي شركة استخدام هذه الأداة -والتي تعتمد على التعلم الآلي لاستنتاج هذه المعلومات- في لوحة التحكم على الإنترنت ضمن حسابها على كورسيرا في وقت لاحق من هذا العام.
وتعد هذه الميزة الجديدة مثالاً واحداً فقط على الأساليب التي تستفيد بها شركات التعلم على الإنترنت من الذكاء الاصطناعي من أجل تحديد المناهج للمتعلمين، وتقييم قدراتهم، وتعديل محتوى المناهج استجابةً للملاحظات والآراء، كما يوجد في كورسيرا فريق متخصص في علم البيانات لتنفيذ العديد من المهام؛ بدءاً من "جمع البيانات وتخزينها في الأماكن المخصصة لها وتفسير المعلومات لاتخاذ القرارات الداخلية، ووصولاً إلى بناء خوارزميات الموقع"، وذلك وفقاً لإميلي جلاسبيرج ساندز (والتي تقود هذه المجموعة).
أما فريق الذكاء الاصطناعي في شركة يوداسيتي -والذي أسسته الشركة في 2017- فيقوم بتحليل مشاعر الطلاب لتحديد الدروس التي يمكن تحسينها، كما يحسب مدى إعجاب المتعلمين بهذه التغييرات، وتعتمد يوداسيتي أيضاً على روبوتات دردشة تستخدم الذكاء الاصطناعي في مساعدة الطلاب على تحديد المناهج المناسبة، والإجابة عن أسئلتهم الشائعة خلال عملية التسجيل. كما تقول شركة إيد إكس أنها تُجري اختبارات باستخدام الذكاء الاصطناعي لزيادة فعالية التعليم والتعلم.
وقد أصبح الذكاء الاصطناعي بشكل عام من أكثر الوسائل فعالية لمواجهة أصعب المشاكل في مجال التعلم على الإنترنت، مما يعطي أثراً إيجابياً لهذه الميزات الجديدة، يتمثل في تشجيع المزيد من الأشخاص والشركات على الاشتراك في هذا النوع من التدريب. وتعد زيادة فعالية البرامج التعليمية وقياس أثرها أهم أولويَّتين عند الشركات التي تدفع لقاء تدريب طواقمها؛ وذلك وَفقاً لاستبيان أجرته مجلة Training حول الشركات الأميركية في 2017.
وما زال هناك مجال كبير للنمو في هذه السوق؛ فمثلاً يحتوي منهاج كورسيرا في مجال الأعمال -والموجه إلى الشركات- على 1,400 زبون (يبلغ إجمالي المتدربين لدى كورسيرا 31 مليون، مما يجعلها أكبر شركة للتعلم على الإنترنت في العالم)، لكن ليا بيلسكي (والتي تترأس برنامج كورسيرا للأعمال) تقول: "إن نقطة الضعف في مجال التعلم للشركات هو أنه لا أحد يعرف كيف يعرض عوائد هذا الاستثمار، كما أن الشركات تعرف أن موظفيها في حاجة إلى تعلم مهارات جديدة من أجل المحافظة على القدرة التنافسية، ولكنها لا تعرف كيف تحدِّد قيمة هذا التعلم بالضبط".
وترغب كورسيرا أيضاً في أن تصبح قادرة على تكميم فوائد مناهجها، ولهذا بدأ فريقها المتخصص في علم البيانات -منذ حوالي سنة ونصف- بتطوير خوارزميات تعلم آلي؛ من أجل مسح إجمالي المهارات التي يتم تعليمها على منصة كورسيرا، والبالغ عددها 40,000.
وفي البداية استخدم الفريق معالجة اللغة الطبيعية في تحديد عدد المرات التي يذكر فيها المدرسون مفاهيم محددة أثناء حصصهم، ثم استُخدمت هذه المعلومات في الربط ما بين المناهج والمهارات التي تتضمنها. ومن الممكن أيضاً أن تحصل كورسيرا على هذه المعلومات ببساطة عن طريق سؤال المدرسين، ولكنها تستخدم معالجة اللغة الطبيعية لأن المدرسين يعتقدون في أغلب الأحيان أنهم يدرسون مفاهيم نظرية، في حين يرغب المتعلمون في معرفة الأدوات والتقنيات التي سيتقنون استخدامها بالضبط، وذلك كما تقول جلاسبيرج ساندز.
وقد قام الفريق مؤخراً بإدخال منهجية قياسات نفسية -وتسمى نظرية الاستجابة للأشياء- في بعض نماذج التعلم الآلي؛ وذلك من أجل قياس إمكانيات المتعلمين بِناء على أدائهم في امتحانات ووظائف كورسيرا، وتسمح هذه الطريقة للفريق بقياس مدى إتقان مهارة معينة للمتعلمين الذين كانوا يُجيبون عن أسئلة مختلفة ومتنوعة الصعوبة، كما تقول جلاسبيرج ساندز. وهذا الأمر مهم للغاية؛ لأن المتعلم عالي المستوى سيسجل في مناهج أكثر صعوبة ويجرب الإجابة عن أسئلة أكثر صعوبة، بالمقارنة مع المتعلم المبتدئ، وينظر نموذج نظرية الاستجابة للأشياء إلى هذا الأمر بعين الاعتبار، عن طريق معرفة المهارة التي يتم تقييمها بسؤال معين في الامتحان، والصعوبة النسبية لهذا السؤال قبل تقييم مستوى المتعلم؛ تقول جلاسبيرج ساندز: "إن النتيجة التي نحصل عليها هي نسبة مئوية للموظفين في كل مهارة، وذلك بالنسبة إلى أي مجموعة تختارها للمقارنة؛ سواء أكانت جميع الشركات على كورسيرا، أو الشركات في مجالك أو بلدك، أو الشركات من نفس الحجم".
وتسمح معظم شركات التعلم على الإنترنت لزبائنها من الشركات بالاطِّلاع على أسماء موظفيها في الصفوف التعليمية، ومقدار تقدمهم، والآراء حول تجربتهم، وتقول كورسيرا إن التعلم الآلي يمكِّنها من الاطلاع على أداء ملايين المتعلمين في المنصة، ويقدِّم معلومات توقعية مثل مهارات متعلم معين، بالإضافة إلى المزيد من المعاملات المعيارية للطلاب. ومن المفترض -نظرياً- أن تصبح هذه النماذج أكثر ذكاء مع ازدياد كمية البيانات التي يُقدمها المتعلمون والمدرسون، والتي يمكن تلقيمها للنظام.
وتتوقع كورسيرا أن معلومات التقييم للمهارات -والتي ستُحدَّث يومياً- ستكون نافعة لأخصائيِّي التعلم والتطوير، ومحترفي الموارد البشرية، ومديري التوظيف؛ حيث كانوا يضطرون قبل ذلك إلى تخمين المهارات التي كانت الشركات الأخرى تبحث عنها، ومَن مِن الموظفين يعد خبيراً في لغة برمجة معينة مثلاً، ولكنها أيضاً قد تثير استياء بعض المتعلمين على كورسيرا ممن لا يرغبون في أن يتخذ مديروهم قرارات التوظيف بناء على أدائهم في المنصة.
تقول جلاسبيرج ساندز وبيلسكي إن هذه التقنية ستفيد الأفراد بطرق أخرى؛ مثل لفت النظر إلى ذوي المهارات العالية الذين لم يكتشفهم أحد، وتتفق شركة أدوبي العملاقة في مجال البرمجيات -والتي كانت تختبر هذه الميزة الجديدة في كورسيرا مؤخراً- مع هذا الرأي؛ حيث يقول جستن ماس (الذي يترأس برنامج التعلم الرقمي في أدوبي): "قد يكون لدينا بعض الخبراء في أماكن بعيدة تصعِّب علينا اكتشاف مواهبهم، وهذه الميزات تقدِّم لنا صورة حقيقية عن معارف موظفينا ومهاراتهم؛ وهو ما سيساعدنا في تقييم مواهبهم بدقة أكبر".