يعد التحيز على أساس الجنس من المشاكل الخبيثة في المجتمع، وهو ينشأ بشكل أساسي من التفرقة المتعمدة، ولكنه موجود أيضاً على نطاق واسع في اللاوعي، متغلغلاً في ثقافتنا وأماكن عملنا، وحتى لغتنا، وبأساليب لا ندرك وجودها في أغلب الأحيان.
الخطوة الأولى في سبيل مكافحة التحيز هي الكشف عنه في أماكن تواجده، وهنا تظهر فائدة العلم الجديد المسمى باللغويات الحاسوبية؛ حيث يعتمد هذا العلم الجديد نسبياً على التنقيب في البيانات والتعلم الآلي لدراسة النصوص، وقد بدأ يكشف عن وجود التحيز في كل شيء، بَدءاً من مقالات ويكيبيديا ووصولاً إلى اللغة نفسها.
وقد قرر نيشثا مادان (في قسم الأبحاث في شركة آي بي إم) وزملاؤه التعمقَ أكثر في هذا الموضوع، ويقولون إنهم استخدموا نفس الطريقة لكشف تحيز واضح على أساس الجنس في الكتب المرشحة لجائزة مان بوكر، وهي من أرفع الجوائز الأدبية في العالم، وتقدم سنوياً إلى أفضل رواية جديدة مكتوبة باللغة الإنجليزية.
وقد استخدم الباحثون طريقة مباشرة نسبياً؛ فقد شمل البحث جميع الكتب المرشحة لنيل الجائزة ما بين 1969 و2017 (والتي تبلغ تقريباً 275 رواية)، وبدلاً من تحليل النص في الرواية، درسَ الفريق توصيفات الكتب على موقع جودريدز (وهو دليل اجتماعي تابع لأمازون، ويتيح الاطلاع المجاني على التوصيفات والنقد والتقييمات لأكثر من 400 مليون كتاب).
وسأل الفريق كيف قُدِّم الرجال والنساء ضمن هذه التوصيفات، وكانت الإجابات مثيرة للاستهجان، كما يقول مادان وزملاؤه: "فقد كشف البحث عن تفشِّي التحيز على أساس الجنس، واستخدام الصور النمطية الجامدة في هذه الكتب ضمن أطر مختلفة، مثل العمل والتقديم والأفعال المرتبطة بالشخصيات فيها".
وبداية، ذُكرت النساء بمقدار أقل من الرجال في هذه الكتب، بمعدل وسطي يبلغ 15 مرة للنساء مقابل 30 مرة للرجال، كما وُصِفت النساء بشكل مختلف للغاية، وقد استخرج مادان وزملاؤه الصفات المتعلقة بالمصطلحات الذكرية والأنثوية في النص من أجل توضيح الأمر، ومن ثم قاموا بتشكيل سحابات من الكلمات لتوضيح المصطلحات التي تظهر أكثر من غيرها بالنسبة لكل جنس، ويمكن رؤية هذه السحابات في الصورة الموضحة أعلاه، ولن تجد صعوبة تُذكر في تحديد سحابة الرجال وسحابة النساء.
كما درس الفريق أيضاً الصور النمطية؛ وذلك عن طريق استخراج عمل كل شخصية، ومن ثم تشكيل سحابتين للرجال والنساء مرة أخرى، فاحتلت الوظائف التالية رأس القائمة بالنسبة للرجال: (طبيب، ومعالج، وجراح، وعالم نفس، وبروفسور، وعالم، ورجل أعمال، ومدير... وما إلى ذلك)، أما أهم الأدوار المسندة إلى النساء فقد كانت: (معلمة، ومحاضِرة، وممرضة، وعاهرة، وساقطة، وزوجة في عمر الطفولة، وعروس في عمر الطفولة... وما إلى ذلك)؛ يقول مادان وزملاؤه: "قمنا بتحليل وظائف الرجال والنساء في هذه الكتب، ووجدنا أن الأدوار عالية المستوى أُسندت في معظمها إلى الرجال، في حين أُعطيت الأدوار قليلة الأهمية إلى النساء".
غير أن هناك بعض الدلالات على التغيير الإيجابي؛ حيث يقول الفريق إن عدد الكتب المرشحة التي تتضمن نساءً يلعبن دوراً مركزياً قد ازداد في السنوات الأخيرة، ومنها كتاب "Do Not Say We Have Nothing" لمادلين ثيين، و"How to be Both" لآلي سميث، و"We Are All Completely Beside Ourselves" لكارين جوي فاولر، وغيرها.
ويعتبر هذا العمل مثيراً للاهتمام، لكنه يعاني من بعض النواقص؛ ومن أهمها أن الفريق لم يكن واضحاً في توصيف البيانات التي جمعها، ومدى حجمها، ومتى كتبت، ومن قِبَل مَن؛ وهو ما يجعل تقييم هذا العمل أمراً صعباً، فقد تكون التوصيفات مصاغة مثلاً من قبل أحد أعضاء موقع جودريدز، لا المؤلفين أنفسهم، وبالتالي فقد يكون التحيز ناتجاً عن هذا الشخص بدلاً من أن يعكس حقيقة الكتاب، لكن من الواضح أن الباحثين لم يأخذوا هذا الاحتمال بعين الاعتبار.
كما يمكن بالطبع أن يقول الكتاب إن كتبهم تتحدث عن مسألة الانحياز وأثرها على المجتمع؛ ولهذا يجب أن يظهر هذا التحيز بشكل واضح في نص الكتاب، وقد يقولون ببساطة إنهم لم يتعمدوا تأليف رواية متحيزة على أساس الجنس.
ومع ذلك، يبين هذا البحث إمكانية دراسة التحيز في الأعمال الثقافية الهامة، وقد استخدم الباحثون هذه التقنية بالفعل من أجل دراسة التحيز في نصوص السينما الهندية، واكتشفوا وجود تنميط واضح على أساس الجنس، خصوصاً فيما يتعلق بالوظائف.
كما يعمل الفريق أيضاً على تطوير آلية لإزالة التحيز، وليس من الواضح كيف سيكون هذا مفيداً للروايات المرشحة لجائزة مان بوكر، لكنه بالتأكيد سيلقي الضوء على مشكلة لا شك في أنها تحتاج إلى الاهتمام.