لا يخفى على أحد أن نقلة الرقمنة العارمة التي تسارعت بسبب جائحة كوفيد-19 وضعت الرؤساء التنفيذيين للمعلومات أمام تحديات غير مسبوقة. وبما أن حركة الأسواق أصبحت عشوائية وخاضعة لمتغيرات جديدة، لم يعد من المجدي اللجوء إلى البيانات التاريخية. مع تغير أولويات الأعمال على نحو كبير، وتغير مهام الموظفين وفقاً لذلك، أصبح دعم الأتمتة -إضافة إلى تعديلات تكنولوجية أخرى- الطريق الأفضل نحو المستقبل. لتحقيق النجاح في هذا المناخ الجديد للأعمال، يجب على الرؤساء التنفيذيين للمعلومات ابتكار نماذج أعمال جديدة تتيح لمؤسساتهم مواكبة ظروف الأسواق. ومن حسن الحظ، يستطيع الذكاء الاصطناعي الاعتماد على البيانات في الزمن الحقيقي لتصميم حلول تلائم المناخ الحالي للأعمال.
يناقش المدير الأكاديمي لكلية الرياضيات وعلوم الحاسوب في جامعة هيرويت وات (Heriot-Watt University) بدبي، ستيفن غيل، كيف يمكن للرؤساء التنفيذيين للمعلومات استخدام الذكاء الاصطناعي لمساعدة الشركات في التغلب على تحديات الأعمال:
ابتكار نماذج عمل جديدة
تتطلب نماذج العمل الجديدة دون شك ردم الهوة القائمة بين ظروف السوق وعمليات الشركة. وقد ثَبُت أن التنبؤ بالتكلفة أو بالفائدة بناءً على البيانات التاريخية لم يعد مؤشراً موثوقاً في ظل ظروف الأسواق العشوائية وتقلبات حاجات العملاء. في ظل هذا الوضع، يستطيع الرؤساء التنفيذيون للمعلومات استخدام طريقة مبنية على الذكاء الاصطناعي لبناء استراتيجيات تتمحور حول البيانات وترتكز على استيعاب العملاء والسوق في الزمن الحقيقي. وقد ثَبُت أن هذا يمكن أن يساعد على تعزيز قدرة الشركات على التكيف في الفترات الزمنية التي تتطلب إحداث تغييرات في العادات المتبعة ومعايير التفضيلات.
على سبيل المثال، في مجال التجارة الإلكترونية والتجارة بالتجزئة، تُستَخدم تكنولوجيات الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي على نحو مكثف لتقديم التوصيات المتعلقة بالمنتجات إلى العملاء، والتنبؤ بالطلب المستقبلي على المنتجات، وغير ذلك من الوظائف. تنطبق هذه الحالة على شركة أمازون، إذ يُستخدم الذكاء الاصطناعي لتحسين تجربة المستهلك من خلال تحليل أنماط التسوق لديه، وتقديم التوصيات المتعلقة بالمنتجات وفق هذا التحليل. سيؤدي هذا دون شك إلى زيادة احتمال الفوز بولاء العميل والحفاظ عليه.
اقرأ أيضاً: كيف يمكن للمؤسسات تعظيم إمكانات الرؤساء التنفيذيين للتكنولوجيا؟
تحسين إجراءات العمل
يحقق العديد من المؤسسات حالياً فوائد كبيرة من استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي لمراقبة إجراءات العمل المؤتمتة والتحكم فيها في الزمن الحقيقي. على سبيل المثال، يمكن لتطبيقات مركز الاتصالات الرد على مكالمات العملاء بسرعة وبدقة، وتحويل المشاكل المعقدة فقط إلى الموظفين البشر كي يتولوا حلها. عند التفاعل مع تطبيقات مركز الاتصالات، لا يدرك معظم العملاء أنهم يتفاعلون مع آلة.
من الأمثلة الأخرى، استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي في أنظمة الإدارة الدائمة للمخزون في الزمن الحقيقي، التي تستطيع التفاعل على نحو ديناميكي مع الأنظمة العاملة على الإنترنت والعاملة محلياً داخل المتجر في الوقت نفسه. تستطيع هذه الأنظمة تجنب تفويت المبيعات على نحو استباقي، التي يتسبب بها عدم توفر السلع المطلوبة ضمن المخزون. إضافة إلى ذلك، تُستخدم هذه الأنظمة أيضاً وعلى نحو متزامن في التخفيف من السلع التي لا تحقق مبيعات جيدة، إضافة إلى التحكم في السلع التي لها مدة صلاحية محدودة. وعند تزويد هذا النظام بمكونات مادية وبرمجية مدمجة مخصصة للتتبع، يمكن لأدوات الذكاء الاصطناعي أيضاً السيطرة على حالات تراجع المخزون التي تنجم عن السرقة أو التلف أو الأخطاء في عمليات الإحصاء.
اقرأ أيضاً: كيف تتنامى أهمية دور الرئيس التنفيذي للتكنولوجيا في الشركات؟
تحسين العمليات الإنتاجية
لطالما بحثت الشركات عن أساليب لتخفيض تكاليف الإنتاج، ويمكن للرؤساء التنفيذيين للمعلومات استخدام الذكاء الاصطناعي في جمع العيّنات وتحليل البيانات بسرعة أكبر للقضاء على الهدر في العمليات الإنتاجية وغيرها من أوجه القصور. في عملية الإنتاج، يمكن للذكاء الاصطناعي التقليل من الأخطاء، ووضع معايير موحدة للمعرفة، واتخاذ قرارات معقدة تتعلق بالعمليات. وفقاً لتقرير التصنيع السنوي لعام 2018، قال 92% من كبار المسؤولين التنفيذيين في مجال التصنيع إن تكنولوجيات "المصنع الذكي" الرقمية التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي ستتيح لهم تحسين درجات الإنتاجية لديهم وتمكين العاملين لديهم من العمل على نحو أكثر ذكاء. لقد نجح الذكاء الاصطناعي في بناء إجراءات متفوقة في مجالات الرعاية الصحية والخدمات المالية والتجارة الإلكترونية. على سبيل المثال، تُستخدم برمجيات الذكاء الاصطناعي جزئياً في إطار عمليات ضمان الجودة للحؤول دون وصول العيوب وأوجه الخلل إلى العملاء، ما يؤدي إلى تخفيف ضغط الطلبات على مختصي خدمة العملاء، وهذا يعني بالنتيجة إتاحة المزيد من الوقت للموظفين كي يركزوا على مهام أكثر استراتيجية.
اقرأ أيضاً: كيف يُستخدم الذكاء الاصطناعي لتحسين أداء الموظف ومشاركته؟
تحسين الأمن السيبراني
يمكن للرؤساء التنفيذيين للمعلومات استخدام الذكاء الاصطناعي لتطبيق أقصى الإجراءات الأمنية ومكافحة الأخطار التي تهدد البيانات. يستطيع الذكاء الاصطناعي أتمتة إجراءات الأمن السيبراني ومهام الصيانة البرمجية. تنبأت غارتنز (Gartner)، وهي إحدى الشركات الرائدة على مستوى العالم في مجال الأبحاث وتكنولوجيا المعلومات، بأن 60% من الشركات الرقمية قد تعاني خسائر فادحة بسبب عجز الفِرق الأمنية لديها عن إدارة المخاطر الرقمية. يمكن للذكاء الاصطناعي حماية الشركات من الهجمات السيبرانية من خلال كشف التهديدات المحتملة أسرع من البشر. يمكن أيضاً استخدام التطبيقات التي تعمل بالذكاء الاصطناعي في مساعدة موظفي تكنولوجيا المعلومات في الحفاظ على أنظمة المؤسسة وضمان سير العمليات بانسيابية. توفر عمليات اتخاذ القرار والتقييم المؤتمتة نطاقاً أوسع من الحماية من النشاطات الخبيثة مقارنة بالحلول القديمة.
اقرأ أيضاً: آخر تطورات الأمن السيبراني: برامج الفدية الخبيثة وعمليات اختطاف الحوسبة المشفرة
على الرغم من أن الذكاء الاصطناعي كان عاملاً مهماً في نجاح الأعمال، إن لم يكن عنصراً رئيسياً، يجب على الرؤساء التنفيذيين للمعلومات ألا يغفلوا ضرورة وجود استراتيجية واضحة تحدد كيفية استخدام البيانات والتحليل لتحقيق ميزة تنافسية حقيقية، بدلاً من مجرد محاولة اللحاق بالركب. إضافة إلى هذا، يجب على الرؤساء التنفيذيين للمعلومات النظر في كيفية الاستفادة من الذكاء الاصطناعي لتطبيق التكنولوجيات المناسبة. أخيراً، إن وجود رؤية واضحة بشأن التأثير المرغوب في تحقيقه من خلال الأعمال يعد جزءاً لا يتجزأ من صياغة النهج المتبع في استخدام البيانات في المواقع المناسبة، بدلاً من الاعتماد عليها وحدها بالكامل.