في عام 2019: الشروع أخيراً بمعالجة تأثيرات التكنولوجيا التي ظهرت في عام 2016

4 دقائق
حقوق الصورة: أسوشييتد برس/ خوسيه لويس ماجانا

كان الفوز المفاجئ لدونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية الأميركية في نوفمبر من عام 2016 بمنزلة نقطة تحولٍ ليس في مجال السياسة فحسب، وإنما في مجال التكنولوجيا أيضاً. وقد تغير منحى السرد حول تأثير هذا الفوز في المجتمع بشكلٍ سريع؛ حيث أُلقِيَ اللومُ في تقويض الديمقراطية على عاتق الشركات التكنولوجية العملاقة. واليوم، تترقب الولايات المتحدة الأميركية انتخاباتٍ رئاسية أخرى، لكن من الصعب معرفة مدى التقدم الذي تم إحرازه حتى بعد مرور ثلاث سنواتٍ على الانتخابات الأخيرة.

علينا أن نعترف أن المشاكل في حدِّ ذاتها قد أصبحت أكثر وضوحاً؛ فنحن على درايةٍ الآن بأن الوكالة الروسية لأبحاث الإنترنت استخدمت جيشاً من ناشري الكراهية والمعلومات المزيفة على الإنترنت من أجل محاولة التأثير على الانتخابات. (وفقاً لما توصلت إليه لجنة استخباراتٍ تابعة لمجلس الشيوخ). لذا تقوم فيسبوك وتويتر بشنّ حملةٍ على الحسابات التي تنشر المواد الدعائية، كما أن فيسبوك هذه المرة تملك على الأقل خططاً ملموسة لمكافحة حملات التضليل أثناء الانتخابات المقبلة.

ومع ذلك، ما زال هناك الكثير من المشاكل التي تنتظر الحل، فرغم معرفتنا باستخدام روسيا لهذه البوتات، لكن مدى نجاحها الفعلي في تغيير آراء الناس ما زال أمراً غامضاً (في الواقع، تشير الدراسات إلى أنه رغم كل المخاوف التي سببتها الأخبار المزيفة، فإن استخدام التكنولوجيا في عمليات الإقناع قد لا يكون على درجةٍ كبيرة من الفعالية). وما زالت حملات التضليل على ما يبدو آخذةً بالتزايد في جميع أرجاء العالم. ورغم أن شركة الأمن السيبراني كلاود فلير قد ألغت استضافتها للموقع الإلكتروني إيت تشان 8chan، الذي كان مرتعاً سيئ السمعة للمتطرفين العنيفين، وذلك بعد أن تم ربطه بعمليات إطلاق نار، لكن الموقع عاود نشاطه على الإنترنت من جديد تحت اسم إيتكن 8kun. 

لم يتوقع أحدٌ حلاً سريعاً لهذه التساؤلات الكبيرة والشائكة المتعلقة بحرية التعبير وكيفية إدارة المنصات على الإنترنت، ولكن رغم كل ما حدث منذ عام 2016 وحتى الآن، فإن التصميم الفعلي لسياسات حقيقية لم يبدأ إلا في العام الماضي فقط. وحتى بعد ذلك، يتم تطبيق هذه السياسات غالباً دون تكريس القدر اللازم من التفكير والتدبير. 

إن أبرز الأمثلة التي توضح ضعف التدبير يتمثل في النزاع القائم حول الإعلانات السياسية. فقد تكون المنصات التكنولوجية مشابهةً لبعضها البعض من حيث البطء في الاستجابة لهذه القضايا، ولكنها تختلف فيما بينها من حيث طريقة التعامل معها؛ حيث ترفض فيسبوك إطلاق الأحكام على الإعلانات السياسية، بمعنى أنَّ فريقها من مدققي الحقائق لن يتحقق من صحة أيّ كلامٍ يقوله مرشحٌ سياسي في إعلانٍ مدفوع الأجر، ولهذا السبب تمكنت حملة ترامب الانتخابية من نشر إعلانٍ كاذبٍ حول علاقة جو بايدن بأوكرانيا، ولنفس السبب أيضاً استطاعت إليزابيث وارن أن تتعمَّد شراء إعلانٍ مزيف بهدف استفزاز مارك زوكربيرج.

ولقد تعرضت فيسبوك للكثير من الضغوط جراء موقفها هذا، غير أن زوكربيرج من خلال ادعائه الدفاع عن مُثُل حرية التعبير، فإنه يواصل تصوير الأمر كأنه علينا الاختيار بين أمرين: إما قبول الأكاذيب في الإعلانات السياسية وإما العيش في عالمٍ "لا نستطيع فيه نشر أيّ شيءٍ إلا إذا قررت شركات التكنولوجيا أنه صحيحٌ 100%" كما ذكر في خطابٍ له بجورج تاون.

إنها عملية اختيارٍ مغلوطة حسبما يتضح من جوجل، التي حظرت الاستهداف الموجَّه بدقة و"الادعاءات الكاذبة" في الإعلانات السياسية. وفي المقابل، فرضت تويتر -في خطوةٍ زادت من الضغوط على فيسبوك- حظراً شاملاً على الإعلانات السياسية على موقعها بما فيها الإعلانات المناصرة للقضايا.

ومع ذلك، لا يبدو أن هذه الأساليب هي الحلّ الأمثل للمشكلة؛ حيث إن من الصعب تحديد معالم ما يمكن اعتباره "إعلاناً مناصراً لقضية"، كما أن فرض حظرٍ كامل على الإعلانات السياسية قد يضرّ بالمتنافسين في السباقات الانتخابية الأصغر نطاقاً. أضف إلى ذلك أن هذه الشركات قد لا تمتلك حتى البنية التحتية اللازمة للوفاء بتعهداتها؛ فقد أدى حظر تويتر للإعلانات السياسية في ولاية واشنطن إلى كارثة. ورغم أن فيسبوك تحاول ترميم سياستها من خلال الوعد بالشفافية في إعلاناتها، لكن قاعدة البيانات الهادفة للوفاء بوعدها هذا قد تعطلت قبيل انتخابات المملكة المتحدة.

مصدر الصورة: أسوشييتد برس/ داميان دوفارجان

لم يتبقَّ إلا شهرين لإجراء الانتخابات التمهيدية الأولى لعام 2020، ونحن بالكاد نقترب من فهم إجراءات هذه الشركات التي تبدو غير مستعدةٍ لهذا الاستحقاق. ونتيجةً لذلك، بدا أن الجميع يدرك حقيقة القول المأثور: "ما حكَّ جلدَك مثلُ ظفرك"، أي إن أردت إنجاز شيءٍ بالشكل الصحيح عليك أن تقوم به بنفسك. 

لذلك فإن جزءاً كبيراً من برنامج إليزابيث وارين الانتخابي يتمثل في العمل على تفكيك الشركات الكبرى المهيمنة. ومن جهته، عقدَ الكونجرس جلسة استماعٍ بخصوص المادة 230، وهي جزءٌ من تشريع بخصوص الإنترنت يحمي شركات التكنولوجيا من المساءلة حول ما ينشره الناس على منصاتها. (وقد وصفت رئيسة الكونجرس نانسي بيلوسي هذه المادة بأنها "هديةٌ" إلى شركات التكنولوجيا التي لم تعطها حقَّ قدْرها.

كما أصبحت قضايا العمل في شركات التكنولوجيا موضوعاً رئيسياً أيضاً؛ فقد بدأ مراقبو المحتوى لدى فيسبوك -الذين ضاقوا ذرعاً بظروف العمل السيئة- برفع أصواتهم حول مشاكل الصحة العقلية وشرعوا برفع الدعاوى القضائية بسبب التعرض للصدمات النفسية. كما شكَّل متعاقدو شركة جوجل في بيتسبيرج اتحاداً عمالياً، وأدت الأنشطة المزعومة للشركة لمواجهة الاتحادات إلى إطلاق دعوى قضائية وتحقيقٍ فدرالي بشأنها. وقام السائقون في شركتي أوبر وليفت بتنظيم صفوفهم من أجل تمرير قانون في ولاية كاليفورنيا ليتم تصنيفهم كموظفين. ونفَّذ العاملون في إنستاكارت إضراباً في نوفمبر. 

لقد أوضحت انتخابات عام 2016 مدى ضخامة المشاكل، بينما تسلِّط انتخابات 2020 الوشيكة الضوءَ على مدى ضآلة حجم العمل الذي تم إنجازه لمواجهة هذه المشاكل. والنتيجة هي أن الناس قد "بدؤوا يشككون في مفهوم حتمية تأثير التكنولوجيا على المجتمع وفي فكرة أن التقدم التقني الذي يساعد الشركات التكنولوجية الكبرى يمثل في الحقيقة تقدماً اجتماعياً"، وفق تعبير ميريديث ويتاكر من معهد إيه آي ناو بجامعة نيويورك. وأحد الاستنتاجات التي خلص إليها التقرير السنوي لهذا المعهد (الذي صدر في مطلع ديسمبر) هو أن مسؤولية تكثيف جهود الرقابة على التكنولوجيا تقع على عاتق المجموعات المجتمعية والعمال والباحثين، وليس على عاتق شركات التكنولوجيا أو سياساتها الأخلاقية.

وأخيراً، يتنامى إدراك الجميع لحقيقة أن الشركات لن تتغير من تلقاء نفسها، وأن الأمر سيتطلب حملةً رئاسية أو حركةً عمالية كبيرة لتغيير الامور. أو كما تقول شونا كلاركسون، وهي مسؤولةٌ تنظيمية في الجماعة الناشطة جيج ووركرس رايزينج Gig Workers Rising التي ساهمت في تمرير قانون كاليفورنيا: " إن هذه الشركات خائفة، وهذا يبين لنا أنه عندما يتّحد العاملون معاً لمواجهتها، فإنهم يصبحون أكثر قوةً وتأثيراً". إذن، فإن السؤال الكبير الذي نوجِّهه إلى شركات التكنولوجيا في عام 2020 هو: هل ستتغيرون من تلقاء أنفسكم، أم ستنتظرون حتى يقوم الجميع بإجباركم على التغيير؟

المحتوى محمي