الصين تتغلب على الولايات المتحدة في مجال الأمن السيبراني الكمومي

3 دقائق
جون بريسكو في جلسة بمؤتمر إيمتيك حول الحوسبة المستقبلية.

منذ ستة أعوام، تمكن قراصنة معلومات مرتبطين بالصين من اختراق النظام الحاسوبي لمكتب إدارة شؤون الموظفين الأميركي OPM؛ حيث سرقوا معلوماتٍ حساسة عن ملايين الموظفين والمتعاقدين الفدراليين. وقد كانت المعلومات المسروقة من النوع الذي يتم جمعه خلال عمليات التحري عن الأشخاص قبل منحهم تصاريحَ أمنية، ما يعني أنها معلوماتٌ شخصية للغاية. ولكن لم تتم خسارة جميع هذه البيانات؛ فرغم أنه كان من الواضح وجود ثغراتٍ في إعدادات الأمن السيبراني لمكتب إدارة شؤون الموظفين؛ فقد كان جزءٌ من هذه البيانات مشفَّراً، وبالتالي لم يستطع القراصنة الاستفادة منها.

ولكن يبدو أن حماية هذه البيانات المشفَّرة لن تدوم طويلاً. إنها مسألة وقتٍ فقط قبل أن تصبح معرضةً لخطر كسر تشفيرها والحصول على محتواها. هذا ما يعتقده جون بريسكو، المدير التنفيذي لشركة كوانتم إكستشانج Quantum Xchange، وهي شركة أمن سيبراني مقرها بمدينة بيثيسدا في ولاية ماريلاند الأميركية. فخلال حديثه أثناء جلسةٍ بمؤتمر إيمتيك حول الحوسبة المستقبلية في الشهر الماضي، قال بريسكو إن السعي الدؤوب للصين في مجال الحوسبة الكمومية يشير إلى أنها ستتوصل في نهاية المطاف إلى تصميم نظامٍ قادر على اكتشاف مفاتيح فك التشفير اللازمة للوصول إلى تلك البيانات. ولن تستطيع تقنيات التشفير الحالية الصمودَ في مواجهة نظامٍ كمومي أُوكلت إليه مهمة اختراقها.

وقال بريسكو إن الصين تمضي قدماً وفق مبدأ "اجمع البيانات اليوم، واقرأها غداً"؛ حيث تريد الصين أن تسرق أكبر قدرٍ ممكن من البيانات حتى لو كانت مشفرة ولا تستطيع فتحها، لأنها تراهن على تقنيات مستقبلية ستمكِّنها من فك تشفيرها، على حدِّ تعبيره. وأضاف بريسكو أن الصين تنفِق على الحوسبة الكمومية 10 أضعاف ما تنفقه الولايات المتحدة الأميركية؛ حيث يزعم أنها تنفِق 10 مليار دولار (رغم أن هذا الرقم موضع خلاف) مخصَّصة فقط لبناء المختبر الوطني لعلوم المعلومات الكمومية، الذي سيُفتتح في العام القادم. بينما اقتصر الردّ الأميركي على إنفاق 1.2 مليار دولار فقط على مدى خمس سنوات في مجال علوم المعلومات الكمومية. وعلّق بريسكو قائلاً: "إن هذا المبلغ غير كافٍ لتحقيق الأمن السيبراني في الولايات المتحدة".

لقد تم تخصيص جزءٍ من استثمارات الصين الضخمة للأمن السيبراني الكمومي وحده، بما في ذلك تطوير تقنية توزيع المفاتيح الكمومية QKD. ويتضمن ذلك إرسال بياناتٍ مشفرة على هيئة بتات كلاسيكية (أي معلومات بالنظام الثنائي حصراً) عبر شبكة أليافٍ ضوئية، بينما يتم إرسال مفاتيح فك التشفير على هيئة كيوبتات (التي يمكن أن تمثل أكثر من حالتين فقط، بفضل ظاهرة التراكب الكمومي). عندها، فإن مجرد محاولة مراقبة المفتاح ستؤدي إلى تغيير حالته، مما ينبِّه المرسِل والمستقبِل إلى حدوث خرقٍ أمني.

لكنّ هناك حدوداً لاستخدام تقنية توزيع المفاتيح الكمومية؛ حيث تتطلب إرسال الفوتونات الحاملة للمعلومات على مدى مسافاتٍ طويلة للغاية (عشرات إلى مئات الكيلومترات). وتتمثل أفضل طريقةٍ لتحقيق ذلك حالياً في إقامة شبكة ألياف ضوئية، وهي عمليةٌ مُكلفة وتستهلك الكثير من الوقت.

كما أنها غير مضمونة النتائج؛ حيث تتشتت الإشارات في نهاية المطاف وتضعف عبر الامتدادات الطويلة للألياف الضوئية، لذا ينبغي إنشاء عقدٍ شبكية تقوم بتقوية الإشارات وإعادة إرسالها بشكلٍ مستمر. كما أن هذه الشبكات هي من نوع نقطةٍ لنقطة (أي على عكس اتصالات البث العام)، مما يعني أنها تسمح بالتواصل بين جهتين فقط في الوقت نفسه. 

ورغم ذلك، تسعى الصين إلى تكريس جهودها على شبكات QKD. وقد قامت بالفعل ببناء وصلةٍ أرضية بطول 2032 كيلومتراً بين مدينتي بكين وشنغهاي بهدف إيصال المفاتيح الكمومية. كما نجحت في إجراء تجربةٍ عملية ناجحة لطريقة QKD بين فيينا وبكين، اللتين تفصل بينهما مسافة 7564 كيلومتراً، باستخدام القمر الصناعي الصيني ميسيوس.

كما أن أوروبا تخطو خطواتٍ قوية في هذا المجال؛ حيث تدعو مبادرة أوبن كيو كيه دي OPENQKD التابعة للاتحاد الأوروبي إلى استخدام نظامٍ مركب من الألياف الضوئية والأقمار الاصطناعية من أجل إنشاء شبكة اتصالاتٍ كمومية آمنة تغطي 13 بلداً. ويقول بريسكو إن الولايات المتحدة متأخرةٌ كثيراً في هذا المجال، ويُلقي باللائمة في ذلك على الافتقار للتحفيز والإلحاح؛ فأفضل ما تملكه الولايات المتحدة الآن هو كابل أليافٍ ضوئية طوله 800 كيلومتر ويمتد على طول الساحل الشرقي للبلاد. وقد وقعت شركة Quantum Xchange صفقةً لاستخدام هذا الكابل لإنشاء شبكة QKD بهدف تأمين نقل البيانات لصالح العملاء (وأبرزهم الشركات المالية التي تتخذ من محيط مدينة نيويورك مقراً لها).

ومع تعامل أوروبا والصين مع تقنية QKD بجدية، يريد بريسكو أن تلحق الولايات المتحدة سريعاً بالركب، حيث قال: "إنه يشبه سباق الفضاء إلى حدٍّ كبير، ولا يسعنا تحمُّل أن يسبقنا الآخرون في هذا المجال".

المحتوى محمي