في إحدى الحلقات التي عُرضت مؤخراً من برنامج 60 دقيقة الأميركي، صدر عن عالم الوراثة جورج تشرش تعليقٌ عابر حول تطبيق للتعارف يعتمد على الجينات، الذي كان مختبره يعمل على تطويره، قائلاً بأنه قد يقضي على الأمراض الموروثة.
كانت ردود فعل وسائل الإعلام التقليدية والاجتماعية فوريةً وسلبيةً في الغالب؛ إذ شعر بالإهانة الأشخاص الصمّ والمتحوّلون وبعض العلماء كذلك. إنه تحسين للنسل!
لم تقدّم أي من هذه الأخبار المثيرة للغضب أي تفاصيل حول التطبيق، ولكن لدينا الآن تفاصيل حصرية عن شركة التعارف الجديدة القائمة على الحمض النووي التي انبثقت من مختبر تشرش.
تم تأسيس هذه الشركة الناشئة التي تسمى ديجيد إيت Digid8 في شهر سبتمبر من قِبل بارجهافي جوفينداراجان، التي تصف نفسها بأنها "معلّمة ومبتكِرة ومتخصصة بالتكنولوجيا تلقّت تدريبها في جامعة هارفارد"، ويقول عنها تشرش إنها من المؤسسين الذين شاركوه تأسيس المشروع.
تمت تسمية الشركة بهذا الاسم تيمّناً بالمصطلح العامّي D8 الذي يشير إلى المواعدة والتعارف عبر الإنترنت، وستسعى الشركة إلى القيام بما يسميه تشرش "التعارف القائم على كامل الجينوم".
تتمثل الفكرة في مقارنة الحمض النووي للتأكد من أن الأشخاص الذين يحملون طفرة جينية -مثل الطفرات التي تؤدي إلى الإصابة بمرض تاي ساكس أو التليّف الكيسي- لن يجتمعوا أبداً أو يقعوا في الحب أو ينجبوا أطفالًا.
مع مثل هذه الحالات المتنحية التي يوجد الآلاف منها، يُصاب الأطفال بالمرض إذا ورثوا اثنين من الجينات التي تحمل الخطر، أي جيناً واحداً من كل والد. ويكون احتمال ذلك عادة 25%.
يقول تشرش -الذي ينجذب مختبره نحو المشاريع المثيرة للغضب- إن شركة ديجيد إيت Digid8 تعمل على تطوير تطبيق للتوافق الجيني يمكن تشغيله دون أن يثير الانتباه في مواقع التعارف الحالية، "مثل GPS" لمنع هؤلاء الأشخاص من الالتقاء عبر هذه الخدمات.
ولا يزال إجراء تسلسل للجينوم يكلف حوالي 750 دولاراً، لكن التكاليف تنخفض، ويعتقد تشرش أن التكلفة يمكن دمجها في سعر الاشتراك بمواقع التعارف، التي يمكن أن تصل إلى حوالي 50 دولاراً في الشهر.
يقول هذا الأستاذ بجامعة هارفارد إنه يموّل تلك الشركة الناشئة مع بعض المستثمرين الذين لا يريد ذكر أسمائهم. وفي برنامج 60 دقيقة، ادّعى تشرش بأن الشركة يمكنها أن تكون وسيلة رخيصة التكلفة للقضاء على آلاف الأمراض التي تكلف "حوالي تريليون دولار في السنة في كافة أنحاء العالم".
وقد تلقّى مختبر تشرش تمويلاً بحثياً من جيفري إبستاين المدان بارتكاب جرائم جنسية؛ لذلك فإن التوقيت ليس مناسباً له للدخول في مجال المواعدة. ولم يقم هذا الارتباط سوى بزيادة ردود الأفعال الغاضبة التي عقبت ظهوره في برنامج 60 دقيقة.
ويقول تشرش إنه لم يكن يتوقع أن يقوم برنامج 60 دقيقة ببث تعليقاته حول تطبيق التعارف، وقام مؤخراً بنشر منشور مكتوب على عجل حول الأسئلة الشائعة المتكررة في محاولة لشرح آرائه. وقال إن نقاد جذب الانتباه لم يستغرقوا وقتاً في "التفكير ملياً بمشكلة معقدة".
ووفقاً للأسئلة الشائعة المتكررة، سيظل الشخص الذي يقوم بالتعارف متوافقاً مع 95% من الأشخاص الآخرين. وقال إن التطبيق لن يقدم أي بيانات صحية للناس، ولن يقوم بشيء سوى استخدام جيناتهم لاستبعاد التوافقات التي تنطوي على المخاطر.
فهل تعتبر شركة ديجيد إيت Digid8 مندرجة تحت مجال تحسين النسل؟ نعم ولا؛ حيث يشير مصطلح تحسين النسل عادة إلى فرض التعقيم أو التكاثر أو إبادة الناس من قبل الدولة. ولكن نعم، يحاول المنتج منع ولادة أشخاص مصابين بأمراض خطيرة. ولا يعدّ جميع الأشخاص معجبين بهذه الفكرة. فوفقاً لموقع فايس نيوز Vice News، يعتبر الأمر تطوراً "مروّعاً" يهاجم الأشخاص المهمشين.
وفي الواقع، يحاول الطب بالفعل تجنّب مثل هذه الحالات؛ إذ يعدّ الاختبار الجيني "قبل الحمل" شائعاً بين الأزواج الذين يخططون لإنجاب أطفال، ويتم أحياناً اختبار أجنة التلقيح الاصطناعي واختيارها على أساس جيناتها. ويختار بعض الآباء المحتملين القيام بالإجهاض بعد الحصول على نتيجة سلبية للاختبار.
يقول تشرش: "إذا قمت بذلك بعد أن تقع في الحب فعلاً، فسيكون ذلك خبراً سيئاً في الغالب في تلك المرحلة، وسوف يصاب ربعُ الأطفال بالمرض. وإذا كنت تستطيع العودة بالزمن إلى ما قبل الوقوع في الحب، فستتلقى رسالة أكثر إيجابية بكثير".
هذه الشركة الناشئة (التي يتمثل شعارها في أن "العلم هو مرافقك للتعارف") لا تزال في مرحلة التكوين، ولا يحتوي موقعها الالكتروني إلا على صفحة تدعو للزيارة في وقت لاحق، ولا يوجد بها سوى موظفة وحيدة، هي جوفينداراجان، وفقاً لموقع لينكد إن.
وقال تشرش إن جوفينداراجان -التي حاولت في السابق تأسيس عدد من الشركات الناشئة- لم ترغب في إجراء مقابلة، ولكن وفقاً لإعلان توظيف على الموقع، فإن الشركة "تعيد التفكير في تقنيات التعارف والتوافق من أجل الطلاب وكذلك الأشخاص المتخصصين المشغولين" وهي "حريصة على التسخير الإيجابي للعوامل التي يمكن التنبؤ بها، والتي يمكن أن تعرقل حياتنا على المدى الطويل".
ويقول تشرش إنه تبنّى منذ فترة طويلة فكرة استخدام الجينات للوقاية من الأمراض. ومن بين عوامل إلهامه كانت إحدى المجموعات في بروكلين، التي تسمى دور يشوريم Dor Yeshorim وتقوم بإجراء اختبارات للمراهقين في المجتمعات الأرثوذكسية، ثم استخدام تلك المعلومات للمساعدة في ترتيب الزيجات. ونتيجة لذلك، انخفضت معدلات الإصابة بمرض تاي ساكس، وهو اضطراب تنكسي عصبي قاتل يحدث بشكل أكثر شيوعاً بين بعض الجماعات اليهودية.
ويقول تشرش إن تطبيق التعارف سيقوم بكل ذلك بشكل آلي وتلقائي ويقدّمه للجميع، لكنه يقول إنه لا ينطوي على الكثير من التقنيات الجديدة. ويضيف: "كل القطع جاهزة، ونحن لا نقوم إلا بالجمع بين تسلسل كامل الجينوم والتشفير بواسطة برنامج للتوافق الجيني".
ويمكن للتطبيق الآلي توسيع قائمة الأمراض التي يتم اختبارها بشكل كبير؛ إذ يمكن أن تكشف الاختبارات الحالية السابقة للحمل عن العشرات من الجينات التي تنطوي على المخاطر، ولكن شركة ديجيد إيت Digid8 يمكن أن توسع تلك القائمة لتشمل المئات.
ولكن من الناحية النظرية، فإن التعارف القائم على الحمض النووي سيسمح بالعديد من التطبيقات التي يمكن أن ينظر إليها البعض على أنها مقلقة.
على سبيل المثال، يحاول الناس في بعض الثقافات الزواجَ فقط من بعض الطوائف أو العشائر أو القبائل. ويزعم إعلان توظيف تم نشره على موقع الشركة بأنها تسعى إلى استهداف سوق "غير مستغل" من خلال إنشاء خدمة تعارف تستخدم العلم لتقييم مثل هذا "التوافق الخطي"، في إشارة واضحة إلى ممارسات الفصل الذاتي الجماعي التي تحدث في منطقة الخليج والهند.
وقد أخبرنا تشرش أن المنشور كان على خطأ وأنه طلب تغييره من شريكته في التأسيس. وقال إن التطبيق لن يقدم أو يستخدم أي معلومات عن الأجداد لتسهيل هذه الأنواع من التوافقات، ويقول: "لا يعدّ ذلك جزءاً من الأمر، فهو قطعاً ليس نموذج العمل الخاص بنا".
ويبرز سؤال صعب آخر حول ما يجب فعله حيال الأشخاص الذين يحملون الجينات المرضيّة السائدة، مثل الجينات الخاصة بداء هنتنغتون؛ إذ إنه من شبه المؤكد أن الأشخاص الحاملين لهذه الطفرات سيصابون بالمرض بأنفسهم، وسيكون احتمال إصابة أطفالهم به يبلغ 50%، بغض النظر عن الجينات التي يحملها شريكهم.
قد تكون هذه المعلومات مفيدة بالتأكيد؛ فقد لا يرغب بعض الأشخاص بمواعدة شخص سيصاب بداء هنتنغتون. لكن تشرش يقول إن التطبيق لن يمنع التعارف مع الأشخاص الذين يحملون جينات الأمراض السائدة. ويضيف: "نحن نقول ذلك مقدماً. إذا كانوا مثيرين للاهتمام وسليمين بما يكفي للمواعدة، فهذا لا يهم".
هل الأمر كذلك؟ ألم تكن الفكرة متمثلة بتجنب ولادة الأطفال المرضى؟ لا يبدو موقف علماء الوراثة متسقاً بشكل خاص، ولكن هذا الأمر سيكون عبارة عن تحسين للنسل فعلاً إذا حاول التطبيق منع فئة كاملة من الأشخاص من المواعدة.