تعرّف على الدكتورة هدى الزغبي وأهم ما توصّلت إليه في طب الأعصاب الوراثي

3 دقائق

في عام 1976، بدأت الدكتورة هدى الزغبي دراسة الطب في الجامعة الأميركية ببيروت، في موطنها الأصلي لبنان. ومع انقضاء نصف العام الدراسي، اندلعت الحرب الأهلية في لبنان، وكانت "القذائف تتساقط في كافة أرجاء الحرم الجامعي"، كما تقول العالِمة المتخصّصة في طب الأعصاب في مقابلة منشورة على موقع ذا ساينتست The Scientist عام 2018. نتيجة لذلك، لم تعُد قادرة على قطع المسافة من منزلها إلى الكلّية، وقررت هي وطلاب دفعتها الآخرون والأساتذة بأن يقيموا في الحرم الجامعي، في طوابق تحت الأرض في الغالب، لحين الانتهاء من السنة الدراسية.

وفي وقت لاحق، أصيب أخوها الأصغر بشظية أثناء عودته من المنزل، وقرر والداها إرسالها هي وأخويها إلى الولايات المتحدة، حيث كانت أختهم الكبيرة تعمل أستاذة جامعية في الفلسفة. وعلى الرغم من أن سفرها كان من المفترض أن يكون مؤقتاً، ومن قلقها الشديد على أهلها في لبنان، إلا أنها كانت عازمة على متابعة تعليمها الجامعي، وتمكّنت من الحصول على قبول في كلية ميهاري الطبية في مدينة ناشفيل بولاية تينيسي، التي سمحت لها بالانضمام إليها رغم مرور بعض الوقت على بداية العام الدراسي.

تفوّقت الزغبي في دراستها الجامعية، وانتقلت بعد تخرّجها إلى مدينة هيوستن بولاية تكساس، حيث بدأت بالتخصّص في طب الأطفال بكلية بايلور الطبية عام 1979. كانت الزغبي مهتمة بطب القلب وتنوي التخصّص فيه، ولكن رئيس قسم الأعصاب في الكلّية أقنعها بأن الدماغ أكثر إثارة للاهتمام من القلب، وغيّرت رأيها لتبدأ بالزمالة في طب الأعصاب عند الأطفال عام 1982. وتقول في مقالة موقع ذا ساينتست: "كنت أفكر في مدى روعة الدماغ وكيف يمكننا -بصفتنا أطباء- أن نعتمد على المنطق لمعرفة جزء الدماغ المسؤول عن المشكلة وظهور الأعراض".

ومنذ ذلك الحين، عملت الزغبي -التي وُلدت في بيروت عام 1954- على اكتشاف الآليات الجزيئية للتطوّر العصبي الطبيعي وللتنكّس العصبي من خلال دراسة الأمراض العصبية النادرة، بما فيها متلازمة ريت والاختلاج الحركي الشوكي المخيخي.

من العمل الطبي إلى الأبحاث

خلال عملها، كان يؤلمها أن الطب لا يمكنه سوى تخفيف الأعراض التي يعاني منها الكثير من الأطفال المصابين بأمراض واضطرابات عصبية لا علاج لها، إلى أن استرعى انتباهها طفلة مصابة بمتلازمة ريت، وهي اضطراب نادر يؤدي إلى عجز شديد في التعلم والحركة، وعدم القدرة على الكلام، وحدوث الاختلاجات، وبعض السلوكيات المماثلة للتوحّد، وهز اليد بقوة بشكل متكرر. لم يكن هناك أي ذكر لهذه المتلازمة في الأبحاث العلمية في الولايات المتحدة، لذا قررت الزغبي العثور على أشخاص آخرين يعانون من المرض. ققامت بدراسة 6 فتيات مريضات كي تفهم السبب المرَضي لهذا الاضطراب، ووجدت انخفاضاً في النواتج الاستقلابية للناقلات العصبية الرئيسية، وخصوصاً النورإبينفرين والدوبامين.

ساهمت هذه النتائج والأعمال التي قامت بها الزغبي خلال السنوات التي تلت ذلك في جعل كلية بايلور إحدى الوجهات الرئيسية لعلاج متلازمة ريت. أرادت الزغبي إجراء المزيد من الأبحاث حول هذه المتلازمة التي غالباً ما تؤثر على الفتيات، ولكنها لم تكن تملك خبرة مختبرية، وقررت متابعة الدكتوراه في مختبر آرثر بوديت في كلية بايلور أيضاً، الذي كان قد درس اضطرابات الاستقلاب الوراثية.

قدّمت الزغبي مقترحاً للمعاهد الوطنية للصحة للحصول على منحة لتمويل أبحاثها، وقالت في حديثها إلى موقع ذا ساينتست: "كتبتُ مقترحاً قبل أن يكون لدي أي دراسات منشورة، وحينها لم يكن لدي أي فكرة عن كيفية العمل في المختبر، ولكن كان لدي إصرار، ومشرف جيد، ومسألة علمية. تمكنتُ من الحصول على تمويل لمدة 5 سنوات، وقلتُ في نفسي إنني سأهبُ هذه السنوات الخمسة للعلم، ولن أتراجع قبل ذلك".

خلال ذلك الوقت، أتمت الزغبي بعض الدورات العلمية كي تتعلم البيولوجيا الجزيئية وحتى تتمكّن من العمل على الخرائط الجينية. 

نجاحها في حل لغز متلازمة ريت

بعد 3 سنوات، تمكّنت الزغبي أخيراً من إحراز تقدّم، وحدّدت بشكل تقريبي موقع الاختلاج الحركي الشوكي المخيخي عند الإنسان في منطقة من الكروموسوم 6. وبعد سنوات من العمل، تمكّنت الزغبي وزملاؤها عام 1999 من التحديد الدقيق لجين MECP2، الذي كان يحمل طفرة عند المصابين بمتلازمة ريت. وأظهرت نتائجهم أن المتلازمة كانت عبارة عن اضطراب سائد مرتبط بالكروموسوم X، أي أن حمل نسخة واحدة طافرة من جين MECP2 يعدّ كافياً للإصابة بالمرض. وفي الآونة الأخيرة، قام مختبر الزغبي بالتعاون مع إحدى شركات التكنولوجيا الحيوية وتطوير علاج محتمل للمشكلة التي تحدث في الجين، ويتم حالياً اختباره عند الحيوانات.

حصلت الزغبي على الكثير من الجوائز والتكريمات، من بينها الجائزة التي حصلت عليها عام 2017 وتُعرف باسم: جائرة بريك ثرو Breakthrough Prize، التي يتم منحها سنوياً في الولايات المتحدة لأهم العلماء على أبحاثهم في مجالات الفيزياء وعلوم الحياة والرياضيات، وتوصف أيضاً بأنها أوسكار العلوم لكونها إحدى أهم الجوائز العلمية العالمية، فضلاً عن جائزة فيلشك Vilcek Prize في العلوم الطبية الحيوية عام 2009، وجائزة شو The Shaw Prize عام 2016، وجائزة كندا جيردنر الدولية Canada Gairdner International Award عام 2017.

وعلى الرغم من نجاحها الآن، إلا أن الزغبي لم تكن واثقة من النجاح عندما بدأت مشوارها، ولكنها كانت تملك الكثير من العزيمة والإصرار. وتقول في مقالة موقع ذا ساينتست عام 2018: "لا أعتقد أن عدم ثقتي كان أمراً فريداً من نوعه، ومن المهم على العلماء الشباب أن يدركوا ذلك". وقالت الزغبي إن ما ساعدها على مواجهة الحياة بشكل أكثر إيجابيةً كان حياتها الخاصة خارج مجال عملها وعائلتها التي تتألف من زوجها ويليام الزغبي وابنها وابنتها، وباقي أفراد أسرتها في لبنان، بلدها الذي تزوره مع عائلتها باستمرار.

المحتوى محمي