كيف تعيد خوارزميات الذكاء الاصطناعي تشكيل الشمول المالي في المنطقة العربية باستخدام البيانات؟

6 دقيقة
كيف تعيد خوارزميات الذكاء الاصطناعي تشكيل الشمول المالي في المنطقة العربية باستخدام البيانات؟
حقوق الصورة: envato.com/Alidrian

- هل رفض طلب قرضك الأول لسبب بسيط: "ليس لديك سجل ائتماني"؟ هذه المعضلة تواجه الملايين في المنطقة العربية. لكن التكنولوجيا تغير هذا الواقع؛ فثورة "التقييم الائتماني البديل" المدعومة بالذكاء الاصطناعي تعيد تعريف الجدارة الائتمانية، محولة السلوك المالي اليومي إلى قوة ائتما…

هل مررت يوماً بتجربة كهذه: تعمل بجد، وتسدد فواتيرك في الوقت المحدد، وتبني حياة مستقرة. ومع مرور الوقت طرأت لك فكرة إنشاء مشروع، أو تحتاج إلى توسيع منزلك، أو ترغب في الاستثمار في تعليمك. ولكن تحتاج إلى قرض بنكي من أجل ذلك!

تذهب الى البنك وأنت واثق من نفسك، متوقعاً الموافقة، ولكن بعد دقائق، يبلغك الموظف بخبر محبط: "معذرة، لا يمكننا مساعدتك". السبب؟ ليس لديك سجل ائتماني.

بالنسبة لملايين الأشخاص في المنطقة العربية يعد هذا الموقف مألوفاً، إذ وفقاً للجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا يوجد نحو 64% من البالغين في 22 دولة عربية دون حساب مصرفي أو غير متعاملين مع البنوك، وحتى بالنسبة لمن يملكون حسابات مصرفية فإن معظمهم يواجهون عائقاً أكثر إحباطاً: فهم غير مرئيين للمقرضين التقليديين.

لكن هذا الوضع في طريقه للتغير مع تقدم التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، إذ تجرى حالياً ثورة هادئة في المنطقة العربية في انتشار نهج جديد لتحديد من يستحق القرض، يطلق عليه اسم "التقييم الائتماني البديل" الذي من المتوقع أن يعيد تعريف مفهوم الجدارة الائتمانية بشكل جذري.

ما هو تقييم الجدارة الائتماني البديل؟

تقييم الجدارة الائتمانية البديل ويسمى أيضاً "التصنيف الائتماني البديل" هو طريقة لتقييم قدرة الشخص على سداد القرض باستخدام بيانات لا علاقة لها بالدرجات الائتمانية التقليدية. فبدلاً من سؤال: "ما هو تاريخك الائتماني؟"، يسأل المقرضون الآن: "ما الذي يخبرنا به سلوكك المالي؟".

إليك الفرق الجوهري: يعتمد التقييم الائتماني التقليدي على مجموعة محدودة من السجلات المالية السابقة، وتحديداً القروض السابقة، ومدفوعات بطاقات الائتمان، ووثائق الدخل الرسمية. إذا لم تتوفر لديك هذه المعلومات فلن يكون لديك تقييم ائتماني.

يغير التقييم الائتماني البديل هذا النهج تماماً. فبدلاً من انتظار سنوات من العلاقات الائتمانية الرسمية لإثبات جدارتك، تنظر نماذج التقييم الائتماني البديل إلى سلوكك المالي الفعلي في حياتك اليومية، عبر فحص مدى انتظامك في سداد فواتير الخدمات، وكفاءة إدارة رصيد هاتفك المحمول، ومدى التزامك بدفع الإيجار في المواعيد المحددة، وحتى أنماط نشاطك المالي الرقمي.

كل ذلك بواسطة خوارزميات التعلم الآلي المدربة على رصد الأنماط في مجموعات بيانات ضخمة، حيث تتعلم هذه الخوارزميات السلوك الذي ينبئ بالسداد والذي لا ينبئ به وتحليله لتكوين صورة شاملة عن مسؤوليتك المالية، أحياناً في غضون دقائق بدلاً من أسابيع من المراجعة اليدوية.

اقرأ أيضاً: 84% من المدفوعات في دول الخليج رقمية: كيف أصبحت البنوك التقليدية أمام منافسة جديدة غير متوقعة؟

تنظر هذه الأنظمة في بيانات غير تقليدية لتقييم المخاطر الائتمانية للأفراد والشركات مثل:

  • سجل سداد المصاريف الأساسية: هل تدفع إيجارك وفواتير الخدمات العامة أو فواتير هاتفك المحمول في الوقت المحدد؟
  • معاملات البنوك والمحافظ الإلكترونية: ما مدى استقرار دخلك ونفقاتك؟ هل تدخر المال؟
  • سلوكك في التسوق الإلكتروني: كيف تتسوق أو تستخدم الخدمات عبر الإنترنت؟ يمكن لبعض النماذج تحليل مشترياتك بحثاً عن مؤشرات على سلوك مالي مستقر.
  • الخدمات المالية البديلة: يمكن أيضاً تتبع استخدام قروض يوم الدفع، أو خطط الشراء الآن والدفع لاحقاً، أو القروض الصغيرة (أحياناً من شركات الاتصالات أو خدمات التكنولوجيا المالية).

من خلال توسيع نطاق البحث، تتيح أنظمة تقييم الائتمان البديلة للمقرضين رؤية أشمل لوضعك المالي. فهي تشبه سرد قصة مالية أكثر تفصيلاً يمكن اختصارها في: "ليس لدي بطاقات ائتمان، ولكن انظروا، لقد دفعت إيجاري وفواتير الكهرباء في موعدها المحدد ثلاث سنوات سابقة!".

إن الفكرة الأساسية وراء نظام التقييم الائتماني البديل هي أن الجدارة الائتمانية ليست شيئاً يكتسب بموافقة البنوك، بل هي شيء يثبت من خلال السلوك اليومي. فالشخص الذي لم يسبق له الاقتراض من بنك، ولكنه يسدد فواتيره بانتظام ويدير أمواله بحكمة، ويفي بالتزاماته، هو شخص جدير بالثقة ومؤهل للحصول على قرض بنكي.

اقرأ أيضاً: ما بعد كوفيد-19: كيف يبدو مستقبل التكنولوجيا المالية؟

كيف يمكن للبيانات غير التقليدية أن تساعدك فعلياً في الحصول على قرض؟

البيانات البديلة عبر نماذج تقييم الائتمان البديلة ليست مجرد فكرة نظرية، بل هي مطبقة بالفعل في العديد من الدول العربية الآن. على سبيل المثال، طورت شركة إم إن تي-حالاً المصرية نموذجاً ائتمانياً مدعوماً بالذكاء الاصطناعي يستخدم هذا النوع من البيانات تحديداً.

إذ تقدم الشركة تطبيقاً شاملاً للدفع والتسوق والادخار. في كل مرة يشتري فيها المستخدم مواد غذائية أو يدفع فاتورة خدمات، تحلل الخوارزميات وتغذيها بهذه البيانات، والنتيجة؟ تمكن النموذج من الموافقة تلقائياً على أكثر من 50% من القروض، وبشكل ملحوظ حقق نسبة موافقة بلغت 60% للأشخاص الذين كانوا يعتبرون سابقاً "غير مؤهلين" للحصول على قروض بالطرق التقليدية.

في السعودية، أبرم المكتب السعودي للمعلومات الائتمانية (سيما) شراكة مع شركة فيكو لتطوير نظام تقييم ائتماني جديد يدمج مصادر بيانات بديلة، لا سيما فواتير الخدمات العامة والاتصالات. وبموجبه أصبح بإمكان المقرضين فجأة رؤية المسؤولية المالية لملايين المقترضين. مثل: رواد الأعمال والعاملين لحسابهم الخاص والمتقاعدين، وأي شخص لا يملك عقد عمل رسمياً من الذين كانوا غير مرئيين سابقاً. 

في الإمارات، اعتمدت شركة كيبر العاملة في مجال حلول التأجير الفوري والدفع الشهري على مصدر بيانات جديدة كلياً وهي مدفوعات الإيجار، فمن خلال تسجيل الدفعات الشهرية الرقمية للإيجار ينشئ نظام الشركة سجلاً دائماً لسلوكيات سداد الإيجار للمستخدمين، ما قد يسهم لاحقاً في حصولهم على قرض لشراء المنزل نفسه.

في الأردن، يجسد صندوق التمويل الأصغر للمرأة كيف يمكن تكييف نظام التمويل التعاوني لخدمة الفئات المحرومة. حيث يدير البرنامج 60 فرعاً في أنحاء البلاد كافة، ويخدم نحو 140 ألف مقترض، 95% منهم من النساء.

ما تكشفه هذه الأمثلة، هو أنه في أنحاء المنطقة العربية كافة، يتضح النمط جلياً: إن التقييم الائتماني البديل ليس مجرد تطوير تكنولوجي، بل هو توسيع جذري لنطاق من يمكنهم الحصول على الائتمان، من خلال إمكانية تقييم الفئات السكانية التي تطلب قرضاً لأول مرة بدقة باستخدام البيانات البديلة.

اقرأ أيضاً: قوة التكنولوجيا: السر وراء صعود شركات التكنولوجيا المالية

خطوات عملية يمكنك اتخاذها للحصول على أول قرض حتى إذا لم تمتلك سجلاً ائتمانياً

للتغلب على تحدي "لا ائتمان، لا قرض"، ينبغي لك تجميع أدلة قوية على مسؤوليتك المالية اليومية التي تستخدمها جهات الإقراض البديلة بديلاً للسجل الائتماني التقليدي، من ضمنها:

1. وثق مدفوعات الإيجار والفواتير

إذا كنت تستأجر، اطلب من مالك العقار أو خدمة تقارير الإيجار تسجيل دفعاتك. إذا لم يكن ذلك متاحاً، فاحتفظ بالإيصالات والسجلات كلها لمدفوعات الإيجار، وفواتير الهاتف، والخدمات العامة (الكهرباء والماء).

الهدف: إظهار السداد المنتظم والالتزام طويل الأجل يسهل على المقرض المراجعة اليدوية أو الآلية.

2. تتبع نفقاتك وصنفها بدقة

 استخدم تطبيقات الخدمات المصرفية أو تطبيقات الميزانية لتسجيل مدفوعات المرافق والهاتف والاشتراكات تلقائياً وتصنيفها.

الهدف: وجود سجلات واضحة للفواتير المنتظمة المدفوعة في الوقت المحدد هو دليل مقنع على انضباطك المالي.

3. كن مستعداً لمشاركة بيانات حسابك

مع تطبيق نظام الخدمات المصرفية المفتوحة، ستحتاج غالباً إلى منح المقرضين خيار ربط حسابك المصرفي أو محفظة الدفع مباشرة.

الهدف: تسمح هذه المشاركة للمقرضين بتحليل سلوكك المالي مباشرة للحصول على عروض القروض.

4. استخدم عمليات الدفع الرقمي بمسؤولية

التزم بالقنوات الرسمية مثل: بطاقات البنوك والمحافظ الرقمية للدفع بدلاً من الكاش. سدد أي أقساط أو عروض "اشترِ الآن وادفع لاحقاً" في موعدها المحدد.

الهدف: تسهم هذه الأنشطة في بناء "بصمة رقمية" إيجابية لسلوك مالي جيد.

5. ابحث عن خدمات مالية جديدة

اتبع مبادرات شركات التكنولوجيا المالية والبنوك المحلية. على سبيل المثال، تلك التي تسمح بالإبلاغ عن التحويلات المالية الدولية أو مدفوعات الاتصالات إلى ملفك الائتماني. سارع بالتسجيل في أي برامج تمويل مفتوح جديدة تظهر.

الهدف: زيادة نقاط البيانات الإيجابية في ملفك الائتماني البديل.

الفكرة الأساسية: تعامل مع هذه المدفوعات اليومية كـ "فحص ائتماني مصغر"، إذ إن وجود سجل السداد المنتظم والمنضبط مدة عامين على سبيل المثال يعد دليلاً قوياً على التزامك المالي، ويزيد احتمالية قبول طلبك من قبل المقرضين ووكالات تقييم الائتمان البديلة.

اقرأ أيضاً: كيف أصبحت الصين الرائدة في التكنولوجيا المالية؟ ولماذا يعجز الغرب عن اللحاق بها؟

ما هي المخاوف المتعلقة بالخصوصية والأخلاقيات؟ وكيف يجري التعامل معها؟

يثير استخدام البيانات غير التقليدية لتحديد الجدارة الائتمانية تساؤلات مهمة حول الخصوصية والأخلاقيات. فقد تتساءل: من له الحق في الاطلاع على فواتيري أو سجلات هاتفي أو عاداتي في الإنفاق؟ والقلق الأكبر هل سترفض الخوارزميات طلبي بسبب بياناتي الأكثر حساسية مثل الوضع العائلي أو الحالة الصحية؟

تدرك كل من الجهات التنظيمية والشركات المالية هذه المخاطر وتعمل على معالجتها من خلال إجراءات متعددة. على سبيل المثال، تؤكد شركات التكنولوجيا المالية والبنوك أن البيانات جميعها تجمع بموافقة صريحة من المستخدمين وتتوافق مع المعايير القانونية للخصوصية.

كما أوصى خبراء البنك الدولي الحكومات بوضع قائمة سوداء تحدد فئات البيانات المحظورة، ما يضمن أن خوارزميات الائتمان لا تغذى بمعلومات بالغة الحساسية، مثل البيانات الصحية أو البيومترية، منعاً للتمييز المحتمل.

علاوة على ذلك، بدأت السلطات المالية استخدام بيئات تجريبية وبرامج اختبارية لاختبار نماذج التقييم الجديدة بطريقة محكمة قبل التوسع بها. على سبيل المثال، تمتلك الهيئة التنظيمية في السعودية مختبرات ابتكار وبيئات تجريبية للخدمات المصرفية المفتوحة، حيث يمكن للشركات الناشئة تجربة حلول ائتمانية جديدة تحت الإشراف، ما يضمن دقة النماذج وعدالتها.

بالإضافة إلى ذلك، في العديد من الدول يواجه المقرضون الذين يسيئون استخدام البيانات مخاطر قانونية قد تصل الى إيقافهم تماماً، أو إمكانية أن يطعن العملاء في القرارات الائتمانية غير العادلة، ومع ذلك بصفتك مقترضاً، تقع عليك مسؤولية قراءة سياسة الخصوصية واتفاقية الاستخدام والتأكد من حصول أي جهة تتعامل معها على موافقتك الصريحة قبل استخدام بياناتك للحفاظ على خصوصيتك.

اقرأ أيضاً: كيف يمكن أن تسهم التقنية المالية في إدارة المخاطر في المؤسسات المالية؟

التقييم الائتماني البديل هو "فرصة أولى" وليس فرصة ثانية

يحدث ظهور نماذج التقييم الائتماني البديل تغييراً جذرياً للأفراد أصحاب التاريخ الائتماني المحدود أو المعدوم. وفي الوقت نفسه لا تعد هذه النماذج إنقاذاً للمقترضين المتعثرين، بل هي فرصة أولى للأفراد المسؤولين مالياً الذين لم يسبق لهم خوض غمار الحصول على قرض بنكي من قبل.

عملياً، يعني هذا أن شخصاً مثلك -ممن يسددون الإيجار والفواتير دائماً في الوقت المحدد- قد يكون مؤهلاً قريباً للحصول على قرض سكني أو قرض تجاري صغير، حتى لو لم تتعامل مع أي بنك من قبل، لذا إذا استعددت الآن بتوثيق مدفوعاتك والموافقة على مشاركة البيانات بشكل آمن، يمكنك بناء ملف ائتماني بديل يساعدك في الحصول على القرض الأول الذي كنت تنتظره طويلاً. 

المحتوى محمي