أصبح العمل عن بعد جزءاً أساسياً من الحياة المهنية لملايين البشر، سواء كان بشكل كامل من المنزل أو على شكل نظام عمل هجين بضعة أيام أسبوعياً. هذا التحول منح الموظفين مرونة أكبر، لكنه في الوقت نفسه فتح الباب أمام تحديات جديدة تتعلق بالأمن السيبراني. فمع انتقال بيئة العمل من المكاتب المجهزة بأنظمة حماية مركزية إلى منازل الموظفين أو حتى الأماكن العامة، ازدادت احتمالية التعرض لمخاطر مثل الاختراقات أو سرقة البيانات.
من هنا، بات من الضروري أن تضع الشركات سياسات واضحة لتقييم مدى التزام موظفيها بممارسات الأمن السيبراني. وفي هذه المقالة، نناقش أهم الجوانب التي يجب على الشركات تقييمها للتأكد من أن موظفيها العاملين عن بعد يعملون في بيئة آمنة تقلل المخاطر السيبرانية إلى الحد الأدنى. هذا التقييم يستند إلى توصيات اليوروبول Europol، وهي وكالة الشرطة الأوروبية المتخصصة في مكافحة الجريمة المنظمة والإرهاب والجرائم السيبرانية.
اقرأ أيضاً: أبرز أدوات الأمن السيبراني التي يجب أن يستخدمها كل موظف
1. تقييم استخدام الأجهزة والبرامج المصرح بها
يعد الالتزام باستخدام الأجهزة والبرامج المعتمدة من الشركة خطوة أساسية لضمان بقاء العمل ضمن بيئة محمية وآمنة. يجب على الشركة أن تتأكد من أن الموظفين يستخدمون الأجهزة والبرامج التي وفرتها لهم. وإذا كانت تسمح لهم باستخدام أجهزتهم الشخصية، فيجب التأكد من تحديث أنظمة التشغيل واستخدام برامج مكافحة فيروسات موثوقة، كما يجب التحقق من عدم استخدام أنظمة التشغيل والبرامج المقرصنة لأنها قد تحتوي على ثغرات أمنية أو برمجيات خبيثة، كما أن استخدامها يعد مخالفاً للقانون، ما يعرض الموظف والشركة لإجراءات قانونية مضادة.
2. تقييم كلمات المرور والمصادقة
يجب على الشركة أن تتحقق من التزام موظفيها باستخدام كلمات مرور قوية وفريدة، باعتبارها خط الدفاع الأول ضد التهديدات السيبرانية. يتضمن ذلك التأكد من أن الموظفين يستخدمون كلمات مرور معقدة ومختلفة لكل حساب أو خدمة، وعدم تدوينها أو مشاركتها مع الآخرين. كما ينبغي التأكد من اعتماد الموظفين على أدوات موثوقة لإدارة كلمات المرور إذا كانت الشركة تسمح بذلك، ومراقبة التزامهم بحماية شاشاتهم في أثناء إدخال البيانات السرية. بالإضافة إلى ذلك، يجب التأكد من أن الموظفين يستخدمون المصادقة الثنائية 2FA، التي تشكل طبقة حماية إضافية تمنع الوصول غير المصرح به حتى في حال اختراق كلمة المرور.
اقرأ أيضاً: ما هو الفرق بين كلمات المرور ومفاتيح المرور؟ وأيهما أفضل لأمانك؟
3. تقييم الاتصال الآمن
يجب على الشركة أن تتحقق من التزام موظفيها بالاتصال عبر شبكات آمنة في أثناء العمل عن بعد، يشمل ذلك التأكد من استخدام الموظفين شبكات واي فاي Wi-Fi موثوقة ومحمية بكلمة مرور قوية، واستخدام شبكة افتراضية خاصة VPN موثوقة عند الاتصال بالشبكات في الأماكن العامة.
4. تقييم حماية بيئة العمل
من مسؤوليات الشركة توعية الموظفين بضرورة الحفاظ على بيئة عمل آمنة في أثناء العمل من المنزل، لأن ذلك يقلل احتمالية اختراق البيانات أو تسريبها. يشمل هذا التأكد التزام الموظفين بعدم مشاركة أجهزة العمل مع الآخرين مثل أفراد العائلة أو الأصدقاء، وهي حال مشاركتها، يجب حماية بيانات العمل بكلمات مرور، والحرص على قفل الشاشة أو إيقاف تشغيل الجهاز عند تركه. كما ينبغي عدم وضع الشاشات في أماكن مكشوفة للنوافذ أو الكاميرات أو الأشخاص في الأماكن العامة، خاصة عند إدخال معلومات مهمة مثل كلمات المرور.
اقرأ أيضاً: ما هي مفاتيح الأمان المادية؟ وكيف تستخدمها؟
5. تقييم الإبلاغ عن الأنشطة المشبوهة
من المهم التحقق أن الموظفين يبلغون فوراً عن أي نشاط غير عادي أو مشبوه في أثناء العمل عن بعد، لأن سرعة الإبلاغ قد تمنع وقوع مشكلات أكبر وتحمي الشركة بأكملها. يشمل ذلك التأكد من أن الموظفين يبلغون فريق تكنولوجيا المعلومات أو الأمن السيبراني عند ملاحظة أشياء مثل النوافذ المنبثقة غير المعتادة أو بطء النظام أو محاولات الوصول غير المصرح بها. كما ينبغي تقييم وعي الموظفين بعدم محاولة التحقيق أو إصلاح المشكلة بأنفسهم إلا إذا طلب منهم ذلك، لضمان التعامل مع الحوادث وفق الإجراءات الرسمية المعتمدة.
6. تقييم اكتشاف الهندسة الاجتماعية والاحتيال
يجب توعية الموظفين بمخاطر الهندسة الاجتماعية والاحتيال، إذ غالباً ما يستهدف القراصنة ومجرمو الإنترنت العاملين عن بعد عن طريق رسائل التصيد الاحتيالي للحصول على معلومات حساسة. تشمل التوعية تعليم الموظفين كيفية تمييز رسائل البريد الإلكتروني أو المكالمات الاحتيالية والتعامل معها، خصوصاً تلك المرتبطة بالمعاملات المالية أو التي تبدو وكأنها صادرة عن جهات رسمية أو مسؤولين في الشركة. كما ينبغي توعيتهم بأهمية التحقق من أي طلب مشبوه عن طريق وسائل الاتصال الموثوقة، والامتناع عن النقر على الروابط أو فتح المرفقات التي ترد من مصادر غير معروفة.
اقرأ أيضاً: إليك كيفية تدريب موظفيك على تجنب التصيد الاحتيالي
7. تقييم الفصل بين العمل والاستخدام الشخصي
يجب تقييم مدى التزام الموظفين بالفصل بين الأنشطة العملية والشخصية، إذ إن الجمع بينهما على الجهاز نفسه أو الحساب يزيد المخاطر السيبرانية. يتضمن هذا التقييم التأكد من أن الموظفين لا يستخدمون أجهزة أو بريد العمل في أمور شخصية مثل التسوق أو الترفيه أو المراسلات الخاصة، وكذلك التزامهم بعدم إجراء أنشطة عمل عن طريق الحسابات أو الأجهزة الشخصية إلا بعد الحصول على موافقة رسمية. هذا الفصل يسهم في حماية المعلومات الحساسة ويعزز التنظيم.
المخاطر الأمنية والقانونية لعدم الالتزام
لا يقتصر عدم الالتزام بممارسات الأمن السيبراني في أثناء العمل على تعرض الشركة لمخاطر سيبرانية مثل الاختراق أو تسريب البيانات، بل يمتد ليشكل تهديداً قانونياً مباشراً للشركة. فالقوانين واللوائح المتعلقة بحماية البيانات، مثل اللائحة العامة لحماية البيانات في الاتحاد الأوروبي GDPR، تفرض على الشركات مسؤولية صارمة في حماية معلومات العملاء والموظفين. وأي تسريب أو إهمال قد يؤدي إلى غرامات مالية كبيرة أو فقدان تراخيص العمل أو حتى ملاحقات قضائية.
أما على مستوى الموظف، فإن تجاهل السياسات الأمنية أو استخدام أدوات غير مصرح بها قد يعتبر مخالفة تعاقدية أو إهمالاً وظيفياً، مع ما يترتب عليه من إجراءات تأديبية أو إنهاء الخدمة. وفي بعض الحالات، إذا تسبب ذلك في تسريب بيانات حساسة، يمكن تحميل الموظف مسؤولية قانونية شخصية.
بالتالي، الالتزام بهذه الممارسات ليس مجرد إجراء تقني لحماية الأجهزة والأنظمة، بل هو التزام قانوني وأخلاقي يحمي سمعة الشركة ويصون ثقة العملاء ويجنب الموظفين والشركة عواقب قد تكون مكلفة للغاية.