يظهر أحدث استبيان أجريناه حول استخدام الذكاء الاصطناعي ازدياد الاعتماد عليه في الشرق الأوسط، لكن لا تزال أمام الشركات فرص كبيرة لتعزيز اعتماد هذه التكنولوجيا، والتفوق على المنافسين وخلق القيمة.
هذا المقال هو ثمرة تعاون بين طارق ألاتوفيتش، وتوم إيشروود، وفيناي تشاندران، وبمشاركة كاران سوني وساهيبا سابهاروال، وسنا كليم، وهو يعكس رؤى من كوانتوم بلاك، قسم الذكاء الاصطناعي في ماكنزي.
تعمل دول مجلس التعاون الخليجي بجدٍ على وضع الأسس اللازمة لجعل الذكاء الاصطناعي ركيزة أساسية في المنطقة، إذ خصصت مليارات الدولارات لبناء بنى تحتية متطورة وإبرام شراكات تكنولوجية تدعم استخدامه. فعلى سبيل المثال، أعلنت مجموعة جي42 في أبوظبي، ذات الارتباط الاستراتيجي بالحكومة، سلسلة من الصفقات، وتقود مؤسسة هيومين السعودية إنشاء مراكز بيانات ضخمة للذكاء الاصطناعي، في حين تستثمر الحكومة القطرية في تطوير القدرات السحابية اللازمة لهذه التكنولوجيا. تعكس هذه الأنشطة على جانب العرض عزم المنطقة للتحول إلى مركز عالمي لبنية الذكاء الاصطناعي التحتية وخدماته. لكن يبقى السؤال: ماذا عن الطلب المحلي؟ هل تظهر مؤسسات الخليج العزيمة نفسها في اعتماد الذكاء الاصطناعي؟ وما هو مدى التقدم الذي حققته؟
للوهلة الأولى، تبدو المؤسسات في طريقها إلى تحقيق تقدم ملحوظ، ففي الاستبيان الذي أجريناه عام 2023 حول استخدام الذكاء الاصطناعي بدول مجلس التعاون الخليجي، أفاد 62% من المشاركين بأن مؤسساتهم قد تبنت الذكاء الاصطناعي بدرجة ما. واليوم، وبعد عامين فقط، ارتفعت هذه النسبة إلى 84% في أحدث استبياناتنا. لكن هذه الأرقام تخفي حقيقة مهمة وهي أن التقدم يتباين بين المؤسسات.
تطبق بعض المؤسسات في المنطقة الذكاء الاصطناعي على نطاق واسع جداً. فعلى سبيل المثال، استخدمت أرامكو السعودية بيانات تشغيلية تراكمت على مدى عقود لبناء نموذج ذكاء اصطناعي توليدي يضم 250 ملياراً من المعلمات، ما يساعدها على تحليل خطط الحفر والبيانات الجيولوجية، والمدد الزمنية التي استغرقتها عمليات الحفر في الماضي وتكاليفها. وفي عام 2024، وقعت قطر شراكة لمدة خمس سنوات مع الشركة الأميركية سكيل أيه آي، لتحفيز اعتماد الذكاء الاصطناعي على المستوى الحكومي وتحسين الخدمات. غير أن معظم المؤسسات لم تتجاوز بعد مرحلة التجارب، إذ أفاد 31% فقط من المشاركين في الاستبيان بأن مؤسساتهم حققت مستوى متقدماً من النضج في اعتماد الذكاء الاصطناعي يتيح لها التوسع في تطبيقه أو نشره بالكامل عبر أقسام المؤسسة كافة.
لا يزال تحقيق القيمة مهمة صعبة، إذ لم تتمكن مؤسسات كثيرة من إثبات جدوى استثماراتها في الذكاء الاصطناعي حتى الآن. فقد أفادت نسبة ضئيلة لا تتجاوز 11% من المشاركين بأن مؤسساتهم حققت قيمة؛ أي نجحت في اعتماد الذكاء الاصطناعي في قسم واحد على الأقل من أقسام الشركة، وتعمل على التوسع في استخدام هذه التكنولوجيا أو عممت استخدامها بالكامل، ويمكنها أن تعزو 5% على الأقل من أرباحها إلى تطبيقات الذكاء الاصطناعي. باختصار، لا يعكس الاستخدام المكثف للذكاء الاصطناعي بالضرورة مستوى النضج في اعتماده أو القدرة على تحقيق القيمة منه.
لا يزال تحقيق القيمة مهمة صعبة، إذ لم تتمكن مؤسسات كثيرة من إثبات جدوى استثماراتها في الذكاء الاصطناعي حتى الآن. فقد أفادت نسبة ضئيلة لا تتجاوز 11% من المشاركين بأن مؤسساتهم حققت قيمة؛ أي نجحت في اعتماد الذكاء الاصطناعي في قسم واحد على الأقل من أقسام الشركة، وتعمل على التوسع في استخدام هذه التكنولوجيا أو عممت استخدامها بالكامل، ويمكنها أن تعزو 5% على الأقل من أرباحها إلى تطبيقات الذكاء الاصطناعي. باختصار، لا يعكس الاستخدام المكثف للذكاء الاصطناعي بالضرورة مستوى النضج في اعتماده أو القدرة على تحقيق القيمة منه.
لا شك في أن القادة في منطقة الخليج يدعمون الذكاء الاصطناعي بقوة، فقد أفاد نحو ثلاثة أرباع المشاركين بأن كبار المسؤولين التنفيذيين في مؤسساتهم ملتزمون بالتوسع في استخدام هذه التكنولوجيا، وأكد عدد أكبر أن ميزانيات الذكاء الاصطناعي ستزداد على الأرجح خلال العام المقبل. لكن إرادة القادة وحدها قد لا تكفي، فالاستخدام الواسع النطاق الذي يحقق أثراً ملموساً في الأرباح يعتمد على 3 عناصر أساسية: استراتيجية ذكاء اصطناعي تقودها الشركات وتركز على خلق القيمة، وقدرات تنفيذية مثل البنية التكنولوجية والمواهب البشرية، وبرنامج إدارة تغيير يحفز اعتماد الذكاء الاصطناعي على نطاق واسع. واللافت أن المؤسسات التي حققت قيمة وفقاً للاستبيان، تتفوق على نظيراتها في هذه الجوانب تحديداً.
وتيرة التغيير سريعة، فقبل عام فقط كان التركيز منصباً على الذكاء الاصطناعي التوليدي، لكن العديد من المؤسسات تجرب اليوم وكلاء الذكاء الاصطناعي الذي يمثل نقلة نوعية في تطور الذكاء الاصطناعي المؤسسي. ومع استمرار تطور التكنولوجيا، سيكون بناء القدرات المناسبة وصياغة استراتيجيات فعالة لاعتماد الذكاء الاصطناعي عاملين حاسمين في اللحاق بركب الشركات الرائدة في استخدامه وخلق القيمة.
عن البحث
بالتعاون مع معهد مجالس الإدارة في دول مجلس التعاون الخليجي، أجرت ماكنزي دراسة استقصائية إلكترونية شملت 139 من كبار المسؤولين التنفيذيين وأعضاء مجالس الإدارة في مؤسسات المنطقة. هدفت الدراسة إلى تقييم درجة استخدام الذكاء الاصطناعي، والعوامل المحفزة لتطبيقه وأثره في الأداء. مثل المشاركون في الاستبيان دول المجلس الست كافة (البحرين والكويت وعُمان وقطر والسعودية والإمارات)، و5 قطاعات رئيسية شملت الصناعة والطاقة والبنية التحتية (بما فيها الصناعات المتقدمة والتصنيع المتقدم والبناء والطاقة والمواد والزراعة والعقارات)، والخدمات المالية (بما فيها المصارف والتأمين وصناديق الملكية الخاصة والمستثمرون الرئيسيون)، والخدمات الاستهلاكية والمهنية (بما فيها القطاع الاستهلاكي وقطاع التجزئة والخدمات الإدارية والمهنية)، والقطاعات الاجتماعية والصحية والتعليم (بما فيها التعليم والأدوية والقطاعين العام والاجتماعي)، والتكنولوجيا والإعلام والاتصالات (بما فيها القطاع الرقمي وقطاع السفر والخدمات اللوجستية والبنية التحتية)، كما أجرينا مقابلات مع 14 من كبار التنفيذيين لتعميق فهمنا لمحفزات اعتماد الذكاء الاصطناعي ومعوقاته.
أُجري هذا الاستبيان خلال الفترة من أغسطس/آب إلى سبتمبر/أيلول 2025. وقد سبق إجراء استبيانات مماثلة في عامي 2023 و2024، ما أتاح تقييماً قائماً على البيانات لتطور معدل استخدام الذكاء الاصطناعي في منطقة الخليج. مع ذلك، ركز استبيان 2024 على الذكاء الاصطناعي التوليدي حصرياً، وليس الذكاء الاصطناعي بمفهومه الأوسع، لذا فبعض البيانات غير قابلة للمقارنة. كما تتيح استبيانات عالمية منفصلة أجرتها ماكنزي إمكانية المقارنة ببقية أنحاء العالم.
تعتمد نتائج الاستبيان على إجابات المشاركين التي قد تتأثر بالتحيزات الشخصية، وفي حين أننا حرصنا على توضيح معاني الأسئلة وخيارات الإجابة فقد يفهمها كل مشارك بطريقة مختلفة عن غيره.
تشير نتائج استبيان "واقع الذكاء الاصطناعي" إلى أن معظم مؤسسات دول الخليج تستخدم هذه التكنولوجيا بالفعل، لكن قلة منها فقط نجحت في التوسع باستخدامها وتحقيق قيمة ملموسة، في حين لا تزال الغالبية العظمى في مرحلة التجارب الأولية.
معدل الاستخدام
في استبياننا لعام 2023، أفاد 62% من المشاركين بأن مؤسساتهم قد اعتمدت الذكاء الاصطناعي في قسم واحد من أقسام الشركة على الأقل. وقد ارتفعت هذه النسبة في أحدث استبيان لتبلغ 84%، أي أقل بأربع نقاط مئوية عن النسبة التي أبلغت عنها المؤسسات في الاستبيان العالمي لماكنزي (الشكل 1).
كما في السنوات السابقة، لا تزال مؤسسات الخليج تستخدم الذكاء الاصطناعي باستمرار في عمليات الخدمة وأقسام التسويق والمبيعات، إذ أضافت حالات استخدام محددة قيمة واضحة. غير أن القفزة الأكبر في استخدام الذكاء الاصطناعي خلال السنتين الماضيتين كانت في مجال تطوير المنتجات والخدمات، حيث تعيد المؤسسات تصميم مسارات عمليات التطوير ودورات الابتكار بالكامل من خلال تعزيز المنتجات الحالية بميزات جديدة، وابتكار منتجات جديدة قائمة على الذكاء الاصطناعي (الشكل 2).


من بين مؤسسات الخليج التي أبلغت عن استخدام الذكاء الاصطناعي في قسم واحد على الأقل، نجد أن 32 مؤسسة تعمل في قطاع الصناعة والطاقة والبنية التحتية، و22 مؤسسة في قطاع الخدمات المالية ومثلها في قطاع الخدمات الاستهلاكية والمهنية، و16 مؤسسة في قطاع التكنولوجيا والإعلام والاتصالات ومثلها في القطاع الاجتماعي والصحي والتعليمي. وعلى الرغم من اختلاف مستوى الاستخدام بين القطاعات، فإن هذا الانتشار يؤكد أن الذكاء الاصطناعي أصبح ركيزة أساسية في اقتصاد دول مجلس التعاون الخليجي.
يلاحظ أيضاً تزايد عدد المؤسسات التي تستخدم وكلاء الذكاء الاصطناعي، وهو تطبيق لتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي يعتقد على نطاق واسع أنه سيحدث تحولاً أكبر في بيئات العمل مقارنة بالذكاء الاصطناعي التوليدي، إذ يمثل نقلة نوعية في الإنتاجية والابتكار. تعمل هذه البرمجيات الوكيلة نيابة عن المستخدم أو النظام لأداء المهام، إذ يمكنها تنظيم سير العمل، وتنسيق الأنشطة بين عدة وكلاء، وتطبيق المنطق في حل المشكلات المعقدة، وتقييم الإجابات عن استفسارات المستخدم. في الجوهر، يمثل هذا التطبيق تحول الذكاء الاصطناعي من مجرد أداة معرفية تقدم المعلومات إلى أداة تنفيذية قادرة على اتخاذ الإجراءات، مع تحسن في دقة النتائج.
أفاد 60% من المشاركين في الاستبيان بأن مؤسساتهم تستخدم وكلاء الذكاء الاصطناعي بدرجة ما، وأكد أحد المشاركين في المقابلات أن "الاهتمام كبير جداً بنماذج وكلاء الذكاء الاصطناعي المتخصصة. فمع النماذج السابقة مثل جي بي تي 2 أو جي بي تي 3، كان يمكنك الحصول على مخرجات لكن دون الوثوق بها بالكامل، في حين تتميز بعض النماذج الحالية بدقة أعلى بكثير ويمكنها دعم تطبيقات أعمال حقيقية دون الحاجة إلى تدخل من البشر. علاوة على ذلك، يرتبط أداء وكلاء الذكاء الاصطناعي مباشرة بالأرباح، إذ يسهم في خفض تكاليف المبيعات والتكاليف العامة والإدارية، وتقصير دورات التطوير، ما يزيد جدواه الاقتصادية وجاذبيته للمؤسسات".
نطاق الاستخدام والقيمة المحققة
تظهر هذه الأرقام الإجمالية زخماً كبيراً، لكن تحليلاً أعمق يوضح أن التقدم في استخدام الذكاء الاصطناعي يتفاوت بين المؤسسات؛ في حين أن غالبيتها تستخدمه، فما زال أكثر من ثلثيها في مرحلة التجارب الأولية (الشكل 3). كما علق أحد المسؤولين التنفيذيين في الخليج بالقول: "لا يزال الذكاء الاصطناعي يقتصر لدى كثيرين على نماذج مثل تشات جي بي تي فقط، فمعرفتهم بالأدوات الأخرى وإمكاناتها سطحية، لذا لا يمكنني القول إن ثمة اعتماد واسع النطاق لهذه التكنولوجيا، بل إنه محدود".
علاوة على ذلك، على الرغم من أن المؤسسات كافة تستثمر في الذكاء الاصطناعي بدرجة ما، فقلة منها فقط استطاعت استخلاص قيمة حقيقية من هذه الاستثمارات. فوفقاً لنتائج الاستبيان، حققت 11% فقط من المؤسسات قيمة فعلية من استخدام هذه التكنولوجيا.
القدرات الضرورية للتوسع في اعتماد الذكاء الاصطناعي وتحقيق قيمة منه
تشير نتائج استبياننا إلى أن معظم المؤسسات قد وفقت بين استراتيجيتها واستراتيجية الذكاء الاصطناعي، وحظيت بدعم قوي من القيادة، لكن قلة قليلة منها امتلكت القدرات اللازمة لتحويل هذه النوايا الاستراتيجية إلى أثر ملموس.
يخطط 89% من المشاركين لزيادة ميزانيات الذكاء الاصطناعي في العام القادم، ومن ثم فقد أصبح من الضروري جداً معرفة كيفية استخدامه لتحقيق أثر ملموس على الأداء المالي.

يعد وضع خطة توجيهية استراتيجية نقطة انطلاق أساسية. غالباً ما يتولى قسم تكنولوجيا المعلومات في المؤسسة تحديد استراتيجية الذكاء الاصطناعي، لكن الأبحاث التي أجرتها ماكنزي تظهر أن تحقيق الاستراتيجية للقيمة المرجوة يتطلب أن يتولى كبار المسؤولين التنفيذيين مسؤوليتها لضمان اتساقها مع استراتيجية المؤسسة. بهذه الطريقة، تتحول مبادرات الذكاء الاصطناعي إلى برنامج استراتيجي متكامل لا مجرد جهود متفرقة.
تشير نتائج الاستبيان إلى أن معظم مؤسسات الخليج حققت مواءمة استراتيجية فعالة، لكن هذا يبقى محدود الأهمية إذا لم تكن المؤسسات قادرة على تحويل النوايا الاستراتيجية إلى أثر ملموس. تظهر الفروق الحقيقية في المجالات التي تتمتع فيها المؤسسات التي حققت قيمة بقوة ملحوظة مقارنة بغيرها: نموذج التشغيل والمواهب، والتكنولوجيا والبيانات، ومبادرات إدارة التغيير المحفزة لاعتماد الذكاء الاصطناعي على نطاق واسع. أجاب 13 مشاركاً من قادة المؤسسات التي حققت قيمة عن هذا السؤال، وأكد 11 مشاركاً منهم تميز مؤسساتهم في هذه المجالات الثلاثة معاً، في حين لم يتمكن نصف المشاركين الآخرين من تأكيد تميز مؤسساتهم فيها. (الشكل 4).

المواهب ونموذج التشغيل
وظفت مؤسسات دول مجلس التعاون الخليجي التي شملتها دراستنا كلها تقريباً مواهب في مجال الذكاء الاصطناعي خلال العام الماضي، وغالباً ما كانت هذه المواهب من مهندسي البيانات وعلماء البيانات ومهندسي البرمجيات. ولكن المؤسسات قد لا تحقق الاستفادة الكاملة حتى من أفضل المواهب دون نموذج التشغيل المناسب. غالباً ما تكون المؤسسات التي تحقق أقصى قيمة من الذكاء الاصطناعي هي التي تجمع بين الخبرة المركزية في مجال الذكاء الاصطناعي والمعرفة التنفيذية للشركة، وتعمل في فرق مرنة.
المواهب المركزية في مجال الذكاء الاصطناعي
مع تزايد استخدام الذكاء الاصطناعي تظهر أدوار جديدة، مثل المهندسين الميدانيين ومهندسي السياق ومالكي منتجات الذكاء الاصطناعي، ولكن عدد الأشخاص المؤهلين لشغل هذه الأدوار قليل نسبياً. ولتحقيق أقصى استفادة من الموارد الشحيحة، تتجه مؤسسات عديدة إلى نموذج يعتمد على المواهب المركزية في مجال الذكاء الاصطناعي، ربما في مركز تميز، ولكنها تستخدم بمرونة عبر مختلف أقسام الشركة ومجالاتها. تشير أبحاث ماكنزي في مجال الخدمات المالية إلى أن 70% من المؤسسات التي تعتمد نماذج مركزية قد تقدمت في وضع برامج تجريبية قيد الإنتاج، مقارنة بنحو 30% من التي تعتمد نهجاً لا مركزياً. التعاون بين الفرق الفنية وقادة الأعمال ضروري من خلال مجموعات متعددة الوظائف، وهي فرق صغيرة تجمع بين المهندسين وعلماء البيانات وأصحاب المصلحة في الأعمال. يضمن هذا النموذج تولي الشركة المسؤولية وتوجيه أولويات المجال تطوير الذكاء الاصطناعي، وارتباط خلق القيمة بنتائج الأعمال.
بالإضافة إلى ذلك، مع تطور المواهب ونماذج التشغيل، يجب على المؤسسات اعتبار الذكاء الاصطناعي الوكيل جزءاً من القوى العاملة، وإدارة أدائه وقدراته بالانضباط نفسه المستخدم مع الموظفين، وستحول المؤسسات التي تتقن ذلك مبكراً إمكاناته إلى قيمة تجارية دائمة.
طرق العمل المرنة
إن قيمة طرق العمل المرنة في تسريع عملية التطوير معترف بها على نطاق واسع، والعديد من المؤسسات على دراية بالممارسات المرنة مثل عروض سبرينت والتخطيط الربع السنوي والاجتماعات اليومية القصيرة. ومع ذلك، فإن التنفيذ يفتقر أحياناً إلى الانضباط، ليصبح مجرد عملية تحقق من المهام المنجزة بدلاً من ممارسة عمل تحقق النتائج. لذلك، قد يكون من الأفضل للمؤسسات مراجعة ممارسات العمل المرنة لديها.
التكنولوجيا والبيانات
قد يكون استخدام الذكاء الاصطناعي على نطاق واسع مكلفاً نظراً لمتطلبات التكنولوجيا والبيانات. قال أحد المسؤولين التنفيذيين في إحدى الشركات الكبرى في الخليج: "يفتقر العديد من الشركات إلى رأس المال، وهو أحد العوامل التي تبطئ من عملية اعتماد الذكاء الاصطناعي، لأن تنفيذ توصياته يتطلب استثمارات كبيرة في المعدات والبنية التحتية الآلية". ومع ذلك، فإن تلبية هذه المتطلبات أمر أساسي لخلق القيمة، كما تؤكد نتائج استبياننا. وفقاً للمشاركين في الاستبيان، فإن معظم الشركات التي تحقق قيمة تمتلك بنية تحتية قوية للتكنولوجيا والبيانات. وتتفاخر 37% فقط من الشركات الأخرى بالأمر نفسه.
تشمل الميزات الرئيسية لاستراتيجية التكنولوجيا والبيانات التي تدعم توسيع نطاق الذكاء الاصطناعي ما يلي:
- بنية قابلة للتوسع. يجب أن تكون البنية قابلة للتوسع مع تطور استخدام الذكاء الاصطناعي، ما يعني بناء مكونات متعددة الوحدات يمكن ترقيتها على نحو مستقل، وأصول قابلة للاستبدال مثل مكتبات الرموز البرمجية المكتوبة مسبقاً والتي يمكن استخدامها على نحو متكرر للمهام الأكثر شيوعاً.
- منظومة من الشركاء. في ظل دورات التكنولوجيا سريعة التغير، قد تتأثر الابتكارات والتكاليف سلباً في حالة عدم مرونة الموردين. لذلك، تعمل المؤسسات الذكية على تحقيق التوازن بين أفضل حلول الموردين وأدوات المصادر المفتوحة حتى تتمكن من التكيف مع التقدم التكنولوجي. ونتيجة لذلك، تحمي استقلاليتها وقدرتها التفاوضية، مع إمكانية دمج تكنولوجيات الذكاء الاصطناعي الجديدة دون الحاجة إلى إجراء إصلاح شامل للنظام.
- سلامة البيانات. البيانات الموثوقة هي شريان الحياة للذكاء الاصطناعي، وغالباً ما يشكل نقصها عائقاً أمام التوسع في استخدامه. تشمل المشكلات الشائعة ضعف جودة البيانات، والقيم المفقودة، والتحيز، والقيم المتطرفة، ويمكن أن تؤدي جميعها إلى تدهور النتائج وتعريض المؤسسة للمخاطر. قال 53% من المشاركين في الاستبيان إن عدم دقة النتائج كان أحد أهم العوائق التي تحول دون اعتماد الذكاء الاصطناعي (الشكل 5). يمكن تحسين سلامة البيانات من خلال الحوكمة الرشيدة، التي تصبح أسهل إذا جمعت البيانات وحولت إلى أصول قابلة لإعادة الاستخدام. ولكن هذا قد يستغرق وقتاً طويلاً، وهو ما يفسر سبب إعطاء بعض المؤسسات، في غضون ذلك، الأولوية لمجالات الذكاء الاصطناعي التي لا تعتمد بشدة على البيانات القديمة. على سبيل المثال، في مجال اكتساب المواهب، يمكن أن تؤدي أتمتة فحص السير الذاتية وجدولة المقابلات وإعداد الموظفين إلى تحسين الكفاءة دون الحاجة إلى بحيرات بيانات خاصة ضخمة.

- البيانات المصممة خصيصاً للذكاء الاصطناعي. بالإضافة إلى سلامة البيانات، تعتمد عمليات التحول المتوافقة مع الذكاء الاصطناعي على البيانات ذات التخزين السياقي الذي يحتفظ بمعلومات عن المحادثات وتواريخ الحالات وحالة سير العمل، والذاكرة القابلة للتتبع التي تسجل كيفية اتخاذ القرارات والتحقق منها. تستند هذه البيانات المصممة للذكاء الاصطناعي إلى كتل بيانات ديناميكية خاضعة للرقابة ومصممة للتشغيل البيني السلس عبر الكيانات، ما يمكن الوكلاء من التصرف على نحو مستقل ومسؤول، ويعزز أنظمة الذكاء الاصطناعي القائمة على الثقة والتعلم المستمر.
إدارة التغيير
ما يميز المؤسسات التي تنجح في توسيع نطاق المشاريع التجريبية في عملية التحول عن تلك التي تتعثر جهودها، هو قوة برامج إدارة التغيير لديها. ولا يختلف الأمر في عمليات التحول القائمة على الذكاء الاصطناعي. أخبرنا المشاركون مراراً في المقابلات أن العائق الرئيسي أمام اعتماد الذكاء الاصطناعي هو مقاومة التغيير. قال الشريك المؤسس في إحدى شركات الاستشارات في الخليج: "يقاوم الناس التغيير، ظناً منهم أن أساليب العمل الحالية هي الأفضل. إذا لم نساعدهم على فهم أن الذكاء الاصطناعي سيجعل عملهم أسهل، فسيبقى اعتماده بطيئاً. يجب أن ينظر إلى الذكاء الاصطناعي على أنه وسيلة لتقليل ساعات العمل وتحسين الكفاءة وتعزيز التوازن بين العمل والحياة، وليس تهديداً".
تعد استراتيجيات إدارة التغيير أساسية للتعامل مع هذه المقاومة. قال المشاركون جميعاً الذين حققت مؤسساتهم قيمة باستثناء مشارك واحد، إن مؤسساتهم لديها استراتيجيات واضحة المعالم لاعتماد الذكاء الاصطناعي والتوسع في استخدامه مدعومة بمبادرات لإدارة التغيير، وذلك مقارنة بـ 41% فقط من المشاركين الآخرين.
من المرجح أن يشمل جزء من هذا البرنامج بناء معرفة واسعة بالذكاء الاصطناعي في أنحاء المؤسسة كافة، وتأمين دعم قوي من المسؤولين التنفيذيين، والاحتفاء علناً بإنجازات الذكاء الاصطناعي، وهي عناصر قد تحدث أثراً ملموساً، لكن العديد من المشاركين في المقابلات أشاروا إلى أهمية تعزيز اعتماد الذكاء الاصطناعي والقيمة المحققة منه. وسلط المشاركون الضوء على ثلاث طرق لمضاعفة القيمة بالتوازي مع التوسع:
- المساءلة. في كثير من الأحيان، تطرح المشاريع التجريبية دون ربطها بوضوح بنتائج الأعمال ودون مراقبة مستوى اعتمادها. وتواجه عمليات التحقق من الأداء هذه المشكلة من خلال ربط الاستخدام بمؤشرات أداء رئيسية قابلة للقياس، مثل توفير التكاليف أو زيادة الإيرادات أو تقليل وقت الدورة. قال رئيس قسم الذكاء الاصطناعي في إحدى شركات السلع الفاخرة: "نفترض في كل مشروع تجريبي أن كل حالة استخدام يجب أن يقابلها معيار واضح للنجاح؛ إذا نجحت، تنتقل إلى فريق الأعمال لتولي مسؤوليتها. إذا لم تنجح، نتوقف وننسى الفكرة". أخبرنا شخص آخر أجرينا مقابلة معه أن أي حالة استخدام مقترحة في مؤسسته تتطلب موافقة هيئة الذكاء الاصطناعي قبل تنفيذها، ويجب إدراج الفوائد المالية المتوقعة في توقعات الأرباح والخسائر. تؤدي مراقبة القيمة على هذا النحو إلى التركيز على تحقيقها، وعندما تكون واضحة للجميع فإن ذلك يشجع على توسيع الاعتماد.
- استخدام الذكاء الاصطناعي لبناء الذكاء الاصطناعي. يعد ترتيب إدخال مجالات الذكاء الاصطناعي وحالات الاستخدام لتحقيق مكاسب سريعة طريقة أخرى لإثبات قيمة الذكاء الاصطناعي والتشجيع على اعتماده. "ابدأ بتجارب صغيرة، وانطلق بسرعة، وأظهر القيمة المحققة، وستعمل الشركة على توسيع استخدام الذكاء الاصطناعي. لا تعقد الأمور؛ استخدم الذكاء الاصطناعي لبناء الذكاء الاصطناعي"، هذه هي نصيحة أحد المشاركين في المقابلة. في حين أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يسرع العمليات، فإن استخدامه لبناء الذكاء الاصطناعي نفسه يمكن أن يسرع تنفيذ حل من الحلول القائمة عليه لأنه يولد الأوامر والرمز البرمجي للهيكل اللازم لحالات الاستخدام الجديدة وحتى تصميم سير العمل. كما أوضح أحد المسؤولين التنفيذيين: "بالنسبة لحالات الاستخدام الجديدة، ينفذ الذكاء الاصطناعي أكثر من 90% من المهام الصعبة، من هندسة الأفكار إلى كتابة البرمجيات وإنشاء الوكلاء وسير العمل". يتطلب استخدام الذكاء الاصطناعي لبناء الذكاء الاصطناعي أيضاً فرق تطوير أصغر بكثير، ما يسمح للمواهب النادرة بإنجاز المزيد، ومن ثم تحقيق قيمة أكبر.
- إعادة تصميم سير العمل. من المرجح أن تفقد المؤسسات فرصاً لتحقيق قيمة مضافة ما لم تعد تصميم سير العمل. ويرجع ذلك إلى أن الذكاء الاصطناعي يغير طريقة أداء المهام والأفراد الذين يؤدونها والإمكانات المتاحة، ومن ثم فإن القيمة التي يحققها الذكاء الاصطناعي أغلب الأحيان لا تأتي من ربطه بالمهام وطرق العمل الحالية، بل من إعادة النظر فيها. وفي الواقع، فإن إعادة تصميم سير العمل لها الصلة الأقوى بتحسين الأرباح من خلال الذكاء الاصطناعي، ومن المرجح أن تكون هذه الصلة أقوى في عصر وكلاء الذكاء الاصطناعي. ومع ذلك، يشير المشاركون في المقابلات إلى أن هذا النوع من إعادة التصميم لا يزال في مرحلة مبكرة في مؤسسات دول التعاون الخليجي، فمعظم المؤسسات ليست مستعدة بعد لتغيير طرق العمل الحالية جذرياً.
- تدرك مؤسسات دول التعاون الخليجي تماماً أن عليها اغتنام إمكانات الذكاء الاصطناعي، ولكن التوصل إلى الطريقة المناسبة لذلك ليس سهلاً، قال أحد المشاركين: "ثمة حماس لدى مجالس الإدارة والمدراء التنفيذيين تجاه الذكاء الاصطناعي، ولكن الكثيرين منهم لا يزالون لا يعرفون كيفية تحويل النوايا إلى أفعال. إنهم يحتاجون إلى خطة عمل توضح لهم مجالات الاستثمار وطرق تحديد الأولويات". يرى آخرون أن مبادرات الذكاء الاصطناعي لا ترقى إلى مستوى التوقعات ويجدون صعوبة في دمجها في العمليات الحالية على مستوى المؤسسة بأكملها. تسهم هذه التحديات في اتساع الفجوة بين المؤسسات الرائدة وغيرها من ناحية اعتماد الذكاء الاصطناعي وتحقيق الأثر.
سيواجه كبار المسؤولين التنفيذيين الذين عقدوا العزم على اعتماد الذكاء الاصطناعي على نطاق واسع قائمة مربكة من المهام التي يتعين عليهم تنفيذها. ويمكن أن تساعد بعض الإرشادات العامة على ضمان تنسيق جهودهم على نحو محكم لتحقيق الأثر المرجو:
- تحديد الاتجاه على المستوى التنفيذي. يجب على مجالس الإدارة وكبار المسؤولين التنفيذيين تبني استراتيجية الذكاء الاصطناعي، وربطها بأولويات العمل، وتشجيع الموظفين على استخدامها من خلال التواصل الواضح معهم والدعم الصريح لهم.
- بناء الأسس التكنولوجية المناسبة. يجب الاستثمار في بنية تكنولوجية مرنة ومكونة من أجزاء قابلة للفصل، ويمكن تطويرها وتوسيعها بسهولة، وتحقيق التوازن بين الحلول التجارية الجاهزة والأدوات المفتوحة المصدر، والتعامل مع البيانات على أنها منتج مؤسسي مدار بفاعلية وقابل لإعادة الاستخدام.
- إعادة تنظيم طريقة إنجاز العمل. يجب تجميع المواهب النادرة في وحدة عمل مركزية تضم فريقاً متعدد التخصصات، ومضاعفة الجهود في اتباع أساليب عمل مرنة.
- ربط اعتماد الذكاء الاصطناعي بالأداء. تتطلب مواجهة المقاومة الثقافية برنامجاً قوياً لإدارة التغيير. ولكن يجب أيضاً وضع مقاييس للأداء لضمان أن تخلق حالات الاستخدام قيمة، وقد يلزم إعادة تصميم سير العمل للاستفادة من إمكانات الذكاء الاصطناعي.
- ابدأ بذكاء وتوسع بسرعة. حقق مكاسب سريعة لإثبات قيمة الذكاء الاصطناعي وانتشار الطلب عليه من القاعدة إلى القمة على نطاق واسع. يسرع استخدام الذكاء الاصطناعي لبناء الذكاء الاصطناعي عملية التنفيذ ومن ثم التوسع وخلق القيمة.
يعمل الذكاء الاصطناعي على تغيير طريقة التنافس بين المؤسسات. يشير استبياننا إلى أن العديد من المؤسسات في الخليج قد تحتاج إلى تسريع وتيرة عملها كي تبقى في الصدارة، ودعم التجارب والمشاريع التجريبية بخطة تهدف أولاً إلى بناء القدرات اللازمة لدعم الذكاء الاصطناعي على نطاق واسع، ثم تحفيز اعتماده مع اعتبار خلق القيمة هدفاً دائماً.
**يود المؤلفون أن يتقدموا بالشكر إلى فرحان سيد وجيغار باتيل ونيخيل شاه على مساهماتهم في هذا الاستبيان، كما يودون أن يتقدموا بالشكر إلى جون جوليفر والدكتورة ليزا جوليسريان ومهويش ساروار وميشيل تيونغسون من معهد مجالس الإدارة في دول مجلس التعاون الخليجي.