الرهان الأخضر: كيف تحاول شركات التكنولوجيا تنظيف بصمتها الكربونية بوقود الغابات؟

12 دقيقة
نظام بيكس
 كومة من الخشب في منشأة دراكس في ولاية ميسيسيبي، التي تحول الكتلة الحيوية إلى كريات لتزويد المنشآت الصناعية بالطاقة.

تتجه شركات التكنولوجيا الكبرى نحو أسلوب جديد لإزالة الكربون يقوم على استخدام الطاقة الحيوية مع احتجاز الكربون وتخزينه (بيكس)، وهو نهج يجمع بين إنتاج الطاقة الحيوية وعزل ثنائي أوكسيد الكربون في باطن الأرض:

  • مايكروسوفت، وألفابت، وميتا، وغيرها تمول مشاريع ضخمة لالتقاط ملايي…

على مدار القرن الماضي، اتجه جزء كبير من صناعة اللب والورق في الولايات المتحدة إلى الركن الجنوبي الشرقي من البلاد، حيث أنشئت مصانع وسط غابات الأخشاب المترامية الأطراف لاستخراج الألياف من أشجار الصنوبر اليافعة والأوراق الطويلة وأشجار الصنوبر المقطوعة.

واليوم، بعد أن تقطع المصانع الخشب اللين وتحوله إلى لب، تشكل بقايا اللجنين والمواد الكيميائية المستهلكة والمواد العضوية المتبقية منتجاً ثانوياً داكناً وشرابياً يعرف باسم السائل الأسود. ثم يجري تركيز هذا المنتج ليصبح وقوداً حيوياً، ثم حرقه، ما يؤدي إلى تسخين الغلايات الشاهقة التي تشغل المنشأة، ويطلق ثنائي أوكسيد الكربون في الهواء.

وقد أبرمت كل من شركة مايكروسوفت وجيه بي مورغان تشيس وتحالف شركات التكنولوجيا الذي يضم شركات ألفابت وميتا وشوبيفاي وسترايب، صفقات بملايين الدولارات مؤخراً لدفع أموال لأصحاب مصانع الورق لالتقاط مئات الآلاف من الأطنان على الأقل من غاز الدفيئة هذا عن طريق تركيب معدات تنقية الكربون في منشآتهم.

سيجري بعد ذلك نقل ثنائي أوكسيد الكربون الملتقط عبر الأنابيب إلى طبقات المياه الجوفية المالحة على عمق يزيد على 1.5 كيلو متر تحت الأرض، حيث سيجري عزله بصورة دائمة.

رهان كبير لشركات التكنولوجيا على هذا الأسلوب

تراهن شركات التكنولوجيا الكبرى فجأة بقوة على هذا النوع من إزالة الكربون، المعروف باسم الطاقة الحيوية مع احتجاز الكربون وتخزينه، أو "بيكس" (BECCS) اختصاراً. ويشمل هذا القطاع أيضاً محطات توليد الطاقة التي تعمل بالوقود الحيوي، ومحارق النفايات، ومصافي تكرير الوقود الحيوي التي تضيف معدات احتجاز الكربون إلى منشآتها.

ونظراً لأن الأشجار والنباتات الأخرى تمتص ثنائي أوكسيد الكربون من خلال عملية التمثيل الضوئي بينما تعمل هذه المصانع على احتجاز الانبعاثات التي كانت لتنطلق في الهواء، فيمكنها معاً نظرياً إزالة غازات الدفيئة من الغلاف الجوي أكثر مما أطلق، ما يحقق ما يسمى "الانبعاثات السلبية".

يمكن للشركات التي تدفع مقابل هذه الإزالة أن تطبق هذا الانخفاض في ثنائي أوكسيد الكربون لإلغاء جزء من تلوثها المؤسسي. تستحوذ تقنية بيكس الآن على ما يقرب من 70% من العقود المعلنة في إزالة الكربون، وهو إقبال يرجع إلى حد كبير إلى إمكانية إضافتها إلى المنشآت الصناعية التي تعمل بالفعل على نطاق واسع.

نظام بيكس

يقول المدير الأول للطاقة وإزالة الكربون في شركة مايكروسوفت، التي أصبحت إلى حد بعيد أكبر مشتر لأرصدة إزالة الكربون في ظل سباقها لتحقيق التوازن في انبعاثاتها المستمرة بحلول نهاية العقد، برايان مارز: "إذا كنا نوازن بين التكلفة والوقت اللازم للتسويق وإمكانية التوسع النهائي، فإن نظام بيكس يقدم عرضاً جذاباً للغاية للقيمة عبر هذه العناصر الثلاثة".

لكن الخبراء أثاروا عدداً من المخاوف بشأن مختلف الأساليب المتبعة لتطبيق نظام بيكس، مؤكدين أنها قد تضخم الفوائد المناخية للمشاريع، وتخلط بين الانبعاثات الممنوعة وإزالة الكربون، وتطيل عمر المنشآت التي تلوث الجو بطرق أخرى. كما يمكن أن تخلق حوافز مالية أكبر لقطع الغابات أو تحويلها إلى أراض زراعية.

يقول الباحث الرئيسي في جامعة برينستون، تيم سيرشينغر، إنه عند إحصاء مصادر غازات الدفيئة ومصارفها بدقة عبر الحقول والغابات والمصانع المعنية جميعها، فمن الصعب للغاية تحقيق انبعاثات سلبية مع العديد من أساليب نظام بيكس. ويقول إن ذلك يقوض منطق تخصيص المزيد من الأراضي والمحاصيل والغابات المحدودة في العالم لمثل هذه المشاريع.

ويقول: "أنا أسمي ذلك ’الخداع التسويقي لنظام بيكس‘"، ويضيف لاحقاً: "إنها حماقة على مستوى ما".

منطق نظام بيكس

بالنسبة لمحطة الطاقة التي تعمل بوقود الكتلة الحيوية، يعمل نظام بيكس على النحو التالي:

تلتقط الشجرة ثنائي أوكسيد الكربون من الغلاف الجوي في أثناء نموها، حيث تخزن الكربون في لحائها وجذعها وأغصانها وجذورها بينما تطلق الأوكسجين. ثم يأتي أحدهم لتقطيعها وتحويلها إلى كريات خشبية وتسليمها إلى محطة توليد الطاقة التي بدورها تحرق الخشب لإنتاج الحرارة أو الكهرباء.

عادة ما تنتج هذه المنشأة ثنائي أوكسيد الكربون عند حرق الخشب. ولكن بموجب قواعد الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأميركية، يعد حرق الخشب عموماً محايداً للكربون، شريطة أن تكون غابات الأخشاب مدارة بطرق مستدامة وتلتزم العمليات المختلفة باللوائح التنظيمية الأخرى. والحجة هي أن الشجرة سحبت ثنائي أوكسيد الكربون من الهواء في المقام الأول، وأن نمو النباتات الجديدة سيعيد التوازن إلى دين الانبعاثات هذا بمرور الوقت.

إذا التقطت محطة الطاقة نفسها الآن حصة كبيرة من غازات الدفيئة الناتجة عن العملية وضختها في باطن الأرض، فمن المحتمل أن تتحول العملية من محايدة كربونياً إلى سالبة كربونياً.

لكن الافتراض المبدئي بأن الكتلة الحيوية محايدة كربونياً هو افتراض خاطئ بصفة أساسية، لأنه لا يأخذ في الاعتبار بالكامل الطرق الأخرى التي تنطلق الانبعاثات وفقها خلال العملية، على حد قول سيرشينغر.

من بين جملة أمور أخرى، يجب على التحليل السليم أن يسأل أيضاً: ما مقدار الكربون المتبقي في الجذور أو الفروع الممتدة على أرضية الغابة الذي سيتحول إلى غازات الدفيئة بعد إزالة النبات؟ ما مقدار الوقود الأحفوري الذي حرق في عملية قطع الكتلة الحيوية وجمعها وتوزيعها؟ ما هي كمية غازات الدفيئة التي أنتجت خلال تحويل الأخشاب إلى كريات خشبية وشحنها إلى أماكن أخرى؟ وكم من الوقت سيستغرق نمو الأشجار أو النباتات التي كانت ستستمر في التقاط الكربون وتخزينه من جديد؟

يقول سيرشينغر: "إذا كنت تحصد الأخشاب، فمن المستحيل بصفة أساسية الحصول على انبعاثات سلبية".

كما أن حرق الكتلة الحيوية، أو الوقود الحيوي الناتج عنها، يمكن أن ينتج عنه أيضاً أشكال أخرى من التلوث التي يمكن أن تضر بصحة الإنسان، بما في ذلك الجسيمات والمركبات العضوية المتطايرة وثنائي أوكسيد الكبريت وأول أوكسيد الكربون.

قد يستلزم منع انبعاثات ثنائي أوكسيد الكربون في مصنع معين التقاط بعض الملوثات الأخرى أيضاً، لا سيما ثنائي أوكسيد الكبريت. لكن هذا لا يعني بالضرورة تصفية الملوثات الأخرى المتصاعدة من مداخن المصنع جميعها، كما تشير الأستاذة المساعدة في سياسات الطاقة المستدامة في جامعة نوتردام، والتي تركز على قضايا إدارة الكربون والتحول بعيداً عن الوقود الأحفوري، إميلي غروبرت.

الطلب المتزايد

تعود الفكرة التي مفادها أننا قد نكون قادرين على استخدام الكتلة الحيوية لتوليد الطاقة وامتصاص الكربون إلى عقود مضت. ولكن مع استمرار ارتفاع درجات الحرارة العالمية والانبعاثات على حد سواء، وجد خبراء النماذج المناخية أن ثمة حاجة إلى استخدام المزيد من تقنية بيكس أو غيرها من تقنيات إزالة الكربون لمنع الكوكب من تجاوز عتبات الاحترار المتزايدة الخطورة.

بالإضافة إلى التخفيضات الكبيرة في الانبعاثات، قد يحتاج العالم إلى امتصاص 11 مليار طن من ثنائي أوكسيد الكربون سنوياً بحلول عام 2050 و20 مليار طن بحلول عام 2100 للحد من ارتفاع درجة الحرارة إلى درجتين مئويتين فوق مستويات ما قبل الثورة الصناعية، وفقاً لتقرير لجنة الأمم المتحدة للمناخ لعام 2022. وثمة احتمال متزايد بأن نتجاوز هذه العتبة.

أثارت هذه التحذيرات المناخية الخطيرة اهتماماً متزايداً واستثمارات متزايدة في طرق سحب ثنائي أوكسيد الكربون من الغلاف الجوي. فظهرت شركات تعرض إغراق الأعشاب البحرية، ودفن الكتلة الحيوية، وإنشاء مصانع التقاط الكربون مباشرة من الهواء، وإضافة المواد القلوية إلى الحقول الزراعية أو المحيطات.

لكن عمليات الشراء الخاصة بنظام بيكس قزمت تلك الأساليب الأخرى.

يقول المؤسس المشارك لمنصة سي دي آر في، وهي شركة ذات منفعة عامة مختصة في تحليل قطاع إزالة الكربون، روبرت هوغلوند، إنه بالنسبة للشركات التي توشك على الاقتراب من مواعيدها النهائية المتعلقة بالمناخ، فإن نظام بيكس هو أحد الخيارات القليلة لإزالة مئات الآلاف من الأطنان خلال السنوات القليلة القادمة.

يقول هوغلوند: "إذا كان لديك هدف تريد تحقيقه في عام 2030 وتريد إزالة الكربون بصفة دائمة، فهذه هي الوسيلة المساعدة التي يمكنك شراؤها".

ويرجع ذلك بصورة رئيسية إلى أن هذه المشاريع يمكنها تسخير البنية التحتية للصناعات القائمة. على الأقل في الوقت الحالي، لا يتعين عليك تمويل مرافق جديدة وترخيصها وتطويرها.

يقول هوغلوند: "ليس من الصعب بناؤها، لأنها غالباً ما تتطلب إضافة تحديثات جديدة إلى مصنع قائم".

كما أن تكلفة تقنية بيكس أقل بكثير من تقنية التقاط الهواء المباشر، على سبيل المثال، بالنسبة إلى المشترين، حيث يبلغ متوسط الأسعار المرجحة 210 دولارات للطن مقارنة بـ 490 دولاراً للطن للصفقات المبرمة حتى الآن، وفقاً لما ذكرته منصة سي دي آر في. ويرجع ذلك جزئياً إلى أن التقاط ثنائي أوكسيد الكربون من مصانع اللب والورق، على سبيل المثال، حيث يشكل نحو 15% من غاز المداخن، يستهلك طاقة أقل بكثير من التقاط جزيئات ثنائي أوكسيد الكربون من الهواء الطلق، حيث لا تمثل سوى 0.04%.

رهان مايكروسوفت الكبير على نظام بيكس

في عام 2020، أعلنت مايكروسوفت عن خططها لتصبح سالبة كربونياً بحلول نهاية هذا العقد، وأنها تستهدف بحلول منتصف القرن الحالي، إزالة الانبعاثات جميعها التي تولدها الشركة مباشرة ومن استخدام الكهرباء طوال تاريخها المؤسسي.

وتعتمد الشركة بصورة خاصة على نظام بيكس للوفاء بتلك الالتزامات المناخية، حيث تمثل هذه الفئة 76% من مشترياتها المعروفة لإزالة الكربون حتى الآن.

في أبريل/نيسان الماضي، أعلنت الشركة أنها ستشتري 3.7 ملايين طن من ثنائي أوكسيد الكربون الذي ستلتقطه في نهاية المطاف مطحنة للورق واللب وتخزنه، وهي مطحنة تقع في موقع غير محدد في جنوب الولايات المتحدة، على مدى 12 عاماً. وتوصلت الشركة إلى هذه الصفقة من خلال شركة سي أو تو 80، وهي شركة ناشئة مقرها في مدينة فانكوفر، بمقاطعة كولومبيا البريطانية، تقيم مشاريع مشتركة مع شركات مصانع الورق واللب في الولايات المتحدة وكندا، لتمويل المشاريع وتطويرها وتشغيلها.

وقد كانت هذه أكبر عملية شراء لإزالة الكربون على الإطلاق، حتى بعد أربعة أيام، عندما كشفت شركة مايكروسوفت أنها وافقت على شراء 6.75 ملايين طن من إزالة الكربون من شركة أتموس كلير، حسبما أشارت منصة سي دي آر في عبر مدونتها. تعمل تلك الشركة حالياً على بناء محطة لتوليد الطاقة من الكتلة الحيوية في ميناء باتون روج الكبرى في ولاية لويزيانا، والتي ستعتمد في عملها إلى حد كبير على بقايا قصب السكر (منتج ثانوي لإنتاج السكر) ومخلفات الغابات. وتقول أتموس كلير إن المنشأة ستكون قادرة على التقاط 680,000 طن من ثنائي أوكسيد الكربون سنوياً.

يقول مارز: "ما رأيناه هو أن الكثير من مشاريع بيكس هذه كانت مفيدة للغاية، ونجحت في إحداث تحول جذري، لتوفير الاستثمار في الاقتصادات الريفية. نحن ننظر إلى صفقاتنا في لويزيانا مع شركة أتموس كلير وبعض مزودي الخدمة الآخرين في الولاية الخليجية، مثل CO280، على أنها وسيلة حقيقية للمساعدة على دعم هذه الاقتصادات، مع تعزيز ممارسات الغابات المستدامة في الوقت نفسه".

في الأرباع السابقة، نفذت مايكروسوفت أيضاً عمليات شراء كبيرة من شركة أورستيد التي تدير محطات توليد الطاقة التي تحرق كريات الخشب؛ وشركة غايا التي تدير منشآت تحويل الطاقة إلى نفايات؛ وشركة أربور التي تعتمد محطاتها في عملها على "الشجيرات المتضخمة وبقايا المحاصيل ومخلفات الطعام".

لا تدع النفايات تذهب سدى

تجدر الإشارة إلى أن ثلاثة من هذه المشاريع على الأقل تعتمد على شكل من أشكال النفايات، وهي فئة مختلفة عن الأخشاب المقطوعة حديثاً أو المحاصيل المزروعة لغرض تغذية مشاريع نظام بيكس. تمثل النفايات الصلبة، والمخلفات الزراعية، وبقايا قطع الأشجار، والمواد النباتية التي أزيلت من الغابات لمنع الحرائق بعضاً من أنجح الفرص لمشاريع بيكس، بالإضافة إلى بعض المسائل الصعبة المتعلقة بحساب الكربون.

وتشير تقديرات تقرير صادر عن الأكاديمية الوطنية للعلوم في عام 2019 إلى أن الولايات المتحدة يمكن أن تحقق أكثر من 500 مليون طن من إزالة الكربون سنوياً من خلال نظام بيكس بحلول عام 2040، بينما يمكن أن يتجاوز العالم 3.5 مليارات طن، بالاعتماد فقط على المنتجات الثانوية الزراعية وبقايا قطع الأشجار والنفايات العضوية، دون الحاجة إلى زراعة محاصيل مخصصة للطاقة.

يرى كبير علماء برنامج الطاقة في مختبر لورنس ليفرمور الوطني، روجر آينز، أنه يجب علينا على الأقل استخدام هذه المصادر بدلاً من حرقها أو تركها تتحلل في الحقول. (شارك آينز في تأليف تحليل مماثل يركز على الكتلة الحيوية للنفايات في كاليفورنيا وأسهم في تقرير لعام 2022 أعده المختبر لصالح شركة مايكروسوفت لتقييم التكاليف وخيارات شراء إزالة الكربون).

ويشدد على أنه يمكن لقطاع الطاقة الحيوية مع احتجاز الكربون وتخزينه أن يتعلم الكثير من استخدام تلك النفايات. على سبيل المثال، من المفترض أن يسهم ذلك في توفير فهم أوضح لمدى فعالية حسابات الكربون إذا خصص المزيد من الأراضي والغابات والمحاصيل لهذه الأنواع من الأغراض.

يقول آينز: "الفكرة مفادها هو أنك في معظم الحالات، لن تزرع مواد جديدة لفعل ذلك، ولن تضطر إلى ذلك فترة طويلة جداً، نظراً لكثرة النفايات المتاحة. إذا وصلنا إلى هذه المرحلة، في المستقبل البعيد، يمكننا معالجة هذه المشكلة حينها".

حسابات غير متقنة

لكن السؤال الحاسم الذي يطرح نفسه مع النفايات هو: هل كان من الممكن حرقها أو السماح لها بالتحلل، أو ربما كان من الممكن استخدام بعضها بطريقة أخرى تبقي الكربون خارج الغلاف الجوي؟

على سبيل المثال، تستخدم بقايا قصب السكر أو يمكن استخدامها أيضاً في إنتاج مواد التغليف والورق القابلة لإعادة التدوير، أو مواد تغليف الأغذية وأدوات المائدة القابلة للتحلل الحيوي، أو مواد البناء، أو محسنات التربة التي تضيف العناصر الغذائية إلى الحقول الزراعية.

تقول غروبرت: "في كثير من الأحيان تستخدم هذه المواد لأغراض أخرى بالفعل، لذا فإن الحسابات تصبح متعثرة بسرعة كبيرة".

يخشى البعض من أن الحوافز المالية لمواصلة العمل بنظام بيكس قد تجبر الشركات أيضاً على قطع المزيد من الأشجار والنباتات أكثر مما هو ضروري حقاً لإدارة الغابات أو منع الحرائق على سبيل المثال، خاصة مع تزايد عدد محطات نظام بيكس التي تخلق طلباً كبيراً متزايداً على الإمدادات المحدودة من هذه المواد.

يقول الباحث والزميل البارز في مركز كلاينمان لسياسات الطاقة في جامعة بنسلفانيا الذي يدرس أسواق الكربون، داني كولينوارد: "بمجرد أن تبدأ في التقاط النفايات، فإنك تخلق حافزاً لإنتاجها، لذا عليك أن تكون حذراً جداً بشأن الحوافز الضارة".

العناية الواجبة

على غرار شركات التكنولوجيا الكبرى الأخرى، فقدت شركة مايكروسوفت بعض الزخم فيما يتعلق بأهدافها المناخية، ويعود ذلك إلى حد كبير إلى ارتفاع متطلبات الطاقة لمراكز بيانات الذكاء الاصطناعي التابعة لها.

لكن الشركة اكتسبت عموماً سمعة طيبة في سعيها لتنظيف انبعاثاتها المباشرة حيثما أمكن، وسعيها إلى إيجاد أساليب عالية الجودة لإزالة الكربون. وقد أجرت مشاورات مكثفة مع باحثين لديهم عقلية نقدية في شركات استشارية مثل كربون دايركت، وأظهرت استعدادها لدفع أسعار أعلى لدعم مشاريع أكثر مصداقية.

يقول مارز إن الشركة وسعت نطاق هذا التدقيق ليشمل صفقاتها في مجال نظام بيكس.

ويقول: "نريد أن يكون لكل مشروع أكبر قدر ممكن من التأثير البيئي الإيجابي".

ويضيف: "نحن نبذل جهوداً كبيرة من العناية الفنية الواجبة على مدى أشهر طويلة مع فرق تزور الموقع، وتجري مقابلات مع أصحاب المصلحة، وتنتج لنا تقريراً نراجعه بتعمق مع مزود هندسي تابع لجهة خارجية أو مزود منظور فني تابع لجهة خارجية".

وفي بيان متابعة، شددت مايكروسوفت على أنها تسعى جاهدة للتحقق من أن كل مشروع من مشاريع بيكس التي تدعمها سيحقق انبعاثات سلبية، مهما كان مصدر الوقود.

وقالت الشركة: "في هذه المشاريع كلها، بذلنا قدراً كبيراً من العناية الواجبة للتأكد من أن المواد الأولية المستخدمة في أنظمة بيكس ستعيد الكربون إلى الغلاف الجوي في غضون سنوات قليلة".

وبالمثل، يؤكد المؤسس المشارك والرئيس التنفيذي لشركة سي أو تو 80، جوناثان رون، أنهم عملوا مع الاستشاريين، وسجلات سوق الكربون، ومصانع اللب والورق "للتأكد من أننا نعتمد أفضل المعايير". ويقول إنهم يسعون جاهدين لتقييم إطلاق غازات الدفيئة وامتصاصها بأسلوب متحفظ عبر سلسلة التوريد الخاصة بالمصانع التي يعملون معها، مع مراعاة نوع الكتلة الحيوية التي يستخدمها كل مصنع، ومعدل نمو الغابات التي يحصد منها، والمسافة التي تقطعها الشاحنات لنقل الأخشاب أو مخلفات المناشر، وإجمالي الانبعاثات الصادرة عن المنشأة، وغير ذلك.

يقول رون إن مشاريع الشركة النموذجية ستلتقط وتخزن ما يتراوح من 850,000 إلى 900,000 طن من ثنائي أوكسيد الكربون سنوياً. وستختلف نسبة هذه الكمية من إجمالي انبعاثات المصنع، ويعتمد ذلك جزئياً على كمية الطاقة التي تولدها المنشأة من المواد الحيوية الثانوية وكمية الوقود الأحفوري. وتهدف الشركة في مشاريعها الأولى إلى التقاط ما بين 50% و65% من انبعاثات ثنائي أوكسيد الكربون في مصانع اللب والورق، ولكنها تأمل في نهاية المطاف أن تتجاوز هذه النسبة 90%.

في رسالة إلكترونية لاحقة، قال رون إن معدات التقاط الكربون في المصانع التي تعمل معها ستمنع أيضاً "مستويات كبيرة" من انبعاثات الجسيمات وثنائي أوكسيد الكبريت، وقد تقلل انبعاثات الملوثات الأخرى أيضاً.

تجري الشركة حالياً مناقشات نشطة مع 10 مصانع لب وورق في منطقة الخليج وكندا. وقد يكلف كل مشروع من مشاريع التقاط الكربون وتخزينه مئات الملايين من الدولارات.

يقول رون: "ما نحاول تحقيقه في سي أو تو 80 هو إظهار -وإثبات- أننا قادرون على إنشاء دليل مستقر وقابل للتكرار لتطوير مشاريع منخفضة المخاطر وتزويد السوق بما يريده وما يحتاج إليه".

يقول أنصار نظام بيكس إننا نستطيع الاستفادة من الكتلة الحيوية لتوفير كميات كبيرة من إزالة الكربون، شريطة فرض معايير صناعية مناسبة لمنع السلوك السيئ أو الحد منه على الأقل.

والسؤال الذي يطرح نفسه: هل سيتحقق هذا؟ أو هل سينحرف قطاع الطاقة الحيوية مع احتجاز الكربون وتخزينه، مع بلوغه مرحلة النضج، نحو نمط أسواق تعويض الكربون؟

لقد أظهرت الدراسات والتحقيقات بصفة دائمة أن برامج أرصدة انبعاثات الكربون والتعويضات الكربونية غير المنظمة أو ذات التصميم الرديء قد أتاحت للشركات -إن لم تكن قد دعتها إلى- المبالغة كثيراً في الفوائد المناخية لزراعة الأشجار والحفاظ على الغابات والمشاريع المماثلة.

يقول آينز: "يبدو لي أن الأمر سيكون قابلاً للإدارة ولكن علينا أن نراقبه دائماً".

السحر

حتى مع هذه التعقيدات المتعلقة بمحاسبة الكربون كلها، يمكن لمشاريع بيكس أن تحقق فوائد مناخية في كثير من الأحيان، خاصة بالنسبة للمصانع القائمة.

إن إضافة احتجاز الكربون إلى مصانع الورق واللب العاملة، أو محطات الطاقة العاملة، أو مصافي النفط العاملة، يمثل على الأقل تحسناً مقارنة بالوضع الراهن من منظور المناخ، بقدر ما يمنع الانبعاثات التي كانت ستستمر لولا ذلك.

لكن الطموحات بشأن تقنية بيكس بدأت تنمو بالفعل خارج نطاق المصانع القائمة؛ ففي العام الماضي، أعلنت الشركة البريطانية العملاقة المثيرة للجدل في مجال الطاقة، دراكس، عن خطط لإطلاق قسم مقره في مدينة هيوستن مكلف بتطوير ما يكفي من مشاريع بيكس جديدة لتوفير 6 ملايين طن من إزالة الكربون سنوياً، في الولايات المتحدة أو في أي مكان آخر.

كما عمدت شركات أخرى عديدة إلى بناء محطات لتوليد الطاقة من الكتلة الحيوية أو اقترحت إنشاءها في السنوات الأخيرة، مع أنظمة التقاط الكربون أو من دونها، وهي قرارات مدفوعة جزئياً بالسياسات التي تصنفها على أنها محايدة كربونياً.

ولكن إذا لم تكن الكتلة الحيوية محايدة كربونياً، كما يجادل سيرشينغر وآخرون بأنها لا يمكن أن تكون كذلك في العديد من التطبيقات، فإن محطات الطاقة الجديدة غير المفلترة هذه تضيف المزيد من الانبعاثات إلى الغلاف الجوي، ومشاريع بيكس لا تسحب أي انبعاثات من الهواء. وإذا كان الأمر كذلك، فإنه يثير أسئلة صعبة حول المزاعم المتعلقة بالمناخ للشركات التي تعتمد في عملها على هذه التقنية، والتنازلات المجتمعية التي ينطوي عليها بناء الكثير من المحطات الجديدة المخصصة لهذه الأغراض.

وذلك لأن المحاصيل التي تزرع لإنتاج الطاقة تتطلب من الأراضي والأسمدة والمبيدات الحشرية والعمالة البشرية ما يمكن استثماره في اتجاه آخر لإنتاج الغذاء لسكان العالم الذين يتزايد عددهم. كما أن الطلب المتزايد على الأخشاب يدفع صناعة الأخشاب إلى قطع المزيد من الغابات في العالم، التي تمتص بطبيعة الحال كميات هائلة من ثنائي أوكسيد الكربون وتخزنها وتوفر موائل لأنواع هائلة من النباتات والحيوانات.

يرى سيرشينغر أن هذه المشاريع إذا كانت تمنع انبعاث غازات الدفيئة في الغلاف الجوي فحسب دون أن تسحب أياً منها، فمن الأفضل لنا أن نضيف معدات التقاط الكربون وتخزينه إلى محطة الغاز الطبيعي القائمة بدلاً من ذلك.

قد تعتقد الشركات أن تسخير الطبيعة لامتصاص ثنائي أوكسيد الكربون من الجو يبدو أفضل من خفض انبعاثات توربينات الوقود الأحفوري. لكن تكلفة الكهرباء من هذه المحطة ستكون أقل بكثير، كما أن نظام التقاط الكربون سيقلل الانبعاثات بصورة أكبر مقابل كمية الطاقة نفسها المولدة، وسيتجنب الضغوط الإضافية لقطع الأشجار.

يقول سيرشينغر: "يعتقد الناس أن ثمة أمراً سحرياً يحدث، فهذا المزيج السحري من استخدام الكتلة الحيوية ونظام التقاط الكربون وتخزينه يشكل نظاماً يتجاوز في قدراته مجموع قدرات أجزائه. لكنه ليس سحراً؛ إنه ببساطة نظام مكون من مجموع النظامين".

المحتوى محمي