أفضل الممارسات لتحقيق الأمن السيبراني دون التأثير في مرونة العمل

6 دقيقة
أفضل الممارسات لتحقيق الأمن السيبراني دون التأثير في مرونة العمل
حقوق الصورة: إم آي تي تكنولوجي ريفيو العربية. تصميم: عبدالله بليد.
  • تواجه الشركات في الاقتصاد الرقمي معضلة الموازنة بين الأمن السيبراني الذي يحمي البيانات والأنظمة، ومرونة الأعمال التي تمكّن من الابتكار وسرعة الاستجابة للسوق.
  • تشمل متطلبات الأمن السيبراني: التشفير، وإدارة الهوية، والامتثال للأنظمة، وتقييم المخاطر، وتعزيز ثقافة الأمان.
  • أ…

في ظل الاقتصاد الرقمي المعاصر، يتعين على الشركات الموازنة بين أولويتين متعارضتين أحياناً هما الأمن السيبراني ومرونة الأعمال. فمن جهة، يحمي الأمن السيبراني القوي أصول الشركة وسمعتها واستمراريتها، ومن جهة أخرى، تعد المرونة والسرعة أمرين أساسيين للابتكار وسرعة طرح المنتجات في السوق واستجابة العملاء. يثير هذا التناقض سؤالاً مهماً: هل تتعارض متطلبات الأمن السيبراني بطبيعتها مع مرونة الأعمال؟

ما هي متطلبات الأمن السيبراني؟

تشير متطلبات الأمن السيبراني إلى مجموعة القواعد والضوابط والتدابير التقنية والممارسات التنظيمية التي تهدف إلى حماية أنظمة المعلومات والشبكات والبيانات والمستخدمين من التهديدات مثل الوصول غير المصرح به واختراق البيانات والبرامج الضارة وهجمات رفض الخدمة. تشمل المتطلبات الرئيسية ما يلي:

  • الضوابط التقنية: التشفير وجدران الحماية وأنظمة كشف التطفل ومنعه (IDS/IPS) والمصادقة الآمنة وحماية نقاط النهاية وتجزئة الشبكة.
  • التحكم في الوصول وإدارة الهوية: ويتضمن الوصول القائم على الأدوار الحد الأدنى من الامتيازات والمصادقة متعددة العوامل وحوكمة الهوية.
  • الحوكمة والسياسات والامتثال: سياسات الأمن وأطر حوكمة الأمن وعمليات التدقيق وخطط الاستجابة للحوادث والمتطلبات التنظيمية مثل: اللائحة العامة لحماية البيانات وقانون نقل التأمين الصحي والمساءلة (HIPAA) واللوائح الخاصة بالقطاع.
  • إدارة المخاطر والمرونة: وتتضمن نمذجة التهديدات وتقييمات الثغرات الأمنية واختبار الاختراق والمرونة السيبرانية والنسخ الاحتياطية والتعافي من الكوارث.
  • ثقافة الأمن والتدريب: وتتضمن برامج التوعية ومحاكاة التصيد الاحتيالي وتعزيز السلوك الآمن.

تفرض هذه المتطلبات عادةً قيوداً، إذ يجب أن تمر عمليات معينة عبر بوابات أمنية، ويجب مراجعة التغييرات وحماية البيانات الحساسة وتقييد الوصول. يجب أن يواكب الأمن السيبراني أيضاً التهديدات المتطورة، لذا فهو يحتاج إلى مراقبة وتحديثات وتكييف مستمر. ومع تحول المؤسسات رقمياً إلى السحابة وإنترنت الأشياء والذكاء الاصطناعي، يجب أن يصبح الأمن أكثر تكاملاً وديناميكية.

اقرأ أيضاً: جوجل تعزّز الأمن السيبراني لمنتجاتها بجعل المصادقة الثنائية إلزامية في 2025

ما هي متطلبات مرونة الأعمال؟

مرونة الأعمال أو رشاقتها تشير إلى قدرة المؤسسة على التكيف والتجريب والتحول والاستجابة لتغيرات السوق والابتكار بسرعة دون عوائق البيروقراطية الثقيلة. وأهم متطلباتها:

  • سرعة التغيير: وتعني القدرة على نشر منتجات أو ميزات أو عمليات جديدة بسرعة.
  • سهولة التجريب: سهولة التجربة عند تجربة أفكار جديدة أو اختبارها أو إنشاء نماذج أولية.
  • قابلية التوسع والاستجابة: تعني زيادة العمليات أو تقليلها استجابة للطلب أو دخول أسواق جديدة.
  • لامركزية صنع القرار: أي منح الفرق استقلالية بدلاً من الاختناقات المركزية.
  • بيروقراطية محدودة: وتعني تقليل مراحل الموافقة والقيود الصارمة أو الحوكمة البطيئة التي تعوق الاستجابة.

تهدف مرونة الأعمال إلى تقليل الاحتكاك والتأخير والقيود الصارمة على التحركات الإبداعية والتشغيلية.

اقرأ أيضاً:  8 من أسوأ أخطاء الأمن السيبراني التي ينبغي لك الحذر منها

أين قد تتعارض متطلبات الأمن السيبراني مع مرونة الأعمال؟

هناك توترات حتمية بين متطلبات الأمن السيبراني ومرونة الأعمال. تتضمن بعض نقاط التعارض الرئيسية ما يلي:

  • الوقت اللازم لطرح المنتج في السوق مقابل مراجعة الأمان: قد يتطلب نشر منتج أو ميزة جديدة مراجعة أمنية واختباراً واعتماداً. وهذا قد يبطئ دورات التطوير خاصة في البيئات الرشيقة.
  • القيود الصارمة مقابل الاستقلالية: قد تحد ضوابط الوصول القوية وفصل المهام وخطوات المصادقة الإلزامية أو أنظمة الموافقة المركزية من استقلالية الفرق أو المستخدمين.
  • الابتكار مقابل تحمل المخاطر: تشجع المرونة على التجريب، ما قد يخفف القيود مؤقتاً أو يفتح واجهات جديدة. لكن كل واجهة جديدة أو واجهة برمجة تطبيقات جديدة، أو تكامل جديد يمثل نقطة ضعف محتملة.
  • التكلفة مقابل عمق الأمان: قد تتطلب متطلبات الأمان العميقة الاستثمار في المراقبة والتدقيق والتكرار، والتي تعتبرها بعض وحدات الأعمال أعباءً على التكلفة على المدى القصير.
  • التعقيد مقابل البساطة: غالباً ما يضيف الأمان تعقيداً، فالتسجيل والمراقبة والضوابط والتشفير والتدقيق قد يبطئ التعقيد المتزايد التكيف أو يصعب تطوير الأنظمة.
  • الامتثال والتنظيم: قد تتطلب اللوائح التنظيمية ضوابط معينة لا تعد "مثالية" لمرونة الأعمال. وقد تجمد بعض البنى أو تجبر تصميمات معينة، ما يحد من المرونة.

ووفقاً للخبير التقني بروس شناير، فإنه عند سؤال أيهما الأفضل: الأمن أم المرونة؟ سيقول الكثيرون الأمن بشكل نظري، ولكن عند مواجهة فرصة كبيرة قد يفضلون المرونة ويخاطرون.

اقرأ أيضاً: برامج مكافحة الفيروسات التي ينصح بها خبراء الأمن السيبراني

أين يمكن أن ينسجم الأمن السيبراني مع مرونة الأعمال؟

على الرغم من التنافر الظاهر بين متطلبات الأمن السيبراني ومرونة العمل، يمكن الجمع بينهما إذا تمت هندسة العلاقة بينهما بعناية. فالأمن يجب ألا يكون حاجزاً أمام الابتكار، بل يمكن أن يتحول إلى عامل تمكين عندما يدمج في عملية التطوير منذ البداية. عندما تؤخذ اعتبارات الأمن في المراحل الأولى لتصميم الأنظمة والبرمجيات، تصبح جزءاً طبيعياً من بنية العمل، ما يقلل الحاجة إلى تعديلات معقدة لاحقاً.

كما يمكن بناء الأنظمة بطريقة تسمح بتقسيمها إلى طبقات أو وحدات منفصلة، بحيث تحاط الأجزاء الحساسة بأعلى درجات الحماية، بينما تبقى الأجزاء الأخرى أكثر مرونة وقابلة للتوسع. هذا العزل يقلل المخاطر من جهة، ويمنح فرق العمل حرية الابتكار من جهة أخرى.

أما من حيث القياس، فبدلاً من فرض قواعد أمنية جامدة، يمكن التركيز على النتائج المطلوبة، مثل تحديد مستوى مقبول من المخاطر أو زمن الاستجابة للحوادث أو احتمالية الاختراق، مع ترك مساحة للفرق المختلفة لتختار الأسلوب الأنسب لتحقيق تلك الأهداف. هذه الطريقة تربط الأمن بأهداف العمل مباشرة وتجعله جزءاً من استراتيجية النمو.

ولأن المخاطر ليست متساوية في جوانب المؤسسة كافة، يمكن ترتيب الأولويات وفقاً لدرجة الأهمية والتأثير. فالمجالات الحرجة تحتاج إلى انضباط عالٍ، بينما يمكن السماح بمرونة أكبر في المناطق الأقل خطراً، كما أن الاعتماد على الأتمتة والضوابط الذكية يمنح فرق العمل حرية الحركة دون الخروج عن الحدود الآمنة، إذ يمكنها مثلاً إنشاء موارد جديدة ضمن قوالب معدة مسبقاً تضمن وجود التشفير والتسجيل والقيود اللازمة.

وتعد الضوابط التكيفية والواعية بالسياق من الأساليب الحديثة لتحقيق التوازن، فهي تسمح بقدر أكبر من الحرية عندما تكون الظروف آمنة، وتشدد الإجراءات عند ارتفاع مستوى الخطر. ومع وجود أنظمة مراقبة مستمرة وقدرة عالية على اكتشاف التهديدات والاستجابة لها بسرعة، يصبح بالإمكان قبول قدر أكبر من المرونة بثقة.

تبقى الثقافة المؤسسية عنصراً محورياً في هذا الانسجام. عندما يفهم الموظفون مخاطر الأمن ويتعاملون معها بوصفها مسؤولية مشتركة، يتحول الأمن من عبء إداري إلى سلوك يومي طبيعي. في المؤسسات الحديثة التي تمر بعمليات تحول رقمي، يصبح الأمن الناجح هو الذي يدعم الابتكار بدلاً من إعاقته، ويهيئ بيئة آمنة للتجربة والتطور المستمر.

اقرأ أيضاً: أبرز أدوات الأمن السيبراني التي يجب أن يستخدمها كل موظف

متى يصبح التنافر بين مرونة الأعمال ومتطلبات الأمن السيبراني واضحاً؟

على الرغم من إمكانية التوفيق بين الأمن السيبراني ومرونة العمل، فإن حالات التعارض بينهما لا تزال شائعة في كثير من المؤسسات. يظهر هذا التعارض بوضوح في القطاعات الخاضعة للتنظيم الصارم مثل الصحة والمال والطاقة، حيث تفرض القوانين معايير دقيقة لا تسمح بحرية التغيير أو التجربة. وفي مؤسسات تعتمد على أنظمة قديمة، يصبح إدخال آليات أمن حديثة أمراً معقداً، ما يدفع فرق العمل أحياناً إلى تجنب تطبيقها حتى لا تتعطل العمليات.

وفي فترات التوسع السريع أو النمو الكبير، تميل بعض الشركات إلى تقديم السرعة على حساب الأمن، فتختصر إجراءات الفحص والمراجعة لتسريع الوصول إلى السوق، كما أن عمليات الاندماج والاستحواذ كثيراً ما تخلق تحديات إضافية، إذ يجب دمج أنظمة مختلفة في بيئة واحدة، ما يؤدي إلى تقديم الفرق التقنية تنازلات مؤقتة على صعيد الحماية.

ويزداد التنافر أيضاً حين يغيب التنسيق بين فرق الأمن والإدارة التنفيذية، أو عندما لا يتحدث الطرفان بلغة مشتركة. فمن غير وضوح الأهداف المشتركة، ينظر بعض القادة إلى الأمن عائقاً إدارياً أكثر منه جزءاً من نجاح العمل. ومع محدودية الموارد أو نقص الكفاءات، تضطر المؤسسات إلى اتخاذ قرارات مؤقتة تميل فيها الكفة نحو المرونة على حساب الأمان.

في مثل هذه الظروف، قد تظهر ممارسات غير رسمية تعرف أحياناً بـ "أنظمة الظل"، حيث تستخدم الفرق أدوات أو حلولاً خارج الإطار المعتمد لتجاوز القيود، ما يخلق ثغرات جديدة ويزيد المخاطر على المدى الطويل.

اقرأ أيضاً: كيف يؤدي الاعتماد المفرط على الذكاء الاصطناعي إلى تهديد الأمن السيبراني العالمي؟

أفضل الممارسات لاتباع سياسة توائم بين مرونة الأعمال ومتطلبات الأمن السيبراني

لتحقيق توازن فعلي بين متطلبات الأمن السيبراني ومرونة الأعمال، تحتاج المؤسسات إلى رؤية شاملة تعترف بأن الأمن ليس هدفاً منفصلاً، بل هو مكون أساسي من استراتيجية العمل نفسها. ويبدأ ذلك من القمة، عندما تتبنى القيادة التنفيذية فكرة أن الأمن يمكن أن يكون عاملاً مساعداً على الابتكار وليس عبئاً مالياً، إذ يضمن إشراك الإدارة العليا ومجلس الإدارة في وضع أولويات الأمن توافق القرارات مع متطلبات النمو والتوسع.

وينبغي كذلك ربط إجراءات الأمن بأهداف العمل الملموسة، بحيث تكون كل سياسة أمنية مبررة من منظور تجاري. فعوضاً عن فرض ضوابط جامدة، يمكن تحديد النتائج المطلوبة، مثل الحد من احتمال الاختراق أو تقليل زمن التعافي من الأعطال، وترك المجال أمام الفرق المختلفة لتحديد الطرق التي تحقق تلك النتائج بأكبر قدر من الكفاءة والمرونة.

ومن الناحية التقنية، يساعد تصميم الأنظمة على نحو معياري ومجزأ على تحقيق هذا التوازن. فحين تعزل المكونات الحساسة عن بقية النظام، يمكن الحفاظ على مرونة عالية في الأجزاء الأخرى دون المساس بالأمن. كما أن استخدام واجهات برمجية مفتوحة وخدمات مصغرة يتيح تطويراً سريعاً ومستمراً دون تعريض النظام ككل للخطر.

وعند دمج الأمن في دورة التطوير منذ المراحل الأولى، وهي الفكرة التي تعرف بـ DevSecOps وتعني دمج ممارسات الأمان مباشرة داخل دورة حياة تطوير البرمجيات وعمليات التشغيل بدلاً من التعامل مع الأمان كخطوة منفصلة تجرى في النهاية، يصبح الأمان جزءاً من العمليات اليومية بدلاً من كونه خطوة متأخرة. ويساعد الاعتماد على الأتمتة والفحص المستمر في تقليل التعقيد وتسريع الإنجاز.

كما يفيد تبني منهج قائم على تقييم المخاطر في توجيه الموارد نحو الأماكن الأكثر حاجة إلى الحماية. فليس من المنطقي تطبيق أقصى درجات الأمان في كل مكان، بل يجب التركيز على النقاط الحساسة، مع منح الأقسام ذات المخاطر المنخفضة قدراً أكبر من المرونة. وتعد الضوابط التكيفية القائمة على السياق من الوسائل الحديثة لتحقيق هذا الهدف، فهي تشدد الإجراءات تلقائياً عند ارتفاع مستوى الخطر، وتخففها عندما تكون البيئة أكثر أماناً.

اقرأ أيضاً: أفضل حلول الأمن السيبراني المدعومة بالذكاء الاصطناعي

ومن الضروري أن تدرك المؤسسات أن الوقاية الكاملة مستحيلة، لذلك يجب أن تركز أيضاً على المرونة والقدرة على التعافي. فوجود خطط استجابة فعالة وآليات كشف مبكر وإجراءات لاستعادة الأنظمة بسرعة يجعل المؤسسة قادرة على تحمل الهجمات دون توقف طويل.

المحتوى محمي