أصبحت منصات التواصل الاجتماعي مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالحياة اليومية، حيث تعد مركزاً لالتقاء مليارات الأشخاص حول العالم الذين يتواصلون ويتقصون الأخبار، وحتى ممارسة الأعمال التجارية. ولكن هذا الحضور الرقمي الهائل المتنامي أنشأ بيئة جديدة من المخاطر، إذ وجد تقرير صدر عام 2021 عن شركة جوجل أن نحو 20% من حسابات منصات التواصل الاجتماعي ستتعرض للخطر في مرحلة ما.
لهذا ينبغي عدم اعتبار تأمين حسابات التواصل الاجتماعي مهمة شاقة، بل عملاً تمكينياً؛ فعند اتخاذ خطوات استباقية يمكن للأفراد استعادة السيطرة على هوياتهم الرقمية وحماية أنفسهم من التهديدات المتطورة.
يقدم هذا المقال نظرة شاملة على الاستراتيجيات والأدوات اللازمة لبناء دفاع قوي بدءاً من الخطوات الأساسية وصولاً إلى ممارسات سلوكية متقدمة وخطة تعافٍ واضحة.
أساسيات لا غنى عنها: ركائز تأمين حساباتك على منصات التواصل الاجتماعي
يعتمد أساس أي استراتيجية أمنية قوية على ركيزتين أساسيتين ينبغي على كل مستخدم اتباعهما لحماية حساباته، لأنهما توفران أقوى الحواجز الممكنة أمام الوصول غير المصرح به، كل منهما بسيط ولكنه فعال:
أولاً: إنشاء كلمات مرور قوية وفريدة
الخطوة الأساسية لتأمين حسابك على منصات التواصل الاجتماعي هي إنشاء كلمة مرور قوية وفريدة، والسبب وراء ذلك بسيط: نحو 80% من خروقات البيانات تحدث بسبب كلمات مرور ضعيفة أو معاد استخدامها، حيث تُستغل هذه الثغرة بشكل منهجي من خلال هجوم "حشو بيانات الاعتماد". ففي دراسة أجرتها جوجل وجد أن 52% من المستخدمين يستخدمون كلمة مرور واحدة لحسابات متعددة.
ومن ثم تحول هذه الممارسة الشائعة كلمة مرور واحدة مخترقة إلى مفتاح رئيسي يمكنه فتح الحياة الرقمية للمستخدم بالكامل. علاوة على ذلك، يزداد المهاجمون تطوراً بفضل أدوات الاختراق المدعومة بالذكاء الاصطناعي التي يمكنها تعديل كلمات المرور المكشوفة بذكاء لتتوافق مع أنماط المستخدم الشائعة، ما يجعلها أكثر فاعلية بنسبة 47%.
وللتغلب على ذلك، ينبغي أن تتكون كلمة المرور القوية من 12 حرفاً على الأقل وأن تتضمن مزيجاً من الأحرف الكبيرة والصغيرة والأرقام والرموز. والأهم من ذلك، يجب أن تكون فريدة لكل حساب وإذا كان بالإمكان استخدام تطبيق لإدارة كلمات المرورالتي تعد الطريقة الأكثر فعالية لإدارة كلمات مرور فريدة ومعقدة والحفاظ عليها لكل منصة دون الحاجة إلى تذكرها جميعاً.
اقرأ أيضاً: أبرز أدوات الأمن السيبراني التي يجب أن يستخدمها كل موظف
ثانياً: تفعيل ميزة المصادقة الثنائية
في حين أن كلمة المرور القوية والفريدة هي خط الدفاع الأول، فإن ميزة المصادقة الثنائية هي أهم خطوة يمكنك اتخاذها لتأمين حساباتك، وتكمن قوتها في كونها تعد طبقة أمان إضافية، فحتى إذا حصل المخترق على كلمة مرورك من خلال اختراق بيانات أو هجوم تصيد احتيالي، فلن يتمكن من الوصول إلى الحساب دون عامل المصادقة الثاني. إذ ترفع هذه الخطوة البسيطة مستوى الحماية بشكل كبير وتقلل نجاح هجمات المخترقين المعقدة.
مع ذلك، من المهم أن تدرك أنه على الرغم من أن ميزة المصادقة الثنائية وسيلة دفاعية بالغة الأهمية، ولكنها ليست مضمونة تماماً، حيث لا يزال من الممكن استخدام تقنيات الهندسة الاجتماعية المتقدمة لتجاوزها، وعلى الرغم من هذه المخاطر فإن الحاجة إلى تقنية متطورة لتجاوزها تبرز فاعليتها كدفاع أساسي، ومن ثم يشكل تفعيلها عقبة كبيرة أمام المهاجمين، وهي خطوة مهمة ينبغي لك تفعيلها فوراً على حساباتك كلها.
اقرأ أيضاً: كيف تحمي خصوصيتك وتدير بياناتك في العصر الرقمي؟
الدفاع الاستباقي: كيف يمكنك التحكم في حساباتك ومنع اختراقها؟
بمجرد تطبيق تدابير الأمان الأساسية يصبح تأمين حساباتك على منصات التواصل الاجتماعي ممارسة مستمرة للإدارة الاستباقية، ما يحول الأمان الرقمي من إعداد مرة واحدة إلى عملية مستمرة من التدقيق والمراقبة الذاتية، من خلال الخطوات التالية:
إجراء تدقيق لإعدادات الخصوصية والأمان
يقبل العديد من المستخدمين الإعدادات الافتراضية لحساباتهم دون فهم كامل لها، حيث غالباً ما تضبط الإعدادات الافتراضية لتسهيل الاستخدام بدلاً من الحفاظ على الخصوصية، ما قد يعرض تفاصيل شخصية لجمهور أوسع.
ومن ثم يعد التدقيق المنتظم لإعدادات خصوصية الملف الشخصي أمراً أساسياً لمعرفة من يمكنه رؤية المنشورات والوصول إلى المعلومات الشخصية والعثور على الملف الشخصي عبر محركات البحث، إذ يعد التحكم في هذه الإعدادات طريقة بسيطة وفعالة للحد من كمية المعلومات الشخصية التي يمكن للمهاجم جمعها لإعداد حملة هجوم هندسة اجتماعية مستهدفة.
تفعيل تنبيهات تسجيل الدخول
يعد تفعيل إشعارات تسجيل الدخول أحد العناصر الأساسية للأمن الاستباقي، حيث تخطر المستخدم عبر البريد الإلكتروني أو إشعار داخل التطبيق عند تسجيل دخول جهاز جديد أو غير معروف إلى حسابك. وتعمل هذه التنبيهات كنظام إنذار مبكر حيث تنذرك بحدوث اختراق محتمل فور حدوثه، ما يمكنك من اتخاذ إجراءات فورية، مثل تغيير كلمة المرور، لإيقاف تسجيل الدخول غير المصرح به.
تسجيل الخروج من الجلسات السابقة
تعد مراجعة الجلسات النشطة كلها على الحساب وتسجيل الخروج منها بشكل دوري خطوة أساسية أخرى، وتكمن أهميتها في أن ترك الحساب مسجلاً للدخول على جهاز كمبيوتر عام أو هاتف مستعار أو جهاز قديم ينشئ ثغرة أمنية دائمة وغير مراقبة للوصول غير المصرح به.
تقييد أذونات تطبيقات الطرف الثالث
يربط العديد من مستخدمي منصات التواصل الاجتماعي حساباتهم بتطبيقات خارجية لمختلف الأغراض، وعلى الرغم من سهولة هذه الممارسة فإنها قد تشكّل مخاطر أمنية جسيمة، إذ يشير تقرير خروقات البيانات لعام 2024 الصادر عن شركة فيريزون للاتصالات إلى أن 30% من خروقات البيانات جاءت من تطبيقات خارجية.
إذ بمجرد منح هذه التطبيقات الإذن غالباً ما تتمكن من الوصول إلى ملفك الشخصي العام وعنوان بريدك الإلكتروني وقائمة الأصدقاء وأي معلومات أخرى، ومن ثم في حال اختراق تطبيق خارجي، فقد يصبح بمثابة ثغرات أمنية خفية للمهاجمين للوصول إلى بياناتك دون الحاجة إلى كلمة مرور.
لذا لتأمين حساباتك راجع قائمة التطبيقات التي منحتها حق الوصول في إعدادات حسابك، مثل تطبيقات الاختبارات والألعاب القديمة والخدمات العشوائية التي نسيتها، واحذف أي منها لم تعد تستخدمها أو تثق بها تماماً، فكلما قل عدد التطبيقات المتصلة بحسابك قل خطر الاختراق.
اقرأ أيضاً: كيف يستخدم قراصنة الإنترنت الهندسة الاجتماعية لخداع الموظفين؟
جدار الحماية البشري: التعرف إلى التهديدات وتجنبها
لا يمكن لإعدادات التكنولوجيا والأمان أن تقدم الكثير، فالدفاع النهائي ضد التهديدات الإلكترونية يعتمد بشكل كبير على الوعي البشري، حيث تحولت عمليات الاحتيال على منصات التواصل الاجتماعي من عمليات اختراق تقنية بسيطة إلى هجمات تستخدم منهجيات التلاعب النفسي المعقد، ما يجعل سلوك المستخدم ووعيه أهم طبقة دفاعية لتأمين حساباته.
أبرز الحيل الشائعة التي يستخدمها المهاجمون لاختراق حساباتك هي:
التصيد الاحتيالي والهندسة الاجتماعية
التصيد الاحتيالي أسلوب مضلل يخدعك للكشف عن معلومات حساسة عن طريق انتحال شخصية جهة موثوقة. بينما الهندسة الاجتماعية تستخدم التلاعب النفسي لاستغلال فضول الإنسان ورغبته الملحة وخوفه، إذ يبرع المهاجمون في استغلال المعلومات الشخصية لصياغة هجمات مقنعة ومخصصة للغاية ومعرفة كيفية عمل هذه الهجمات هو الخطوة الأولى لتجنبها.
نصائح عملية وعلامات تحذير:
- الشعور بالاستعجال: يستخدم المحتالون عبارات مثل "سيتم تعليق حسابك!" أو "تصرف الآن!" لخلق شعور بالذعر وإجبارك على التصرف دون تفكير.
- الروابط المريبة: استخدام روابط ويب شبيهة بالروابط الشرعية ولكنها تختلف في حرف واحد لعدم جذب الانتباه.
- طلبات المعلومات الحساسة: لن تطلب أي شركة أو منصة موثوقة كلمة مرور أو رمز مصادقة ثنائي عبر بريد إلكتروني أو رسالة مباشرة.
- الأخطاء النحوية والإملائية: من العلامات الشائعة والتي غالباً ما يتم تجاهلها وجود أخطاء نحوية وإملائية سواء في عنوان موقع الويب أو رسالة البريد الإلكتروني.
- الرسائل المباشرة غير المعتادة من الأصدقاء: إذا اختُرق حسابك فقد يستخدمه المخترق لإرسال رسائل احتيال إلى قائمة جهات اتصالك بأكملها.
اقرأ أيضاً: هل فريقك مستعد للهجمات السيبرانية؟ أساسيات الأمن الرقمي لكل مدير
اختراق شبكات الواي فاي العامة
تعد شبكات الواي فاي العامة في أماكن مثل المقاهي والمطارات خياراً مريحاً، لكنها تعد أيضاً هدفاً سهلاً للمخترقين. وعلى الرغم من أن منصات التواصل الاجتماعي تستخدم التشفير لتأمين البيانات المنقولة من وإلى الموقع، فإن الشبكة نفسها لا تزال عرضة للخطر، إذ يمكن للمخترقين استخدام تقنيات مثل هجوم الرجل في المنتصف وإنشاء نقاط اتصال ضارة تحاكي النقاط الرسمية لخداع المستخدمين للاتصال.
خطة الاسترداد: ما ينبغي فعله عند الاختراق
في اللحظة التي شككت فيه باختراق حسابك عليك التصرف بسرعة، فكلما طالت فترة سيطرة المخترق على حسابك زاد الضرر الذي يمكن أن يلحقه، بدءاً من انتحال شخصيتك وصولاً إلى حذف بيانات مهمة واختراق حسابات أخرى مرتبطة لذا اتبع هذه الخطوات فوراً:
1. الإجراءات الفورية:
- غير كلمة المرور فوراً عند الشك في اختراق حسابك. إذا تم منعك من الدخول، استخدم خيار "نسيت كلمة المرور" لاستعادة الحساب عبر البريد الإلكتروني أو رقم الهاتف.
- إذا فشلت في استعادة كلمة المرور، استخدم صفحة الإبلاغ الرسمية للمنصة (مثل facebook.com/hacked) لتفعيل إجراءات الاستعادة الرسمية.
2. مراجعة الحساب وتأمينه:
- بعد استعادة الوصول، راجع حسابك واحذف أي منشورات أو رسائل أو تعليقات لم تنشرها.
- تحقق من التطبيقات الخارجية التي لديها صلاحية الوصول إلى حسابك، وأزل أي تطبيقات غير معروفة أو مشبوهة.
3. الخطوات التالية:
- أبلغ أصدقاءك ومتابعيك عبر وسيلة أخرى أن حسابك قد اختُرق، لمنعهم من الوقوع في عمليات احتيال.
- غالباً ما يكون الاختراق جزءاً من هجوم أوسع. راجع وغير كلمات المرور لحساباتك الأخرى على الإنترنت خاصة إذا كنت تستخدم كلمة المرور نفسها.
في نهاية المطاف، تأمين حساباتك على منصات التواصل الاجتماعي ليس إعداداً مرة واحدة، بل هو ممارسة مستمرة، إذ إن أفضل دفاع هو مزج الميزات التقنية الممنوحة لك مع اتباع سلوك واعٍ بالأمن الرقمي مثل البقاء على اطلاع بعمليات الاحتيال الجديدة حتى تكون أكثر إدراكاً وفهماً لكيفية التحكم في أمن حساباتك، لبناء هوية رقمية تكون عصية على الاختراق.