تعد الاجتماعات ركناً أساسياً من أركان التعاون، إلا أنها في الوقت نفسه تشكل مصدراً مستمراً للإحباط واستنزافاً للموارد، إذ تشير دراسة لمجلة إنك إلى أن الإنتاجية المفقودة بسبب الاجتماعات غير الفعالة تكلف الشركات نحو 70 إلى 283 مليار دولار كل عام، بينما أظهر استطلاع أجرته منصة أطلسيان أن 80% من المستجيبين ذكروا أنهم سيكونون أكثر إنتاجية إذا أمضوا وقتاً أقل في الاجتماعات.
تتجلى هذه الاختلالات في سلسلة من السلوكيات العرضية التي تعطل سير التواصل، مثل الحضور المتأخر أو التحدث المطول الذي يسمح بالانحراف بشكل كبير عن جدول الأعمال. علاوة على ذلك، غالباً ما تنطوي الاجتماعات على إدارة مهام متعددة في آنٍ واحد مثل الاستماع والمشاركة وتدوين الملاحظات، ما قد يؤدي إلى صعوبة التوازن ما بين الانتباه الكامل أو تدوين التفاصيل كلها.
هنا يأتي دور مساعدات الذكاء الاصطناعي التي تمثل نقلة نوعية جذرية وتفتح آفاقاً جديدة من ذكاء الاجتماعات، وهي لا تهدف إلى استبدال التفاعل البشري، ولكن العمل وسيطاً مساعداً محوّلة محادثات الاجتماعات إلى أصول منظمة قابلة للتنفيذ، ما يمكن المؤسسات من إجراء اجتماعاتها بمستوى من الوضوح والكفاءة لم يكن من الممكن تحقيقه سابقاً.
10 طرق لاستخدام مساعدات الذكاء الاصطناعي في الاجتماعات بفاعلية وكفاءة
1. الاستغناء عن تدوين الملاحظات يدوياً مع النسخ الفوري
تعد أتمتة تدوين الملاحظات من أهم ميزات هذه المساعدات، حيث تستخدم تقنيات مثل التعرف التلقائي إلى الكلام لإنشاء نصوص دقيقة ومؤرخة تلقائياً في الوقت الفعلي في أثناء سير الاجتماع بدقة تصل في بعض الأحيان إلى 95% ودعم عدة لغات ولهجات، مع إمكانية تحديد هوية المتحدث، ما يضمن تسجيل التفاصيل جميعها دون أي خطأ بشري.
وتكمن قيمة هذه الميزة في أن كل شخص في الاجتماع سيكون حاضراً بحواسه كلها ومتفاعلاً بنشاط، ما يؤدي إلى تعزيز بيئة الاجتماعات لتكون أكثر ديناميكية وفاعلية ويشجع على المساهمة الكاملة من الحاضرين كافة. على سبيل المثال، يمكن لفريق عمل عقد جلسة عصف ذهني دون تكليف أي شخص بتدوين الأفكار وترك الأمر له لإنشاء سجل شامل يمكن مراجعته لاحقاً.
2. إنشاء ملخصات اجتماعات آلية وذكية
على الرغم من أن النص الكامل سجلٌ قيم، فإنه غالباً ما يكون وثيقة معقدة تتطلب وقتاً لمراجعتها، وهنا تبرز قوة الذكاء الاصطناعي الذي يستخدم تكنولوجيا معالجة اللغات الطبيعية لتجاوز النص الخام وإنتاج ملخص موجز وذكي لمحتوى الاجتماع، ما يختصر اجتماعاً طويلاً في بضع فقرات متماسكة.
توفر هذه القدرة ذاكرة مشتركة موثوقة وغير متحيزة وتكافح بفاعلية التدهور الطبيعي لحفظ المعلومات الذي يحدث بمرور الوقت، ويمنع ظاهرة "التوافق الخاطئ" الذي يشير إلى أن غالبية المغادرين للاجتماعات غالباً ما يخرجون بفهم مختلف لما نُقِش، ما يؤدي إلى ارتباك وضعف في المتابعة.
اقرأ أيضاً: تعرّف إلى دويت أيه آي: مساعد الذكاء الاصطناعي الذي أطلقته جوجل وكيفية استخدامه
3. أتمتة تحديد بنود العمل وتوزيعها
من أهم وظائف الاجتماع تحديد المهام وتوزيعها، وتبدع مساعدات الذكاء الاصطناعي في هذا الجانب من خلال تحديد بنود العمل وتوزيعها تلقائياً مباشرةً من المحادثة باستخدام معالجة اللغات الطبيعية والتعلم الآلي للاستماع إلى الإشارات السياقية والكلمات المفتاحية، مثل: "لنفعل ذلك بحلول يوم الاثنين" أو "ستكون يا خالد مسؤولاً عن هذه المهمة"، ويحولها المساعد إلى بنود عمل وقرارات بما في ذلك المواعيد النهائية والتذكيرات لضمان المساءلة.
4. تبسيط تحضير محاضر الاجتماعات
يعد عدم وجود جدول أعمال واضح ومحدد مسبقاً أحد الأسباب الرئيسية لعدم كفاءة الاجتماعات، وتحل مساعدات الذكاء الاصطناعي هذه المشكلة من خلال أتمتة إنشاء جداول أعمال اجتماعات مهيكلة جيداً بناءً على عنوان الاجتماع ووصفه في التقويم، ما يضمن أن يكون لكل اجتماع هدف واضح وأن يركز النقاش على تحقيق أهداف محددة مسبقاً.
على سبيل المثال، يمكنك جدولة اجتماع بعنوان: "مراجعة حملة التسويق للربع الرابع" والطلب من مساعد الذكاء الاصطناعي إنشاء جدول أعمال شامل تلقائياً، مع عناوين مقترحة وفترات زمنية ونقاط نقاش ذات صلة، ما يضمن استعداد الجميع وتركيزهم على المهمة الموكلة إليهم.
5. تحسين إمكانية الوصول والشمولية
تعد مساعدات الذكاء الاصطناعي أداة فعالة لكسر حواجز التواصل وتعزيز بيئة اجتماعات أكثر شمولاً وإنصافاً، ويتحقق ذلك من خلال ميزات الترجمة النصية الفورية ودعم تعدد اللغات، إذ تسهل الترجمة الفورية على ضعاف السمع التفاعل من خلال توفير تسجيل مرئي للمحادثة. علاوة على ذلك، يتيح دعم تعدد اللغات للحضور المشاركة بثقة ومتابعة النقاش.
لا تعالج هذه الميزة تحدياً تقنياً فحسب، بل اجتماعياً أيضاً، إذ قد يتردد غير الناطقين بلغة الاجتماع في المشاركة في النقاش خوفاً من سوء الفهم، ما يهيئ بيئة تفقد فيها مساهماتهم القيمة، حتى إنه يمكن ضبط المساعد لحث المشاركين الأكثر هدوءاً على التحدث مكافحاً بذلك ظاهرة "المتحدث السلس" الذي يترك زملاءه على هامش النقاش.
6. حضور الاجتماعات كوكيل لتوفير الوقت
يتطلب نموذج الاجتماعات التقليدي حضوراً متزامناً لجمع المعلومات، ما يؤدي إلى مشكلة شائعة تعرف باسم "إرهاق الاجتماعات". تقدم مساعدات الذكاء الاصطناعي حلاً جذرياً لهذه المشكلة من خلال حضور الاجتماعات كوكيل ذكاء اصطناعي نيابة عن المستخدم.
إذ يمكنه الانضمام إلى الاجتماع وتسجيل المحادثة ونسخها ثم إنشاء ملخص كامل وقائمة ببنود العمل وتلقيها لاحقاً دون الحاجة إلى حضور الاجتماع فعلياً. تعيد هذه الإمكانية تعريف مفهوم الحضور بشكل جذري، فهي تفصل بين جمع المعلومات والحضور الشخصي، ما يسمح بجمع المعرفة بشكل غير متزامن ويجنب عبء الاجتماعات المتتالية.
اقرأ أيضاً: كيف تستفيد من قدرات الذكاء الاصطناعي في مستندات جوجل وجيميل؟
7. إنشاء قاعدة بيانات معرفية قابلة للبحث
بدلاً من ترك سجلات الاجتماعات معزولة، تحولها مساعدات الذكاء الاصطناعي إلى قاعدة بيانات معرفية قابلة للبحث من خلال قدرتها على تخزين وفهرسة كل نص وملخص وتوضيح لتتمكن لاحقاً من البحث عن أي موضوع أو عبارة. عملياً يعني هذا إمكانية البحث عن "الميزانية" أو "أهداف الربع الثاني" والعثور فوراً على المعلومات كافة في الاجتماعات السابقة التي نوقشت فيها، ما يغني عن إعادة مشاهدة أو الاستماع إلى جلسات كاملة.
على سبيل المثال، إذا تذكرت مناقشة مشكلة مع عميل في الربع الماضي، فيمكنك البحث عنه بسهولة، وبمرور الوقت تنشأ قاعدة معرفية غنية، حيث كل قرار وفكرة موجود في نظام البحث الداخلي، وهو ما يعد مفيداً بشكل خاص لدمج الموظفين الجدد أو استرجاع سياق محادثة منسية منذ زمن طويل.
8. أتمتة رسائل البريد الإلكتروني والتقارير المتابعة
تعد متابعة ما بعد الاجتماع مهمة إدارية بالغة الأهمية ولكنها قد تستغرق وقتاً طويلاً، إذ يمكن للتأخيرات والعمل اليدوي المصاحب لها أن يفسدا الصفقات ويعطلا المشاريع وينشآ تأخيراً غير ضروري. تؤتمت مساعدات الذكاء الاصطناعي هذه العملية من خلال صياغة رسائل بريد إلكتروني احترافية مخصصة للمشاركين وأصحاب المصلحة.
تلغي هذه الميزة ما يشار إليه غالباً باسم "أعمال ما بعد الاجتماع"، من خلال تلقي بريد إلكتروني يتضمن ملخصاً موجزاً وقائمة بالمهام المتفق عليها، ما يوفر الوقت ويضمن التواصل في الوقت المناسب، إذ سيحصل الجميع (حتى المشاركون الغائبون) على المعلومات التي يحتاجونها فوراً، ويمكن لبعض المساعدات المتقدمة حتى إرفاق مستندات ذات صلة أو دعوات التقويم بهذه المتابعة.
اقرأ أيضاً: أسترا: مساعد ذكي من جوجل يساعد على كتابة البرمجيات
9. اكتساب رؤى آنية حول ديناميكيات المحادثة
إلى جانب التقاط محتوى الاجتماع، يمكن لمساعدات الذكاء الاصطناعي تحليل ديناميكيات المحادثة لتوفير رؤى آنية تحسن الاجتماع نفسه. يتضمن ذلك ميزات مثل تحليل المشاعر الذي يقيس النبرة العاطفية للمناقشة وإحصائيات المتحدثين التي تتعقب من يتحدث كثيراً أو قليلاً. توفر هذه المقاييس مستوى موضوعياً قائماً على البيانات للاجتماع، ما يساعد على إدارة ديناميكيات الحاضرين.
على سبيل المثال، في أثناء نقاش متوتر يمكن لمساعد الذكاء الاصطناعي اكتشاف أي تراجع في النبرة العاطفية للفريق، ما يمكن مدير الجلسة من التدخل بشكل استباقي من خلال طرح أسئلة توضيحية أو تحويل مسار المحادثة. وبالمثل من خلال تتبع وقت المتحدث يمكن للمساعد تنبيه مدير الجلسة في حال سيطرة شخص واحد على المحادثة، ما يمكنه من ضمان سماع الأصوات جميعها وإدارة الجلسة بفاعلية.
10. التكامل مع أدوات سير العمل اليومية الشائعة
لا تعمل مساعدات الاجتماعات الذكية بشكل منعزل، بل تتصل بمعظم الأدوات التي تستخدمها الفرق بالفعل، إذ تتكامل معظمها مباشرة مع تطبيقات مؤتمرات الفيديو الشائعة للانضمام تلقائياً إلى أي جلسة مجدولة، كما أنها تتصل بالتقويمات لاكتشاف الاجتماعات القادمة.
من ناحية الإنتاجية، يمكن للعديد منها إرسال الملاحظات والمهام إلى أدوات الإنتاجية الشائعة لضمان تدفق سلس للمعلومات، بحيث لا شيء يبقى عالقاً داخل منصة الاجتماعات، بل تساعد على سد الفجوة بين النقاش والتنفيذ لأن مخرجات الاجتماعات المهمة تظهر تلقائياً في الأنظمة التي تستخدم يومياً.
اقرأ أيضاً: مجالات احذر استخدام الذكاء الاصطناعي فيها
أفضل الممارسات عند استخدام مساعدات الذكاء الاصطناعي في الاجتماعات
عند استخدام مساعدات الذكاء الاصطناعي في الاجتماعات، ينبغي أن تراعي التحديات الأخلاقية والعملية والاستراتيجية لضمان استخدام ناجح، منها:
- الخصوصية والموافقة: من الضروري إعلام المشاركين كلهم بوجود مساعد الذكاء الاصطناعي وشرح ما سيُسجل قبل بدء الاجتماع، والحصول على موافقتهم الصريحة.
- ضمان سلامة البيانات: نظراً الى أن اجتماعات الشركات غالباً ما تحتوي على بيانات حساسة، ينبغي إعطاء الأولوية للأمن الرقمي واختيار الأدوات التي تلتزم بمعايير أمان معترف بها.
- الدقة والتحرير: ينبغي التعامل مع المخرجات النصية كمسودات ومراجعتها، خاصة المتعلقة بالاجتماعات المهمة أو الحساسة للتأكد من دقتها قبل اتخاذ أي إجراء بناءً عليها.
- اختيار الأداة المناسبة: يتطلب اختيار الأداة المناسبة تقييماً دقيقاً لاحتياجاتك، فليست الأدوات كلها متشابهة، لذا قبل اتخاذ القرار قارن بين الخيارات المتاحة بناءً على احتياجاتك، مع التأكد من أنه يتناسب مع سير عمل فريقك وتلبية متطلباته بشكل فعال.
لا تهدف مساعدات الذكاء الاصطناعي الخاصة بالاجتماعات إلى استبدال البشر، بل إلى تعزيز قدراتهم، إذ إن الهدف النهائي هو تخفيف العبء الإداري ليتمكن المشاركون من التركيز على الجوانب الإبداعية والتفاعلية للاجتماعات، فمن خلال أتمتة المهام الشاقة تساعد على سير الاجتماعات بسلاسة أكبر والنتيجة هي فريق أكثر تفاعلاً يشارك بانتظام وإجراء مناقشات أكثر شمولاً وإنتاجية.