تخيل السيناريو التالي: تشعر بتوعك منذ أيام، لذا قررت الاتصال بعيادة طبيبك لتحديد موعد. ولحسن الحظ، حددت العيادة موعداً لك في اليوم التالي. خلال الموعد، لم يطلب الموظف المسؤول منك أن تشرح مخاوفك الصحية على عجل؛ بل خصص لك نصف ساعة كاملة للإفصاح عن أعراضك ومخاوفك والتفاصيل الشاملة لتاريخك الصحي وهو يستمع لك باهتمام كبير ويطرح أسئلة مهمة مدروسة بعناية. ثم تغادر العيادة بعد أن حصلت على تشخيص دقيق وخطة علاجية، وتشعر براحة كبيرة لأنك تمكنت أخيراً من مناقشة حالتك الصحية مع طبيبك بكل تفاصيلها.
لكن المشكلة هي أنك ربما لم تتحدث إلى طبيب أو أي شخص آخر من أصحاب الخبرة في المجال الطبي على الإطلاق.
هذا هو الواقع الجديد بالنسبة لمرضى عدد قليل من العيادات في جنوب ولاية كاليفورنيا التي تديرها شركة أكيدو لابز الطبية الناشئة. يمكن لهؤلاء المرضى -بعضهم من مستفيدي برنامج التأمين الصحي الحكومي ميديكيد- الحصول على مواعيد مع أطباء متخصصين في غضون مهلة قصيرة، وهو امتياز متاح عادة فقط للقلة الثرية التي تستخدم خدمات العيادات الفاخرة.
كيف تقلل أنظمة الذكاء الاصطناعي زمن انتظار المرضى في العيادات؟
يكمن الفرق الرئيسي في أن مرضى أكيدو يقضون وقتاً قصيراً نسبياً، أو حتى لا يقضون وقتاً على الإطلاق، مع أطبائهم. وبدلاً من ذلك، فإنهم يلتقون بمساعد طبي يقدم لهم الدعم النفسي لكنه لا يتمتع بخبرة سريرية واسعة. أما مهمة صياغة التشخيصات ووضع خطة العلاج فيتولاها نظام خاص يعتمد على النماذج اللغوية الكبيرة يسمى "سكوب أيه آي" (ScopeAI)، إذ يعد نسخة مكتوبة من الحوار الدائر بين المريض والمساعد ويعمل على تحليله. بعد ذلك، يراجع الطبيب توصيات نظام الذكاء الاصطناعي ويوافق عليها أو يصححها.
يقول الرئيس التنفيذي للتكنولوجيا في أكيدو، جيرد غودنر: "ينصب تركيزنا الرئيسي على تمكين الطبيب من التركيز على الجانب العلاجي بدلاً من المهام الإدارية".
وفقاً للرئيس التنفيذي لأكيدو، براشانت سامانت، فإن هذا النهج يسمح للأطباء بمقابلة أربعة إلى خمسة أضعاف عدد المرضى الذين كانوا يستطيعون مقابلتهم في السابق. ثمة سبب وجيه وراء الرغبة في زيادة إنتاجية الأطباء، فمع التقدم في العمر وزيادة الأمراض بين الأميركيين، يواجه الكثيرون صعوبة في الحصول على الرعاية الصحية الكافية. كما أن خفض التمويل الفيدرالي المعلق بنسبة 15% لبرنامج ميديكيد سيزيد الوضع سوءاً.
اقرأ أيضاً: ما الذي يجب أن نتوقعه من بوتات الدردشة: الطبيب أم الصديق أم المعالج النفسي؟
فجوة المهارات بين الطبيب الحقيقي ومساعد الذكاء الاصطناعي
لكن الخبراء غير مقتنعين بأن الاعتماد الكبير على الذكاء الاصطناعي في المهام المعرفية في مجال الطب هو الحل الأمثل لمشكلة نقص الأطباء. تقول عالمة الكمبيوتر في جامعة كاليفورنيا في بيركلي، إيما بيرسون، إن ثمة فجوة كبيرة في الخبرة بين الأطباء والمساعدين الطبيين المعززين بالذكاء الاصطناعي، وقد ينطوي تجاوز هذه الفجوة على مخاطر جمة. وتضيف بيرسون: "أنا متحمسة إجمالاً لإمكانات الذكاء الاصطناعي في تعزيز الوصول إلى الخبرات الطبية. لكنني لست مقتنعة بأن هذه الطريقة بالذات هي الطريقة المثلى لتحقيق ذلك".
أصبح الذكاء الاصطناعي جزءاً لا يتجزأ من مجال الطب. فأدوات الرؤية الحاسوبية اليوم تحدد الإصابة بالسرطان في أثناء الفحوص الوقائية، وتتيح أنظمة البحث الآلية للأطباء استعراض المراجع الطبية بسرعة، ويمكن لأنظمة كتابة التقارير الطبية المدعومة بالذكاء الاصطناعي تدوين ملاحظات الطبيب خلال الفحص الطبي. لكن هذه الأنظمة مصممة لدعم الأطباء في أداء مهامهم الطبية اليومية المعتادة.
سكوب أيه آي
ما يميز سكوب أيه آي، كما يقول غودنر، هو قدرته على إنجاز المهام المعرفية اللازمة خلال زيارة المريض بصورة مستقلة، بدءاً من استعراض التاريخ الطبي للمريض مروراً بوضع قائمة من التشخيصات المحتملة وصولاً إلى تحديد التشخيص الأكثر احتمالاً واقتراح الخطوات التالية المناسبة.
في جوهر بناء سكوب أيه آي، مجموعة من النماذج اللغوية الكبيرة، يمكن لكل منها أداء خطوة محددة في الزيارة، بدءاً من توليد أسئلة المتابعة المناسبة بناء على ما قاله المريض وصولاً إلى عرض قائمة بالأمراض المحتملة. تعتمد هذه النماذج اللغوية الكبيرة بصورة رئيسية على نسخ معدلة مضبوطة بعناية من نماذج لاما المتاحة للجميع من شركة ميتا، على الرغم من أن غودنر يقول إن النظام يستفيد أيضاً من نماذج كلاود من شركة أنثروبيك.
خلال موعد الفحص، يطرح المساعدون الأسئلة من واجهة سكوب أيه آي، بينما يتولى سكوب أيه آي تحليل ما يقوله المريض وتوليد أسئلة جديدة. بالنسبة للأطباء الذين سيراجعون مخرجات سكوب أيه آي في وقت لاحق، يعد النظام مذكرة موجزة تتضمن ملخصاً لزيارة المريض، والتشخيص الأكثر احتمالاً، وتشخيصين أو ثلاثة تشخيصات بديلة، والخطوات التالية الموصى بها، مثل إحالات المريض إلى مختصين آخرين أو الوصفات الطبية. كما يشمل الملخص أيضاً توضيحاً لكل تشخيص وتوصية.
يستخدم سكوب أيه آي حالياً في عيادات أمراض القلب والغدد الصماء وعيادات الرعاية الصحية الأولية وفريق أكيدو المتخصص في تقديم الرعاية الصحية للمشردين في لوس أنجلوس. ويضم هذا الفريق -الذي يقوده الطبيب المتخصص في طب الإدمان، ستيفن هوكمان- مجموعة من الأطباء الذين يقدمون خدماتهم للمرضى في الشوارع لمساعدتهم في الحصول على الرعاية الطبية، بما في ذلك علاج اضطرابات تعاطي المخدرات.
في السابق، كان يتعين على هوكمان مقابلة المريض شخصياً لوصف الدواء المناسب لعلاج الإدمان على المواد الأفيونية؛ أما الآن، فيمكن للقائمين على الحالات باستخدام نظام سكوب أيه آي مقابلة المرضى من تلقاء أنفسهم، ويمكن لهوكمان الموافقة على توصيات النظام أو رفضها لاحقاً. يقول هوكمان: "هذا النظام يتيح لي القدرة على متابعة حالات متعددة في أماكن مختلفة في الوقت نفسه".
انتصارات صغيرة غير مسبوقة
منذ أن بدأ الفريق يستخدم سكوب أيه آي، أصبح بإمكانه تزويد المرضى بالأدوية اللازمة لعلاج إدمان المخدرات في غضون 24 ساعة، وهو أمر يصفه هوكمان بأنه "غير مسبوق".
هذا التدبير ممكن فقط لأن المرضى المشردين يحصلون عادة على تأمينهم الصحي من برنامج ميديكيد، وهو نظام التأمين العام للأميركيين أصحاب الدخل المنخفض. بينما يسمح برنامج ميديكيد للأطباء بالموافقة على وصفات سكوب أيه آي الطبية وخطط العلاج على نحو غير متزامن، سواء بالنسبة للخدمات الطبية المقدمة في الشوارع أو زيارات العيادة، فإن العديد من شركات التأمين الأخرى تشترط على الأطباء التحدث مباشرة إلى المرضى قبل الموافقة على تلك التوصيات. تقول بيرسون إن هذا التناقض يثير المخاوف، وتضيف: "يقلقك أن يؤدي ذلك إلى تفاقم الفوارق الصحية".
يدرك سامانت هذا التفاوت، ويقول إن التناقض ليس مقصوداً، بل هو ببساطة نتيجة طبيعية لطريقة عمل برامج التأمين الصحي الحالية. كما يشير أيضاً إلى أن الفحص السريع الذي يجريه مساعد طبي معزز بالذكاء الاصطناعي قد يكون أفضل من التعامل مع أوقات الانتظار الطويلة والعدد المحدود من مقدمي الرعاية الطبية، وهو الوضع السائد حالياً لمرضى برنامج ميديكيد. ويقول إنه يمكن لمرضى أكيدو كلهم اختيار النوع التقليدي من المواعيد مع الطبيب، إذا كانوا على استعداد للانتظار.
اقرأ أيضاً: من مساعد دردشة إلى طبيب افتراضي: أين يقودنا جي بي تي 5؟
يتمثل أحد التحديات الرئيسية المرتبطة باستخدام أدوات مثل سكوب أيه آي في التعامل مع المشهد التنظيمي والتأميني الذي لم يكن مصمماً لأنظمة الذكاء الاصطناعي القادرة على إدارة مواعيد الفحوص الطبية بصورة مستقلة. يقول الأستاذ في كلية الحقوق بجامعة هارفارد، غلين كوهين، إن أي نظام ذكاء اصطناعي يعمل بصورة فعالة بصفته بديلاً للطبيب التقليدي سيحتاج على الأرجح إلى موافقة إدارة الغذاء والدواء الأميركية، وقد يتعارض مع قوانين مزاولة مهنة الطب، التي تنص على أن ممارسة الطب مقتصرة على الأطباء وغيرهم من المهنيين الطبيين المعتمدين فقط.
ينص قانون الممارسة الطبية في كاليفورنيا على أن الذكاء الاصطناعي لا يمكن أن يحل محل مسؤولية الطبيب في تشخيص المريض وعلاجه، ولكن يسمح للأطباء باستخدام الذكاء الاصطناعي في عملهم، ولا يشترط القانون أن يروا المرضى شخصياً أو في الزمن الحقيقي عبر الإنترنت قبل تشخيصهم. لم تتمكن إدارة الغذاء والدواء الأميركية ولا المجلس الطبي في كاليفورنيا من تحديد إن كان نظام سكوب أيه آي يتمتع بأساس قانوني متين أم لا استناداً إلى الوصف المكتوب للنظام فقط.
لن يحل النظام محل الطبيب
لكن سامانت واثق من أن أكيدو تتماشى مع القانون، فالنظام سكوب أيه آي مصمم خصيصاً كي لا يحل محل الطبيب التقليدي. ويقول إن النظام لا يحتاج إلى موافقة إدارة الغذاء والدواء الأميركية لأنه يتطلب طبيباً بشرياً لمراجعة توصياته التشخيصية والعلاجية جميعها والموافقة عليها.
في العيادة، يحدث هذا التوازن الدقيق بين الذكاء الاصطناعي وقرارات الطبيب خلف الكواليس تماماً. لا يرى المرضى أبداً واجهة سكوب أيه آي بصورة مباشرة، بل يتحدثون إلى مساعد طبي يطرح الأسئلة بالطريقة التي قد يطرحها الطبيب خلال الفحص الطبي المعتاد. قد يجعل هذا الإجراء المرضى يشعرون براحة أكبر، لكن أستاذ الأخلاقيات الطبية والسياسات الصحية في جامعة بنسلفانيا الذي عمل في إدارتي أوباما وبايدن، زيك إيمانويل، يعرب عن قلقه من أن هذه الراحة قد تخفي عن المرضى مدى تأثير الخوارزمية على مستوى الرعاية الصحية المقدمة لهم.
تتفق بيرسون مع هذا الرأي، وتقول: "من المؤكد أن هذا ليس ما كان يقصد به تقليدياً عند الحديث عن الجانب الإنساني في مجال الطب".
يقول المساعد الطبي الذي يعمل في عيادة أمراض القلب التابعة لشركة أكيدو في مدينة رانشو كوكامونغا، دي أندريه سيرينجو، إنه على الرغم من أنه يخبر المرضى الذين يتعامل معهم بأن نظام الذكاء الاصطناعي سيسجل محادثاتهم خلال المراجعة الطبية لجمع المعلومات اللازمة للطبيب، فإنه لا يطلعهم على التفاصيل الدقيقة لكيفية عمل نظام سكوب أيه آي، بما في ذلك أنه يقدم توصيات تشخيصية للأطباء.
كيف يجري التعامل مع الانحياز للآلة؟
ونظراً لأن توصيات سكوب أيه آي كلها تخضع لمراجعة الأطباء، فقد لا يبدو ذلك أمراً مهماً، فالطبيب هو من يصدر التشخيص النهائي وليس الذكاء الاصطناعي. ولكن ثبت على نطاق واسع أن الأطباء الذين يستخدمون أنظمة الذكاء الاصطناعي يميلون إلى الأخذ بتوصيات النظام أكثر مما ينبغي، وهي ظاهرة تعرف باسم "الانحياز للآلة".
في هذه المرحلة، من المستحيل معرفة إن كان الانحياز للآلة يؤثر في قرارات الأطباء في عيادات أكيدو، مع أن بيرسون ترى أن هذا الأمر يشكل خطراً، خاصة عندما لا يكون الأطباء حاضرين شخصياً في أثناء المواعيد. وتقول: "أخشى أن يؤدي ذلك إلى قبول الأطباء أي قرار دون دراسة دقيقة، وهو أمر قد لا يحدث لو كانوا حاضرين شخصياً خلال المراجعة".
تقول متحدثة باسم أكيدو إن الانحياز للآلة هو مصدر قلق مشروع لأي أداة ذكاء اصطناعي تساعد الطبيب في اتخاذ القرارات، وتضيف أن الشركة بذلت جهوداً كبيرة للحد من هذا الانحياز. وتوضح: "لقد صممنا سكوب أيه آي خصيصاً للحد من الانحياز من خلال التصدي بصورة استباقية لنقاط الضعف التي يمكن أن تؤثر في القرارات الطبية، والتي تعتمد تاريخياً إلى حد كبير على حدس الطبيب وخبرته الشخصية. وتشير إلى أنهم "يدربون أيضاً الأطباء بصورة مباشرة على كيفية استخدام سكوب أيه آي بطريقة مدروسة، لضمان تحملهم المسؤولية وتجنب الاعتماد المفرط عليه".
تعمل أكيدو على تقييم أداء سكوب أيه آي من خلال اختباره على البيانات التاريخية ومراقبة عدد المرات التي يصحح فيها الأطباء توصياته؛ وتستخدم هذه التصحيحات أيضاً لتحسين عمل النماذج الأساسية. قبل إطلاق سكوب أيه آي في أي تخصص طبي، تضمن شركة أكيدو أن يكون النظام قادراً على تقديم التشخيص الصحيح ضمن أفضل ثلاث توصيات يقدمها في 92% على الأقل من حالات الاختبار على البيانات التاريخية.
لكن أكيدو لم تجر اختبارات أكثر صرامة، مثل الدراسات التي تقارن نتائج المواعيد بالاعتماد على سكوب أيه آي بنتائج المواعيد الشخصية التقليدية أو مواعيد الفحص الطبي عن بعد، لمعرفة إن كان النظام يحسن -أو على الأقل يحافظ على- نتائج علاج المرضى. يمكن أن تساعد مثل هذه الدراسة على تحديد إن كان الانحياز للآلة يعتبر مشكلة تستدعي القلق.
تقول بيرسون: "إن خفض تكلفة الرعاية الصحية وتيسير حصول الناس عليها هو هدف جدير بالثناء. لكنني أعتقد أن من المهم إجراء تقييمات دقيقة ومقارنة النتائج بنتائج الإجراءات التقليدية المرجعية".