شهدت اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة وأسبوع المناخ في نيويورك هذا العام تركيزاً لافتاً على الدور المتنامي للذكاء الاصطناعي باعتباره أداة محورية لمواجهة التحديات العالمية. وقد حظيت المبادرات المبتكرة المبنية على هذه التكنولوجيا باهتمام خاص، لا سيما تلك التي تستهدف إيجاد حلول عملية لقضايا اجتماعية أساسية مثل التعليم والرعاية الصحية والتغير المناخي.
وفي هذا السياق وعلى هامش اجتماعات الأمم المتحدة، كشفت شركة الهلال للمشاريع الإماراتية المتعددة الأنشطة، بالتعاون مع مبادرة إم آي تي سولف (MIT Solve) التابعة لمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، عن تخصيص جائزة بقيمة 100 ألف دولار لـ 4 فرق ناشئة قدمت حلولاً مبتكرة في مجالات التعليم والصحة والمناخ.
وفرت الجائزة، التي تحمل اسم "جائزة الهلال للمشاريع للابتكار الاجتماعي بالذكاء الاصطناعي"، للفائزين دعماً مالياً بلا أسهم، بالإضافة إلى برنامج إرشاد يمتد 9 أشهر عبر مبادرة "إم آي تي سولف" الهادفة إلى حل التحديات الاجتماعية بواسطة التكنولوجيا. يتيح هذا البرنامج للفائزين فرصة الاستفادة من شبكات واسعة للتوجيه والدعم تضم خبراء ومختصين ومستثمرين، بما يعزز فرص تطوير ابتكاراتهم وتوسيع نطاق تأثيرها.
اقرأ أيضاً: الذكاء الاصطناعي يستهلك العالم: هل يوجد مسار بديل يخدم الجميع؟
جوائز لمبادرات ناجحة في التعليم والصحة
توزعت المشاريع الفائزة بين مجالات متعددة، حيث حصد مشروع أقرأ بالعربية (I Read Arabic) جائزة عن تطوير مهارات القراءة باللغة العربية من خلال التعلم الرقمي التفاعلي بجودة عالية. وتعد "أقرأ بالعربية" منصة رقمية حائزة جوائز، أنشأتها شركة التعلم الرقمي العربي، التابعة لشركة "المفكرون الصغار".
يسهم المشروع في تعزيز مهارات القراءة بالعربية على نطاق واسع من خلال مكتبة رقمية تفاعلية تضم كتباً مصنفة حسب المستويات وتمارين للفهم وأدوات للمعلمين، كما يوفر دعماً للمدارس وأولياء الأمور والوزارات لتحسين مخرجات تعلم اللغة العربية، ويخدم حالياً أكثر من مليون متعلم في أكثر من 40 دولة.
كما حصل مشروع سمارت سكوب سي إكس (Smart Scope® CX) على الجائزة لتوفيره فحوص منخفضة التكلفة لسرطان عنق الرحم بالاعتماد على الذكاء الاصطناعي داخل منشآت الرعاية الصحية.
ويعد "سمارت سكوب سي إكس" جهازاً محمولاً مدعوماً بالذكاء الاصطناعي يستخدم لإجراء فحوص سرطان عنق الرحم في نقاط الرعاية مباشرة دون الحاجة إلى بنية تحتية مختبرية متقدمة. ويتيح الجهاز نتائج فورية تسهم في الكشف المبكر والعلاج، خصوصاً في المجتمعات الريفية والمناطق ذات الموارد المحدودة.
وقد طورت هذا الابتكار شركة "بيري وينكل تكنولوجيز" الهندية المتخصصة في تقنيات الصحة، التي تركز على تطوير أدوات فحص منخفضة التكلفة مدعومة بالذكاء الاصطناعي لتعزيز صحة المرأة في البيئات ذات الموارد الشحيحة.
اقرأ أيضاً: ما الحلول التي يقترحها سام ألتمان لحل مشكلات الطلب المتزايد على الطاقة في الذكاء الاصطناعي؟
حلول ذكية لحماية السواحل والوقاية من العمى
كذلك نال مشروع شركة ليتورال (Littoral) إحدى الجوائز الأربع بفضل ابتكاره القائم على تحويل البيانات الساحلية إلى أدوات للتكيف المناخي والتخطيط الوقائي، بما يعزز قدرة المناطق الشاطئية على مواجهة تقلبات المناخ.
وتعد "ليتورال" شركة ناشئة في مجال بيانات المناخ، أسسها فريق من علماء البحار ومهندسي البيانات الذين يجمعون خبرات متنوعة في علوم المحيطات والهندسة البيئية والنمذجة الجغرافية المكانية لمعالجة تحديات التكيف مع المناخ.
يهدف المشروع إلى تحويل البيانات الساحلية والبحرية إلى أدوات عملية للإنذار المبكر والتخطيط لمساعدة البلديات والمجتمعات المهددة بالتعرية والفيضانات وارتفاع مستوى سطح البحر. وتدمج المنصة صور الأقمار الصناعية وأجهزة الاستشعار المحلية والنماذج التنبؤية لمساعدة صناع القرار على تصميم سواحل أكثر قدرة على الصمود أمام التغيرات المناخية.
وأخيراً، فاز مشروع فيزيلانت (Visilant) بإحدى الجوائز بفضل مبادرته الهادفة إلى توسيع نطاق فحص النظر بأسعار مناسبة، بما يمنح عدداً أكبر من الأفراد فرصة التمتع برؤية أوضح وصحة أفضل. وتعد "فيزيلانت" مؤسسة اجتماعية أسسها فريق من أطباء العيون وخبراء الصحة العامة، تلتزم بالوقاية من حالات العمى الممكن تجنبها من خلال برامج فحص واسعة النطاق.
ويعتمد المشروع على أدوات مدعومة بالذكاء الاصطناعي ووحدات تشخيص متنقلة للكشف المبكر عن أمراض العيون مثل إعتام عدسة العين واعتلال الشبكية السكري وأخطاء الانكسار البصري. ويستهدف بالأساس الفئات السكانية المحرومة، خصوصاً في جنوب آسيا وإفريقيا، لضمان حصول المزيد من الأفراد على العلاج في وقت مبكر قبل الوصول إلى مرحلة فقدان البصر.
عدد غير مسبوق من طلبات المشاركة
يأتي هذا الحدث عقب إطلاق النسخة العربية الأولى من برنامج إم آي تي تشالينج كلينيك (MIT Challenge Clinic)، وهو برنامج إرشادي صمم لتمكين رواد الأعمال العرب من الوصول إلى شبكات "سولف" العالمية وتوسيع نطاق ابتكاراتهم باستخدام الذكاء الاصطناعي.
وبحسب المنظمين، استقطبت التحديات العالمية التي أطلقتها مبادرة "إم آي تي سولف" عام 2025 أكثر من 2900 طلب مشاركة من 130 دولة، وهو عدد غير مسبوق من الطلبات.
ومن بين هذه الطلبات، اختير 31 فريقاً حصلت مجتمعة على تمويلات تجاوزت 1.5 مليون دولار لدعم مشاريعها.
وفي هذا الإطار، أكد الرئيس التنفيذي لشركة الهلال للمشاريع، بدر جعفر، أن "قوة التكنولوجيا بقوة تأثيرها، وهذا ما تبرهنه هذه المجموعة الفريدة من الحلول المدعومة بالذكاء الاصطناعي، التي تقدم لنا فرصة حقيقية لمواجهة تحديات كنا نراها مستعصية، من محو الأمية والرعاية الصحية وصولاً إلى التكيف المناخي".
وأضاف قائلاً إن "شراكتنا مع "إم آي تي سولف" تربط رواد الأعمال أصحاب الرؤى الاجتماعية الهادفة بالموارد التي يحتاجون إليها لتحويل أفكارهم المبتكرة إلى حلول قابلة للتوسع، فالابتكار الذي نؤمن به في الهلال للمشاريع هو الابتكار الشامل والمستدام والداعم للتقدم الفعلي الملموس".
من جانبها، أوضحت المديرة التنفيذية لدى "إم آي تي سولف"، هلا حنا، أن المبادرة "تلتزم بتمكين المبتكرين الذين يقدمون للعالم حلولاً لأصعب تحدياته وأكثرها إلحاحاً"، وأضافت أن التعاون مع "الهلال للمشاريع" يتيح الوصول إلى عدد أكبر من أصحاب الحلول المدفوعة بالذكاء الاصطناعي في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وخارجها، ويمكنهم من الوصول إلى الموارد والشبكات الضرورية لتطوير ابتكاراتهم وتوسيع نطاق تأثيرها.
ويجسد هذا الحدث الدور الريادي الذي تضطلع به دولة الإمارات في دعم الابتكار الاجتماعي وتوظيف تقنيات الذكاء الاصطناعي لخدمة الإنسانية، كما يبرهن على أن التعاون بين المؤسسات العالمية والإقليمية قادر على خلق بيئة حاضنة تطلق حلولاً عملية ومستدامة لمواجهة التحديات الأكثر إلحاحاً في عصرنا.