أصبح التسوق عبر الإنترنت عادة يومية لمليارات البشر، حيث من المتوقع بحلول عام 2026 أن يشتري نحو 2.86 مليار شخص -أي ما يقرب من ثلث البشرية- السلع والخدمات عبر الإنترنت. ومن المتوقع أن تتجاوز مبيعات التجارة الإلكترونية العالمية 6.8 تريليونات دولار بحلول عام 2028، وفقاً لتقرير توقعات التجارة الإلكترونية العالمية للبيع بالتجزئة الصادر عن شركة الأبحاث فورستر، ما يؤكد أن التجارة الإلكترونية قد تطورت لتتجاوز مجرد كونها بديلاً عملياً للتسوق التقليدي المادي لتصبح الآن ركيزة أساسية للتجارة الدولية.
وسط هذا النمو الملحوظ يظهر سؤال محوري: مع التقدم السريع في التكنولوجيا هل نتجه حقاً نحو مستقبل تجري فيه المشتريات كلها تقريباً،بغض النظر عن نوع المنتج أو الخدمة عبر الواقع الافتراضي؟
سؤال المليون دولار: هل يمكن بيع كل شيء عبر نظارات الواقع الافتراضي؟
في الوقت الحالي يمكن تصفح العديد من المنتجات عبر الواقع الافتراضي، إذ تسهل التطورات، مثل نماذج المنتجات ثلاثية الأبعاد في تجربة الملابس أو النظارات، شراءها أو رؤية كيفية تناسق الأثاث في الغرفة قبل طلبها، كما تتيح نظارات الواقع الافتراضي للعملاء التجول في متجر افتراضي ومعاينة المنتجات كما لو كانت حقيقية، حتى إن التكنولوجيا تبنى لمحاكاة اللمس، إذ إن بعض أنظمة الواقع الافتراضي مزودة بقفازات لمسية أو وحدات تحكم تسمح للمتسوقين بالشعور بوزن المنتج أو ملمسه افتراضياً، وغالباً ما تكون مصحوباً براحة إضافية.
تتوقف هذه النجاحات على قدرة الواقع الافتراضي على خلق شعور قوي بالحضور والانغماس البصري، وبالنسبة للمنتجات التي تكون فيها الجماليات والتعليقات السمعية هي المحركات الأساسية لقرار الشراء، يقدم الواقع الافتراضي منصة مبيعات مقنعة. ومع ذلك، فإن حلم التسوق الإلكتروني بشكل كامل عبر تقنية الواقع الافتراضي لا يزال يواجه تحديات كبيرة عندما يتعلق الأمر بالمنتجات التي تعتمد بشكل كبير على الحواس الأخرى.
إذ يعد عدم القدرة على التفاعل جسدياً مع شيء ما تحدياً كبيراً، ففي حين أن التكنولوجيا اللمسية التي تحاكي حاسة اللمس من خلال الاهتزازات والضغط تتطور، إلا أنها لا تزال بعيدة كل البعد عن تكرار الأحاسيس الدقيقة المتمثلة في تصفح متجر إلكتروني تقليدي والقيام بعمليات المقارنة والاختيار.
اقرأ أيضاً: 4 خطوات لاستخدام الواقع الافتراضي والواقع المعزز في تدريب الموظفين وتطويرهم
وبالمثل، فإن حواس التذوق والشم في الوقت الحالي بعيدة عن متناول تكنولوجيا الواقع الافتراضي السائدة، وهذا يجعل بيع عناصر مثل العطور والأطعمة الطازجة تحدياً هائلاً، فعلى الرغم من أن التقنيات التجريبية تستكشف طرقاً لتوصيل الروائح أو تحفيز مستقبلات التذوق، فإنها ليست قابلة للتطبيق تجارياً أو مدمجة على نطاق واسع في أنظمة الواقع الافتراضي.
بالإضافة إلى القيود التكنولوجية، تؤدي الجوانب النفسية والاجتماعية للتسوق أيضاً دوراً حاسماً، فعلى الرغم من أن الواقع الافتراضي يمكنه محاكاة تجربة التسوق الاجتماعي باستخدام الصور الرمزية، فإنه قد لا يلتقط تماماً الفروق الدقيقة في التواصل الشخصي والخبرات المشتركة، إذ يستمتع الكثير من المتسوقين بالتجربة الملموسة للتجول في متجر إلكتروني أو مادي، والاكتشافات المصادفة والتفاعل مع مندوبي المبيعات المطلعين.
بالنظر إلى المستقبل في تكنولوجيا الواقع الافتراضي في إثراء تجارب التسوق، نجد أنها واعدة بلا شك، فمع تقدم التكنولوجيا يمكننا أن نتوقع ردود فعل لمسية أكثر تعقيداً، وربما حتى اختراقات في محاكاة الرائحة والطعم، إذ سيؤدي دمج الذكاء الاصطناعي إلى إضفاء الطابع الشخصي على تجربة التسوق الافتراضية وتقديم توصيات مخصصة ومساعدة تفاعلية.
ومع ذلك، من الأهمية بمكان أن ندرك أن تكنولوجيا الواقع الافتراضي هي أداة قوية تعمل على إكمال عمليات التسوق الإلكترونية التقليدية بدلاً من أن تحل محلها تماماً. لذا في المستقبل المنظور، فإن الإجابة عما إذا كان يمكن بيع كل شيء من خلال نظارات الواقع الافتراضي هي: "لا".
فبينما تستمر تكنولوجيا الواقع الافتراضي في التوسع وإثراء تجارب التسوق لدينا، فإن الحاجة البشرية الأساسية إلى التفاعل مع بعض المنتجات ستظل جزءاً أساسياً من حياتنا، ومع ذلك من المحتمل أن تكون استراتيجيات التجارة الالكترونية الأكثر تقدماً ونجاحاً في المستقبل هي التي تمزج بسلاسة بين القوة الغامرة لتكنولوجيا الواقع الافتراضي والثراء الحسي الذي لا يمكن الاستغناء عنه في العالم الحقيقي.
اقرأ أيضاً: ما هو دور الواقع الافتراضي في بناء مدن المستقبل؟
ما هي أبرز التحديات التي تواجه مستقبل التسوق عبر الواقع الافتراضي؟
يبشر مفهوم التسوق بتكنولوجيا الواقع الافتراضي، حيث يمكن للمستهلكين تصفح المنتجات والتفاعل معها في بيئة محاكاة ثلاثية الأبعاد من منازلهم، بإحداث ثورة في عالم التجارة الإلكترونية. ولكن مع ذلك يواجه التبني السلس والواسع النطاق لهذه التقنية الغامرة عدداً من التحديات الكبيرة التي يجب التغلب عليها.
في مقدمة هذه التحديات، تأتي القيود التكنولوجية والعتادية الكبيرة، إذ لا تزال تكلفة نظارات الواقع الافتراضي عالية الجودة تمثل عائقاً رئيسياً أمام دخول المستهلك العادي، إذ إنها لا تزال تمثل استثماراً كبيراً لتقنية لم تثبت بعد قيمتها التي لا غنى عنها في الحياة اليومية.
بالإضافة إلى التكلفة الأولية، قد تكون الأجهزة نفسها مرهقة، حيث يعاني بعض المستخدمين من عدم الراحة أو دوار الحركة بعد الاستخدام لفترات طويلة. علاوة على ذلك تتطلب قوة المعالجة اللازمة لتجربة واقع افتراضي سلسلة وواقعية قوة حاسوبية قوية، وغالباً ما تكون باهظة الثمن ما يحد من إمكانية الوصول إليها.
كما يرتبط تحدي إنشاء المحتوى وتطوير البرمجيات ارتباطاً وثيقاً بالأجهزة، إذ يعد بناء متجر افتراضي واقعي وجذاب مزود بمخزون ضخم ومفصل من نماذج المنتجات ثلاثية الأبعاد مسعى معقداً ومكلفاً ويتطلب مهارات متخصصة في النمذجة ثلاثية الأبعاد والبرمجة وتصميم تجربة المستخدم. وبالنسبة لتجار التجزئة قد يكون الاستثمار في إنشاء وصيانة تجربة واقع افتراضي عالية الجودة تحدياً كبيراً.
من العقبات المهمة الأخرى، تبني المستخدم تقنية الواقع الافتراضي وتجربته الشاملة، فإلى جانب الإزعاج الجسدي الذي يعانيه بعض المستخدمين، توجد مخاوف بشأن خصوصية البيانات وأمانها. ففي بيئة التسوق الافتراضية، قد تجمع الشركات كميات هائلة من البيانات حول سلوك المستخدم وتفضيلاته، وحتى معلوماته البيومترية، ما يثير تساؤلات مهمة حول الخصوصية التي ينبغي معالجتها لبناء ثقة المستهلك.
علاوة على ذلك، قد تكون واجهة المستخدم الحالية وطريقة التنقل داخل العديد من تطبيقات الواقع الافتراضي غير سلسة وبديهية لغير المعتادين على الألعاب أو تجارب الواقع الافتراضي الأخرى. ولكي يصبح التسوق عبر الواقع الافتراضي شائعاً، ينبغي ألا تقتصر التجربة على الانغماس في تجربة غامرة فحسب، بل ينبغي أن تكون أيضاً بسيطة ومتاحة لشريحة سكانية واسعة.
أخيراً، فإن التحديات التجارية والاستراتيجية قد تشكل عائقاً وتحدياً أساسياً ينبغي لتجار التجزئة مواجهته. على سبيل المثال، تشكل التكلفة العالية لإنشاء منصة تسوق واقع افتراضي ونشرها عائقاً كبيراً، لا سيما للشركات الصغيرة، كما قد يواجه تجار التجزئة تحدي دمج الواقع الافتراضي في بنيتهم التحتية الحالية للتجارة الإلكترونية والخدمات اللوجستية.
اقرأ أيضاً: لماذا يتعين على الشركات الاهتمام بالواقع الافتراضي ثلاثي الأبعاد «ميتافيرس»؟
هل يمكن للواقع الافتراضي أن يحل محل تجربة التسوق الإلكترونية الحالية بالكامل؟
في حين أن الواقع الافتراضي على وشك إحداث ثورة في مشهد التجارة الإلكترونية، إلا أنه من غير المرجح أن يحل محل تجربة التسوق الإلكترونية الحالية بشكل كامل، وبدلاً من ذلك من المتوقع أن يعزز نموذج التسوق الحالي منتجات وتجارب محددة، بينما ستظل كفاءة وراحة التجارة الإلكترونية التقليدية لا غنى عنها لتلبية العديد من احتياجات المستهلكين، إذ إن نموذج التسوق الإلكتروني الحالي يتمتع بنقاط قوة جوهرية تضمن استمراريته منها:
- سرعة وكفاءة لا مثيل لهما: بالنسبة للمستهلكين الذين يعرفون ما يريدون، فإن القدرة على البحث بسرعة عن منتج معين وإضافته إلى سلة التسوق وإتمام عملية الشراء في غضون دقائق تعد ميزة كبيرة، بينما قد يكون التنقل في متجر افتراضي للعثور على منتج واحد محدد أكثر استهلاكاً للوقت.
- سهولة الوصول وانخفاض عوائق الدخول: التسوق عبر الإنترنت متاح لأي شخص لديه اتصال بالإنترنت ومتصفح ويب. من ناحية أخرى، يتطلب الواقع الافتراضي أجهزة متخصصة لا تزال باهظة الثمن نسبياً ولم تعتمد على نطاق واسع بعد.
- كثافة المعلومات والمقارنة: تتميز منصات التجارة الإلكترونية التقليدية بعرض كميات كبيرة من المعلومات بتنسيق موجز، وغالباً ما تكون مقارنة المواصفات والأسعار والتقييمات لمنتجات متعددة أسهل على واجهة ثنائية الأبعاد.
- تكاليف تطوير وصيانة أقل: يتطلب إنشاء تجربة تسوق متطورة وجذابة عبر الواقع الافتراضي والحفاظ عليها موارد أكثر بكثير للشركات مقارنة بموقع التجارة الإلكترونية التقليدي.
اقرأ أيضاً: كيف تستفيد العلامات التجارية من المؤثرين الافتراضيين في التسويق؟
بالنظر إلى كل ذلك، من المتوقع أن نتجه إلى تجربة تسوق هجينة تمزج ما بين تجربة التسوق الإلكتروني التقليدي والواقع الافتراضي. على سبيل المثال، قد يبحث العميل عن منتج ما عبر تطبيق ويستخدم الواقع المعزز أو الواقع الافتراضي لتخيله في منزله، ثم يزور متجراً فعلياً لإجراء فحص شخصي نهائي قبل إتمام عملية الشراء
وبهذه الطريقة سيحتل الواقع الافتراضي مكانة بارزة في مشهد التجارة الإلكترونية المستقبلي مقدماً رحلات تسوق أكثر ثراءً وتفاعلاً وتخصيصاً لمجموعة واسعة من المنتجات، ومن ثم يكمن مستقبل التسوق في المزج الذكي بين النموذج الحالي والافتراضي والاستفادة من نقاط القوة الفريدة لكل منهما لخلق تجربة تسوق سلسلة ومرضية للعملاء.