خلال الأسبوع الأخير من شهر يونيو/حزيران، حققت كل من شركتي التكنولوجيا أنثروبيك وميتا انتصارات تاريخية في دعويين قضائيتين منفصلتين نظرتا فيما إذا كانت الشركتان قد انتهكتا حقوق التأليف والنشر عندما عملتا على تدريب نماذجهما اللغوية الكبيرة على كتب محمية بموجب حقوق التأليف والنشر دون إذن. هذه الأحكام هي الأولى من نوعها التي نراها في قضايا حقوق التأليف والنشر من هذا النوع. وهي مسألة بالغة الأهمية!
يعد استخدام الأعمال المحمية بموجب حقوق التأليف والنشر لتدريب النماذج محور معركة مريرة بين شركات التكنولوجيا وصانعي المحتوى. وتتجلى هذه المعركة في جدل تقني حول ما يعد استخداماً عادلاً لعمل محمي بموجب حقوق التأليف والنشر وما لا يعد كذلك. لكن الأمر يتعلق في نهاية المطاف بإيجاد مساحة يمكن أن يستمر فيها الإبداع البشري والإبداع الآلي في التعايش معاً.
ثمة العشرات من الدعاوى القضائية المماثلة المتعلقة بحقوق التأليف والنشر قيد النظر في المحاكم في الوقت الحالي، إذ رفعت دعاوى ضد الجهات الفاعلة الرئيسية كلها، فالأمر لا يقتصر على شركتي أنثروبيك وميتا فقط، بل يطال أيضاً كلاً من جوجل وأوبن أيه آي ومايكروسوفت وغيرها. وعلى الجانب الآخر، يتراوح مجال عمل المدعين من فنانين ومؤلفين أفراد إلى شركات كبيرة مثل غيتي ونيويورك تايمز.
اقرأ أيضاً: كيف ستؤثر قضايا حقوق النشر لمنتجات الذكاء الاصطناعي في الإبداع والابتكار؟
بانتظار انعكاس نتائج هذه القضايا على مستقبل الذكاء الاصطناعي
من المتوقع أن تحدث نتائج هذه القضايا تأثيراً هائلاً في مستقبل الذكاء الاصطناعي. في الواقع، ستحدد هذه القضايا إن كان بإمكان صانعي نماذج الذكاء الاصطناعي الاستمرار في الحصول على امتيازات مجانية أم لا. وإذا أفضت النتيجة إلى منعهم من ذلك، فسيتعين عليهم البدء في الدفع مقابل بيانات التدريب هذه من خلال أنواع جديدة من اتفاقيات الترخيص، أو حتى إيجاد طرق جديدة لتدريب نماذجهم. قد تحدث هذه الاحتمالات انقلاباً جذرياً في هذا المجال.
ولهذا السبب تعد انتصارات شركات التكنولوجيا مؤخراً مهمة للغاية. والسؤال المطروح الآن: هل حسمت المحكمة هذه القضايا؟ الجواب: ليس تماماً. إذا تعمقنا في التفاصيل، نجد أن الأحكام أقل وضوحاً مما تبدو عليه للوهلة الأولى. دعونا نلقي نظرة من كثب.
في كلتا القضيتين، سعت مجموعة من المؤلفين (كانت دعوى أنثروبيك دعوى جماعية؛ ورفع 13 مدعياً دعوى قضائية ضد ميتا، بما في ذلك أسماء بارزة مثل سارة سيلفرمان وتا-نهيزي كوتس) إلى إثبات أن ثمة شركة تكنولوجية قد انتهكت حقوق التأليف والنشر التي يمتلكها هؤلاء المؤلفون من خلال استخدام كتبهم لتدريب نماذج لغوية كبيرة. وفي كلتا القضيتين، جادلت الشركتان بقولهما إن عملية التدريب هذه تعد استخداماً عادلاً، وهو حكم قانوني يسمح باستخدام الأعمال المحمية بموجب حقوق التأليف والنشر لأغراض معينة.
تنتهي أوجه التشابه عند هذا الحد. إذ حكم كبير القضاة الفيدراليين في محكمة المقاطعة الأميركية للمنطقة الشمالية من ولاية كاليفورنيا، ويليام ألسوب، في 23 يونيو/حزيران لصالح أنثروبيك بأن استخدام الشركة للكتب كان قانونياً لأن ما فعلته بها كان تحويلياً، أي أنها لم تستبدل الأعمال الأصلية بل صنعت منها شيئاً جديداً. كتب ألسوب في حكمه: "كانت التكنولوجيا محل النزاع من بين أكثر التكنولوجيات التحويلية التي سيشهدها الكثيرون منا في حياتنا".
أما في قضية ميتا، فقد قدم القاضي الفيدرالي في المحكمة نفسها، فينس تشابريا، حجة مختلفة. إذ انحاز أيضاً إلى جانب شركة التكنولوجيا، لكنه ركز حكمه بدلاً من ذلك حول إذا ما كانت ميتا قد أضرت بسوق عمل المؤلفين أم لا. قال تشابريا إنه يعتقد أن ألسوب قد تجاهل أهمية الضرر الذي يلحق بالسوق. وكتب في 25 يونيو/حزيران: "السؤال الرئيسي في أي قضية تقريباً قائمة على شكوى مفادها أن المدعى عليه نسخ العمل الأصلي لشخص ما دون إذن الأخير، هو إن كان السماح للناس بالانخراط في هذا النوع من السلوك سيضعف سوق العمل الأصلي إلى حد كبير".
نحن أمام حكمين صادرين مختلفين تماماً، لكن النتيجة واحدة. وليس من الواضح بالضبط ما يعنيه ذلك بالنسبة إلى القضايا الأخرى. فمن ناحية، تدعم هذه النتيجة على الأقل روايتين من حجج الاستخدام العادل، ومن ناحية أخرى، ثمة بعض الخلاف حول كيفية البت في مسألة الاستخدام العادل.
لكن ثمة أموراً أهم تجدر الإشارة إليها. كان تشابريا واضحاً تماماً في حكمه بأن ميتا لم تربح لأنها كانت على حق، بل لأن المدعين فشلوا في تقديم حجة قوية بما فيه الكفاية. وكتب: "في المجمل، إن عواقب هذا الحكم محدودة. هذه ليست دعوى جماعية، لذا فإن الحكم يؤثر فقط في حقوق هؤلاء المؤلفين الثلاثة عشر، لا في عدد هائل من المؤلفين الآخرين الذين استخدمت ميتا أعمالهم لتدريب نماذجها. وكما يجب أن يكون واضحاً الآن، فإن هذا الحكم لا يدعم الافتراض القائل بأن استخدام ميتا للمواد المحمية بموجب حقوق التأليف والنشر لتدريب نماذجها اللغوية قانوني". يبدو هذا بمثابة دعوة لأي شخص آخر لديه مظلمة ليتوجه إلى المحكمة ويحاول مرة أخرى.
ولم تبرئ المحكمة أياً من الشركتين بعد. تواجه كل من أنثروبيك وميتا مزاعم منفصلة تماماً بأنهما لم تدربا نموذجيهما على كتب محمية بموجب حقوق التأليف والنشر فحسب، بل إن الطريقة التي حصلتا بها على تلك الكتب كانت غير قانونية لأنهما حصلتا على نسخة منها من قواعد بيانات مقرصنة عبر الإنترنت. تواجه شركة أنثروبيك الآن محاكمة أخرى بشأن مزاعم القرصنة هذه. وقد أمرت المحكمة ميتا بالدخول في نقاش مع الجهات المدعية عليها حول كيفية التعامل مع هذه القضية.
اقرأ أيضاً: دليلك لتدريب نماذج الذكاء الاصطناعي دون انتهاك حقوق الملكية الفكرية والنشر
أين يقودنا كل هذا إذاً؟
بما أن الأحكام التي صدرت مؤخراً تعد أول أحكام تصدر في قضايا من هذا النوع، لا شك في أنه سيكون لها تأثير هائل. لكنها أيضاً الأحكام الأولى من بين العديد من الأحكام. والحجج التي يمتلكها كلا طرفي النزاع لم تستنفد بعد.
يقول المحامي في مكتب المحاماة بول هاستينغز الذي يمثل مجموعة من شركات التكنولوجيا في دعاوى حقوق التأليف والنشر الجارية، أمير غافي: "تعد هذه القضايا بمثابة اختبار رورشاخ من ناحية أن كلا طرفي النزاع سيرى ما يريد أن يراه من الأوامر القضائية". ويشير أيضاً إلى أن أولى القضايا من هذا النوع رفعت قبل أكثر من عامين، حيث يقول: "مع الأخذ في الاعتبار الطعون المحتملة والقضايا الأخرى التي تزيد على 40 قضية معلقة، لا يزال الطريق طويلاً قبل أن تحسم المحاكم هذه القضية".
ولكن حتى بعد أن تهدأ الأمور في قاعات المحاكم، ماذا بعد؟ لن تكون المشكلة قد حلت. ذلك لأن الشكوى الأساسية للمبدعين، سواء كانوا أفراداً أم مؤسسات، لن يكون مفادها في الحقيقة أن حقوق التأليف والنشر الخاصة بهم قد انتهكت، بل أن حقوق التأليف والنشر هي مجرد أداة قانونية في أيديهم. شكواهم الحقيقية هي أن سبل عيشهم ونماذج أعمالهم معرضة لخطر التقويض. وفوق ذلك: عندما تقلل أخطاء الذكاء الاصطناعي قيمة الجهد الإبداعي، هل ستبدأ دوافع الناس لطرح أعمالهم في العالم بالتلاشي؟
من هذا المنظور، فإن هذه المعارك القانونية ستشكل مستقبلنا جميعاً. لا يوجد حتى الآن حل ناجع مطروح على الطاولة لهذه المشكلة الأوسع نطاقاً، فلا يزال كل شيء مطروحاً للنقاش.