مريض يتلقى دفعة داعمة من الذكاء الاصطناعي التوليدي بفضل زرعة نيورالينك في دماغه

5 دقيقة
مصدر الصورة: ستيفاني آرنيت/إم آي تي تكنولوجي ريفيو | غيتي

في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، حصل برادفورد سميث على زرعة دماغية من شركة نيورالينك (Neuralink) التي يملكها إيلون ماسك. وهذا الجهاز -وهو مجموعة من الأسلاك الرفيعة المتصلة بجهاز كمبيوتر بسماكة بضعة ميليمترات مثبتة في جمجمته- يتيح له استخدام أفكاره لتحريك مؤشر الكمبيوتر على الشاشة.

وبحلول الأسبوع الأول من مايو/أيار كان مستعداً للكشف عنها في منشور على منصة إكس (X).

"أنا ثالث شخص في العالم يتلقى زرعة دماغية من نيورالينك (@Neuralink). وأول مصاب بالتصلب الجانبي الضموري وأول شخص عاجز عن الكلام يحظى بهذه الفرصة. أنا أكتب هذا المنشور بدماغي. إنه وسيلة تواصلي الأساسية. اسألوني ما شئتم! سأجيب على الأقل المستخدمين أصحاب الحسابات الموثقة جميعهم!".

اقرأ أيضاً: زرعة دماغية مدعومة بالذكاء الاصطناعي تعيد الحركة والشعور لمريض شلل رباعي

زرعة دماغية مع بوت دردشة للمساعدة على التواصل الفعال

تستقطب حالة سميث الاهتمام لأنه لا يتواصل عبر زرعة دماغية فحسب، بل يتلقى المساعدة أيضاً من بوت الدردشة التابع لماسك، غروك (Grok)، الذي يقترح أساليب مشاركة سميث في المحادثات وصاغ بعض الردود التي نشرها على منصة إكس.

يعمل الذكاء الاصطناعي التوليدي على تسريع معدل قدرته على التواصل، ولكنه يثير أيضاً تساؤلات بشأن الهوية الحقيقية لمن يتحدث، هل هو سميث أم برنامج ماسك؟

يقول طبيب الأعصاب في جامعة واشنطن الذي يدرس أخلاقيات زراعة الدماغ، إيران كلاين: "هناك مفاضلة بين السرعة والدقة. تكمن الوعود التي تحملها واجهة التخاطب بين الدماغ والكمبيوتر في أنه إذا أمكن دمجها مع الذكاء الاصطناعي، فستكون أسرع بكثير".

سميث أب لثلاثة أطفال، واكتشف إصابته بمرض التصلب الجانبي الضموري بعد إصابة في الكتف تعرض لها خلال مباراة دودج بول في الكنيسة ولم يُشف منها. ومع تطور المرض، فقد القدرة على تحريك أي شيء باستثناء عينيه، ولم يعد قادراً على الكلام. وعندما توقفت رئتاه عن ضخ الهواء، اتخذ قراراً بالبقاء على قيد الحياة باستخدام أنبوب تنفس.

وابتداءً من عام 2024، بدأ محاولة الحصول على قبول في دراسة زرعات نيورالينك عبر "حملة من الترويج الذاتي الجريء"، كما قال لصحيفته المحلية في ولاية أريزونا: "لقد أردت ذلك بشدة".

في اليوم السابق لعملية سميث الجراحية، ظهر ماسك نفسه على شاشة هاتفه المحمول ليتمنى له التوفيق. قال ماسك، وفقاً لمقطع فيديو يصور المكالمة: "آمل أن يحقق هذا نقلة نوعية بالنسبة لك ولأسرتك".

أجاب سميث، وهو يكتب إجابة باستخدام جهاز يتتبع حركة عينيه: "أنا متحمس جداً للحصول على هذه الزرعة في رأسي". كانت هذه هي التقنية التي كان يستخدمها في السابق للتواصل، وإن كان ذلك ببطء.

تكافل بين البشر والذكاء الاصطناعي! 

كان سميث على وشك الخضوع لعملية جراحية في الدماغ، لكن ظهور ماسك الافتراضي كان ينبئ بتحول أكبر. كان دماغ سميث على وشك الانضمام إلى منظومة تكنولوجية وإعلامية أوسع نطاقاً بكثير، فأحد أهدافه، كما قال الملياردير، هو تحقيق "التكافل" بين البشر والذكاء الاصطناعي.

تأمل ما حدث في 27 أبريل/نيسان، وهو اليوم الذي أعلن فيه سميث على منصة إكس أنه تلقى زرعة دماغية وأراد أن يتلقى الأسئلة. جاء أحد الأسئلة الأولى من "أدريان ديتمان"، وهو حساب غالباً ما يُشتبه في أنه الشخصية البديلة لماسك.

ديتمان: "تهانينا! هل يمكنك وصف شعورك عندما تكتب وتتفاعل مع التكنولوجيا عموماً باستخدام زرعة نيورالينك؟

سميث: "مرحباً أدريان، أنا براد، وأكتب هذا من دماغي مباشرة! إنه شعور جنوني، وكأنني سايبورغ من أحد أفلام الخيال العلمي، أحرك المؤشر بمجرد التفكير فيه. في البداية، كان الأمر صعباً ، حيث كان المؤشر يتصرف مثل فأرة مترنحة، كنت أجد صعوبة بالغة في توجيهه حيث أريد، ولكن بعد أسابيع من التدريب مع حركات اليد والفك المتخيلة، أصبح الأمر أكثر سلاسة، وكأنني أركب دراجة".

وتساءل مستخدم آخر، ملاحظاً سلاسة الصياغة وعلامات الترقيم (الشرطة الطويلة هي حرف خاص، يستخدمه الذكاء الاصطناعي بصورة متكررة ولكن تواتر استخدامه أقل لدى المعلقين من البشر)، إن كان الرد قد كتبه الذكاء الاصطناعي.

لم يجب سميث على منصة إكس، لكنه أكد في رسالة إلى إم آي تي تكنولوجي ريفيو أنه استخدم غروك لصياغة الإجابات بعد أن قدم لبوت الدردشة ملاحظات كان يدوّنها حول تقدمه. أرسل لنا سميث رسالة بالبريد الإلكتروني قال فيها: "لقد طلبت من غروك استخدام هذا النص لتقديم إجابات كاملة عن الأسئلة. أنا مسؤول عن المحتوى، لكنني استخدمت الذكاء الاصطناعي في الصياغة".

يبدو الحوار على منصة إكس من نواحٍ عديدة مثالاً شبه سريالي للتسويق المتبادل. ففي نهاية المطاف، كان سميث ينشر من زرعة ماسك، بمساعدة ذكاء اصطناعي تابع لماسك، على منصة إعلامية تابعة لماسك وردّاً على أحد معجبيه المشاهير، إن لم يكن في الواقع "الشخصية البديلة" لأغنى شخص في العالم. لذا من العدل أن نتساءل: ما هي الحدود التي تفصل بين سميث ومنظومة ماسك؟

اقرأ أيضاً: زرعات دماغية تُعيد القدرة على الكلام لمرضى التصلب بمساعدة الذكاء الاصطناعي

هل يصبح المرضى تابعين لمنظومة "ماسك" التكنولوجية؟

هذا سؤال يجذب انتباه علماء الأخلاقيات العصبية، الذين يقولون إن حالة سميث تسلط الضوء على قضايا رئيسية حول احتمال اندماج الزرعات الدماغية والذكاء الاصطناعي يوماً ما.

الأمر المذهل بالطبع هو أن سميث يجيد توجيه المؤشر بدماغه بما يكفي لإرسال الرسائل النصية لزوجته في المنزل والرد على رسائلنا الإلكترونية. وبما أنه لم يكن قد مضى على شهرته سوى بضعة أيام فقط (عندما تواصلنا معه لنشر هذا المقال)، فقد أخبرنا أنه لا يريد أن يدلي برأيه كثيراً في الأسئلة الفلسفية حول أصالة مشاركاته بمساعدة الذكاء الاصطناعي. وقال: "لا أريد أن أخوض فيما لا يعنيني. وأترك الأمر للخبراء ليتجادلوا حول ذلك!".

كان جهاز تعقب العين الذي استخدمه سميث في السابق للكتابة يتطلب إضاءة منخفضة، وكان يعمل فقط في الأماكن المغلقة. وأوضح في مقطع فيديو نشره على منصة إكس: "كنت كما لو أنني باتمان عالق في غرفة مظلمة". أما الزرعة فتتيح له الكتابة في أماكن أكثر إشراقاً -حتى في الهواء الطلق- وبسرعة أكبر قليلاً.

 كيف تعمل هذه الزرعة؟

تستمع الأسلاك الرفيعة المزروعة في دماغه إلى الخلايا العصبية. ونظراً لأن إشاراتها خافتة، فلا بد من تضخيمها وفلترتها وأخذ عينات منها لاستخراج أهم خصائصها، والتي تُرسل من دماغه إلى جهاز ماك بوك (MacBook) عبر الراديو ثم تخضع لمعالجة معمقة للسماح له بتحريك مؤشر الكمبيوتر.

ومن خلال التحكم في هذا المؤشر، يكتب سميث باستخدام تطبيق معين. لكن تكنولوجيات الذكاء الاصطناعي المختلفة تساعده على التعبير عن نفسه بسرعة وبصورة طبيعية. إحدى هذه التكنولوجيات هي خدمة من شركة ناشئة تدعى "إليفن لابز" (ElevenLabs)، أنشأت نسخة من صوته من بعض التسجيلات التي سجلها عندما كان يتمتع بصحة جيدة. يمكن لـ "مستنسخ الصوت" (voice clone) قراءة كلماته المكتوبة بصوت عالٍ بطريقة تشبه صوته. (يستفيد من هذه الخدمة بالفعل مرضى آخرون مصابون بالتصلب الجانبي الضموري ممن ليس لديهم زرعات).

كان الباحثون يدرسون مشاعر مرضى التصلب الجانبي الضموري (ALS) تجاه فكرة وجود مثل هذه المساعِدات اللغوية. في عام 2022، أجرى كلاين مقابلات مع 51 شخصاً مصاباً بالتصلب الجانبي الضموري ووجد مجموعة من الآراء المختلفة.

بعض الناس متشددون، مثل أمينة مكتبة شعرت أن كل ما تتواصل به يجب أن يكون من كلماتها. والبعض الآخر يتسم بالتساهل، فقد شعر أحد مقدمي البرامج أن الجانب الأهم هو مواكبة الحوارات السريعة.

في مقطع الفيديو الذي نشره سميث على الإنترنت، قال إن مهندسي نيورالينك بدؤوا يستخدمون نماذج لغوية تتضمن تشات جي بي تي (ChatGPT) وغروك لتقديم مجموعة مختارة من الردود ذات الصلة على الأسئلة، بالإضافة إلى خيارات للعبارات والأفكار التي يمكن أن يقولها في المحادثات التي تدور حوله. أحد الأمثلة التي ذكرها: "طلب مني صديقي أن أطرح له أفكاراً بشأن صديقته التي تحب الخيول. فاخترت الخيار الذي أخبره بصوتي أن يحضر لها باقة من الجزر. يا لها من فكرة مبتكرة ومضحكة".

هذه ليست أفكاره حقاً، لكنها تفي بالغرض، لأن النقر عبر الدماغ مرة واحدة في قائمة من الخيارات أسرع بكثير من كتابة إجابة كاملة، الأمر الذي قد يستغرق دقائق.

أخبرنا سميث أنه يريد تطوير الأمر. حيث يقول إن لديه فكرة لنموذج لغوي كبير "يراعي الجوانب الشخصية بدرجة أكبر" من خلال "التدرب على كتاباتي السابقة ليجيب بآرائي وأسلوبي".  وقال لمجلة إم آي تي تكنولوجي ريفيو إنه يبحث عن شخص يرغب في تطوير مثل هذا النموذج اللغوي من أجله: "إذا كنت تعرف أي شخص يرغب في مساعدتي، فأعلمني بذلك".

 

المحتوى محمي