عام 2021، بعد مرور 20 عاماً على وفاة الشقيقة الكبرى لفوهيني فارا، كانت لا تزال عاجزة عن أن تروي قصة خسارتها. وقد كتبت في كتابها الذي حمل عنوان "البحث" (Searches)، الذي يضم مجموعتها الجديدة من المقالات عن تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، تقول: "تساءلتُ، إذا كانت آلة سام ألتمان تستطيع أن تفعل ذلك من أجلي". لذا جربت بوت الدردشة المدعوم بالذكاء الاصطناعي، تشات جي بي تي (ChatGPT). ولكن مع توسع البوت في أوامر فارا النصية عبر جمل تتراوح بين المتكلفة والمقلقة والسامية، فإن الشيء الذي استعانت به ليكون أداة لم يعد يبدو آلياً.
كيف يمكننا أن نفهم الآلات لا أن نستخدمها فقط؟
كتب نموذج الذكاء الاصطناعي عن المرأة الشابة التي كانت فارا تكنّ لها الكثير من التقدير: "في قديم الزمان، علمتني معنى الحياة". أطلقت فارا، وهي صحفية وروائية، على المقال الناتج عن ذلك اسم "الأشباح" (Ghosts)، وفي رأيها أن أفضل السطور التي وردت في المقال لم تكن من تأليفها، حيث تقول: "لقد وجدت نفسي منجذبة على نحو لا يقاوم إلى جي بي تي 3 (GPT-3)، إلى الطريقة التي عرض بها، دون إصدار أحكام، تقديم الكلمات إلى كاتبة وجدت نفسها في حيرة من أمرها، وبينما كنت أحاول الكتابة بصدق أكبر، بدا لي أن الذكاء الاصطناعي يفعل الشيء نفسه".
إن الانتشار السريع للذكاء الاصطناعي في حياتنا يطرح تحديات جديدة تتعلق بالتأليف والأصالة والأخلاقيات في العمل والفن، ولكنه يطرح أيضاً مشكلة إنسانية خاصة في السرد: كيف يمكننا أن نفهم هذه الآلات وليس فقط استخدامها؟ وكيف تؤثّر الكلمات التي نختارها والقصص التي نرويها عن التكنولوجيا في الدور الذي نسمح لها بتوليه (أو حتى الاستيلاء عليه) في حياتنا الإبداعية؟ يستكشف كلُّ من كتاب فارا وكتاب "الملهم الخارق" (The Uncanny Muse)، وهو مجموعة مقالات عن تاريخ الفن والأتمتة للناقد الموسيقي ديفيد هاجدو، كيف تصارع البشر تاريخياً وشخصياً مع الطرق التي ترتبط بها الآلات بأجسادنا وعقولنا وإبداعنا. وفي الوقت نفسه، يذكّرنا كتاب "العقل الكهربائي" (The Mind Electric)، وهو كتاب جديد لطبيبة الأعصاب بريا أناند، بأن تقليد آلياتنا الداخلية قد لا يكون بهذه السهولة.
اقرأ أيضاً: مولّد الصور الجديد من أوبن أيه آي: نقلة تقنية تفتح آفاقاً جديدة للتصميم الإبداعي
كتاب "بحث" هو قطعة أثرية غريبة، فهو يتضمن مذكرات في جزء منه، وتحليلاً نقدياً في جزء ثانٍ، وتجارب إبداعية بمساعدة الذكاء الاصطناعي في جزء ثالث، وتتتبع مقالات فارا الوقت الذي قضته بصفتها مراسلة تكنولوجية ثم روائية في منطقة خليج سان فرانسيسكو إلى جانب تاريخ قطاع الذكاء الاصطناعي الذي شاهدته وهو يكبر. لطالما كانت التكنولوجيا قريبة بما يكفي لتلامسها، حيث كانت إحدى صديقاتها في الكلية من أوائل الموظفين لدى شركة جوجل، وعندما بدأت فارا بإعداد تقارير عن شركة فيسبوك (ميتا الآن)، أصبحت هي ومارك زوكربيرغ "صديقين" على منصته. عام 2007، نشرت سبقاً صحفياً مفاده أن الشركة كانت تخطط لتطبيق فكرة استهداف الإعلانات استناداً إلى المعلومات الشخصية للمستخدمين، وهي أول طلقة أُطلِقت في حرب البيانات الطويلة والشرسة المقبلة. في مقالها الذي يحمل العنوان "سرقة الأفكار العظيمة" (Stealing Great Ideas)، تتحدث عن رفضها وظيفة إعداد تقارير عن شركة آبل لتلتحق بكلية الدراسات العليا في مجال الرواية. وهناك كتبت رواية عن أحد مؤسسي التكنولوجيا، التي نُشِرت لاحقاً بعنوان "الملك الخالد راو" (Immortal King Rao). تشير فارا إلى أن فنها آنذاك كان، من بعض النواحي، "مرتبطاً ارتباطاً وثيقاً بالموارد التي استخدمتها في إبداعه"، منتجات مثل مستندات جوجل، وجهاز ماك بوك، وجهاز آيفون. لكن هذه الموارد التي كانت تستخدمها، قبل حقبة الذكاء الاصطناعي، كانت أدوات بكل بساطة. أمّا ما تلا ذلك، فكان مختلفاً.
الانتقال من مرحلة الأدوات إلى الشراكة
تتخلل مقالات فارا فصول من الحوارات المتبادلة بين المؤلفة وتشات جي بي تي حول الكتاب نفسه، حيث يعمل الروبوت محرراً بإيعاز من فارا. يلخص تشات جي بي تي كتاباتها وينتقدها بلهجة مؤسسية باتت مألوفة اليوم لأي عامل في مجال المعرفة. يقول عن الفصول القليلة الأولى حول شركات التكنولوجيا: "إذا كان هناك مجال للاختلاف، فقد يكون في توازن هذه الروايات. قد يجادل البعض بأن الفوائد -مثل خلق فرص العمل، والابتكار في مختلف القطاعات مثل الذكاء الاصطناعي والخدمات اللوجستية، والمساهمات في الاقتصاد العالمي- يمكن أن تفوق السلبيات".
تلاحظ فارا أن تشات جي بي تي يكتب باستخدام ضمير المتكلم "نحن" وضمير الملكية "أنا" في هذه الردود، ما يكسب القصة طابعاً إنسانياً بدلاً من الطابع التقني: "ذكرتِ في وقتٍ سابق ’وصولنا إلى المعلومات‘ و’تجاربنا وتصوراتنا الجماعية‘"، وعندما تسأل عن الغرض الخطابي من هذا الاختيار، يرد تشات جي بي تي بقائمة مرقمة من الفوائد بما في ذلك "الشمولية والتضامن" و"الحيادية والموضوعية" ويُضيف أن "استخدام ضمير المتكلم بصيغة الجمع يساعد على تأطير المناقشة من حيث التجارب الإنسانية المشتركة والتحديات الجماعية".
اقرأ أيضاً: 6 طرق لاستخدام بوت الدردشة غروك ستُغيّر تجربتك مع الذكاء الاصطناعي
هل يعتقد بوت الدردشة أنه إنسان؟
هل يعتقد بوت الدردشة أنه إنسان أو على الأقل هل يريد البشر الذين صنعوه أن يعتقد البشر الآخرون أنه كذلك؟ تتساءل فارا: "هل يمكن للشركات أن تستخدم هذه الأدوات [الخطابية] في منتجاتها أيضاً، لجعل الناس يتعاطفون معها بدلاً من معارضتها، بأسلوب خفي؟". يرد تشات جي تي: "بالتأكيد".
لدى فارا مخاوف بشأن الكلمات التي استخدمتها أيضاً. في مقالها الذي يحمل عنوان "شكراً لك على عملك المهم" (Thank You for Your Important Work)، تشعر بالقلق بشأن تأثير مقالها الذي حمل عنوان "الأشباح" الذي انتشر على نطاق واسع بعد نشره أول مرة. هل ساعدت كتاباتها الشركات على إخفاء حقيقة الذكاء الاصطناعي خلف ستار مخملي؟ كانت غايتها أن تقدّم "استفزازاً" دقيقاً، مستكشفة كيف يمكن أن يكون الذكاء الاصطناعي التوليدي غريباً. لكنها أنتجت بدلاً من ذلك شيئاً جميلاً بما يكفي ليكون بمثابة إعلان عن إمكاناته الإبداعية، حتى فارا نفسها شعرت بالخداع. فقد أعجبها بصورة خاصة أحد المقاطع التي كتبها البوت عن فارا وشقيقتها عندما كانتا طفلتين تمسكان بأيدي بعضهما بعضاً في رحلة طويلة بالسيارة. لكنها لم تستطع تخيل أن يكون أي من المقاطع عاطفياً إلى هذا الحد، وأدركت فارا أن ما استخرجته من الآلة كان "تحقيقاً للأمنيات"، وليس شيئاً يتعلق بالذكريات.
إن الانتشار السريع للذكاء الاصطناعي في حياتنا يطرح تحديات جديدة حول التأليف والأصالة والأخلاقيات في العمل والفن. كيف يمكننا أن نفهم هذه الآلات، لا أن نستخدمها فحسب؟
لم تكن الآلة هي الشيء الوحيد الذي يقبع خلف هذا الستار الذي لا يمكن أن يكون حقيقياً. فنماذج جي بي تي وغيرها من النماذج تخضع للتدريب من خلال العمل البشري، في ظروف استغلالية في بعض الأحيان. والكثير من بيانات التدريب كانت من العمل الإبداعي لكتّاب بشريين قبلها. وكتبت تقول: "لقد استحضرت لغة مصطنعة عن الحزن من خلال استخراج عبارات لغوية عن الحزن لأشخاص حقيقيين من البشر". صحيحٌ أن الأشباح الإبداعية في النموذج مصنوعة من رموز برمجية، لكنها في النهاية مصنوعة من البشر أيضاً. ربما أسهم مقال فارا في إخفاء هذه الحقيقة أيضاً.
في المقال الأخير من الكتاب، تقدّم فارا صورة طبق الأصل عن تلك المناقشات القائمة على الحوار المتبادل مع الذكاء الاصطناعي بصفتها وسيلة للعلاج. بعد إرسالها استبياناً مغْفل الهوية إلى نساء من مختلف الأعمار، تقدم الردود على كل سؤال، واحداً تلو الآخر. حيث تطرح سؤالاً مثل "صِفي شيئاً غير موجود"، فتجيب النساء: "العدل"، "الصدق المطلق"، الحكمة المطلقة"، "الكمال"، "وظيفتي. (فقدتها)". الأشخاص الحقيقيون يناقضون بعضهم بعضاً، ويمزحون، ويصرخون، ويحزنون، ويتذكرون. وبدلاً من صوت واحد سلطوي -محرر أو دليل أسلوب محدود لشركة ما- تقدّم لنا فارا حشداً كاملاً من الإبداع البشري المتلهف. تسأل فارا المجموعة: "ما هو شعور أن تكوني على قيد الحياة؟"، فتجيب إحدى النساء: "تختلف الإجابة من شخص لآخر".
تشابك الإنسان والآلة
يعمل ديفيد هاجدو الآن محرراً موسيقياً في مجلة ذا نيشن (The Nation) الأميركية، وقد كان ناقداً موسيقياً سابقاً في المجلة الأميركية ذا نيو ريبابليك (The New Republic)، وهو يعود إلى فترات تسبق بكثير السنوات الأولى من ظهور منصة فيسبوك ليروي تاريخ الوسائل والمهارات التي أتقنها البشر لصنع الآلات واستخدامها من أجل التعبير عن أنفسنا. كانت آلات البيانو والميكروفونات وأجهزة توليد الأصوات الموسيقية ومزجها والآلات الكهربائية، كلها تكنولوجيات مساعدة واجهت الشكوك قبل أن تحظى بالقبول وبالمكانة العالية أحياناً في الموسيقى والثقافة الشعبية. حتى أنها أثرت في نوع الفن الذي كان الناس قادرين على صنعه وأرادوا صنعه. فالتضخيم الكهربائي، على سبيل المثال، أتاح للمغنين استخدام نطاق صوتي أوسع مع الاستمرار في توسيع قاعدتهم الجماهيرية. وقدمت آلة توليد الأصوات الموسيقية معجماً صوتياً جديداً لموسيقى الروك. يقول هاجدو في كتابه "الملهم الخارق" متسائلاً: "ما هو السيئ في أن تكون ميكانيكياً على أي حال؟ وما هو الرائع في أن تكون إنساناً؟"
لكن هاجدو مهتم أيضاً بمدى تشابك تاريخ الإنسان والآلة، والمرات الكثيرة التي استخدمنا أحدهما كناية عن الآخر. ويذكّرنا بأن ديكارت رأى الجسد آلة فارغة للوعي. ويقول عالم الرياضيات والفيلسوف الإنجليزي توماس هوبز في أحد كتبه إن "الحياة ما هي إلا حركة للأطراف"، ووصف فرويد العقل بأنه محرك بخاري. وقال الفنان الأميركي الراحل آندي وارهول في إحدى المقابلات إن "كل شخص يجب أن يكون آلة". وعندما دخلت أجهزة الكمبيوتر إلى المشهد، استخدمها البشر بمثابة رموز تعبّر عنهم أيضاً. كتب هاجدو قائلاً: "حيث ساعدنا نموذج الآلة في السابق على فهم الجسم البشري، قادتنا فئة جديدة من الآلات إلى تخيل الدماغ (كيف نفكر، وما الذي نعرفه، وحتى كيف نشعر أو كيف نفكر فيما نشعر به) باستخدام عالم الكمبيوتر".
اقرأ أيضاً: ماذا يعني أن يتمكّن الذكاء الاصطناعي من التغلب على البشر في اختبار القدرات الإبداعية؟
ولكن ما الذي يضيع في خضم هذه التقابلات الأحادية؟ ما الذي يحدث عندما نتخيل أن تعقيد الدماغ -وهو عضو ما زلنا بعيدين كل البعد عن فهمه بالكامل- يمكن محاكاته باستخدام أرقام مكونة من وحدان وأصفار؟ ربما ما سيحدث هو أننا سنحصل على عالم مليء ببوتات الدردشة والمنظومات الوكيلة (agents) والأعمال الفنية المولدة بواسطة الكمبيوتر، وأنظمة تنسيق الأغاني العاملة بالذكاء الاصطناعي (AI DJ)، والتي تدعي الشركات أنها أصوات إبداعية فريدة وليست ناجمة عن إعادة مزج لملايين المدخلات البشرية. وربما نحصل أيضاً على مشاريع مثل النظام الذي يحمل الاسم المهين "الرسام الأحمق" (Painting Fool)، وهو ذكاء اصطناعي يرسم بالألوان، طورّه الباحث في جامعة كوين ماري في لندن، سيمون كولتون. وقد أخبر هاجدو أنه أراد "إظهار قدرة برنامج حاسوبي على أن يؤخذ على محمل الجد بصفته فناناً مبدعاً في حد ذاته". ما يقصده كولتون ليس مجرد آلة تصنع الفن، بل آلة تعبر عن رؤيتها الخاصة للعالم، حيث يقول: "الفن الذي يعبّر عن معنى أن تكون آلة".
ما الذي يحدث عندما نتخيل أن تعقيد الدماغ -وهو عضو ما زلنا بعيدين كل البعد عن فهمه بالكامل- يمكن محاكاته باستخدام أرقام مكونة من وحدان وأصفار؟
هل تسليم الإبداع الفني للآلة قرار حكيم؟
يبدو هاجدو فضولياً ومتفائلاً بشأن هذا المسار البحثي. حيث يقول: "لقد كانت الآلات بأنواعها المختلفة وسائل للتعبير على مر العصور، وتؤدي أدواراً لا تقدر بثمن في تواصلنا من خلال الفن. مع نمو ذكاء الآلات، ربما لا يزال في جعبتها المزيد للتعبير عنه، إذا سمحنا لها بذلك". لكن السؤال الذي يثيره كتاب "الملهم الخارق" في النهاية هو: لماذا يجب علينا نحن البشر، صانعي الفن، أن نسارع إلى تسليم مهمة الرسم إلى فرشاة الرسم؟ لماذا نهتم بمنظور فرشاة الرسم عن العالم؟ هل انتهينا حقاً من رواية قصصنا بأنفسنا؟
قد تجيب طبيبة الأعصاب بريا أناند بالنفي. حيث كتبت في كتابها الذي يحمل عنوان "العقل الكهربائي" (The Mind Electric) تقول: "السرد إنساني ومذهل بطبيعته بصورة
عامة، فهو لا إرادي كالتنفس، وضروري كالنوم، ومريح كالتصرف بلا تكلّف. لديه القدرة على أن يربط بيننا، ولكن أيضاً على أن يربطنا بالآخرين، ولديه القدرة على كشف الحقائق، ولكن أيضاً على التعتيم". تنتمي الكهرباء في كتاب "كهرباء العقل" بالكامل إلى الدماغ البشري، فلا ضرورة للاستعارة في التشبيه. بدلاً من ذلك، يستكشف الكتاب عدداً من الآلام العصبية والقصص التي يرويها المرضى والأطباء لفهمها بصورة أفضل. كتبت أناند قائلة: "إن حقيقة أجسادنا وعقولنا غريبة كالخيال"، واللغة التي تستخدمها في الكتاب مثيرة للمشاعر، شأنها شأن أي رواية.
تُظهر أناند، في مقالات قصيرة شخصية ومدروسة بعمقٍ على نهج أوليفر ساكس، أن أي مقارنة بين الأدمغة والآلات ستفشل حتماً. فهي تحكي عن المرضى الذين يرون صوراً واضحة وهم مكفوفون وظيفياً، ويختلقون قصصاً كاملة تملأ حياتهم الماضية عندما يفقدون ذاكرتهم، ويعانون انهيارات نفسية لا يستطيع ملاحظتها سوى قلة قليلة من الناس، وهم يرون أشباحاً ويسمعونها بالطبع. في الواقع، تستشهد أناند بدراسة واحدة أجريت على 375 طالباً جامعياً وجد فيها الباحثون أن ما يقرب من ثلاثة أرباعهم "سمعوا صوتاً لا يمكن لأحد آخر سماعه". لم يشخص الأطباء هؤلاء الطلاب بأنهم مصابون بالفصام أو يعانون أوراماً دماغية، بل كانوا مجرد أشخاص يستمعون إلى ملهمي أفكارهم الخارقين. سمع الكثيرون منهم أسماءهم، وسمع آخرون صوتاً يناجيهم من السماء، واستطاع البعض الآخر سماع صوت أحد الأحباء المتوفين. تشير أناند إلى أن الكتّاب على مر التاريخ سخّروا التفاعلات العضوية مع هذه الأشباح الداخلية لصنع الفن. كتبت الكاتبة الإنجليزية الراحلة فيرجينيا وولف عن تجاربها الخاصة مع الأصوات الشبحية قائلة: "أرى نفسي أتنفس هذه الأصوات في أشرعتي. أنا سفينة مسامية تطفو على الإحساس". إن العقل في رواية "العقل الكهربائي" شاسع وغامض ومكتظ بالناس. كما أن الروايات التي ينسجها الناس لسبر أغواره مليئة بالعجائب.
لن يتوقف البشر عن استخدام التكنولوجيا لمساعدتنا على الإبداع في أي وقتٍ قريب، ولا يوجد سبب يدفعنا إلى ذلك. فالآلات تشكّل أدوات رائعة، كما كانت دائماً. ولكن عندما نحول الأدوات نفسها إلى فنانين ورواة قصص، وعقول وأجساد، وسحرة وأشباح، فإننا نتجاوز الحقيقة من أجل تحقيق الأمنيات. ولعل ما هو أسوأ من ذلك، أننا نحرم أنفسنا من فرصة المساهمة بأصواتنا في جوقة التجربة الإنسانية الصاخبة والحيوية. ونحرم الآخرين من المتعة الإنسانية عند سماعها أيضاً.