انقطاع التيار الكهربائي في إسبانيا والبرتغال: هل كان نتيجة لهجوم سيبراني؟

3 دقيقة
هل يمكن استخدام الكهرباء النظيفة للاستغناء عن مصادر الطاقة الملوثة في المصانع؟
مصدر الصورة: أرتور نيتشيبورينكو. غيتي إيميدجيز

شهدت عدة مناطق في إسبانيا والبرتغال وجنوب غرب فرنسا يوم الاثنين انقطاعاً شاملاً للتيار الكهربائي تسبب في شل الحياة العامة، حيث توقفت المطارات والنقل العام وعُلِّقت العمليات بالمستشفيات وانقطعت تغطية الإنترنت والهاتف المحمول، فيما أعلنت إسبانيا حالة الطوارئ ونشرت 30 ألف شرطي لتوفير الأمن وتجنب الفوضى.

هذا الانقطاع أربك حياة ملايين الأشخاص، ودفع الحكومتين الإسبانية والبرتغالية وشركات الكهرباء إلى التحرك العاجل لتحديد الأسباب ومعالجتها.

ما الذي حدث بالضبط؟

قالت شركة الكهرباء الإسبانية (Red Eléctrica de España) المملوكة جزئياً للدولة، إن كلاً من إسبانيا والبرتغال تعرّضتا لما يُعرف باسم إل ثيرو (el cero)، وهي كلمة تعني الصفر، وتشير إلى انقطاع شامل للتيار الكهربائي. من جانبها، قالت شركة الكهرباء البرتغالية (Redes Energéticas Nacionais) إن الانقطاع بدأ في تمام الساعة 11:33 يوم الاثنين صباحاً بتوقيت غرب أوروبا الصيفي.

صباح الثلاثاء، أعلنت شركة الكهرباء الإسبانية عودة التيار الكهربائي إلى 90% من مناطق إسبانيا، وقالت إن التيار الكهربائي عاد خلال الليل إلى نحو 6.2 ملايين منزل من أصل 6.5 ملايين منزل في البرتغال، كما عاد إلى مدريد والعاصمة البرتغالية لشبونة. 

وأشارت إلى أن هذه العملية تُجري بحذر وعلى مراحل لتفادي أي ضغط زائد على أجزاء الشبكة.

شركة الكهرباء الفرنسية قالت إنها ساعدت على إعادة التيار إلى إسبانيا من خلال تزويدها بـ700 ميغاواط من الكهرباء، مع إمكانية زيادتها لاحقاً عند الحاجة.

اقرأ أيضاً: أبرز أسباب انقطاع الإنترنت في الدول والحلول الشائعة لهذه المشكلة

ما هو سبب الانقطاع؟

قال رئيس الوزراء البرتغالي لويس مونتينيغرو إنه لا يعرف حتى الآن سبب انقطاع التيار الكهربائي، لكنه ألقى باللوم على إسبانيا، قائلاً إن المشكلة لم تبدأ في البرتغال

وأشارت تقارير إلى أن الاضطرابات الجوية في إسبانيا أدّت إلى تذبذبات غير طبيعية في خطوط التوتر العالي جداً نتيجة ما يُعرف بظاهرة تُسمَّى الاهتزاز الجوي المُستحث (Induced Atmospheric Vibration). وقد تسببت هذه التذبذبات في اختلال التزامن بين أنظمة الكهرباء، ما أدّى إلى سلسلة من الانقطاعات في الشبكة المترابطة.

تاكو إنجيلار، وهو مدير شركة نيرا (Neara) التي تطوّر برمجيات متخصصة بأنظمة الطاقة، قال إن التغيّرات المفاجئة في درجات الحرارة تؤثّر في خصائص الموصلات، ما يؤدي إلى اضطراب في تردد الشبكة.

أمّا جورج زاتشمان، وهو باحث في مركز بروغل للأبحاث في العاصمة البلجيكية بروكسل، فقد أشار إلى أن الشبكة عانت سلسلة انقطاعات في محطات التوليد، بما في ذلك محطة في فرنسا، وذلك بعد أن انخفض التردد إلى ما دون المستوى الأوروبي القياسي البالغ 50 هرتز.

اقرأ أيضاً: خبراء يحسبون تكلفة انقطاع الإنترنت على مستوى العالم ليوم واحد

هل الانقطاع ناجم عن هجوم سيبراني؟

قال أنطونيو كوستا، وهو رئيس المجلس الأوروبي ورئيس وزراء البرتغال السابق (2015–2024)، إنه لا يوجد دليل يشير إلى أن ما حدث كان نتيجة هجوم سيبراني، لكنه أشار في الوقت نفسه إلى أن السبب الدقيق وراء الانقطاع لا يزال غير معروف.

في السياق ذاته، قالت تيريزا ريبيرا، نائبة رئيس المفوضية الأوروبية، في مقابلة مع راديو 5 الإسباني، إنه لا توجد أدلة على وجود أي تخريب متعمد تسبب في هذا الانقطاع الواسع.

ورغم ذلك، عقد الملك الإسباني فيليبي السادس اجتماعاً طارئاً مع مجلس الأمن القومي الإسباني صباح الثلاثاء لتقييم أبعاد الانقطاع.

دور الطاقة المتجددة

على الرغم من أن الطاقة المتجددة ليست السبب المباشر لانقطاع التيار الكهربائي، فإنها أدّت دوراً غير مباشر في تعقيد المشكلة. إسبانيا تُعدّ من الدول الرائدة في التحول إلى الطاقة المتجددة، حيث وفّرت المحطات الشمسية ومزارع الرياح أكثر من 56% من احتياجات الدولة من الكهرباء في العام الماضي، ومن المتوقع أن ترتفع هذه النسبة إلى 81% عام 2030.

هذا التحول يساعد البلاد على تقليل اعتمادها على الوقود الأحفوري، لكنه يفرض تحديات تقنية على شبكات التوزيع التي تحتاج إلى استثمارات ضخمة لتحديث البنية التحتية وضمان توازن الإمداد، إذ تتطلب مصادر الطاقة المتجددة بسبب طبيعتها المتقلبة أنظمة ذكية ومتقدمة لضبط التردد والتعامل مع التغيرات المفاجئة في الإنتاج والاستهلاك.

تكمن المشكلة في أن محطات الطاقة التقليدية تعتمد على مولدات الغاز التي تزود الشبكة بإمداد ثابت وغير متقطع. في حين تحتاج الشبكة الكهربائية التي تعتمد على الطاقة المتجددة إلى أنظمة مخصصة للحفاظ على استقرار الشبكة.

هل الربط الكهربائي بين الدول أسهم في تفاقم المشكلة؟

في حين أن الربط الكهربائي بين الدول يُعدُّ عنصراً أساسياً لتبادل الطاقة وضمان استقرار الإمدادات، إلّا أنه يمكن أن يكون أيضاً نقطة ضعف في حال حدوث خلل كبير. وهناك سوابق تاريخية تؤكد خطورة الربط الكهربائي، مثل ما حدث عام 2003، حين شهد أكثر من 50 مليون شخص في إيطاليا انقطاع التيار الكهربائي يوماً كاملاً تقريباً بعد أن تجاوز خط كهرباء يربط بين سويسرا وإيطاليا طاقته الاستيعابية، وكذلك عام 2006، حين أدّى حمل زائد في ألمانيا إلى انقطاعات عانتها البرتغال والمغرب.

هذا يعني أن الربط الكهربائي بين الدول يمكن أن يؤدي إلى انتقال الأعطال عبر الشبكة، ويجعل الانقطاع واسع النطاق ويشمل أكثر من دولة، تماماً كما حدث يوم الاثنين حين أدّت مشكلة في إسبانبا إلى انقطاع شامل في البرتغال وأجزاء من جنوب فرنسا.

لكن بالمقابل، الربط الكهربائي لا يسهم فقط في انتشار المشكلات، بل يؤدي دوراً كبيراً في الحد منها. فمثلاً، ساعد الربط الكهربائي بين إسبانيا وفرنسا على تسريع استعادة التيار، حيث زوّدت شبكة الكهرباء الفرنسية على الفور إسبانيا بنحو 700 ميغاواط من الكهرباء.

المحتوى محمي