يزداد خطر حرائق الغابات عاماً بعد عام في أنحاء العالم كافة، ويبدو أنه لا توجد أي منطقة محصنة منها، من غابات الأمازون إلى أستراليا، وصولاً إلى الولايات المتحدة. ففي شهر يناير 2025، تعرضت مقاطعة لوس أنجلوس الأميركية لحرائق هائلة تسببت في خسائر مالية قُدِرت قيمتها بنحو 250 مليار دولار أميركي.
وعلى الرغم من أن الأقمار الصناعية تساعد على رصد الحرائق، فإن معظم الصور التي توفّرها تفتقر إلى الدقة العالية، ولا تُحدَّث بشكلٍ منتظم، كما أنها غير قادرة على تمييز الحرائق الصغيرة في مراحلها المبكرة. لكن ماذا لو كان هناك حلٌ يمكنه اكتشاف الحرائق الصغيرة بكفاءة ودقة عالية قبل أن تكبر وتخرج عن السيطرة؟
هذا هو هدف مشروع فايرسات (FireSat)، وهو مشروع جديد يعتمد على الأقمار الصناعية وتحليل الصور بالذكاء الاصطناعي للكشف المبكر عن حرائق الغابات ومتابعتها بشكلٍ مستمر. بحسب القائمين على المشروع، الهدف هو الكشف عن الحرائق الصغيرة التي قد تصل مساحتها إلى 82 متراً مربعاً بعد 20 دقيقة فقط من اندلاعها.
اقرأ أيضاً: هل ينقذ الذكاء الاصطناعي كوكب الأرض من تهديد التغيّر المناخي؟
نظرة عامة على مشروع فايرسات
ستُطلَق مجموعة تضم أكثر من 50 قمراً صناعياً ضمن مشروع فايرسات للكشف المبكر عن حرائق الغابات. هذه الأقمار مزودة بكاميرات تعمل بالأشعة تحت الحمراء، وهي نوع خاص من الكاميرات المخصصة للتصوير الحراري التي تلتقط صوراً عبر عدة أطياف مختلفة. الفكرة من استخدام هذه الكاميرات هي أنها تُتيح للأقمار الصناعية رصد التغيرات الحرارية على الأرض التي قد تشير إلى حرائق في مراحلها الأولى، كما أن هذه الكاميرات مدعومة بخوارزميات الذكاء الاصطناعي التي صُمِّمت لتصفية الصور، بحيث تتمكن من التمييز بين الحريق الفعلي والأشياء الأخرى التي قد تبدو مشابهة له، مثل دخان المداخن أو الأضواء الساطعة. هذه الدقة تساعد على اكتشاف الحرائق بسرعة أفضل وتمكّن فرق الإطفاء من التدخل المبكر للحد من انتشار الحرائق.
اقرأ أيضاً: أبرز التقنيات الحديثة لاكتشاف حرائق الغابات وإخمادها
دور الذكاء الاصطناعي في تحليل صور الأقمار الصناعية
يستخدم مشروع فايرسات الذكاء الاصطناعي لتحليل الصور عالية الدقة الملتقطة بواسطة الأقمار الصناعية لمناطق معينة حول العالم ومقارنتها، ويتمكن من تحديد وجود حرائق الغابات بدقة عالية عن طريق مقارنة الصور الحديثة للموقع مع صور سابقة للموقع نفسه، مع مراعاة عوامل مثل البنية التحتية المحيطة والظروف الجوية المحلية، لتحديد ما إذا كانت هناك حرائق نشطة أم لا.
بفضل دقة الصور الملتقطة بالأقمار الصناعية والتحليل بالذكاء الاصطناعي، يمكن التغلب على التحدي الأكبر المتمثل بالتمييز بين الحرائق الفعلية والأشياء التي قد تبدو مشابهة لها، المشروع قادر على تعلم كيفية التعرف إلى الحرائق بشكلٍ دقيق وتجاهل أي إشارات مزيفة.
لاختبار هذه التقنية، استخدم فريق التطوير طائرة مزودة بأجهزة استشعار، وفي أول تجربة، أشعل أحد أعضاء الفريق النار في شواية وفي حفرة بفناء منزله الخلفي. وعندما حلّقت الطائرة فوق المنطقة. تمكّنت أجهزة الاستشعار من اكتشاف النار في الشواية والحفرة بدقة.
مَن يقف خلف هذا المشروع؟
الفريق الذي يقف وراء مشروع فايرسات يشمل جوجل للأبحاث (Google Research) وشركة ميون سبيس (Muon Space) الأميركية المتخصصة في تصنيع الأقمار الصناعية. هؤلاء الشركاء أسسوا معاً تحالفاً غير ربحي يُسمّى تحالف الأرض والنار (Earth Fire Alliance)، وهو الجهة المسؤولة عن مشروع فايرسات.
تمويل أول قمر اصطناعي في هذا المشروع يأتي جزئياً من مبادرة "التعاون في مجال الذكاء الاصطناعي: حرائق الغابات" التي أطلقتها مؤسسة جوجل دوت أورغ (Google.org). تهدف هذه المبادرة إلى جمع منظمات غير ربحية ومؤسسات أكاديمية وهيئات حكومية وشركات مختلفة للعمل معاً على تطوير الذكاء الاصطناعي واستخدامه بهدف الحد من آثار حرائق الغابات المدمرة.
في إطار هذه المبادرة، قدمت جوجل دوت أورغ مبلغ 13 مليون دولار لدعم إطلاق أول قمر صناعي من مجموعة فايرسات.
اقرأ أيضاً: باحثون من جامعة أبوظبي يطوّرون نظاماً لاستشعار حرائق الغابات وإخمادها في غضون دقائق
متى سيكون المشروع جاهزاً؟
أُطلِق بالفعل أول قمر صناعي من مجموعة أقمار فايرسات، ومن المتوقع أن ينتهي إطلاق الأقمار الصناعية كلّها الخاصة بالمشروع وتشغيلها بحلول عام 2030. عندما تعمل الأقمار، ستوفّر مجموعة ضخمة من البيانات التي ستسهم في إنشاء سجل تاريخي عالمي لانتشار الحرائق.
هذا السجل سيكون متاحاً للعلماء والباحثين، وسيساعدهم على دراسة سلوك حرائق الغابات وتحليله بشكلٍ دقيق. باستخدام هذه البيانات، سيكون من الممكن نمذجة وتوقع كيفية تطور الحرائق في المستقبل، وتحسين استراتيجيات التصدي لها والحد من أضرارها، والأهم من ذلك كلّه، سيكون المشروع قادراً على الكشف المبكر عن الحرائق قبل انتشارها على مساحات واسعة.