مَن سيتربع على مشهد الذكاء الاصطناعي في الصين: علي بابا أمْ تنسنت؟

5 دقيقة
حقوق الصورة: shutterstock.com/Sira Anamwong

بينما يتابع الكثيرون مشهد سباق الذكاء الاصطناعي المتسارع بين الولايات المتحدة والصين من كثب، يدور سباق آخر في الصين بين شركات الذكاء الاصطناعي التي وصل عددها بنهاية عام 2024 إلى أكثر من 4500 شركة تمثّل نحو 15% من إجمالي شركات الذكاء الاصطناعي في العالم، ما يُبرز الدور المهم للصين في صناعة الذكاء الاصطناعي على مستوى العالم.

وسط هذه البيئة التنافسية العالية لشركات الذكاء الاصطناعي في الصين، تبرز شركتا علي بابا وتنسنت كقوتين رئيسيتين تتنافسان على الهيمنة والريادة المحلية، حتى صُنفتا ضمن شركات أخرى كفرق وطنية للذكاء الاصطناعي (AI National Team)، ما يُسلّط الضوء على دورهما المحوري، إذ تتميز الشركتان بالتحديد بالخبرة التكنولوجية الرائدة والموارد المالية الهائلة.

ولكن ما هي استراتيجيات كل منهما في صناعة الذكاء الاصطناعي؟ وما هي أهدافهما وأصولهما المادية والبحثية في مجال الذكاء الاصطناعي؟ وأيّهما أوفر حظاً في التربع على قائمة قمة شركات الذكاء الاصطناعي في الصين؟

شركة علي بابا: رائدة الحوسبة السحابية

تُعدُّ شركة علي بابا (Alibaba) من أكبر شركات التجارة الإلكترونية في الصين، حيث استحوذت على نحو 40% من حصة السوق بنهاية عام 2024، ما جلب لها إيرادات قياسية وصلت إلى 941 مليار يوان (نحو 130.4 مليار دولار)، ما جعل دخولها إلى قطاع الذكاء الاصطناعي سهلاً، إذ أنشأت نظاماً بيئياً شاملاً للذكاء الاصطناعي متشابكاً بعمق مع مجموعتها التجارية الواسعة، وتُعدُّ منصة الحوسبة السحابية علي بابا كلاود (Alibaba Cloud) حجر الزاوية في هذا النظام البيئي، حيث تقدّم مجموعة واسعة من خدمات الذكاء الاصطناعي وذكاء البيانات، الذي جعلها أكبر شركة حوسبة سحابية في الصين والعالم.

وتُعدُّ منصتها السحابية بنية تحتية أساسية لدعم أحمال عمل الذكاء الاصطناعي المتقدمة لشركات الذكاء الاصطناعي الناشئة المحلية، كما تبنت الشركة أيضاً استراتيجية تطوير مجموعة متنوعة من منتجات الذكاء الاصطناعي وخدماته التي تغطي قطاعات وتطبيقات متعددة.

كما تُخطط للاستثمار بكثافة في مجال الذكاء الاصطناعي، وأصدرت نماذج ذكاء الاصطناعي مفتوحة المصدر لاقت شعبية كبيرة مثل نموذج كوين (Qwen)، ما أدّى إلى زيادة كبيرة في سعر سهمها وقيمتها السوقية منذ بداية العام، وتحولها إلى شركة رائدة في سوق الذكاء الاصطناعي في الصين.

اقرأ أيضاً: ما هي نماذج الذكاء الاصطناعي مفتوحة المصدر التي طبقتها ديب سيك؟ وكيف سيكون تأثيرها؟

شركة تنسنت: رائدة منصات التواصل الاجتماعي

برزت شركة تنسنت (Tencent)، المالكة لمنصة وي تشات (WeChat) التي تُطبق مفهوم التطبيق الفائق (Super APP) ومنصة الألعاب كيو كيو (QQ)، لاعباً رئيسياً في قطاع الذكاء الاصطناعي في الصين، حيث استخدمت الذكاء الاصطناعي بشكل استراتيجي في وحدات أعمالها الأساسية كافة لتحسين تجربة المستخدم ودفع عجلة الابتكار، بالإضافة إلى تركيزها على الاستثمارات الاستراتيجية من خلال الدخول في شراكات أو الاستحواذ على شركات الذكاء الاصطناعي الناشئة المحلية والعالمية.

كما طوّرت منصتها السحابية تنسنت كلاود (Tencent Cloud)، وفي قطاع الألعاب الذي يُعدُّ حجر الزاوية في إيرادات الشركة، يؤدي الذكاء الاصطناعي دوراً حيوياً متزايداً في تقدمها، بالإضافة إلى ذلك أصبحت أول شركة تكنولوجيا صينية كبرى تدمج نموذج الذكاء الاصطناعي منخفض التكلفة من ديب سيك في منظومتها.

استثمارات ضخمة بطموحات أعلى للوصول إلى الهيمنة

تكشف المقارنة بين حجم استثمارات الشركتين وطبيعتها في قطاع الذكاء الاصطناعي عن استراتيجيات متميزة لكل منهما، إذ أعلنت شركة علي بابا التزامها باستثمار ما لا يقل عن 380 مليار يوان (نحو 53 مليار دولار) على مدى السنوات الثلاث المقبلة، بينما بلغ إنفاق شركة تنسنت عام 2024 نحو 10.7 مليار دولار وتعتزم زيادة إنفاقها بشكلٍ أكبر في قادم السنوات، مع تحديد تطوير الذكاء الاصطناعي كأولوية استراتيجية رئيسية.

أمّا عن طبيعة الاستثمارات، فإن شركة علي بابا يتمحور تركيزها الاستراتيجي على تطوير الذكاء الاصطناعي بهدف دمجه في منظومتها الشاملة لتعزيز تجارب العملاء وتحسين عملياتها التجارية المتنوعة، كما وضعت رؤية طويلة المدى للوصول إلى الذكاء الاصطناعي العام، ما يدل على التزامها الراسخ بتطوير القدرات الأساسية للذكاء الاصطناعي.

بينما ينطوي التركيز الاستراتيجي لشركة تنسنت في رؤيتها على دمج واسع النطاق للذكاء الاصطناعي في أعمالها الحالية، حيث تستهدف تعزيز منصاتها الاجتماعية المهيمنة بمحتوى مخصص وتفاعلات أكثر جاذبية وإثراء محفظة الألعاب الواسعة الخاصة بها باستخدام الذكاء الاصطناعي.

اقرأ أيضاً: أيّهما أخطر: الذكاء الاصطناعي العام أمْ إساءة استخدام الذكاء الاصطناعي الحالي؟

دور الحكومة الصينية في رسم مشهد التنافس في قطاع الذكاء الاصطناعي في البلاد

تؤدي سياسات الحكومة الصينية ومبادراتها دوراً حاسماً في تشكيل مشهد قطاع الذكاء الاصطناعي ورسم خريطة التنافس بين شركات الذكاء الاصطناعي المحلية، حيث تعمل على تقديم الدعم للشركات الأكثر رسوخاً وجاهزية لقيادة التطوير في مجالات مُحددة للذكاء الاصطناعي، بهدف تحقيق طموحاتها في أن تُصبح رائدة عالمياً في مجال الذكاء الاصطناعي بحلول عام 2030.

ومن ثَمَّ فإن الاعتراف الرسمي للحكومة الصينية بكلٍ من شركتي علي بابا وتنسنت، وتصنيفهما كفرق وطنية للذكاء الاصطناعي، يؤكد أهميتهما الاستراتيجية في أجندة الحكومة في مجال الذكاء الاصطناعي، وفي سبيل ذلك تقدّم الحكومة عدة أنواع من الدعم لتشجيعهما على الابتكار في الأبحاث والتطوير، من خلال آليات مختلفة، منها المنح المالية المباشرة والشراكات بين القطاعين العام والخاص والاستثمارات في البنية التحتية للذكاء الاصطناعي.

ما هي فرص نجاح كلتا الشركتين في تصدر مشهد الذكاء الاصطناعي في الصين؟

تتمتّع كلتا الشركتين بنقاط قوة وضعف مميزة في مجالات رئيسية حاسمة في سباقهما لتحقيق هيمنة الذكاء الاصطناعي في الصين، وفيما يتعلق بالبنية التحتية للحوسبة السحابية، تتمتعّ شركة علي بابا بميزة كبيرة، إذ لا تُعدُّ منصتها مزود عالمي رائد للخدمات السحابية فحسب، بل أيضاً لاعباً مهيمناً في السوق الآسيوية، حيث توفّر بنيتها التحتية القوية والقابلة للتطوير أساساً قوياً لدعم المتطلبات الحسابية المتقدمة لتطوير الذكاء الاصطناعي ونشره.

في حين أن منصة شركة تنسنت تُعدُّ أيضاً لاعباً رئيسياً في سوق الحوسبة السحابية، إلّا أنها ليست بقوة منصة شركة علي بابا في السوق الصينية أو الآسيوية، حيث بدأت الشركة مؤخراً بالتوسع خارج السوق الصينية من خلال إجراء محادثات لإنشاء مركز بيانات مخصص للذكاء الاصطناعي في المملكة العربية السعودية لدعم مبادراتها المتنامية في هذا المجال.

بالإضافة إلى ذلك، تستفيد كلتا الشركتين من الوصول إلى كميات هائلة من البيانات، وهي عنصر أساسي لتدريب نماذج ذكاء اصطناعي فعّالة، إذ تكمن قوة شركة علي بابا في مجموعات البيانات الضخمة التي تُنتجها منصات التجارة الإلكترونية الخاصة بها، والتي تُعدّ قيّمة بشكلٍ خاص لتطبيقات مثل توصيات المنتجات المُخصصة وتحسين عملياتها اللوجستية.

من ناحية أخرى، تمتلك شركة تنسنت موارد بيانات هائلة مستمدة من منصاتها الشائعة للتواصل الاجتماعي، ما يوفّر مصدراً غنياً بالبيانات لمجموعة واسعة من تطبيقات الذكاء الاصطناعي، وخاصة في معالجة اللغة الطبيعية وفهم المحتوى، ما يُتيح لها سرعة دمجها في تطبيقاتها، وخاصة في المجالات التي تُركّز على المستهلكين.

اقرأ أيضاً: هل سيكون مشروع ستارغيت نقطة فارقة في المنافسة بين أميركا والصين في الذكاء الاصطناعي؟

مَن سيتربع على مقعد الصدارة: شركة علي بابا أمْ شركة تنسنت؟

تُحرز كل من شركتي علي بابا وتنسنت تقدماً كبيراً في قطاع الذكاء الاصطناعي مستفيدتين من نقاط قوتهما الحالية واستثماراتهما المكثفة في البحث والبنية التحتية، إذ إن هيمنة شركة علي بابا في مجال الحوسبة السحابية وتركيزها الاستراتيجي على سوق الشركات، إلى جانب شراكتها مع العديد من الشركات العالمية، تجعلها منافساً قوياً على هيمنة الذكاء الاصطناعي طويلة الأمد في الصين.

ومع ذلك، فإن وصول شركة تنسنت الاستثنائي إلى بيانات المستخدمين من خلال منصاتها الاجتماعية التي تحظى بشعبية واسعة بالإضافة إلى استراتيجيتها الاستثمارية الموزعة في مجموعة متنوعة من شركات الذكاء الاصطناعي الناشئة يضمن لها مكانة سوقية قوية وفعّالة.

 ومن ثَمَّ فإن المسار الحالي لشركة علي بابا، وخاصة تركيزها على البنية التحتية للذكاء الاصطناعي السحابي واستثماراتها الكبيرة يمنحها أفضلية طفيفة على المدى الطويل في الهيمنة الشاملة المحتملة على الذكاء الاصطناعي في الصين، ولكن نقاط قوة شركة تنسنت في السوق الاستهلاكية ونهجها الاستثماري الاستراتيجي من شأنه أن يضمن بقاءها منافساً قوياً ومؤثراً في مشهد الذكاء الاصطناعي المحلي.

ومع ذلك لا يمكن تجاوز نقطة جوهرية للغاية، وهي أن المنافسة في سوق الذكاء الاصطناعي في الصين مستقبلاً قد تصبح أكثر تعقيداً لعوامل عدة مثل:

  • توالي ظهور المنافسين من الشركات الناشئة مثل شركة ديب سيك، ما قد يضغط عليهما لتكثيف جهود الابتكار.
  • ستظل السياسات واللوائح الحكومية عاملاً رئيسياً سُيحدد بشكلٍ كبير مدى تفوق شركة على أخرى.
  • لا يزال تحقيق الربح من قدرات الذكاء الاصطناعي يُمثّل تحدياً رئيسياً لكلتا الشركتين مع مواصلتهما دمج قدرات الذكاء الاصطناعي في خدماتهما الحالية.

ومن ثَمَّ بالنظر إلى هذه العوامل، فإن إمكانية التربع على مشهد قطاع الذكاء الاصطناعي بالنسبة لكلتا الشركتين سوف يجابه بالكثير من التحديات، لذا من المرجح أن يتحدد القائد في نهاية المطاف بالقدرة على تحقيق الربح من الابتكارات والتكيف مع المشهد التكنولوجي سريع التطور، والأهم مواكبة التطورات الجارية في السياسات واللوائح الحكومية الصينية.

المحتوى محمي