إذا كنت تقود سيارتك على الطريق السريع بسرعة 120 كم/ساعة وأخذت السيارة تُصدِر صوتَ طنينٍ غريب لم تسمعه من قَبل، ستعلم حينها أن عطلاً ما يحدث في مركبتك. وينطبق نفس المبدأ عندما تكون جالساً داخل كتلةٍ معدنية تدور حول الأرض بسرعة 27600 كم/ساعة وعلى ارتفاع 409 كيلومتر فوق سطح الأرض، وبالتحديد فنحن نتكلم هنا عن محطة الفضاء الدولية.
فعندما يحدث خللٌ ما في محطة الفضاء ستصدِر أصوات أزيزٍ وضجيج وصرير بطريقةٍ مثيرة للقلق، غير أنَّ الأذن البشرية لا تستطيع التقاط العديد من الأصوات التي قد تشير إلى أخطارٍ محتمَلة. ولنأخذ على سبيل المثال التسرُّبَ الذي حدث على متنها في العام الماضي؛ حيث لم يلحظْ أحدٌ وجود ثقبٍ بقطر 2 مليمتر لمدة يوم تقريباً قبل اكتشافه وترميمه. ورغم أن هذا التسرُّب لم يشكِّل خطراً مباشراً على الطاقم، فإنه لا يمكن ضمان عدم ظهور تسريباتٍ تهدِّد فعلاً سلامة طاقم المحطة. ولحسن الحظ، فإن هذه التسريبات تؤدي إلى إحداث ضجةً على ترددات الموجات فوق الصوتية. فإذا كان لدينا أداةٌ تستطيع قياس هذه الموجات، فقد تتمكن من تنبيهنا فور حدوث أيّ تسريبات.
يقول سمارجيت داس، وهو باحثٌ في فرع أميركا الشمالية لشركة بوش متعددة الجنسيات: "يعتبر الصوت في حدّ ذاته مصدرَ معلوماتٍ كثيرة عن الوسط المحيط"؛ حيث نشهد فعلاً كيف تقوم مكبِّرات الصوت الذكية باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي لتحقيق فهمٍ أفضل للكلام والتوصل إلى استيعاب الأنماط الصوتية التي تتعرَّف عليها في مكان وجودها. ويضيف داس أنه عندما يتم تطبيق هذه التقنيات على الآلات، فإننا "سنتمكن من التقاط العديد من الإشارات حول حسن عمل الآلة، وهو الذي كان سيفوتنا اكتشافه كلياً دون استخدام هذه التقنيات".
وفي سعيٍ منها لتحسين قدراتنا السمعية في الفضاء، عقدت ناسا شراكةً مع شركة بوش لإرسال نظام مراقبة صوتي يُسمى ساوندسي SoundSee (الرؤية عن طريق الصوت) إلى محطة الفضاء الدولية. وقد تم إرساله فعلاً في 2 نوفمبر ضمن بعثة سيجنوس إن جي 12 التابعة لنورثروب جرومان. ونظام ساوندسي هذا هو عبارة عن مجموعة من الميكروفونات الدقيقة القادرة على الاستماع إلى تردداتٍ تتراوح ما بين أقل من 100 هرتز ووصولاً إلى 80 كيلوهرتز (علماً بأن مجال السمع البشري يتراوح بين 20 هرتز و20 كيلوهرتز)، حيث يقوم النظام بتحليل البيانات عن طريق استخدام خليطٍ من أنواعٍ مختلفة من البرمجيات، بما فيها التعلم العميق، وهو أحد تقنيات الذكاء الاصطناعي.
سوف يتم تثبيت هذا النظام على روبوت أستروبي Astrobee ذاتي التحكم الذي يطير في أرجاء المحطة ويساعد رواد الفضاء في تنفيذ مهامهم اليومية. وينعقد الأمل على تمكن هذا الروبوت من إجراء مسحٍ للبيئة الصوتية لكامل المحطة، وأن يكون قادراً على إخطار رواد الفضاء عند اكتشاف أي أصواتٍ غير اعتيادية.
وبالإضافة إلى قدرته على اكتشاف التسريبات، تأمل ناسا في استخدام نظام ساوندسي ليقوم ذاتياً بالكشف والبحث عن الأنماط الغريبة أو الاختلالات المتعلقة بتوليد الأكسجين وتوزيعه ونظام استخلاص الماء وتدويره ودرجة حرارة الهواء والتحكم في الضغط، بل حتى الأعطال في معدات التدريب.
وبالتأكيد ليس من السهل تصميم نظامٍ صوتي قادر على العمل في الفضاء، وتمثل أستروبيتات روبوتات صغيرة الحجم على شكل مكعبات تندفع بشكلٍ ذاتي عبر المحطة باستخدام مراوحها الكهربائية. وقد تم تصميمها بحجم صغير بحيث يمكنها التحرك بسهولةٍ في المساحة الضيقة لمحطة الفضاء الدولية، وبالتالي وجب أن تكون وحدة ساوندسي -التي ستُثبت عليها- صغيرةً أيضاً.
ويقول جوناثان ماكوسكي، عالم الأبحاث في شركة بوش، إن التصميم صغير الحجم يشكِّل تحدياً لقياس الصوت في الفضاء؛ ففي حين أن الاستماع للترددات المنخفضة يكون أسهل بواسطة جهاز تسجيل ذو تصميم كبير، فإن التقاط الترددات العالية يتم بشكل أفضل باستخدام تصميمات أصغر حجماً. إذن، كان يتوجب على فريق بوش ابتكار تصميمٍ يستطيع الاضطلاع بالأمرين معاً.
وستحجز أنظمة ساوندسي مكاناً لها على روبوتات أستروبي لمدة عام على الأقل. وحسب قول داس، وهو مدير مشروع ساوندسي، بدأت ناسا وشركة بوش بالتفكير فعلاً في أهمية أنظمة المراقبة الصوتية والدور الذي يمكن أن تؤديه على متن محطات الفضاء المستقبلية مثل جيت واي Gateway، التي تهدف مهمتها إلى الدوران حول القمر حاملةً رواد الفضاء على متنها والمساعدة على إيصال البشر إلى المريخ في نهاية المطاف. وستكون محطة جيت واي غير مأهولة لفتراتٍ طويلة من الزمن. وعند غياب الطاقم البشري، سيكون من الضروري تواجد أجهزة استشعار مناسبة تستطيع التأكد من بقاء المحطة آمنة لاستقبال رواد الفضاء في المستقبل.
ويأمل داس أن يؤثر نظام ساوندسي على تطوير أنظمة الصوت على الأرض أيضاً، حيث يقول: "يمكنك تخيل روبوت على سطح الأرض يتجول ويراقب صوتياً البنى التحتية الأساسية هنا على الأرض بنفس الطريقة". ومع انتقالنا بشكلٍ متسارع في اتجاه استخدام أنظمة مؤتمتة لتشغيل منشآتنا الحيوية، فقد تساعد المراقبة الصوتية في تدارك المشاكل في بدايتها والحيلولة دون تفاقمها وتحولها إلى مشاكل كبيرة تصعب معالجتها.