"دع مانوس يتولى الأمر": هذه العبارة هي أول ما ستقع عليه عيناك عند الدخول إلى الموقع الرسمي لوكيل الذكاء الاصطناعي الصيني الجديد مانوس (Manus)، وهي عبارة تعكس رؤية الشركة المصنّعة للهدف من تطوير هذا الوكيل، الذي أحدث منذ إطلاقه يوم 6 مارس الجاري ضجة واسعة واجتذب اهتماماً عالمياً استدعى مقارنته بما حققه بوت الذكاء الاصطناعي الصيني "ديب سيك" في نهاية يناير الماضي. فما الذي جعل "مانوس" يحظى بهذا الاهتمام كلّه؟
أول وكيل ذكاء اصطناعي عام في العالم
على عكس بوتات الدردشة مثل "تشات جي بي تي"، يمكن لوكيل الذكاء الاصطناعي أن يعمل موظفاً رقمياً مستقلاً، قادراً على تنفيذ المهام وإدارة سير العمل بحد أدنى من التدخل البشري.
تروّج شركة باترفلاي إيفيكت (Butterfly Effect)، التي تقف وراء تصنيع "مانوس"، إليه باعتباره "وكيل ذكاء اصطناعي عام يربط بين الأفكار والأفعال: فهو لا يكتفي بالتفكير فحسب، بل يُحقق نتائج ملموسة". وتُضيف أنه يتفوق في مهام متنوعة في العمل والحياة، حيث يُنجز كل شيء بينما أنت مستريح، على حد تعبيرها.
اقرأ أيضاً: وكلاء الذكاء الاصطناعي في بيئة عمل رقمية: أين ينجحون وأين يفشلون؟
ورغم أن هذه الادعاءات قد تبدو تسويقية، لا سيما فيما يتعلق بجزء "الذكاء الاصطناعي العام"، لكن يبدو أنها تحقق الغرض منها بالفعل، فقد أثار هذا النظام نقاشاً عالمياً واسعاً بين خبراء الذكاء الاصطناعي، الذين سارعوا إلى مقارنته بأحدث التقنيات التي توفّرها شركات مثل "أوبن أيه آي" وجوجل، بل إنه دفع "أوبن أيه آي" نفسها إلى تسريع طرح أدوات جديدة للمطورين تُتيح لهم بناء وكلاء ذكاء اصطناعي متقدمة باستخدام عدد من واجهات برمجة التطبيقات (APIs)، من بينها واجهة (Responses API) التي أصبحت متاحة للمطورين كافة دون تكلفة إضافية، والتي ستحل محل (Assistants API)، المقرر إيقافها في النصف الثاني من عام 2026.
تقول "باترفلاي إيفيكت"، الشركة الناشئة التي يقع مقرها في مدينة "ووهان" الصينية والتي اكتسبت شهرتها قبل نحو عامين بفضل مساعد الذكاء الاصطناعي الشهير مونيكا (Monica)، إن "مانوس" يعتمد على نماذج ذكاء اصطناعي متعددة، من بينها كلود 3.5 سونيت (Claude 3.5 Sonnet) من شركة أنثروبيك، وإصدارات معدّلة من نماذج كوين (Qwen) مفتوحة المصدر التي طوّرتها شركة "علي بابا" الصينية، إلى جانب وكلاء مستقلين تعمل ذاتياً لتنفيذ مجموعة واسعة من المهام. ويختلف هذا النهج عن بوتات الدردشة التقليدية المعتمدة على نموذج لغوي واحد، التي تركّز بشكٍل أساسي على التفاعلات الحوارية.
وتوضّح الشركة المطورة أن "مانوس" تمكّن من تحقيق أداء غير مسبوق في اختبار معياري شهير خاص بمساعدي الذكاء الاصطناعي العام يُدعى غايا (GAIA)، الذي يقيس قدرة الذكاء الاصطناعي على تنفيذ المهام من خلال تصفح الإنترنت واستخدام البرمجيات وغيرها من العمليات. وقد حقق الوكيل الجديد تفوقاً في مستويات الصعوبة كلّها الثلاثة ضمن هذا المعيار.
صعوبات أمام استخدام الوكيل الجديد
في خطوة تسويقية مبتكرة للمنتج الجديد، نفذ حساب "مانوس" على منصة "إكس" العديد من المهام للمستخدمين مجاناً، بهدف استعراض إمكاناته وتعزيز انتشاره بين الجمهور.
ومع ذلك، لم تُتح الفرصة إلّا لقلة قليلة من الناس لتجربة وكيل الذكاء الاصطناعي هذا، إذ إنه متاح حالياً بنظام الدعوات فقط، كما يتطلب موافقة الشركة على أسباب رغبتك في اختباره. كذلك يعاني الموقع الإلكتروني للوكيل أعطالاً متكررة، وفقاً لما أقرت به الشركة على "إكس". وحتى الآن، لم يتلقَّ رمز الدعوة سوى أقل من 1% من المستخدمين المدرجين على قائمة الانتظار. وتشير بعض التقارير الصحفية إلى أن رموز الدعوة تُباع بآلاف الدولارات على منصات إعادة البيع الصينية.
للتغلب على هذه المشكلة وتسريع عملية الإطلاق، أعلنت شركة "باترفلاي إيفيكت"، يوم الثلاثاء الماضي، الدخول في شراكة استراتيجية مع الفريق المطور لنماذج "كوين" في شركة "علي بابا". يمكن أن تساعد هذه الشراكة "مانوس" على التعامل مع الارتفاع الكبير في عدد المستخدمين وتوسيع قاعدة العملاء. وفي المقابل، تتطلع "علي بابا" إلى تعزيز موقعها أمام منافسيها الجدد مثل "ديب سيك".
اقرأ أيضاً: من الأبسط إلى الأكثر تعقيداً: دليل شامل لوكلاء الذكاء الاصطناعي
تجارب عملية وحالات استخدام متنوعة
يستعرض الموقع الإلكتروني الخاص بـ "مانوس" مجموعة متنوعة من حالات الاستخدام، التي توفّر نظرة أولية على بعض إمكاناته العملية. يمكن لهذا الوكيل، على سبيل المثال، "تخطيط رحلة إلى اليابان في أبريل"، حيث يدمج معلومات السفر المختلفة لإنشاء برامج رحلات مخصصة وتوفير دليل سفر مصمم خصيصاً للمستخدم. كما يمكن لـ "مانوس" أيضاً تقديم "تحليل معمق لأسهم شركة تسلا" من خلال عرض لوحات معلومات مرئية توفّر رؤى حول أداء السوق والتوقعات المالية. بالإضافة إلى ذلك، يساعد الوكيل على إجراء "تحليل مقارن لمجموعة من وثائق التأمين" عبر تنظيم البيانات في جداول واضحة تُسلّط الضوء على المعلومات الأساسية لكل وثيقة، مع تقديم توصيات مخصصة تناسب احتياجات المستخدم.
وصفت إحدى الصحفيات تجربة مانوس بأنها "تشبه التعاون مع متدرب ذكي وفعال للغاية". فعلى الرغم من أنه يفتقر أحياناً إلى فهم ما يُطلب منه أو يبني افتراضات غير دقيقة أو يتجاوز بعض التفاصيل لتسريع المهام، فإنه قادر على التكيُّف والتعلم من التوجيهات والملاحظات ويمكنه تفسير قراراته بوضوح، ما يجعله أداة واعدة رغم بعض أوجه القصور.
ومثل غيره من أدوات الذكاء الاصطناعي الوكيلة، على غرار تشات جي بي تي ديب ريسيرش (ChatGPT DeepResearch)، يقسّم "مانوس" المهام إلى خطوات ويمكنه تصفح الإنترنت لجمع المعلومات المطلوبة. لكن ما يُميّزه هو نافذة "كمبيوتر مانوس"، التي تُتيح للمستخدم مراقبة تحركاته والتدخل عند الحاجة، ما يمنحه تحكماً أكبر في عمليات البحث والتنفيذ، ويجعل من "مانوس" أداة مرنة تلائم مختلف الاستخدامات.
اقرأ أيضاً: ما هو وكيل الذكاء الاصطناعي؟ وكيف يساعدك في حياتك اليومية؟
وكيل مثير للإعجاب لكنه ليس مثالياً
جددت الصدمة التي أحدثها "مانوس" خلال الأسبوع الأول من إطلاقه التساؤل القديم حول ما قد يحدث عندما يصبح الذكاء الاصطناعي قادراً على اتخاذ قراراته بنفسه دون الحاجة إلى تدخل بشري. ويشير بعض الخبراء إلى أنه بينما لا تزال معظم أنظمة الذكاء الاصطناعي الأخرى تتطلّب مستوى معيناً من الإشراف البشري أو تعمل ضمن نطاق أضيق، فإن "مانوس" يتمتع بقدرة استقلالية كبيرة لدرجة وصفه بأنه "نظام لا يُساعد البشر فحسب، بل يحل محلهم".
تعزّز بنية "مانوس" متعددة الوكلاء (Multi-Agent Architecture) قدرته على إدارة سير العمل المعقد، من خلال نشر وكلاء فرعيين متخصصين لتنفيذ مهام مُختلفة، وهي ميزة غير معتادة حتى الآن في معظم أنظمة الذكاء الاصطناعي المستقلة. كما أن التجارب التي تعرضها الشركة تظهر التنوع الكبير في مهامه وإمكانيه توظيفه في تحقيق أغراض عامة، على عكس وكلاء الذكاء الاصطناعي الحاليين المتخصصين في مجالات معينة فقط.
وإلى جانب تجربة الصحفية السابقة، عبّر بعض المختبرين الأوائل عن إعجابهم الشديد بأداء "مانوس". على سبيل المثال، يصفه رئيس قسم المنتجات في منصة "هاغينغ فيس"، فيكتور موستر، بأنه "أكثر أدوات الذكاء الاصطناعي التي جربتها إثارة للإعجاب على الإطلاق". كما أشاد باحث سياسات الذكاء الاصطناعي دين بول بقدراته، معتبراً إياه "أكثر جهاز كمبيوتر تطوراً يستخدم الذكاء الاصطناعي".
لكن التجارب لم تكن إيجابية دائماً. فعلى الرغم من الإشادة الواسعة بأدائه، يشير البعض مثل الشريك المؤسس لشركة الذكاء الاصطناعي بلياس (Pleias)، ألكسندر دوريا، إلى أنه واجه رسائل خطأ ونقاشات مطولة في أثناء محاولة دفعه لتنفيذ مهام بسيطة، كما أفاد مستخدمون آخرون بأنه يرتكب أخطاءً عند الإجابة عن الأسئلة الواقعية، ولا يحرص دائماً على توثيق مصادر معلوماته، بالإضافة إلى أنه يغفل أحياناً معلومات يسهل العثور عليها عبر الإنترنت.
يرى آخرون ممن اختبروا "مانوس" أن قدراته في البحث والتحليل تجعله خياراً منطقياً للباحثين والمصممين الذين يحتاجون إلى دمج الوسائط المتعددة وتنفيذ مهام معقدة متعددة الخطوات. ومع ذلك، فإن أدوات مثل "تشات جي بي تي" لا تزال الخيار الأفضل للمستخدمين العاديين، بسبب تميزها بالسرعة والموثوقية والقدرة على تقديم إجابات عالية الجودة في معظم الحالات دون تعقيد غير ضروري.