في إطار جهودنا لاستكشاف العقول الرائدة بمجالات العلوم المختلفة والتكنولوجيا، أجرينا مقابلة حصرية مع الدكتور فيصل خان، وهو عالم وباحث في مجال الطب والتكنولوجيا الحيوية، حاصل على شهادة البكالوريوس في التكنولوجيا الحيوية من جامعة بيشاور الباكستانية، وشهادة الدراسات العليا في مجال علم الأحياء السرطاني والعلاجات من كلية الطب بجامعة هارفارد الأميركية، وشهادة الماجستير في علوم الأحياء التكاملية والدكتوراة في أنظمة علم الأحياء من جامعة أوكسفورد البريطانية.
يشغل الدكتور خان حالياً منصب مدير مختبر الطب الدقيق (Precision Medicine Lab) في باكستان، حيث يقود فريقاً متعدد التخصصات يعمل على دمج التكنولوجيا الحديثة مثل الذكاء الاصطناعي مع علم الأحياء لتطوير حلول مبتكرة في مجال الرعاية الصحية.
في هذه المقابلة، تحدث الدكتور فيصل عن إنجازاته وعمله في مختبر الطب الدقيق والتحديات التي تواجه دمج التكنولوجيا مع علم الأحياء، ورؤيته لمستقبل الطب والرعاية الصحية.
اقرأ أيضاً: كيف تسهم شركات التكنولوجيا في تشكيل مستقبل الرعاية الصحية؟
مختبر الطب الدقيق في باكستان هو منشأة مهمة. هل يمكنك التحدث عن بعض المشاريع الحالية في المختبر التي تُثير حماسك؟
في عام 2018، كُلِفت بإدارة أول مشروع للطب الدقيق في باكستان بتمويل من الحكومة الباكستانية، وهو مختبر الطب الدقيق الذي منحته الحكومة الباكستانية الوصول إلى قواعد البيانات الوطنية وموارد الحوسبة السحابية، كان يركّز بشكلٍ أساسي على سرطان الفم، وهو ثاني أكثر أنواع السرطان انتشاراً في شبه القارة الهندية بعد سرطان الثدي.
على مرّ السنين، تطوَّر المختبر ليصبح مؤسسة تضم الكثير من الكفاءات وتشرف على العديد من المشاريع. على سبيل المثال، نحن نقترب من إكمال دراسة مدتها خمس سنوات حول سرطان الفم. لكن هذا ليس المشروع الوحيد، فنحن نعمل أيضاً في مجالات علم الأحياء الفضائي والطب الفضائي، حيث نستخدم بيانات جين لاب (GeneLab)، وهو مشروع تابع لوكالة ناسا يهدف إلى دراسة تأثير الفضاء في الجينات والكائنات الحية، ونُجري تجارب باستخدام بيئات تحاكي التربة المريخية، كما نعمل في مجال الصحة الرقمية والأجهزة القابلة للارتداء، حيث نسعى للحصول على الموافقة لإجراء دراسة على الأمهات الجدد، ولدينا مشروع ممول من الحكومة يهدف إلى توفير صور منخفضة التكلفة لتشخيص المرضى. ونجمع التمويل لتطوير أدوات أسرع في تشخيص السرطان، وطوّرت إحدى شركاتنا الناشئة المعروفة باسم أفيروس (Averos) مجسات حيوية منخفضة التكلفة للمياه النظيفة.
يجمع عملك بين علم الأحياء والذكاء الاصطناعي وريادة الأعمال، هل يمكنك إخبارنا عن مشروع بحثي محدد قاد إلى اختراق مهم بفضل هذا المزيج الفريد؟
أشعر بأن العنصر الغريب هنا هو ريادة الأعمال. في الحقيقة، تُعلمك ريادة الأعمال مفاهيم وطرق عمل لا تكون عادةً موجودة في مختبرات العلوم؛ مفاهيم مثل التنظيم والاستدامة، كما تُعلمك كيفية تجزئة الأهداف الكبيرة والطموحة إلى أجزاء صغيرة وكيفية تشكيل فرق عمل ممتازة. أعتقد أن مشاريعنا البحثية كافة استفادت من ذلك. نحن قادرون على طرح أسئلة في المختبر والإجابة عنها خطوة بخطوة، لقد وجدنا طرقاً فريدة لاكتساب المواهب وابتكرنا طرقنا الخاصة للحفاظ على ثقافة علمية مفتوحة ومرحة وصارمة وتعزّز الابتكار. كما ابتكرنا طرقنا الخاصة في تتبع الأداء وتقدم البحث. وأخيراً، عندما ننظر إلى حل المشكلات، نحن نركّز على المريض في كل نموذج أولي نطوّره في المختبر من البداية، ما يزيد فرص نجاحه عندما يخرج من المختبر إلى السوق أو العيادة.
اقرأ أيضاً: كيف تسهم التكنولوجيا في تطوير الطب والرعاية الصحية؟
قيادة فريق متعدد التخصصات يمكن أن تكون تحدياً. اشرح لنا كيف تعزّز التعاون بين العلماء والمهندسين والأطباء في مختبر الطب الدقيق؟
نعلم جميعاً كيف يمكن أن يكون العمل متعدد التخصصات مميزاً. التداخل بين التخصصات المختلفة يولّد الأفكار الجديدة وطرق حل المشكلات، كما أنه أمر لا مفر منه، فالمشكلات التي نواجهها اليوم معقدة ولا يمكن حلها بواسطة تخصص واحد فقط. لكن كما قلت في سؤالك، هذا قد يكون تحدياً. يجب أن تبدأ بتوظيف الأشخاص المناسبين المنفتحين على تعلم أشياء جديدة، والقادرين على مواجهة التحديات أو المواقف التي قد تكون غير معتادة أو خارج منطقة الراحة الخاصة به. يجب عليك خلق البيئة المناسبة في الاجتماعات وفي المختبر ليتمكن الأشخاص من تخصصات مختلفة من العمل معاً بسلاسة. أعتقد أن العنصر الأساسي هنا هو التواصل. يجب أن يكون أعضاء الفريق مستعدين لبذل الجهد من أجل فهم مصطلحات التخصصات الأخرى وأن يفهموا طريقة تفكير الآخرين وكيفية تعاملهم مع المشكلة المطروحة.
هل يمكنك توضيح مهمة شركتك أفيروس (Averos) لبرمجة الخلايا الحية؟ ما هي الاستخدامات التي تتصورها لهذه التكنولوجيا؟
شركة أفيروس الناشئة هي شركة تعمل في مجال علم الأحياء الاصطناعي، اليوم، تمكنت الشركة من برمجة الخلايا الحية، وخاصة البكتيريا والخمائر. عن طريق تطوير حمض نووي اصطناعي باستخدام التصميم المدعوم بالكمبيوتر، هذا الحمض يعطي خصائص جديدة أكثر ذكاءً للخلايا الحية.
واحدة من منتجات الشركة الرائدة هي "أجهزة الاستشعار الحية"، وهي بكتيريا تم برمجتها لاكتشاف المعادن الثقيلة في الماء وتصدر ضوءاً أحمر عندما تكون هذه المعادن موجودة. حالياً، يجري العمل على تحسينها لتصبح قادرة على اكتشاف الغازات السامة في الهواء أو الفيروسات في عينات المرضى أو مياه الصرف الصحي.
عملت الشركة أيضاً على مشروع لتخزين البيانات في الحمض النووي بدلاً من رقائق السيليكون، حيث يمكن تخزين كميات كبيرة من البيانات داخل جزيئات الحمض النووي الصغيرة. أحد النماذج الأولية الذي طُوِّر من قِبل سارة خان في المختبر بالتعاون مع جو ديفيس من مختبر جورج تشيرش في جامعة هارفارد، يُخزّن أكثر من 5 ملايين تيرابايت من البيانات النصية في الحمض النووي. بالإضافة إلى ذلك، تعمل الشركة على تطوير أنواع من الخميرة التي يمكنها صناعة مركبات مفيدة مثل المضادات الحيوية الجديدة والزيوت المستخدمة في الطعام.
اقرأ أيضاً: ما هي أهم مزايا وتحديات التحول الرقمي في قطاع الرعاية الصحية؟
يبدو أن إمكانات الذكاء الاصطناعي في علم الأحياء هائلة لكن هناك تحديات، فما هي؟
مع التقدم الكبير في مجال الذكاء الاصطناعي التوليدي والجوائز التي مُنِحت في مجال علم الأحياء، تبدو الفرص غير محدودة. لكن أكبر مشكلة هي الوصول إلى البيانات. يجب أن تكون هذه البيانات دقيقة وكاملة. كما أن هناك قضايا تتعلق بالخصوصية والأمان، نرى العديد من المؤسسات البحثية تستثمر بشكلٍ جيد في جمع البيانات وتنظيمها. لكن من وجهة نظري، التحدي الأكبر هو كيفية فهم هذه البيانات وتحليلها بطريقة بيولوجية سريرية ذات مغزى. هذا يتطلب أن يتمتّع العاملون في مجال الطب وعلم الأحياء بالمعرفة الكافية للتعامل مع هذه البيانات.
الطب الشخصي يَعدنا بإمكانات كبيرة، من وجهة نظرك كخبير، ما هي الاختراقات التي تتوقعها في هذا المجال خلال العقد المقبل؟
الطب الشخصي يعني علاج المرضى بناءً على أعراضهم السريرية، وكذلك جيناتهم وبيئتهم ونمط حياتهم. في الآونة الأخيرة، هناك زيادة في كمية البيانات الجينية التي جُمِعت من مختلف الفئات السكانية، خاصة بواسطة المشاريع الوطنية للجينوم، بما في ذلك في الشرق الأوسط. وقد بدأت النتائج تظهر بالفعل، خاصة في علاج السرطان، حيث يمكن للبيانات أن تساعد الأطباء على اختيار العلاج الأفضل وتجنب العلاجات غير المفيدة. هناك أيضاً استخدامات رائعة لهذه البيانات في علاج الاضطرابات الوراثية. لكن يجب ألّا يقتصر استخدام هذه البيانات على تحديد علاج المرضى وتحسينه فقط، بل يجب أن تفيدنا في تحسين حياة الأفراد الأصحاء. هذا هو التحدي الكبير القادم للعلماء.
أنت تشغل عدة أدوار، عالم ومدير ومؤسس، كيف تدير وقتك وتحدد أولوياتك بفاعلية؟
أعتقد أن السر ليس فقط في تنظيم الوقت، بل أيضاً في تنظيم الطاقة. يجب أن توجّه طاقتك للأشياء الأكثر أهمية. أنا أؤمن أيضاً بأهمية التخطيط للأسبوع قبل أن يبدأ وترك بعض الوقت الفارغ في الجدول، خاصة إذا كنت تعمل في مجال إبداعي مثل العلم. والأهم من ذلك، أنني محظوظ لأنني أعمل مع فِرق رائعة في كل مشروع أو منظمة، ولدي عائلة تدعمني بشكلٍ كبير في المنزل، وهم يستحقون وقتي أكثر من أي شيء آخر.
ما هي النصيحة التي تقدّمها للطلاب الشباب الذين يرغبون في العمل بمجال يجمع بين علم الأحياء والتكنولوجيا؟
سواء سألت ستيف جوبز الراحل أو بيل غيتس أو جينسن هوانغ، كلهم يتوقعون أن يكون علم الأحياء هو المجال الأكثر إثارة في المستقبل. كل خبير تكنولوجيا تحدثت إليه يعتقد أن الإنجاز القادم المشابه لتشات جي بي تي سيكون من مجال علم الأحياء. مع ظهور الذكاء الاصطناعي التوليدي، وقريباً علم الأحياء التوليدي، والطموح لجعل البشر يعيشون على أكثر من كوكب، هناك الكثير من الحماس لهذا المجال. نصيحتي للشباب هي أن يتعلموا علم الأحياء أو التكنولوجيا، وأن يكونوا أيضاً على دراية بمجالات أخرى. هذا يعني الحصول على شهادة بكالوريوس في الطب أو التكنولوجيا الحيوية وحضور دورات في مجالات مثل البرمجة أو الهندسة أو الفيزياء، المستقبل سيكون لأولئك الذين يستطيعون الدمج بين المجالات المختلفة. كما يقول المثل: كُنْ متعدد المهارات، لكن كُنْ متميزاً في واحدة على الأقل".
اقرأ أيضاً: مستشفى صحة الافتراضي وثورة الرعاية الصحية في السعودية
ما هو أكثر شيء يجعلك تشعر بالفخر في عملك؟
أكبر شيء يجعلني أشعر بالفخر هو المواهب الشابة التي يجذبها المختبر والفرص التي يحملونها لمستقبلنا. أنا محظوظ لأنني محاط ببعض من أذكى الشباب الذين يقدّمون أفكاراً جديدة ومبتكرة، ويعبّرون عن آرائهم بكل صراحة، دائماً ما يفاجئونني بذكائهم وصبرهم وقدرتهم على إيجاد الحلول. أحياناً أتعجب مما يحققونه رغم نقص الموارد، وأتساءل، ماذا يمكنهم أن يحققوا إذا وفرنا لهم الظروف المثالية؟