تقرير خاص

كيف يمكن للذكاء الاصطناعي التوليدي أن يُعيد تشكيل قطاع التجميل في 2025؟

14 دقيقة
حقوق الصورة: ماكنزي

بدأت العلامات التجارية لمستحضرات التجميل وتجار التجزئة بالفعل باستكشاف إمكانات الذكاء الاصطناعي التوليدي. ومع ذلك، لتحقيق التوسع السريع في هذه التجارب، يتعين على الشركات الرئيسية بالمجال التركيز على حالات الاستخدام التي تحمل أعلى قيمة وأكبر تأثير في عملياتها وأهدافها الاستراتيجية. يمكن للذكاء الاصطناعي التوليدي أن يؤدي دوراً محورياً في تقديم تجربة عملاء فريدة، من خلال توصيات مخصصة تعتمد على تحليل دقيق للبيانات وسلوكيات العملاء.

لم يعد مفهوم التجميل مقتصراً على نظرة الآخرين، بل أصبح في متناول مستخدمي تقنيات الذكاء الاصطناعي التوليدي. إذ تشير التقديرات إلى أن هذه التقنية المبتكرة قد تُضيف ما بين 9 و10 مليارات دولار إلى الاقتصاد العالمي، استناداً إلى تأثيرها المتوقع في قطاع التجميل فقط، وفقاً لتقرير "الإمكانات الاقتصادية للذكاء الاصطناعي التوليدي: الحدود الإنتاجية الجديدة" الصادر عن شركة ماكنزي في 14 يونيو 2023، يُعدّ الذكاء الاصطناعي التوليدي قوة محورية قادرة على إعادة تشكيل الإنتاجية عبر مختلف الصناعات. وتشمل سوق التجميل، كما عُرِّفت في التقرير، مجالات العناية بالبشرة، والعطور، ومستحضرات التجميل، والعناية بالشعر. وتُظهر الأرقام توقعات بتأثير كبير للذكاء الاصطناعي التوليدي في قطاع السلع الاستهلاكية المعبأة، حيث يُقدر أن يسهم بنسبة تتراوح بين 1.4% و2.3% من إجمالي إيرادات القطاع. ويعود هذا التأثير المرتفع إلى الدور الكبير الذي تؤديه، وقد بدأت الشركات الرائدة بالفعل باستكشاف إمكانات هذه التكنولوجيا من خلال تجارب أولية واعدة. ومع ذلك، يظل التحدي الأكبر في توسيع نطاق هذه الابتكارات لتصبح جزءاً من العمليات اليومية، خاصة في ظل التطور السريع لتقنيات الذكاء الاصطناعي التوليدي.

ستتسع الفجوة بين الشركات المتأخرة عن الركب والشركات الرائدة في صناعة التجميل مع نجاح الشركات الرائدة في تطبيق الذكاء الاصطناعي التوليدي على نطاقٍ واسع. سيصبح الروّاد بالمجال أسرع وأكثر مرونة، وقادرين على استباق رغبات المستهلكين وتقديم ما يحتاجون إليه بدقة، بينما ستجد الشركات المتأخرة نفسها تكافح للحفاظ على موطئ قدم لها في سوق تتسارع وتيرتها وتتطلب ابتكاراً دائماً.

إن الشركات العاملة في مجال التجميل التي تضع استخدامات الذكاء الاصطناعي التوليدي ذات الأولوية في مقدمة استراتيجياتها، وتسعى إلى تخصيص هذه التقنية بما يتناسب مع احتياجاتها، قادرة على استثمار إمكانات هذه التكنولوجيا إلى أقصى حد. في هذا المقال، نُسلّط الضوء على أربع طرق رئيسية يمكن لهذه الشركات التركيز عليها لتطبيق الذكاء الاصطناعي التوليدي بفاعلية، بالإضافة إلى استعراض خطوات دمجه في منظومة العمل بشكلٍ استراتيجي، كما نقدّم مجموعة من المبادئ الأساسية التي تضمن استمرار نجاح هذا التوجه، ما يساعد الشركات على تحقيق أقصى استفادة من هذه التقنية، ليس فقط على المدى القريب، بل بشكلٍ يرسّخ مكانتها في قطاع التجميل على المدى الطويل.

من التخصيص إلى الابتكار: 4 استخدامات مذهلة للذكاء الاصطناعي التوليدي في التجميل

هناك أكثر من عشر حالات استخدام للذكاء الاصطناعي التوليدي أثبتت نجاحها في قطاع المستهلك بشكلٍ عام، والتي يمكن تبنيها بفاعلية في صناعة التجميل. تمتد هذه الاستخدامات لتشمل مختلف جوانب العمل داخل المؤسسة، بدءاً من مهام تحسين تجربة المستخدم من خلال تقديم توصيات مخصصة ومحتوى مبتكر، إلى تعزيز كفاءة خدمات دعم العملاء عبر حلول ذكية تُلبي احتياجاتهم بسرعة ودقة. 

لترتيب أولويات حالات استخدام الذكاء الاصطناعي التوليدي في قطاع التجميل، من الضروري مراعاة عاملين أساسيين وهما: السرعة في طرح المنتجات الجديدة في السوق، والقدرة على الاستجابة السريعة لآراء العملاء واحتياجاتهم المتغيرة. استناداً إلى ذلك، يمكن تحديد أربع حالات استخدام رئيسية تُحدِث التأثير الأكبر تتمثل في: التخصيص الدقيق لاستهداف العملاء، وتجارب مبتكرة لاكتشاف المنتجات، والتطوير السريع لمفاهيم التغليف، والابتكار في تصميم المنتجات. تتنوع مراحل تبنّي هذه الاستخدامات بين الشركات، حيث أصبحت بعض الأدوات مثل روبوتات المحادثة الذكية واسعة الانتشار، لما توفّره من قدرة على تحسين تجربة العملاء وزيادة الكفاءة. في المقابل، هناك استخدامات أخرى لا تزال في مراحلها الأولى، لكنها تمتلك إمكانات هائلة للابتكار، ما يجعلها تقنية واعدة من شأنها تحقيق تحول جذري في صناعة التجميل على المدى القريب.

التخصيص الدقيق لاستهداف العملاء

إحدى أهم الخطوات التي يجب على أي علامة تجارية في قطاع التجميل اتخاذها لضمان بقائها في سوق تنافسية هو تقديم شيء مميز وفريد يُميّزها عن بقية المنافسين. ومع ذلك، لا يكفي فقط تقديم منتجات تتمتّع بموقع متميز في السوق، بل يجب أن تضمن العلامة التجارية أيضاً وصول هذه المنتجات إلى الفئة المستهدفة من المستهلكين الذين سيستجيبون لها بشكلٍ إيجابي.

اليوم، تواجه معظم شركات التجميل تحدياً في استهداف عدد كبير من فئات المستهلكين، حيث تقتصر قدرتها على استهداف عدد محدود فقط بسبب صعوبة تخصيص الرسائل التسويقية على نطاقٍ واسع. 

هذه الطريقة الواسعة في تقسيم السوق تؤدي إلى إغفال جزء كبير من السوق الذي لا يُستغل بشكلٍ كامل. ولكن بفضل تقنيات الذكاء الاصطناعي التوليدي، أصبح بإمكان شركات التجميل إنشاء رسائل تسويقية مخصصة بدرجة عالية، وهو ما يمكن أن يزيد معدلات التحويل بنسبة تصل إلى 40% وفقاً لملاحظاتنا.

يمكن للذكاء الاصطناعي تحليل مجموعات ضخمة من بيانات المستهلكين واكتشاف الأنماط وإنشاء تقسيمات دقيقة (مايكروسيجمنتس) بناءً على خوارزميات التعرّف إلى الأنماط. من هنا، يمكن لأي علامة تجارية في مجال التجميل تدريب منصتها على الذكاء الاصطناعي التوليدي باستخدام مجموعة متنوعة من المدخلات، بما في ذلك بيانات العملاء، والمدخلات التي تصفُ أسلوب العلامة التجارية، والمعلومات المتعلقة بالمنتجات. عند التوسع إلى أسواق جديدة، يمكن لشركات التجميل تدريب نماذج الذكاء الاصطناعي التوليدي على بيانات المنتجات الداخلية وكذلك أبحاث السوق الخارجية مثل استبيانات العملاء. بعدها، يمكن للذكاء الاصطناعي التوليدي إنشاء عدة نسخ من النصوص والصور واختبارها لمعرفة الأنماط التي تجذب كل فئة من فئات المستهلكين.

لنأخذ مثالاً على تحسين الرسائل الترويجية باستخدام الذكاء الاصطناعي التوليدي. كاميلي، وهي عَميلة خيالية تعيش في فرنسا، لديها معدل إنفاق سنوي منخفض، واشترت مؤخراً واقي شمس للوجه، كما أنها تميلُ عادةً إلى الاستجابة بشكلٍ إيجابي للعروض الترويجية. قبل استخدام الذكاء الاصطناعي التوليدي، كانت الرسالة الموجّهة إليها عامة وغير مخصصة، مثل: "أخبار رائعة! منتجات جديدة وصلت. احصل على خصم يصل إلى 20% عند التسوق في العروض". أمّا بعد اعتماد الذكاء الاصطناعي التوليدي، أصبحت الرسالة أكثر تخصيصاً ودقة: "مرحباً كاميلي! هل تعلمين أن رغوة التنظيف الخاصة بنا لإزالة واقي الشمس للوجه متوفرة الآن بخصم 20%؟ إنها الإضافة المثالية لمجموعة العناية بالبشرة الخاصة بك، خاصة بعد شرائك الأخير واقي الشمس." هذا النوع من الرسائل المخصصة يساعد العلامة التجارية على تقديم عروض تتناسب مع احتياجات واهتمامات كاميلي.

يجب على خبراء التسويق مراجعة الرسائل التي ينتجها الذكاء الاصطناعي بعناية قبل إرسالها، لضمان توافقها مع هوية العلامة التجارية وقيمها، وتجنب أي محتوى قد يكون مسيئاً أو غير مناسب، ما قد يضرُّ بسمعة العلامة التجارية. على سبيل المثال، قد يقترح الذكاء الاصطناعي رسالة تبدأ بتحية مثل: "مساء الخير، أيتها السيدة الجميلة"، بينما يُفضّل استخدام تحية أكثر احترافية وتوافقاً مع سياق العلامة التجارية، مثل: "Bonjour". مثل هذه التفاصيل الدقيقة قد تبدو غير مهمة، لكنها قد تؤثّر بشكلٍ كبير في انطباع العملاء، خاصة إذا كانت الرسالة تحمل نبرة غير ملائمة أو متناقضة مع صورة العلامة التجارية. ولتحسين دقة الذكاء الاصطناعي، يجب على فريق التسويق تقديم تعليقات واضحة ومنهجية. كما يمكن استخدام أدوات مخصصة مثل تقييم الرسائل بشكل إيجابي أو سلبي، أو تقديم ملاحظات مكتوبة توضّح الجوانب التي تحتاج إلى تحسين. وفي الواقع، يستفيد الذكاء الاصطناعي من هذه التعليقات بتحليلها وتحويلها إلى بيانات تدريب جديدة، ما يساعد على تقديم رسائل مستقبلية أكثر دقة واتساقاً مع أهداف العلامة التجارية.

ستحتاج علامات التجميل التجارية إلى دمج نماذج الذكاء الاصطناعي التوليدي مع أنظمة إدارة الأصول الرقمية (DAM)، التي تُعدّ بمثابة قاعدة مركزية لتنظيم المواد الإبداعية الرقمية التي تعتمد عليها العلامة التجارية وحفظها كلّها. إلى جانب ذلك، يجب ربط هذه النماذج بأدوات إدارة الحملات التسويقية لضمان تكامل العمليات وتعزيز فاعليتها. إضافة إلى ذلك، يسمح الذكاء الاصطناعي التوليدي للعلامات التجارية بتصنيف الأصول الإبداعية المخزنة في نظام (DAM) بشكلٍ تلقائي وفعّال، وهي مهمة كانت في السابق تتطلب الكثير من الوقت والجهد اليدوي. هذا النوع من الأتمتة لا يقتصر فقط على توفير الوقت، بل يُتيح لفريق التسويق التركيز على المهام الأكثر أهمية واستراتيجية، مثل تطوير حملات تسويقية مبتكرة وتحسين تجربة العملاء.

ورغم استمرار المؤسسات الكُبرى في قطاع التجميل في التعاون مع وكالات التسويق لتطوير استراتيجيات العلامة التجارية وتنفيذ الحملات المتخصصة، فإن الاستثمار في قدرات التخصيص الفائق داخل الشركة يمكن أن يكون خطوة استراتيجية مهمة. هذا التوجه يوفّر ميزتين رئيسيتين؛ أولاً: الاستفادة من بيانات العملاء الخاصة بالشركة، ويُتيح هذا النهج للشركات استخدام بيانات العملاء التي تمتلكها لتدريب نماذج الذكاء الاصطناعي التوليدي. ثانياً: زيادة سرعة ومرونة التخصيص، فمن خلال بناء قدرات التخصيص الفائق داخل الشركة، تصبح العلامة التجارية قادرة على إنشاء رسائل تسويقية مخصصة واختبارها بسرعة وكفاءة أكبر، ما يساعدها على التفاعل بشكلٍ فوري وفعّال مع احتياجات العملاء المتغيرة.

استكشاف المنتجات بأسلوب تفاعلي

على الرغم من التطورات التقنية الكبيرة التي شهدها مجال اكتشاف المنتجات الاستهلاكية في السنوات القليلة الماضية، لا يزال هناك مجال واسع للتحسين والتطوير. فعلى سبيل المثال، يعاني الجيل الأول من روبوتات الدردشة من محدودية في التفاعل، حيث تقدّم إجابات سطحية وغير مخصصة. إذا طلب أحد المستهلكين توصية للحصول على أحمر خدود يُناسب البشرة الداكنة، غالباً ما يرد الروبوت بقائمة عامة من المنتجات بدلاً من تقديم توصيات مخصصة تتماشى مع احتياجات المستهلك وتفضيلاته، أو إشراكه في حوار أعمق. وفي الوقت نفسه، تُعدّ التجارب الافتراضية لتجربة المنتجات أداة مبتكرة، لكنها قد تواجه مشكلات تقنية أو تفشل في تقديم تمثيل دقيق لما سيبدو عليه المنتج على المستهلك. هذه القيود تؤدي في كثيرٍ من الأحيان إلى شراء منتجات غير مناسبة، ما يرفع معدلات الإرجاع. وبالنظر إلى أن منتجات التجميل المُعادة عادةً لا يمكن إعادة بيعها، فإن هذا الأمر يشكّل عبئاً مالياً كبيراً على الشركات.

يمكن أن تصبح التجربة الافتراضية، التي أثبتت نجاحها في قطاعات أخرى مثل الإكسسوارات والنظارات، أكثر تطوراً وفاعلية مع استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي التوليدي، حيث تعتمد هذه التقنية على الأُسس نفسها التي تدعم أدوات إنشاء الصور بالذكاء الاصطناعي، ما يُتيح للمستهلكين تصور تأثير المنتجات على بشرتهم في بيئات مختلفة، بالإضافة إلى استعراض الفوائد المحتملة التي يمكن لروبوتات الدردشة المدعومة بالذكاء الاصطناعي التوليدي أن تحسّن بشكلٍ كبير تجربة التسوق وتقلّل احتمالات إرجاع المنتجات. هذه الروبوتات، التي تعتمد على نماذج لغوية ضخمة مدربة على بيانات المنتجات وتفضيلات المستهلكين، تتميز بقدرتها على التعامل مع مجموعة متنوعة من الأسئلة وتقديم توصيات مخصصة بدقة. هذه المزايا لا تساعد فقط على تحسين تجربة العملاء، بل تسهم أيضاً في زيادة معدلات التحويل. على سبيل المثال، طوّرت إحدى الشركات العالمية المتخصصة في نمط الحياة مساعد تسوق ذكياً يعمل بالذكاء الاصطناعي التوليدي، ما أدّى إلى زيادة معدلات التحويل بنسبة وصلت إلى 20%.

يمكن أن تحققها المنتجات لمظهرهم مع مرور الوقت. على سبيل المثال، يمكن لأحد المتسوقين الراغبين في تفتيح البقع الداكنة تجربة مصل تفتيح البشرة افتراضياً عن طريق تحميل صورة على موقع العلامة التجارية. بعد ذلك، يحاكي النظام التأثير المتوقع للمصل على بشرته على مدى عدة أشهر. هذه التجربة لا تقتصر على جعل عملية التسوق أكثر تفاعلية وشخصية، بل تعزّز أيضاً ثقة المستهلك في المنتج من خلال تقديم تصور دقيق وملموس للنتائج المحتملة.

يمكن لتقنيات الذكاء الاصطناعي التوليدي أن تُحدِث تحولاً كبيراً في تجربة اكتشاف المنتجات داخل المتاجر على أرض الواقع، ما يجعل عملية التسوق أكثر تفاعلية وتخصيصاً. في الوقت الحالي، تعتمد العديد من المتاجر على شاشات لمس تفاعلية تُتيح للعملاء استعراض المنتجات المتوفرة داخل المتجر أو عبر الإنترنت، كما يمكنهم اختيار المنتجات التي يرغبون في رؤيتها شخصياً أو مسح رموز QR للحصول على عروض حصرية. وعلى الرغم من الإمكانات المحدودة لهذه الشاشات حالياً، فقد أثبتت فاعليتها في تحسين تجربة التسوق وزيادة معدلات التحويل داخل المتاجر. مقال بعنوان "الشاشات الرقمية والأكشاك: أدوات مبتكرة لتعزيز تجربة التسوق"، نشرته مجلة AV بتاريخ 18 ديسمبر 2023، مع إدماج الذكاء الاصطناعي التوليدي، يمكن تعزيز قدرات هذه الشاشات بشكلٍ كبير. على سبيل المثال، عندما يدخل أحد العملاء إلى متجر يستخدم تطبيق العلامة التجارية مع تفعيل خاصية تحديد الموقع، يمكن للذكاء الاصطناعي التوليدي إنشاء محتوى مخصص له بناءً على ملفه الشخصي وسجل مشترياته. استناداً إلى الفاعلية المثبتة للمحتوى المخصص، يمكن أن تُحدِث هذه المبادئ تحولاً كبيراً عند تطبيقها في المتاجر على أرض الواقع، ما يعزّز تجربة التسوق ويوفّر تفاعلاً أعمق مع العملاء. ومع ذلك، لا تزال هذه التقنيات بانتظار التنفيذ على نطاقٍ واسع لتحقيق إمكاناتها الكاملة.

التطوير السريع لمبادئ التعبئة والتغليف ومفاهيمها

عند تقييم منتج تجميلي، يأخذ المستهلكون بعين الاعتبار ليس فقط جودة المنتج نفسه، ولكن أيضاً العلامة التجارية والتغليف الذي يعكس هويته. عادةً ما تستغرق علامات التجميل عدة أشهر لتطوير مفاهيم جديدة للتغليف والعلامة التجارية، وهي عملية تتطلب تعاون فرق متعددة، بمن في ذلك المصممون، ومحررو النصوص، والاستراتيجيون، وخبراء التغليف. هذا الجهد الجماعي يهدف إلى ابتكار تصاميم وأفكار تجمع بين الجاذبية البصرية والعملية، ما يترك انطباعاً قوياً لدى المستهلكين ويعزّز تفاعلهم مع العلامة التجارية.

لن يلغي الذكاء الاصطناعي التوليدي عملية تطوير التغليف بالكامل، لكنه يمكن أن يسرّعها بشكلٍ كبير. 

نوضح فيما بعد كيف يمكن أن تتم العملية: في البداية، يطرح مصمم التغليف طلباً على منصة الذكاء الاصطناعي التوليدي مثل: "قدّم لي خمسة خيارات لتغليف كريم مرطب ليلي، مع التركيز على فوائد العناية بالبشرة واستخدام مواد تغليف مستدامة". تقدّم المنصة تصميمات مبدئية، والتي تُعدَّل لاحقاً من قِبل المصمم بناءً على تفضيلات العملاء المستخلصة من مجموعات التركيز واستبيانات العملاء. بعد ذلك، يستخدم مصمم الإعلانات نماذج التغليف الجديدة في إعلانات رقمية لاختبار مدى جاذبيتها للمستهلكين، استناداً إلى تفاعلهم مع هذه الإعلانات عبر الإنترنت. ومن ثَمَّ تُحلل البيانات الناتجة عن هذه التفاعلات لاستخدامها في تحسين عملية إنشاء المفاهيم وتصميم النماذج الأولية المدعومة بالذكاء الاصطناعي. بفضل هذا النهج المتكامل، تمكنت إحدى شركات المشروبات من تقليل وقت تطوير المفاهيم بنسبة 60%.

تطوير منتجات مبتكرة

إن تطوير تركيبات جديدة لمنتجات التجميل هو عملية تستغرق عدة سنوات، تتطلب تعاوناً وثيقاً بين شركات التجميل والمختبرات المتخصصة. يجري خلال هذه العملية البحث عن المكونات المناسبة واختبار التركيبات المختلفة للتأكد من سلامة المنتج واستقراره وفاعليته.

يمكن لتقنيات الذكاء الاصطناعي التوليدي تسريع عملية تطوير تركيبات منتجات التجميل بشكلٍ كبير. 

فعندما يُدرّب نموذج الذكاء الاصطناعي على بيانات شاملة تشمل قائمة المواد المستخدمة في المنتج، واستخدام المواد الخام، ومعايير العمليات، وبيانات الأبحاث الداخلية، بالإضافة إلى مصادر أخرى (مثل براءات الاختراع أو تجارب المنتجات السابقة)، يصبح بإمكانه تحديد المكونات الأنسب لتطوير منتج جديد. علاوة على ذلك، يمكن للذكاء الاصطناعي التنبؤ بالفوائد التي قد يقدّمها المنتج المقترح، واقتراح وصفات تركيبية تسهم في تحسين فعاليته.

بالعودة إلى مثال كريم الترطيب الليلي، يمكن لعالم التركيبات استخدام أداة الذكاء الاصطناعي التوليدي لتطوير تركيبة جديدة تركّز على استخدام "النيوروبيبتيدات"، وهو مكون فعّال وشائع في منتجات العناية بالبشرة. تهدف هذه التركيبة إلى تعزيز خصائص مكافحة علامات الشيخوخة مع خفض تكاليف الإنتاج في الوقت نفسه. يُنشئ الذكاء الاصطناعي وصفة أولية بناءً على المعايير المحددة، ثم يجري العالم اختبارات معملية لتقييم مدى توافق المكونات واستقرار التركيبة. بعد ذلك، تُنفَّذ اختبارات إضافية، مثل التأكد من سلامة المنتج وتجربته على المستهلكين، وإجراء تجارب سريرية إذا دعت الحاجة. تستمر عملية تحسين التركيبة من خلال مراجعة تعليقات المستهلكين، ما يُتيح تحسين المنتج بشكلٍ مستمر.

على الرغم من أن عملية الاختبار الفعلي للمنتجات الجديدة ستظل تستغرق وقتاً، فإن هناك تحليلاً أجرته شركة "ماكنزي" أظهر أن أدوات الذكاء الاصطناعي التوليدي يمكنها تقليص الوقت اللازم للبحث عن تركيبات جديدة من أسابيع إلى أيام قليلة فقط. هذا التحول لا يقتصر على تسريع عملية التطوير فحسب، بل يسهم أيضاً في تحقيق وفورات تصل إلى 5% في تكلفة المواد الخام المستخدمة في أثناء تطوير تلك المنتجات.

شراء أم استعارة أم بناء؟

تشهد سوق منصات الذكاء الاصطناعي التوليدي الموجهة للمؤسسات نمواً متسارعاً. ومع ذلك، يبقى السؤال الأهم: أي نهج من بين الخيارات المتاحة هو الأنسب لعلامات التجميل؟

يمكن للمؤسسات اعتماد أدوات الذكاء الاصطناعي التوليدي من خلال ثلاث استراتيجيات رئيسية، تُعرف بـ "المستقبِل"(Taker)، و"المُشكل" (Shaper)، و"المُبتكر،"(Maker) بالنسبة لمعظم شركات التجميل، من غير المرجّح أن تختار النهج "المُبتكر"، الذي يتطلب بناء نماذج لغوية ضخمة من الصفر. السبب في ذلك يعود إلى التكاليف العالية للاستثمار في البنية التحتية والموارد البشرية، وهي تكاليف قد تكون صعبة التبرير بالنسبة لمعظم شركات التجميل. علاوة على ذلك، قد يؤدي هذا النهج إلى تشتيت تركيز الشركات عن مجالاتها الأساسية التي تشكّل جوهر قوتها التنافسية. مع ذلك، يمكن لعلامات التجميل تحقيق قيمة كبيرة من خلال النهجين الآخرين:

  • نهج المستقبِل (Taker approach): يركّز هذا النهج على استخدام حلول الذكاء الاصطناعي التوليدي الجاهزة التي تقدّمها أطراف خارجية، ودمجها مباشرة في عمليات الشركة دون الحاجة إلى تخصيص كبير أو تعديل معقد. يُعدّ هذا الخيار الأقل تكلفة والأقل استهلاكاً للموارد بين الخيارات المتاحة، ما يجعله مناسباً بشكلٍ خاص لعلامات التجميل التي تعتمد بشكلٍ أساسي على تجار التجزئة في توزيع منتجاتها. هذا النهج مثالي للشركات التي تمتلك بيانات محدودة عن المستهلكين، أو تلك التي تعاني نقصاً في المواهب التقنية أو تفتقر إلى الميزانيات الكبيرة للاستثمار في التكنولوجيا.

عند تقييم أدوات أو منصات الذكاء الاصطناعي التوليدي، يجب على شركات التجميل التأكد من توافقها مع احتياجاتها من خلال الإجابة عن عدة تساؤلات محورية وهي: ما هي بروتوكولات الخصوصية والتشفير التي يتبعها المزوّد لضمان حماية بيانات العلامة التجارية؟ هل سيستخدم المزوّد بيانات الشركة لتدريب نماذج خاصة به أو بأطراف أخرى؟ مَن يمتلك حقوق الملكية الفكرية للمخرجات التي تُنشأ عبر الأداة؟ وما مدى سهولة دمج الأداة مع الأنظمة الداخلية لشركة التجميل؟ على سبيل المثال، هل يوفّر المزوّد واجهة برمجة تطبيقات (API) لتسهيل التكامل؟ وهل تتكامل المنصة مع أدوات مثل Google Analytics لدعم استخدامات أوسع وأكثر شمولية؟

تُعدّ تجربة الأداة واختبارها خطوة أساسية لا غنى عنها. غالباً ما يقدّم مزودو الذكاء الاصطناعي التوليدي الموثوقون فترة تجريبية منخفضة التكلفة فترة محدودة، تستمر عادةً نحو شهر واحد.

  • نهج المُشكِّل (Shaper approach): يعتمد هذا النهج على تدريب نماذج الذكاء الاصطناعي التوليدي لجهة خارجية باستخدام بيانات الشركة نفسها ورؤيتها العميقة، بما يتناسب مع احتياجاتها الجغرافية والقطاعية والتنظيمية وأهدافها التجارية المحددة. على سبيل المثال، في حالة الاستهداف الدقيق للغاية للعملاء، يمكن استخدام بيانات تتعلق بصوت العلامة التجارية، والتركيبة السكانية للعملاء، وتفضيلاتهم، بالإضافة إلى تحليل الحملات الناجحة السابقة لتدريب النماذج. أمّا في مجال تطوير المنتجات المبتكرة، فيمكن استخدام بيانات خام مستخلصة من نتائج الاختبارات السريرية لتطوير نماذج تقدّم رؤى جديدة لتحسين المنتجات.

قد تختار العلامات التجارية الكُبرى أو تجار التجزئة في قطاع التجميل، الذين يمتلكون كماً هائلاً من بيانات العملاء، اتباع نهج "المُشكِّل" لتنفيذ هذا النهج بنجاح، حيث تحتاج الشركات إلى فريق تقني متخصص لديه القدرة على تعديل الأداة وتطويرها، مثل إضافة مكونات جديدة تتناسب مع أهداف الشركة، وربط الأداة بأنظمتها الحالية، وتوسيع نطاق استخدامها داخل المؤسسة.

يمكن لعلامات التجميل دمج نهج "المستقبِل" ونهج المُشكِّل عند اعتماد تقنيات الذكاء الاصطناعي التوليدي، بناءً على احتياجاتها وأهدافها المحددة. نظراً لأهمية السرعة في قطاع التجميل -سواء في طرح المنتجات الجديدة أو الاستجابة السريعة لمتطلبات العملاء- يُفضل أن تستخدم العلامات التجارية مكونات ذكاء اصطناعي مرنة وقابلة للتعديل، ما يُتيح لها التنقل بسهولة بين مزودي نماذج الذكاء الاصطناعي (LLMs) وتوسيع نطاق استخدامها بسرعة وفاعلية. وعلى الرغم من أن الذكاء الاصطناعي التوليدي يمكنه تحسين الكفاءة من خلال أتمتة العديد من العمليات، فإن صناعة التجميل تتطلب توازناً بين العلم والإبداع. لذلك، من الضروري أن يكون هناك دور للبشر في العملية لضمان مراقبة النتائج واكتشاف أي مخاطر محتملة. بالإضافة إلى ذلك، تُعدّ اللمسة الإبداعية البشرية عاملاً رئيسياً في تطوير تصميمات مبتكرة للتغليف وحملات تسويقية جذابة. الجمع بين التكنولوجيا والإبداع البشري سيمكّن العلامات التجارية من تقديم منتجات متميزة تُلبي تطلعات العملاء وتعزّز مكانتها في السوق.

كيف يمكن الاستفادة من الذكاء الاصطناعي التوليدي في عمليات التوسع؟

للتفوق في المجال الرقمي والاستفادة الكاملة من تقنيات الذكاء الاصطناعي، تحتاج شركات السلع الاستهلاكية إلى طرح أسئلة محورية، مثل: "ما هي المجالات التي يمكن تحقيق أكبر قيمة فيها؟" و"هل يشارك قادة الأعمال بشكلٍ فعّال في قيادة هذا التحول الرقمي؟". وبالنسبة لعلامات التجميل، فإن تحقيق تكامل حقيقي للذكاء الاصطناعي التوليدي في أعمالها يتطلب اتباع أربع خطوات أساسية تضمن استغلال إمكاناته الكاملة وتعزيز قدراتها التنافسية، وهي على النحو التالي:

  • توحيد القيادة حول الرؤية والقيمة وخطة العمل. لتحقيق الانتقال من مرحلة التجريب إلى مرحلة التوسع الناجح، يجب على شركات التجميل تحديد أي من حالات الاستخدام الأربع المذكورة سابقاً يمكنها أن تحقق أكبر قيمة مضافة، سواء من خلال زيادة الإيرادات، أو توفير الوقت والتكاليف، أو تحسين تجربة العملاء. ولتقدير الإمكانات المتوقعة من هذه المبادرات وتصميم خطة عمل شاملة، ينبغي للقادة التنفيذيين جمع فرق العمل من مختلف الأقسام، مثل التسويق وخدمة العملاء وتطوير المنتجات.
  • تعزيز الكفاءات المؤسسية: على الرغم من الإمكانات الهائلة التي يقدّمها الذكاء الاصطناعي التوليدي، فإن الاستفادة المُثلى منه على المدى الطويل تتطلب دمجه بشكلٍ متكامل مع قدرات المؤسسة. ولتحقيق ذلك، يجب على قادة شركات التجميل تقييم كيفية انسجام هذه التقنية مع نموذج التشغيل الحالي، والممارسات التقنية وإدارة البيانات، بالإضافة إلى تطوير المواهب. ولضمان النجاح، ينبغي تشكيل فِرق عمل متعددة التخصصات لتقييم القدرات الحالية بدقة وتحديد المهارات أو الإمكانات الإضافية المطلوبة، كما يتوجب على هذه الفرق وضع وتنفيذ برامج تدريبية مخصصة لتطوير المهارات، ما يساعد على سد الفجوات داخل المؤسسة.
  • التجربة والتعلم والتحسين والتكرار: للاستفادة الكاملة من تقنيات الذكاء الاصطناعي التوليدي، يجب على شركات التجميل إجراء اختبارات منتظمة في بيئات خاضعة للرقابة لتقييم فاعلية النتائج. على سبيل المثال، في حالات الاستخدام المتعلقة بالتسويق، يمكن اختيار قناة محددة، مثل البريد الإلكتروني أو الرسائل النصية القصيرة أو الإعلانات المدفوعة، لإجراء اختبارات (A/B)، تهدف هذه الاختبارات إلى قياس فاعلية الإعلانات التي أنشئت باستخدام الذكاء الاصطناعي من الناحية الكمية (مثل تأثيرها في المبيعات أو معدلات النقر) والكيفية (مثل طرح أسئلة مثل "هل يعكس الإعلان هوية العلامة التجارية بصدق؟"). بناءً على نتائج هذه الاختبارات، يمكن تدريب منصة الذكاء الاصطناعي لتحسين أدائها وتقديم نتائج أكثر دقة في الاختبارات المستقبلية.
  • تبنّي إطار عمل لإدارة المخاطر: تُحدِث منتجات التجميل تأثيراً عاطفياً قوياً في المستهلكين، ونظراً للطبيعة الاجتماعية البارزة لهذا القطاع، فإن استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي التوليدي يتطلب وضع حدود وضوابط صارمة لتقليل المخاطر المحتملة والتحكم فيها. يجب أن يتضمن إطار العمل لإدارة المخاطر عدة اعتبارات أساسية، منها قابلية تفسير النتائج الصادرة عن الذكاء الاصطناعي وموثوقيتها، وتهديدات الأمان، وضمان العدالة وتجنب التحيز، وحماية الملكية الفكرية، وإدارة المخاطر المرتبطة باستخدام أدوات الذكاء الاصطناعي التابعة لجهات خارجية، ومعالجة المسائل المتعلقة بالخصوصية. يجب أن يكون الهدف من استخدام الذكاء الاصطناعي التوليدي هو تعزيز عمل فِرق التسويق وتطوير المنتجات، وليس استبدالها.

رغم أن معظم منتجات صناعة التجميل تركّز على الجانب الجمالي، فإن استخدامات الذكاء الاصطناعي التوليدي في هذا المجال تتجاوز السطحية بكثير. في الواقع، يمكن أن يؤدي دمج هذه التقنية مع الأدوات الرقمية الأخرى وتقنيات الذكاء الاصطناعي، إلى جانب تعزيز القدرات التنظيمية، إلى خلق ميزة تنافسية مستدامة لقادة قطاع التجميل، ما يضعهم في موقع الريادة لسنوات قادمة.

المحتوى محمي