هل ستميل الكفة لصالح الروبوتات ذات الهيئة البشرية مستقبلاً؟

7 دقيقة
مصدر الصورة: ستيفاني آرنيت/إم آي تي تكنولوجي ريفيو | بوسطن ديناميكس، أجيليتي أيه آي

يعمل جان ليبهارت مدرساً للهندسة الحيوية في جامعة ستانفورد، لكنه بالنسبة إلى الكثير من الغرباء في مدينة لوس ألتوس بولاية كاليفورنيا، فهو رجل غريب الأطوار يرونه يمشي في الشارع رفقة كلب روبوتي بأربعة قوائم.

كان ليبهارت يجري التجارب على بناء الروبوتات وتعديلها أعواماً عديدة، وعندما يصطحب "كلبه" معه إلى الأماكن العامة، فإنه عادة ما يتلقى واحداً من ثلاثة ردود فعل. فالأطفال الصغار يريدون الحصول على كلب مثله، على حين يشعر أهاليهم بالنفور والخوف منه، أما الأشخاص من جيل طفرة المواليد فيحاولون تجاهله. ويقول واصفاً تصرفاتهم: "يمرون بسرعة، في استهجان واضح لهذا المنظر الغريب".

انقسام حول الروبوتات

في الكثير من الحوارات التي خضتها حول الروبوتات، وجدت أيضاً أن معظم الناس يميلون إلى الانقسام ضمن هذه الفئات الثلاث، على الرغم من أنني لا أرى شرائح عمرية واضحة على نحو محدد. فالبعض يشعر بالتفاؤل والأمل بمستقبل قريب جداً حيث تستطيع فيه الآلات أن تتعامل ببراعة مع الكثير من المهام التي يؤديها البشر حالياً، بدءاً بالطهو وانتهاء بالعمليات الجراحية. أما البعض الآخر فهم خائفون من فقدان الوظائف والتعرض للإصابات وأي مشاكل أخرى يمكن أن تنجم بينما نحاول العيش مع الروبوتات جنباً إلى جنب.

أما الفئة الثالثة، والتي أعتقد أنها الفئة الأكبر، فهي ببساطة غير منبهرة. فقد سمعنا الكثير من الوعود حول الروبوتات التي ستُحدث تحولات إيجابية في المجتمع منذ تركيب أولى الأذرع الروبوتية على خط التجميع في مصنع شركة جنرال موتورز (General Motors) بولاية نيوجيرسي في 1961. ولم يتحقق من هذه الوعود سوى النزر اليسير حتى الآن.

لكن، في هذا العام، ثمة ما يدعونا إلى الاعتقاد بأنه حتى أولئك الذين ينتمون إلى فئة "الذين يشعرون بالملل" سوف ينبهرون بما يحدث في المنافسات التي يشهدها مجال الروبوتات. وإليكم فيما يلي لمحة عما نعتقد أنه يستحق المتابعة.

 اقرأ أيضاً: هل سنثق بالروبوتات يوماً ما كما نثق بالبشر؟

الروبوتات ذات الشكل البشري ستخضع للاختبار

 إن السباق نحو بناء الروبوتات ذات الشكل البشري مدفوع بفكرة مفادها أن العالم مهيأ للشكل البشري، وأن أتمتة هذا الشكل قد تعني إحداث تحول جذري في مجال الروبوتات. هذا السباق تقوده مجموعة من رواد الأعمال الذين يتسمون بدرجة عالية من الجرأة والتفاؤل، بمن فيهم مؤسس شركة فيغر أيه آي (Figure AI) التي تصنع روبوتات كهذه وتقدر قيمتها بأكثر من 2.6 مليار دولار (بدأت الشركة تختبر روبوتاتها مع شركة بي إم دبليو [BMW])، بريت أدكوك. وقد قال أدكوك مؤخراً لمجلة تايم (Time): "في نهاية المطاف، سيكون العمل البدني اختيارياً". أما إيلون ماسك، الذي تعمل شركته تيسلا على بناء نسخة من هذه الروبوتات تحمل اسم أوبتيموس (Optimus)، فقد قال إن الروبوتات ذات الشكل البشري ستخلق "مستقبلاً خالياً من الفقر". وقد بدأت شركة الروبوتات إلايزا ويكس أب (Eliza Wakes Up) تتلقى طلبات مسبقة لشراء روبوتها ذي الشكل البشري مقابل 420,000 دولار، ويحمل كما هو واضح اسم إلايزا (Eliza).

في يونيو/تموز من عام 2024، أرسلت شركة أجيليتي روبوتيكس (Agility Robotics) أسطولاً من روبوتاتها ذات الشكل البشري من طراز ديجيت (Digit) إلى شركة جي إكس أو لوجيستيكس (GXO Logistics)، التي تنقل منتجات لشركات أخرى تتراوح من شركة نايكي (Nike) إلى شركة نستله (Nestlé). تستطيع هذه الروبوتات ذات الشكل البشري أن تتعامل مع معظم المهام التي تتضمن التقاط الأشياء ونقلها إلى مكان آخر، مثل تفريغ منصات التحميل أو وضع الصناديق على الأحزمة الناقلة.

لكن هناك بعض المشاكل التي واجهتها الشركة، فالأرضيات الخرسانية المصقولة جداً يمكن أن تتسبب بانزلاق الروبوتات في البداية، إضافة إلى أن استمرار الروبوتات بالعمل يحتاج إلى إشارة واي فاي تغطي المباني بصورة جيدة.

غير أن الشحن يمثل مشكلة أكبر. فالنسخة الحالية من روبوت ديجيت من أجيليتي مزود ببطارية تزن 17.6 كيلوغراماً تقريباً، وتتيح للروبوتات العمل فترة تتراوح من ساعتين إلى 4 ساعات قبل أن تصبح في حاجة إلى الشحن مدة ساعة واحدة، ولهذا فإن الاستعاضة عن الروبوتات التي نفدت بطارياتها بروبوتات جديدة تعد مهمة شائعة في كل وردية. وإذا كان عدد محطات الشحن المتاحة صغيراً، تستطيع الروبوتات نظرياً أن تشحن نفسها من خلال التنقل بين محطات الشحن بمفردها طوال الليل عندما تكون بعض المنشآت متوقفة عن العمل، لكن تحرك الروبوتات بمفردها قد يؤدي إلى تشغيل نظام أمان المبنى. تقول الرئيسة التنفيذية للتكنولوجيا في الشركة، ميلوني وايز: "إنها مشكلة حقيقية".

 اقرأ أيضاً: هل يمكن تدريب الروبوتات باستخدام الصور المولّدة بالذكاء الاصطناعي؟

تبدي وايز تحفظها إزاء إمكانية تبنّي الروبوتات ذات الشكل البشري على نطاق واسع في مواقع العمل، وتقول: "لطالما كنت متشائمة". وذلك لأن توظيف الروبوتات جيداً ضمن المختبر أمر ممكن، لكن دمجها في مستودع مزدحم يعج بالأشخاص والرافعات الشوكية التي تنقل البضائع وفق مواعيد نهائية صارمة هي مهمة مختلفة تماماً.

إذا كان عام 2024 هو العام الذي شهدنا فيه مقاطع فيديو لمنتجات من الروبوتات ذات الشكل البشري المنفرة والمثيرة للخوف، فسوف نشهد هذا العام اختبار هذه الروبوتات، وسنكتشف إن كانت فائدتها بالنسبة إلى العملاء المشترين تفي بالوعود التي تلقوها. والآن، بعد أن استُخدمت روبوتات أجيليتي في منشآت العملاء التي تعمل بوتيرة عالية، فمن الواضح أن المشاكل الصغيرة يمكن أن تتراكم متحولة إلى عوائق شائكة.

أيضاً، ثمة مسألة تتعلق بكيفية عمل الروبوتات والبشر ضمن مساحات مشتركة. ففي منشأة جي إكس أو، يعمل البشر والروبوتات في مناطق منفصلة تماماً، وفقاً لوايز، لكن ثمة حالات قد يترك فيها عامل بشري، على سبيل المثال، شيئاً يعوق استخدام محطة الشحن. وهذا يعني أن روبوتات أجيليتي لا يمكنها العودة إلى المحطة حتى تشحن بطارياتها، ولهذا فإنها تحتاج إلى تنبيه أحد الموظفين البشر لإزالة هذا العائق، ما يبطئ سير العمل.

كثيراً ما يقال إن الروبوتات لا تتغيب عن العمل بداعي المرض ولا تحتاج إلى الرعاية الصحية. لكن هذا العام، ومع انضمام أساطيل من الروبوتات ذات الشكل البشري إلى مواقع العمل، سنبدأ في اكتشاف حدود قدراتها الحقيقية.

التعلم من الخيال

إن الطريقة التي نعتمدها لتعليم الروبوتات كيفية تنفيذ المهام تشهد تغيرات سريعة. ففي الماضي، كان من الضروري تقسيم مهام الروبوتات إلى خطوات تتضمن تعليمات مؤلفة من رموز محددة بدقة. أما الآن، وبفضل الذكاء الاصطناعي، فيمكن استخلاص هذه التعليمات من خلال الملاحظة. وكما تمكنت شركة أوبن أيه آي من تعليم "تشات جي بي تي" (ChatGPT) كيفية الكتابة من خلال عرض التريليونات من الجمل عليه، بدلاً من تعليمه قواعد النحو اللغوي على نحو صريح، فسوف نتمكن من تعليم الروبوتات من خلال مقاطع الفيديو والعروض التوضيحية.

يقودنا هذا إلى طرح سؤال مهم: من أين نحصل على كل هذه المقاطع والعروض التوضيحية التي يمكن للروبوتات التعلم منها؟

لطالما طمحت إنفيديا، وهي أعلى الشركات قيمة في العالم، إلى تلبية هذه الحاجة بالاعتماد على العوالم الافتراضية التي تعتمد على المحاكاة، مستعينة بجذورها في صناعة ألعاب الفيديو. حيث تبني عوالم يستطيع علماء الروبوتات استخدامها لتعريض نسخ رقمية من روبوتاتهم لبيئات جديدة تتعلم منها. فالسيارة الذاتية القيادة تستطيع القيادة لمسافات تبلغ الملايين من الكيلومترات الافتراضية، ويستطيع روبوت المصنع أن يتعلم كيفية التنقل في ظروف متنوعة من الإضاءة. 

في ديسمبر/كانون الأول، ذهبت الشركة إلى أبعد من ذلك، فأطلقت ما تسميه "نموذج أساس العالم التوليدي" (world foundation model). يحمل هذا النموذج اسم "كوزموس" (Cosmos)، وقد تعلم من 20 مليون ساعة من مقاطع الفيديو، ما يعادل مشاهدة مقاطع فيديو على منصة يوتيوب (Youtube) بلا توقف منذ كانت روما في حالة حرب مع قرطاج، ويمكن استخدام هذا النموذج لتوليد بيانات تدريب اصطناعية.

وفيما يلي مثال عن الفائدة العملية لهذا النموذج. تخيل أنك تدير شركة روبوتات تريد بناء روبوت ذي شكل بشري لتنظيف المستشفيات. يمكنك أن تبدأ بناء "دماغ" هذا الروبوت باستخدام نموذج من إنفيديا، حيث سيمنحه هذا النموذج فهماً أساسياً للفيزياء وكيف يعمل العالم من حولنا، لكنك تحتاج بعد ذلك إلى أن تساعده على فهم تفاصيل عمل المستشفيات. يمكنك أن تقصد المستشفيات وتلتقط عدداً من الصور ومقاطع الفيديو لما يجري في داخلها، أو تدفع أجوراً لبعض الأشخاص لقاء ارتداء المستشعرات والكاميرات في أثناء عملهم هناك.

يقول نائب الرئيس لتكنولوجيات المحاكاة في إنفيديا، ريف ليباريديان: "لكن هذه الأساليب مكلفة وتستغرق الكثير من الوقت، ولهذا لن تستطيع أن تحصل إلا على مقدار محدود من البيانات". بدلاً من ذلك، يستطيع كوزموس أن يستعين بعدد محدود من هذه الأمثلة ويبني محاكاة ثلاثية الأبعاد للمستشفى. ثم يبدأ إجراء التغييرات، فقد يغير ألوان الأرضيات أو أحجام أسرّة المستشفى، حتى ينشئ بيئات مختلفة قليلاً. يقول ليباريديان: "ستضاعف كمية البيانات التي جمعتها في العالم الحقيقي ملايين المرات". خلال هذه العملية، سيخضع النموذج لعملية ضبط دقيقة حتى يجيد العمل ضمن بيئة المستشفى المحددة تلك.

يشبه هذا الأمر إلى حد ما التعلم من تجاربك في العالم الحقيقي ومن مخيلتك الخاصة في الوقت نفسه (بشرط أن تكون مخيلتك ما تزال ملتزمة بقوانين الفيزياء).

تعليم الروبوتات من خلال الذكاء الاصطناعي وعمليات المحاكاة ليس فكرة جديدة، لكن هذه الفكرة ستصبح أقل تكلفة بكثير وأقوى مفعولاً بكثير خلال الأعوام المقبلة.

اقرأ أيضاً: هل يمكن بناء نسخة رقمية منك من مقابلة مدتها ساعتان مع نظام ذكاء اصطناعي؟

الدماغ الأذكى يحصل على جسم أذكى

يرتبط الكثير من العمليات التطويرية في مجال الروبوتات بتحسين طريقة الروبوت في استشعار البيئة المحيطة والتخطيط للمهمات التي سينفذها، أي تحسين "دماغه" بعبارة أخرى. وكثيراً ما تحدث هذه التطورات على نحو أسرع من التطورات المتعلقة بتحسين "جسم" الروبوت، وهو ما يحدد براعة الروبوت في التحرك ضمن العالم الفيزيائي، خصوصاً في البيئات التي تتسم بمستوى أعلى من الفوضى والعشوائية مقارنة بخطوط التجميع المنظمة والخاضعة للتحكم.

لطالما سعت المؤسسات العسكرية إلى تغيير هذا الأمر، وتوسيع نطاق ما يمكن فعله في العالم الفيزيائي. فقد كانت البحرية الأميركية تختبر آلات من شركة غيكو روبوتيكس (Gecko Robotics) يمكنها التنقل على الجدران العمودية (اعتماداً على المغانط) لتنفيذ مهام مثل تفقد البنى التحتية والتحقق من الشقوق والعيوب وأخطاء اللحام في حاملات الطائرات.

ثمة استثمارات مخصصة لميدان المعركة أيضاً. وعلى حين تمكنت الطائرات المسيرة الرشيقة ذات التكلفة المعقولة من إحداث تغيير جذري في ساحات المعارك الريفية في أوكرانيا، فإن بعض الجهود الجديدة تسعى إلى استثمار هذه القدرات للطائرات المسيرة في الأماكن المغلقة. فقد تلقت شركة الصناعات الدفاعية إكستند (Xtend) عقداً بقيمة 8.8 ملايين دولار من البنتاغون في ديسمبر/كانون الأول من عام 2024 لطائراتها المسيرة التي تستطيع التحرك ضمن المساحات المغلقة الضيقة والبيئات الحضرية. هذه الطائرات المسيرة التي تعرف باسم "الذخائر المتسكعة" أو "الطائرات المسيرة الانتحارية" (loitering munitions)، وهي طائرات مسيرة هجومية مخصصة للاستخدام مرة واحدة فقط، حيث تحمل متفجرات تنفجر عند الاصطدام.

يقول المؤسس المشارك والرئيس التنفيذي للتكنولوجيا في إكستند، روبي لياني: "هذه الأنظمة مصممة كي تتغلب على عوائق مثل المساحات الضيقة، والبيئات التي لا يمكن التنبؤ بها، والمناطق التي لا يمكن الوصول إليها باستخدام النظام العالمي لتحديد المواقع (GPS)". ومن المقرر أن تبدأ الشركة تسليم هذه الطائرات المسيرة إلى البنتاغون في الأشهر القليلة الأولى من هذا العام.

تهدف مبادرة أخرى -وهي مبادرة أسهم مشروع ريبليكيتور (Replicator) للبنتاغون في إطلاقها، حيث يهدف هذا المشروع إلى إنفاق أكثر من مليار دولار على المركبات الصغيرة المسيرة- إلى تطوير غواصات ومركبات تسير على سطح الماء تتمتع بمستويات أعلى من التحكم الذاتي. وهي مسألة تحظى بدرجة خاصة من الاهتمام، مع زيادة تركيز وزارة الدفاع على احتمال اندلاع نزاع مستقبلي في المحيط الهادي بين الصين وتايوان. في نزاع كهذا، لن تكون الطائرات المسيرة التي هيمنت على الحرب في أوكرانيا ذات فائدة تُذكر، لأن الأطراف المتحاربة ستخوض المعارك بالكامل تقريباً في البحر، حيث ستكون قدرات الطائرات المسيرة الصغيرة مقيدة بمداها المحدود. وبدلاً من ذلك، ستؤدي الغواصات المسيرة دوراً أكبر.

تشير كل هذه التغيرات مجتمعة إلى مستقبل تصبح فيه الروبوتات أكثر مرونة في كيفية تعلّمها وأماكن عملها وكيفية تحركها.

يعتقد جان ليبهارت من جامعة ستانفورد أن الأفق الجديد لهذا التحول سيعتمد على القدرة على توجيه الأوامر والتعليمات للروبوتات عبر الكلام. فقدرة النماذج اللغوية الكبيرة على فهم النصوص وتوليدها، جعلتها بالفعل أقرب إلى نظام يعمل مترجماً بين ليبهارت وروبوته.

يقول ليبهارد: "يمكننا أن نقول لأحد هذه الروبوتات الرباعية القوائم ’مرحباً، أنت كلب‘، وعندها سيحاول أن يشتم رائحتك ويحاول أن ينبح. وبعد ذلك، نغير كلمة واحدة فقط ونقول له ’أنت قط‘، وعندها سيموء ويحاول الهرب من الكلاب، ويمكن تحقيق هذا كله دون أن نغير سطراً واحداً من الرموز البرمجية".

المحتوى محمي