خلال التنقل عبر صفحات الإنترنت، ينقر المستخدمون على زر "موافق" على الشروط والأحكام دون فهم كامل لبنود شروط الاستخدام التي "يوافقون" عليها، وذلك بسبب تعقيد لغتها القانونية وطولها. ومع تطوّر الذكاء الاصطناعي، أصبح وسيلة تسهّل على المستخدم فهم المصطلحات القانونية وتبسيط المستندات القانونية المعقدة وإلقاء الضوء على البنود غير العادلة وغير القانونية فيها، ما يعزّز تجربة المستخدم الشاملة في العالم الرقمي الآخذ بالاتساع، ويتنقل المستخدم عبر متاهة الشروط والأحكام بثقة وسهولة، ويضمن حقوقه وأمانه عند التعامل مع الخدمات عبر الإنترنت.
ما هي المشكلة في بنود شروط الاستخدام غير العادلة؟
برزت شروط الاستخدام تحدياً كبيراً أمام المستهلكين في العالم الرقمي، حيث تُقدَّم هذه الشروط أحياناً بطريقة غامضة أو مضللة، وقد تكون بعض البنود مخفية في روابط تشعّبيّة. وقد تحتوي البنود على شروط تخدم الشركات على حساب المستخدمين. ويجد المستخدمون صعوبة كبيرة في فهمها بسبب لغتها القانونية المعقدة، بالإضافة إلى طولها. لذلك، لا يرغب المستخدم غالباً في إضاعة وقته في قراءة الشروط والقوانين الطويلة وغير المفهومة، فيضغط زر القبول دون فهم كامل لتداعيات الأمر، ما يؤدي إلى تنازله عن حقوق مهمة.
إن تخطي قراءة بنود شروط الاستخدام والموافقة عليها على مضض، ينتج عنه عواقب وخيمة على المستخدم، ما قد يؤدي إلى:
- خسائر مالية محتملة بسبب بنود التجديد التلقائي والرسوم غير المتوقعة.
- مخاوف متعلقة بالخصوصية فقد يوافق المستخدم على مشاركة بياناته الشخصية دون إدراك منه واستخدامها لأغراض لا يعرفها.
- التنازل عن الحق في الانضمام إلى دعاوى قضائية جماعية، وبنود التحكيم الإلزامي التي تحدُّ من اللجوء إلى القضاء.
ما الذي يمكن للذكاء الاصطناعي فعله؟
لا تمتلك الوكالات المكلفة بمراقبة هذه البنود موارد كافية تساعدها على إنفاذ قوانين حماية المستهلك والاستجابة لهذه التحديات، لذا نشأت الحاجة إلى أدوات وأنظمة آلية لتقييم البنود غير العادلة المحتملة ضمن اتفاقيات شروط الخدمة. بالإضافة إلى تعزيز وعي المستخدم وزيادة الشفافية في شروط الخدمة.
علاوة على ذلك، أصبح الذكاء الاصطناعي وسيلة يمكن للمستهلك الاستفادة منها لتوفير رؤى قيمة حول بنود الخدمات وتحديد غير العادل منها، وتُتيح اتخاذ قرارات مستنيرة عند التعامل مع الخدمات عبر الإنترنت، وذلك بعدة طرق:
تحليل شروط الاستخدام وتبسيط اللغة القانونية المعقدة
يساعد الذكاء الاصطناعي على تحليل شروط الاستخدام وفهمها، وتحديد البنود غير العادلة أو غير القانونية المحتمل وجودها، إذ يمكن لخوارزميات معالجة اللغة الطبيعية تحليل المستندات القانونية المعقدة بفاعلية وشرح المصطلحات التي قد يصعب على المستخدم فهمها، كما يمكن أن تحدد العبارات والبنود التي قد لا تتوافق مع القوانين واللوائح الحالية، وهو أمر بالغ الأهمية للمستهلكين الذين لا يمتلكون خبرة قانونية تساعدهم على تقييم عدالة الشروط والأحكام بأنفسهم.
تلخيص نصوص شروط الاستخدام
بالإضافة إلى تبسيط اللغة القانونية المعقدة، يساعد الذكاء الاصطناعي على تلخيص نصوص شروط الاستخدام الطويلة بسرعة، ما يوفّر الوقت على المستخدم، وكتابتها بعبارات أبسط، تمكّن المستخدم من فهم جوهر الاتفاقيات بعيداً عن تعقيد اللغة القانونية، مع تسليط الضوء على النقاط الرئيسية مثل سياسات الإلغاء أو التجديد التلقائي. ويمكن للمستخدم أيضاً طرح أسئلة حول البنود التي تهمه، مثل خصوصية البيانات أو رسوم الاشتراك.
مراقبة صياغة النصوص القانونية
تتطلب صياغة بنود شروط الاستخدام مراجعة بشرية دقيقة لتلبية معايير الامتثال. يسهم الآن الذكاء الاصطناعي في صياغة البنود أيضاً عبر أتمتة هذه المهمة، وتقييم جودة صياغة البنود وفقاً لقواعد محددة مسبقاً من خلال التحقق من التناقضات. يؤدي ذلك إلى تقليل الخطأ البشري، وضمان دقة شروط الاستخدام وسلامتها من الناحية القانونية، ما يخفف من المخاطر المرتبطة بعدم الدقة في المحتوى القانوني.
مراقبة التغيرات في الشروط والأحكام
يراقب الذكاء الاصطناعي أيضاً مواقع الويب باستمرار لمراقبة التغيرات في الشروط والأحكام وتنبيه المستخدم بالتحديثات غير العادلة، التي قد تسبب مشكلات له مستقبلاً.
اقرأ أيضاً: هل يمكن تحميل الذكاء الاصطناعي المسؤولية القانونية عن قراراته؟
أدوات ذكاء اصطناعي قانونية تساعد على فهم بنود شروط الاستخدام
لفهم بنود شروط الاستخدام، وتحديد غير العادل منها، يستطيع المستخدم اللجوء إلى الأدوات القانونية المدعومة بالذكاء الاصطناعي لفك شفرة المصطلحات القانونية وفهم حقوقه والتزاماته ضمن شروط الخدمة وسياسات الخصوصية. على سبيل المثال، يترجم برنامج "ليغلز ديكودر" (Legalese Decoder) اللغة القانونية المعقدة إلى مصطلحات واضحة ومفهومة، ويقسّم المفاهيم القانونية المعقدة إلى عناصر بسيطة يفهمها المستخدمين غير القانونيين. وتُتيح أداة "بيكاكس" (Pickaxe) لصق نص منسوخ من الشروط والأحكام ومن ثَمَّ التحقق منه بحثاً عن أي أخطاء كامنة. لا تستطيع الأداة الوصول إلى الويب. لذا، على المستخدم نسخ النص ولصقه في المربع المخصص.
أمّا بوتات الدردشة التي تعمل بالذكاء الاصطناعي مثل تشات جي بي تي قد لا تكون الخيار الأمثل لفهم شروط الاستخدام، إذ لا تتدرّب هذه النماذج العامة على النصوص القانونية أو التحليل القانوني، وبالتالي فإن النصائح التي تقدّمها قد لا تكون دقيقة.
من جهة أخرى، استفاد المختصون من تشات جي بي تي لتطوير أدوات مخصصة تزيل الغموض عن بنود شروط الاستخدام وتحللها وتبسّطها، ومنها أداة "يس تشات" (YesChat) المدعومة من "تشات جي بي تي-4 أو"، مع التركيز على البنود التي تُثير قلق المستخدم وقد تضره مثل سياسات مشاركة البيانات الخاصة.
اقرأ أيضاً: هل نستغني عن المحامين بعد أن ظهرت هذه البوتات القانونية؟
مَن المستفيد من هذه الأدوات؟
تستفيد فئات مختلفة من المستخدمين من أدوات الذكاء الاصطناعي التي تعمل على تحليل وتلخيص الشروط والأحكام. فالمستهلكون العاديون الذين يشتركون في الخدمات عبر الإنترنت يحصلون على توضيحات لما لهم وما عليهم دون الحاجة إلى معرفة قانونية واسعة النطاق. ويتعرّف أصحاب الأعمال الصغيرة بسرعة على البنود غير العادلة، التي قد تؤثّر في أعمالهم، مثل ممارسات التعامل مع البيانات وحقوق الملكية الفكرية.
عوائق تعرقل تطوير الذكاء الاصطناعي القانوني
يواجه تطوير الذكاء الاصطناعي القانوني عوائق عديدة، منها:
- ضمان دقة أنظمة الذكاء الاصطناعي وموثوقبتها في التحليل القانوني.
- ضمان عدم انتقال هذه الأنظمة إلى ممارسة القانون غير المصرح بها.
- التفسيرات الخاطئة للبنود والقوانين التي يمكن أن تؤدي إلى عواقب وخيمة.
- الفشل في تحديد مصطلح غير قانوني أو تقديم نصيحة قانونية غير صحيحة.
- التدريب الجيد والتحديث بانتظام للتعامل مع تعقيدات اللغة القانونية بشكلٍ فعّال.
- توفير البيانات المتنوعة اللازمة لتدريب أنظمة الذكاء الاصطناعي على حقوق الخصوصية واللوائح.
- الإفراط في الاعتماد على أدوات الذكاء الاصطناعي، وتجاهل المشورة القانونية المهنية، وخاصة في المسائل القانونية المعقدة.