الرجاء تفعيل الجافاسكربت في متصفحك ليعمل الموقع بشكل صحيح.

هل سيكون مشروع ستارغيت نقطة فارقة في المنافسة بين أميركا والصين في الذكاء الاصطناعي؟

5 دقيقة
شبكات الاتصالات من الجيل السادس تفتح آفاقاً جديدة للابتكار

 كشف الرئيس الأميركي دونالد ترامب النقاب عن مشروع ضخم يُسمَّى ستارغيت، هدفه الأساسي إنشاء مراكز بيانات في مختلف أنحاء الولايات المتحدة لدعم تطوير الذكاء الاصطناعي وتعزيز قدرات بلاده في صناعة الذكاء الاصطناعي وضمان بقائها قادرة على المنافسة خاصة ضد المنافسين الكِبار مثل الصين.

وقد وصف الرئيس المشروع بأنه أكبر مشروع للبنية التحتية للذكاء الاصطناعي حتى الآن في التاريخ، مؤكداً في الوقت نفسه إمكاناته لتعزيز مستقبل التكنولوجيا في أميركا، علاوة على إمكانية المشروع إنشاء أكثر من 100 ألف وظيفة على الفور تقريباً مع توقعات تشير إلى أنه يمكن أن يُنشئ مئات الآلاف من الوظائف مع تطوره في قادم السنوات.

ما هو مشروع ستارغيت الذي كشف عنه الرئيس دونالد ترامب مؤخراً؟

يهدف مشروع ستارغيت (StarGate Project) إلى استثمار ما يصل إلى 500 مليار دولار على مدى السنوات الأربع المقبلة لتطوير البنية التحتية للذكاء الاصطناعي في الولايات المتحدة من خلال بناء مراكز بيانات متطورة، ما يُعدّ واحداً من أكبر الاستثمارات في البنية التحتية للذكاء الاصطناعي على مستوى العالم.

المشروع عبارة عن شراكة رئيسية بين كلٍ من:

  • شركة الذكاء الاصطناعي أوبن أيه آي (OpenAI) مالكة ومطورة بوت الدردشة تشات جي بي تي التي ستتحمل المسؤولية التشغيلية.
  • صندوق الاستثمار سوفت بانك (Softbank) المعروفة بتركيزها على الاستثمار في القطاع التكنولوجي التي ستتحمل المسئولية المالية.
  • شركة البرمجيات أوراكل (Oracle) التي تعمل في مجال أنظمة الحوسبة السحابية وتشغيل مراكز البيانات التي ستتحمل مسئولية البناء.

وبحسب الإعلان، فإن المشروع الذي كان قيد العمل بالفعل قبل تولى ترامب منصبه لديه حالياً مبلغ أولي يصل إلى 100 مليار دولار، بينما من المتوقع أن يُموّل المتبقي من المبلغ البالغ 400 مليار دولار على مدى الأربع سنوات القادمة من المستثمرين الحاليين والمستثمرين الجدد ومقدمي الديون.

بالإضافة إلى شركاء تكنولوجيين آخرين، وهم شركة مايكروسوفت والذراع التكنولوجية لصندوق الاستثمار الإماراتي إم جي إكس (MGX) وشركتا صناعة الرقائق إنفيديا (NVidia) وآرم (Arm) التي ستتعاون مع الشركاء الرئيسيين في تشغيل أنظمة الحوسبة اللازمة للمشروع، ومن المقرر بناء أول مركز بيانات ضمن المشروع في مدينة تكساس الأميركية مع التخطيط للتوسع لاحقاً في بقية الولايات الأخرى.

اقرأ أيضاً: أوبن إيه آي تعلن تطويرها نموذجاً يصل إلى مستوى الذكاء الاصطناعي العام

ما هو الهدف الحقيقي من مشروع ستارغيت الذي أعلنه الرئيس الأميركي دونالد ترامب؟

في البداية، من الضروري تحليل الشركات الثلاث الرئيسية التي ستقود المشروع، لدينا أولاً شركة الذكاء الاصطناعي أوبن أيه آي التي ارتفعت طموحاتها بعد نجاح منتجها الأساسي حيث تريد حرفياً أن تقود ثورة الذكاء الاصطناعي التوليدي والوصول إلى الهدف الأسمى وهو تطوير الذكاء الاصطناعي العام قبل أي شركة أخرى.

الطرف الثاني هي شركة أوراكل التي تُعدّ من كبرى شركات البرمجيات في العالم، حيث صُنِّفت عام 2020 ثالث أكبر شركة برمجيات في العالم، ولكن ما يُميّز الشركة بشكلٍ رئيسي تركيزها على بناء مراكز البيانات وتشغيلها في أنحاء العالم، كافة وكلتا الشركتين أميركية ويقع ومقرهما الرئيسي في الولايات المتحدة الأمريكية.

الطرف الثالث هي شركة سوفت بانك وهي شركة متعددة الجنسيات مقرها الرئيسي في اليابان ومعروفة باستثماراتها الناجحة في قطاع التكنولوجيا عموماً. هذه الشركات الثلاث مجتمعة تريد أن تُحقق هدف الرئيس الأميركي على المستوى السياسي والاقتصادي وهو بناء أكبر عدد ممكن من مراكز البيانات في الولايات المتحدة للتفوق على أي دولة أخرى، وتوسيع هوة المنافسة معها في المستقبل القريب والبعيد معاً.

وتأتي أهمية هذه الخطوة من واقع أن الطلب على مراكز البيانات أصبح في ارتفاع مطّرد وفقاً لشركة أبحاث السوق ماكينزي التي ذكرت في تقرير نُشِر عام 2024، أن الطلب العالمي على سعة مراكز البيانات سيتضاعف بأكثر من ثلاثة أضعاف بحلول عام 2030، ولكي يُلبي المطورون هذا الطلب، قدرت الشركة أنه ينبغي بناء ضعف السعة على الأقل منذ التي بُنيت منذ عام 2000.

اقرأ أيضاً: أصبحت متاحة عبر الإنترنت: قاعدة بيانات عامة جديدة تتضمن الأخطاء التي يمكن أن يرتكبها الذكاء الاصطناعي

مشروع ستارغيت قد لا يقتصر على الشركات الثلاث فقط

يعتبر المبلغ الذي أُعلِن لتنفيذ مشروع ستارغيت بالمقاييس كلّها مبلغاً ضخماً للغاية خاصة مع المهلة الزمنية المقدرة بأربع سنوات فقط. فمبلغ 500 مليار دولار حتى الآن يتعلق بثلاث شركات رئيسية فقط، ولكن في وثيقة نشرتها شركة أوبن أيه آي خلال الشهر الماضي ذكرت أنه توجد نحو 175 مليار دولار إضافية في صناديق عالمية متاحة للاستثمار في مشاريع الذكاء الاصطناعي الأمريكية.

لذا إذا نفذت الشركات الثلاث مشروع ستارغيت بالشكل المأمول، فإنه من المتوقع ألّا تقتصر الشراكة فقط عليها بدلاً من ذلك سيكون هناك المزيد من الأموال والمزيد من المستثمرين الذين سوف يأتون إلى الولايات المتحدة الأميركية ومن ثَمَّ سوف تعزّز أميركا مكانتها في سوق الذكاء الاصطناعي بقوة أمام الصين التي تُعدّ المنافس الأبرز لها في هذا القطاع مستقبلاً.

ماذا عن الشراكة بين مايكروسوفت و أوبن أيه آي بعد الإعلان عن مشروع ستارغيت؟

مع الإعلان عن مشروع ستارغيت، فإن الشراكة الحصرية بين الشركتان قد أُلغيت بشكلٍ جزئي وستكون الشراكة بينهما مستقبلاً كالآتي:

  • لن تكون مايكروسوفت المزود الحصري لموارد الحوسبة السحابية لشركة أوبن أيه آي، وبدلاً من ذلك سيكون لدى شركة الذكاء الاصطناعي الناشئة الحق في عقد شراكات مع من مقدمي خدمات الحوسبة السحابية الآخرين بما في ذلك شركة أوراكل شريكها في مشروع ستارغيت.
  • بينما لا تزال تحتفظ مايكروسوفت بحقوق مهمة في عقد الشراكة، فإنها الآن تعمل تحت إطار حق الرفض الأول (Right of First Refusal)، وهذا يعني أنه قبل أن تبحث شركة أوبن أيه آي عن موارد سحابية إضافية يجب أن تعطي لمايكروسوفت فرصة لتحقيق هذا الأمر أولاً.
  • ستظل شركة مايكروسوفت مستثمراً رئيسياً في أوبن أيه آي وستلتزم بدعم نموها حتى عام 2030، حيث وافقت مؤخراً على إنشاء قدرات إضافية لأغراض البحث والتدريب.

عموماً، فإن كلتا الشركتين أصبح لديهما طموحهما المستقل في صناعة الذكاء الاصطناعي فشركة أوبن أيه آي تريد بشدة الحصول على مركز بيانات خاصة بها وموارد حاسوبية مستقلة لتحقيق أهدافها التنموية في تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، وهذا الأمر ينبغي أن يتم بسرعة لأن شركة مايكروسوفت، يبدو أنها في طريقها لبناء نموذج الذكاء الاصطناعي الخاص بها، ما قد يؤدي مستقبلاً إلى عدم استخدامها لنموذج جي بي تي في منتجاتها.

حيث عيّنت مؤخراً مصطفى سليمان المؤسس المشارك لمختبر الذكاء الاصطناعي التابع لشركة جوجل لقيادة قسم الذكاء الاصطناعي لديها، كما يخطط الرئيس التنفيذي للشركة لاستثمار نحو 80 مليار دولار لتطوير خدمة الحوسبة السحابية الخاصة بها.

اقرأ أيضاً: مايكروسوفت تكشف عن رقاقات حاسوبية جديدة توسّع آفاق استخدامات الذكاء الاصطناعي

ما هي أبرز التحديات التي تواجه مشروع ستارغيت؟

على الرغم من الزخم الإعلامي الذي حُظي به مشروع ستارغيت وثناء الرئيس الأميركي دونالد ترامب الكبير عليه وتأكيد الشركاء على الالتزام بتنفيذه بالسرعة المطلوبة، فإنه قد يواجه العديد من العقبات والتحديات من ضمنها:

قيود موارد الطاقة التي تتطلبها مراكز البيانات

تُعدّ قدرة البنية التحتية للطاقة في الولايات المتحدة على دعم متطلبات الطاقة الضخمة لمراكز بيانات الذكاء الاصطناعي الجديدة تحدياً بالغَ الأهمية؛ حيث أعرب مسؤولون في وزارة الدفاع عن مخاوفهم من الضغط الذي تفرضه مثل هذه التقنيات على الشبكة الكهربائية.

عدم اليقين بخصوص التمويل المالي

على الرغم من الالتزامات المالية الطموحة لشركاء المشروع، فإن هناك شكوكاً فيما يتعلق بالتوفر الفعلي للتمويل خلال هذه الفترة الزمنية الضيقة نسبياً، ومن ثَمَّ فإن عدم اليقين فيما يتعلق بالتمويل يمكن أن يعيق التقدم وجداول التنفيذ الزمنية.

البيئة التنظيمية لصناعة الذكاء الاصطناعي

مع تطور المشهد التنظيمي المحيط بتطوير الذكاء الاصطناعي، فإن المخاطر المحتملة المرتبطة بتطورات الذكاء الاصطناعي غير المنظمة قد يثير مخاوف لدى الكثيرين بما في ذلك القضايا المتعلقة بالسلامة والاعتبارات الأخلاقية.

اقرأ أيضاً: كيف سيتأثر تنظيم الذكاء الاصطناعي إذا فاز ترامب بالانتخابات الرئاسية الأميركية؟

الآثار الجيوسياسية

نظراً إلى أن الولايات المتحدة تعمل على دمج موقعها في صناعة الذكاء الاصطناعي بقوة، فقد تشعر الدول المنافسة مثل الصين بالحاجة إلى الرد، ما قد يؤدي إلى سباق التسلح التكنولوجي بشكلٍ غير مسؤول، الذي بدوره يمكن أن يؤثّر في العلاقات الدولية بين أميركا والبلدان الأخرى.

جدير بالذكر أن الرئيس ترامب معروف بتركيزه الكبير على الإعلان عن مشاريع أو قرارات يريد بها تقويض ما فعله سلفه في الرئاسة. وفيما يخصُّ مشروع ستارغيت ومبلغ التمويل الضخم الذي رُصِد له، فإن للرئيس سابقة مثل هذه عند توليه منصب الرئاسة في ولايته الأولى.

حيث أُعلِن عام 2017 مشروع شركة فوكسكون التايوانية باستثمار يصل إلى نحو 10 مليارات دولار لبناء منشأة تصنيع ألواح إل سي دي (LCD) حديثة في مدينة ويسكونسن، التي كان من المتوقع أن تُنشئ نحو 13 ألف وظيفة، ولكن بحلول عام 2021 أُنشئ نحو 1400 وظيفة فقط، وعام 2023 خُفِض المبلغ المرصود للمشروع إلى 672 مليون دولار، ولاحقاً في العام نفسه استحوذت مايكروسوفت على الأرض المخصصة للمشروع بمبلغ يصل إلى نحو 50 مليون دولار.

هذه التحولات الدرامية والوعود الاقتصادية الطموحة كلّها تجعل الإعلان الأخير للرئيس دونالد ترامب مواجهاً بالكثير من التشكيك ومن ثَمَّ فإن طموحه الكبير مع مشروع ستارغيت ينبغي ألّا يُؤخذ بأنه واقع سيُنفذ بالضبط كما أُعلِن عنه، لذا من المهم أن ننتظر حتى نرى ما سيحدث حقاً وهل سينفذ المشروع بالدقة نفسها التي أعلنها أمْ سيكون مشروعاً آخرَ مثل مشروع شركة فوكسكون الذي فشل فشلاً ذريعاً. 

المحتوى محمي