في 7 يناير 2025، اندلعت حرائق غابات مدمرة في مختلف أنحاء منطقة لوس أنجلوس بولاية كاليفورنيا الأميركية، وأدّت هذه الحرائق إلى تدمير أكثر من 12 ألف منزل ومبنى، بالإضافة إلى وفاة 27 شخصاً وتشريد أكثر من 80 ألف شخص.
هذه الحرائق ليست الأولى من نوعها، ولن تكون الأخيرة، إنها واحدةٌ من سلسلة حرائق مشابهة يشهدها العالم كل عام بسبب الجفاف وتغيّر المناخ. وفشل دولة متقدمة مثل الولايات المتحدة الأميركية في احتوائها يبرز الحاجة المُلحّة إلى تطوير تقنيات جديدة للكشف عن حرائق الغابات وإخمادها.
اقرأ أيضاً: كيف تسهم التكنولوجيا الحديثة في التعامل مع حرائق الغابات؟
تكنولوجيا الوقاية من حرائق الغابات
تلعب أنظمة الإنذار المبكر دوراً حاسماً في مكافحة حرائق الغابات، وتتوفر حالياً العديد من أنظمة الإنذار المتقدمة التي تستخدم تكنولوجيا الاستشعار عن بُعد وصور الأقمار الصناعية والطائرات المُسيّرة.
1. الاستشعار عن بُعد
تعتمد أنظمة الاستشعار عن بُعد عبر الأقمار الصناعية على كاميرات عالية الدقة وأجهزة استشعار حرارية قادرة على اكتشاف حرائق الغابات من الفضاء. توفّر هذه الأنظمة بيانات دقيقة في الوقت الفعلي حول موقع الحريق وانتشاره، وهو أمر حاسم في الاستجابة السريعة وتخصيص الموارد بفاعلية.
بالإضافة إلى ذلك، تلعب الطائرات المُسيّرة المزودة بكاميرات وأجهزة استشعار دوراً في مسح المناطق المعرضة لحرائق الغابات واكتشاف الحرائق عند بدايتها وتقديم معلومات دقيقة وذات قيمة لفرق الإطفاء.
2. أجهزة الاستشعار الموزعة داخل الغابات
أجهزة الاستشعار الموزعة داخل الغابات هي واحدة من الحلول الفعّالة للكشف المبكر عن حرائق الغابات. تعمل هذه الأجهزة على مراقبة بيئة الغابة بشكلٍ مستمر من خلال أجهزة استشعار متطورة تكشف التغيرات في الحرارة والجزيئات الكيميائية الناتجة عن احتراق المواد العضوية.
تكشف أجهزة استشعار الحرارة أي ارتفاع غير طبيعي في درجات الحرارة، الذي قد يشير إلى احتمال اندلاع حريق، بينما تحلل أجهزة استشعار الرائحة الجزيئات المتطايرة، مثل رائحة الدخان أو احتراق الأخشاب، لتحديد بداية الاشتعال في مراحله الأولى.
هذه الأجهزة تتصل بنظام مركزي عبر شبكات لاسلكية أو أقمار صناعية لإرسال إشعارات فورية إلى فرق الإطفاء عند اكتشاف أي شيء غير طبيعي. وغالباً ما تُزود بالطاقة عن طريق خلايا شمسية أو بطاريات طويلة الأمد لضمان عملها في البيئات الطبيعية دون الحاجة إلى صيانة مستمرة.
على الرغم من تكلفتها العالية نسبياً، فإن فاعليتها في الكشف المبكر تجعلها أداة أساسية للحد من انتشار الحرائق وحماية الغابات منها.
3. المحاكاة
تعتمد المحاكاة على البيانات المتعلقة بالطقس والتضاريس وسلوك الحرائق السابقة للتنبؤ باندلاع حرائق الغابات وانتشارها وشدتها والتأثيرات المحتملة لها. وهي تساعد على اتخاذ القرارات الاستراتيجية وتخصيص الموارد. ومؤخراً، أصبح من الممكن استخدام الذكاء الاصطناعي الذي يمكنه تحليل كميات ضخمة من البيانات بسرعة لجعل المحاكاة أكثر دقة، إلى جانب خوارزميات تساعد على اتخاذ القرارات الصحيحة من قِبل فرق الإطفاء.
اقرأ أيضاً: التغير المناخي يؤدي بالفعل إلى اشتداد حرائق أستراليا
تكنولوجيا إخماد حرائق الغابات
بالإضافة إلى تكنولوجيا الإنذار المبكر، هناك حاجة إلى تقنيات جديدة لتحسين طرق إخماد الحرائق وجعلها أكثر كفاءة. إليك بعضاً من هذه التقنيات الجديدة:
1. طائرات الإطفاء المُسيّرة
تعتبر طائرات الإطفاء المُسيّرة من الابتكارات المتقدمة التي تُستخدم لمكافحة حرائق الغابات، ومن الحلول الفعّالة للوصول إلى مناطق يصعب الوصول إليها بالطائرات العادية أو فرق الإطفاء الأرضية. تتميز هذه الطائرات بقدرتها على الطيران لأي مكان والاقتراب من الحرائق. وهي قادرة على حمل كميات من المياه أو المواد المثبطة للحرائق، التي ترشها بدقة على المناطق المشتعلة. بعض هذه الطائرات تحتوي على أجهزة الاستشعار ومدعومة بالذكاء الاصطناعي، يمكنها ذلك من تحديد المناطق الأكثر احتياجاً والرش بدقة متناهية.
تتميز الطائرات المُسيّرة بقدرتها على العمل في الظروف المناخية القاسية، مثل الرياح الشديدة أو درجات الحرارة المرتفعة، لهذا السبب تُعدّ أداة مثالية لمكافحة الحرائق في البيئات الخطِرة التي تعرض حياة البشر للخطر. بالإضافة إلى ذلك، يمكنها تزويد فرق الإطفاء بمعلومات دقيقة حول مواقع الحرائق وانتشارها.
2. شاحنات الإطفاء الروبوتية
شاحنات الإطفاء الروبوتية تمثّل خطوة متقدمة نحو الأتمتة في مجال مكافحة حرائق الغابات. تعتمد هذه الشاحنات على تقنيات الروبوتات والذكاء الاصطناعي للعمل بشكلٍ مستقل أو بتوجيه من فرق الإطفاء عن بُعد، وهي قادرة على الوصول إلى المناطق الأكثر خطراً وتجاوز التضاريس الوعرة التي يصعب على الشاحنات التقليدية الوصول إليها، مثل المناطق الجبلية أو المناطق التي تكون فيها الطرق غير سالكة بسبب الحريق. وتتمثل وظيفتها في حمل كميات كبيرة من المياه أو المواد المثبطة للحرائق، ورشها بشكلٍ فعّال لإخماد الحريق.
يمكن ربط شاحنات الإطفاء الروبوتية عبر الأقمار الصناعية لتتمكن فرق الإطفاء من توجيهها والتحكم بها عن بُعد، هذا يزيد من الكفاءة ويقلل المخاطر التي قد يواجهها رجال الإطفاء.
3. كرات إطفاء الحريق
هي إحدى التقنيات المبتكرة التي تُستخدم لإخماد حرائق الغابات بشكلٍ سريع وفوري. تتكون هذه الكرات من مواد كيميائية خاصة تتمتّع بقدرة عالية على إطفاء النيران فور ملامستها للحرارة. تُصمم هذه الكرات لتكون صغيرة الحجم وسهلة النقل، ويمكن إطلاقها يدوياً أو باستخدام الطائرات المُسيّرة. عند ملامستها للنار، تنفجر الكرات وتُطلق موادَّ كيميائية تمنع استمرار اشتعال الحريق.
4. الموجات الصوتية
هي فكرة مستقبلية لإخماد الحرائق تعتمد على الموجات الصوتية للتأثير في النار ووقف انتشارها. تؤدي هذه الموجات إلى توليد اهتزازات في الهواء تساعد على تقليل تركيز الأوكسجين المحيط بالنيران، وهو أحد العناصر الأساسية التي تحتاج إليها النار للاستمرار. عندما تقل كمية الأوكسجين في منطقة الحريق، يصبح من الصعب على النار أن تستمر أو تنتشر.
الفكرة هي تعطيل دورة احتراق النار، التي تكون على ثلاثة عناصر هي الحرارة والأوكسجين والوقود. تؤثّر الموجات الصوتية في أحد هذه العناصر لإطفاء الحريق أو الحد من انتشاره. هذه الموجات يمكن إنتاجها بواسطة أجهزة قادرة على توليد اهتزازات تنتشر مسافة كافية.
رغم أن هذه التقنية ما زالت في مراحل البحث والتطوير، فإنها تظهر إمكانات واعدة في المستقبل. ويمكن استخدامها بشكلٍ فعّال في الأماكن التي يصعب الوصول إليها بالوسائل التقليدية، وقد تصبح قريباً أداة قوية تُغيّر طريقة مكافحة حرائق الغابات بشكلٍ جذري.
اقرأ أيضاً: كيف يمكن استخدام التكنولوجيا لمساعدة الأشخاص في حالات الطوارئ المختلفة؟
مع استمرار الأبحاث والتطوير، ستصبح هذه التقنيات جزءاً أساسياً من استراتيجيات مواجهة حرائق الغابات. وهي ليست قادرة على تقليل الأضرار فحسب، بل يمكن أن تسهم في حماية الأرواح والحفاظ على البيئة وجعل العالم مكاناً أكثر أماناً.