تعلّم طريقة سقراط في التفكير النقدي باستخدام الذكاء الاصطناعي

6 دقيقة
تعلّم طريقة سقراط في التفكير النقدي باستخدام الذكاء الاصطناعي
حقوق الصورة: إم آي تي تكنولوجي ريفيو العربية. تصميم: عبدالله بليد.

منذ إطلاق بوت الدردشة تشات جي بي تي أواخر عام 2022، وغيره من نماذج توليد النصوص والصور، انصب الاهتمام الأساسي للمستخدمين حول كيفية الاستفادة منها لرفع الإنتاجية في العمل، سواء بالنسبة للكُتّاب أو المبرمجين أو المصممين، وغيرها من الأعمال المتنوعة. ويُبنى الاستخدام الشائع لهذه النماذج على هندسة الأوامر، التي تمكّن المستخدم من إدخال النص الصحيح إلى النموذج للحصول على أفضل نتيجة ممكنة. بالتأكيد، هناك استخدامات لا يهدف فيها المستخدم إلّا إلى تجربة النموذج والاطلاع على إجاباته، أو انتظار هذه الإجابات لاستخدامها في التعليم أو الكتابة أو غيرها.

تركّز هذه الموجة الأساسية من الاستخدامات على أسلوب التلقين وانتظار الاستجابة. قد يطلب المستخدم مطالبات لاحقة بهدف تحسين الدقة فيما قد يمهّد لاستخدام نماذج الذكاء الاصطناعي التوليدية في مهمة قائمة على حوار متبادل، كالتفكير النقدي.

تعود بداية التفكير النقدي منهجاً في معرفة العالم من حولنا إلى الفيلسوف اليوناني سقراط الذي عاش في القرن الخامس قبل الميلاد، وتُبنى طريقة سقراط في اكتساب المعرفة على حوار متعمّق بين طرفين يستجوبان بعضهما بكثافة، قد يدحضان ما يقدّمه كل منهما للآخر، وقد يختبرانه في مسعى للتوصل إلى شكلٍ حقيقي للمعرفة. هذه الطريقة هي أساس التفكير النقدي الذي أرسى دعائمه سقراط، ودوَّن أُسس الطريقة فيما بعد تلميذه أفلاطون. فهل يمكن استخدامها مع النماذج اللغوية الكبيرة بهدف تعزيز مهارات التفكير النقدي؟ وكيف؟

اقرأ أيضاً: أفضل أدوات تلخيص النصوص التي تنافس تشات جي بي تي

بداية: لماذا يجب تعلم مهارات التفكير النقدي؟

في ظل المخاوف المتزايدة من أن يحل الذكاء الاصطناعي محل الكثير من العاملين، بالإضافة إلى خطورة تراجع الكثير من المهارات المعرفية حال الاعتماد الكامل على نماذج الذكاء الاصطناعي، يُعدّ التفكير النقدي مهارة ضرورية في العديد من المجالات، إن لم يكن جميعها، مثلاً على الطلاب أن يتمتّعوا بهذه المهارة بهدف تقييم دقة الإجابات التي يحصلون عليها، كما يجب على العاملين في مجالات الرعاية الصحية والصحافة والبحث العلمي التمتّع بهذه المهارة نظراً للأهمية الكبيرة لدقة المعلومات التي يحصلون عليها من النماذج اللغوية، بالإضافة إلى أهمية معرفة أوجه القصور في هذه الإجابات.

كيف يمكن أن يعزّز الذكاء الاصطناعي مهارة التفكير النقدي؟

هناك ثلاث طرق يمكن من خلالها استخدام الذكاء الاصطناعي لتعزيز مهارات التفكير النقدي، بدلاً من اعتماده وسيلةً للحصول على الإجابات فقط:

1- خريطة الملاح أو المسافر (The Navigator’s Map)

تُحلل مخرجات الذكاء الاصطناعي من خلال ملاحظة تفاصيلها ثم مقارنتها بمصدر خارجي موثوق. في هذه الطريقة، الخريطة هي مخرجات الذكاء الاصطناعي التي يجري اختبارها أو مراجعتها، والمستخدم هو المسافر، والتضاريس أو المساحة الجغرافية هي المصدر الموثوق الذي تُقارن مخرجات الذكاء الاصطناعي به.

تُبنى هذه الطريقة على ثلاثة عناصر وهي: المشاهدة أو الرصد Observe، وطرح الأسئلة Question، والمقارنة Compare اختصاراً (OQC). في البداية يجري النظر إلى مخرجات نماذج الذكاء الاصطناعي من حيث الطول والنوعية والطبيعة. بعدها تُطرح أسئلة على النموذج متعلقة بالمخرجات من قبيل هل هي دقيقة؟ هل هي متخصصة أو ذات صلة؟ هل يمكن تطبيقها؟ وما الممكن أن يكون مفقوداً؟. في المرحلة الأخيرة تقُارن المخرجات مع مصادر موثوقة كالأنظمة والقوانين وبيانات السوق أو مواقع الجامعات والمؤسسات التي ذُكِرت في الأجوبة، وأفراد العائلة في حال كان الاستفسار عن شخص معين، والمقالات موثوقة المصدر والكتب.

متى يُنصح باستخدام هذه الطريقة؟

يُنصح باستخدام هذه الطريقة عند الشك بتحيز مخرجات الذكاء الاصطناعي أو الهلوسة، أو عدم دقة المخرجات، كذلك حين تكون الرقابة البشرية مطلوبة لتفسير مخرجات الذكاء الاصطناعي، أو في حال التدريب على استخدام المصادر الموثوقة.

مثال: طرحت على نموذج الذكاء الاصطناعي هذا السؤال: "مَن هم الأشخاص الذين يُتهمون بأعلى معدلات ارتكاب الجرائم في الولايات المتحدة؟"

كانت الإجابة كما هي موضحة في الصورة:

حسناً، الإجابة لا تخلو مما هو صحيح، ولكن لمّا كان التحيز والهلوسة مشكلات شائعة في نماذج الذكاء الاصطناعي، وبما أن بيانات التدريب تعاني قصوراً أدّت إلى ربط خوارزميات الذكاء الاصطناعي بمعدلات الجريمة بالأقليات العرقية في الولايات المتحدة كمجتمعات الملونين، كان لا بُدّ من إعادة تقييم هذه النتيجة. المصدر الموثوق لمعدلات الجرائم وتسجيلها بدقة هو مكتب التحقيقات الفيدرالي، الذي أعطى نتائج مخالفة. فمثلاً حتى عام 2019، سجّلت الجريمة بين الأفراد البيض رقماً بلغ 4,729,290، وهو رقم لم تصل إلى نصفه بقية الشرائح (الأميركيون من أصول إفريقية وآسيوية ولاتينية وغيرها)، 2,087,685.

اقرأ أيضاً: 8 نصائح لتحسين دقة إجابات تشات جي بي تي وتقليل ظاهرة الهلوسة

2- حجر النحات (The Sculptor’s Stone):

كالنحات الذي يضع تصوراً نهائياً لقطعته الفنية فيعمل بأدواته على الوصول إليه، تتضمن هذه الطريقة وضع معايير للجودة ومن ثَمَّ تحسين مخرجات الذكاء الاصطناعي بشكلٍ متكرر لتلبية معايير أو مواصفات أو متطلبات محددة. في هذه الطريقة مستخدم الذكاء الاصطناعي هو النحات، ومخرجات الذكاء الاصطناعي هي الحجر، ومطالبات الذكاء الاصطناعي هي الأدوات التي "تحفر" الحجر للحصول على المنحوتة المطلوبة.

عناصر هذه الطريقة هي: معايير المراجعة Review Criteria، والتقييم Evaluate، تحسين المطالبة أو الأمر Refine the Prompt. يُركز لها اختصاراً (RER). في البداية تُحدد المواصفات المرغوبة في النتائج أو القياسية وفقاً للمعايير. قد يشمل ذلك تخصيص النتائج لتستهدف موضوع المطالبة فقط وما يتعلق به، أو السياق الذي يُذكر به أو وضوحه أو أصالته وغيرها وفقاً لما يراه المستخدما معياراً جيداً. في الخطوة التالية يتعرف إلى الفجوات الحاصلة بين المخرجات والمعايير المطلوبة، ومقترحات النموذج لتحسين المخرجات بناءً على المعايير المدخلة وهل التحسين ممكن أم لا، وذلك نظراً لقيود متأصلة في الذكاء الاصطناعي. في الخطوة الثالثة يُعطى المزيد من التعليمات للذكاء الاصطناعي التي تتوافق مع المعايير المحددة، للحصول على مخرجات أدق باستخدام مطالبة أكثر تفصيلاً أو تحديداً، إذا لم تعجبك المخرجات يمكنك حينها التدخل.

متى يُنصح باستخدام هذه الطريقة؟

من المفيد استخدام هذه الطريقة عندما يقدّم الذكاء الاصطناعي مخرجات عامة أو نموذجية أو مبالغاً فيها أو منمقة أو سطحية أو دون المستوى المطلوب، كما يمكن استخدامه إذا كنت مدرساً تشرح لطلابك معايير الجودة وأهميتها لتقييم المخرجات.

مثال: بدأت بالمطالبة التالية: "اكتب لي إعلاناً للترويج للساعات الذكية من 150 كلمة على الأكثر، دون كلمات حشو، ودون تفضيل لإحدى الشركات على أخرى"

كانت النتيجة الأولية كالتالي:

لتحسين المطالبة، طلبت منه الابتعاد عن اللغة المعرفية، والاقتراب من فهم المستخدم "لا تستخدم لغة معرفية تتحدث عن الميزات، بل اجعلها أقرب لفهم المستخدم"

فكانت النتيجة كالتالي:

يمكنك الاستمرار في هذا السيناريو القائم على تحسين المطالبة والمراجعة حتى تصل إلى الشكل المنشود للإعلان.

اقرأ أيضاً: كيف تستفيد من لوحة تتبع المهام كانفاس لتحسين إنتاجيتك مع تشات جي بي تي؟

3- شجرة البستاني (The Gardener’s Tree)

في هذه الطريقة يجري توليد الأفكار وإقامة الروابط بينها وتوسيعها لتشمل تطبيقات أوسع. مستخدم الذكاء الاصطناعي هو البستاني، ومخرجات الذكاء الاصطناعي الأولية هي البذور، والروابط التي تتم بين الأفكار هي الجذور والفروع، والتطبيقات الموسعة أو المحددة لهذه الأفكار هي الأزهار والفواكه.

عناصر هذه الطريقة هي: الأفكار Ideas، والروابط Connections، والامتدادات أو توسيع التطبيقات Extensions، يُرمز لها اختصاراً (ICE). أولاً يجري توليد الأفكار بعد الطلب من نموذج الذكاء الاصطناعي ذلك، بعدها تُحدد الروابط وتُستكشف بين هذه الأفكار. وفي الخطوة التالية تجري المطالبة بتوسيع نطاق هذه الأفكار على تطبيقات أوسع.

متى يُنصح باستخدام هذه الطريقة؟

تُستخدم هذه الطريقة عند افتقار مخرجات الذكاء الاصطناعي إلى الفروق الدقيقة أو السياق أو التخصص أو التأثير أو الترابط أو التعقيد أو الآثار الأخلاقية، كما أنها مفيدة لتوضيح ما يمكن أن تقدّمه مخرجات الذكاء الاصطناعي لتحسين القدرات البشرية الفريدة.

مثال: "ما هي الحلول الممكنة لتقليل إهدار المياه في المنطقة العربية؟ اختصر في 200 كلمة"

كانت النتيجة كالتالي:

لتحسين النتيجة واكتشاف ارتباطها مع القضايا البيئية الأخرى: "كيف يمكن دمج هذه الحلول مع برامج إعادة التدوير الحالية أو المبادرات المجتمعية وقضايا التغيّر المناخي؟ في 200 كلمة"

ولاكتشاف التطبيق الأوسع لهذه الأفكار: "كيف يمكن تطبيق هذه الأفكار على أوسع نطاق لتستهدف مجتمعات عديدة؟ في 300 كلمة"

اقرأ أيضاً: أين وصلنا في سباق وضع قواعد لأخلاقيات الذكاء الاصطناعي؟

يُرجى ملاحظة أن المخرجات التي حصلنا عليها في الطريقتين الثانية والثالثة، ليست نهائية، بل يمكن اعتبارها أيضاً نقاط انطلاق للمزيد من البحث الذي قد لا يعتمد على نماذج الذكاء الاصطناعي، كما تم تحديد عدد الكلمات لضمان تجربة أفضل للقارئ. نموذج الذكاء الاصطناعي المستخدم هو "جي بي تي أو ميني"، وكانت النتائج متقاربة عند استخدام كلود ولاما وجيميناي.

أساسيات حول التفكير النقدي عليك مراعاتها حتى لو كنت تتعامل مع نماذج الذكاء الاصطناعي

تذكّر هذه القواعد جيداً وعند استخدام الذكاء الاصطناعي تحديداً:

  1. التفكير التحليلي: ويعني تقييم البيانات من مصادر متعددة لفهم الأنماط وحل المشاكل المعقدة واتخاذ قرارات مستنيرة.
  2. الانفتاح الذهني: وهو الاستعداد للنظر في أفكار ومعلومات جديدة دون تحيز. تساعد هذه المهارة في التفكير النقدي على تحليل المعلومات والتوصل إلى استنتاج غير متحيز. إذ يتضمن التفكير النقدي ترك الانحيازات الشخصية جانباً، وأخذ المعلومات كما هي، والتوصل إلى استنتاجات تعتمد على وجهات نظر متعددة.
  3. حل المشكلات: ويعتبر أحد الأسس الرئيسية للتفكير النقدي. يتطلب القدرة على تحديد القضايا، وطرح الحلول المحتملة، وتقييم البدائل، وتنفيذ أفضل مسار عمل. تُعتبر هذه المهارة في التفكير النقدي ذات قيمة خاصة في مجالات مثل إدارة المشاريع وريادة الأعمال.
  4. الحكم المستند إلى المنطق: ويعتبر عنصراً أساسياً في التفكير النقدي، حيث يتضمن اتخاذ قرارات مدروسة اعتماداً على التحليل المنطقي للأدلة والنظر إلى البدائل. وتعتبر هذه المهارة في التفكير النقدي ضرورية في كلٍ من الأوساط الأكاديمية والمهنية.
  5. التفكير التأملي: هو عملية تحليل العمليات الفكرية، والأفعال، والنتائج الخاصة، بهدف تحقيق فهم أعمق وتحسين الأداء المستقبلي.
  6. التواصل: تساعد مهارات التواصل القوية على التعبير عن الأفكار بوضوح وإقناع الآخرين، وهو ضروري في مكان العمل لرفع كفاءة العمل الجماعي.
  7. البحث: يمكن جمع المعلومات من مصادر مختلفة وتقييمها وتحليلها، وهو الأمر الضروري في الأبحاث الأكاديمية والمهن التي تتطلب احترافية عالية.
  8. اتخاذ القرار: إن اتخاذ القرار الفعّال هو تتويج لمختلف مهارات التفكير النقدي التي تسمح للفرد باستخلاص الاستنتاجات والتعميمات المنطقية.

المحتوى محمي