الصحة الرقمية في الشرق الأوسط وإفريقيا: رؤى من خمس سنوات من الاستثمار والحدود التالية للرعاية الصحية

6 دقيقة
كيف سيعمل الذكاء الاصطناعي مع البشر لمستقبل أفضل في الرعاية الصحية؟
حقوق الصورة: shutterstock.com/ Tridsanu Thopet

كان موضوع إطالة العمر ولا يزال موضوعاً بحثياً ساخناً لدى فئة كبيرة من العلماء والباحثين وحتى الناس العاديين، وتزايدت الأبحاث حوله مع ظهور التكنولوجيات الحديثة والتطورات الكبيرة التي شهدتها تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، الذي أصبح المحرك الأساسي في مختلف القطاعات العلمية والأحيائية والبيولوجية وغيرها.

ولكن بدلاً من الاستهداف فقط لتمديد عدد السنوات التي يعيشها الناس، أصبحت الأبحاث والتقارير تركّز على تحسين جودة تلك السنوات من خلال معالجة الأمراض المزمنة وتحسين الرعاية الوقائية والتركيز على العافية، من خلال الحلول الشخصية ومواءمة أصحاب المصلحة المختلفين عبر سلسلة قيمة الرعاية الصحية.

وهذا ما تناوله التقرير الثاني لشركة رأس المال الاستثماري غلوبال فينتشرز (Global Ventures) التي أصدرت تقريراً بعنوان: (الصحة الرقمية في الشرق الأوسط وإفريقيا: رؤى من خمس سنوات من الاستثمار والحدود التالية للرعاية الصحية)، تناولت فيه جوانب متعلقة بالصحة الرقمية وأهميتها ومدى نموها في المنطقة.

بالإضافة إلى تأثير التقنيات الحديثة مثل الذكاء الاصطناعي والبيانات الضخمة والتعلم الآلي في تحويل الرعاية الصحية وقدرتها على تقليل العبء على أنظمة الرعاية الصحية المجهدة، ودور الأجهزة الحديثة مثل الأجهزة القابلة للارتداء ومنصات الصحة عن في تمكين المرضى من القيام بدور نشط في إدارة صحتهم، ودور التكنولوجيا المالية في تخفيف الأعباء المالية على المرضى ومقدمي الخدمات.

المرحلة التالية من الصحة الرقمية ستكون أكثر تركيزاً على التخصيص

تقدمت الموجة الأولى من رقمنة الرعاية الصحية في منطقة الشرق الأوسط وإفريقيا بسرعة على مدى السنوات الخمس الماضية، مستفيدة من التركيبة السكانية، وزيادة الاتصال بالإنترنت، وقد عُرِفت من خلال الابتكارات الثورية حينها مثل السجلات الصحية الإلكترونية والرعاية الصحية عن بعد والصيدليات الإلكترونية والاستشارات الافتراضية.

ومن المتوقع أن تُحدّد المرحلة التالية أو الموجة الثانية من الصحة الرقمية من خلال التركيز على مبدأ من العلاج إلى الوقاية ومن إطالة عمر الحياة إلى تحسينها، ومن مقاس واحد يُناسب الجميع إلى الرعاية الشخصية، ما قد يؤدي إلى تقليل الحاجة إلى خدمات الرعاية الصحية.

إلى جانب ذلك، ستستفيد الموجة الثانية من حلول الصحة الرقمية من التقدم التكنولوجي في البرامج والأجهزة بناءً على كميات هائلة من البيانات المتاحة من المنطقة، ما يجعل الصحة الرقمية تركّز على الوقاية بفضل أجهزة الاستشعار الطبية والأدوات الرقمية وإنترنت الأشياء الطبية، وأن تكون أكثر تخصيصاً من خلال الاستفادة من الكم الهائل من البيانات التي يولدها قطاع الرعاية الصحية، كما يكمن العنصر الثالث في تطور الرعاية الصحية الرقمية في مبدأ المشاركة، بعد أن أصبح المرضى أكثر وعياً وانخراطاً في رحلتهم نحو تحسين صحتهم بمساعدة أدوات المراقبة والوصول إلى البيانات في الوقت الفعلي، التي من شأنها أن تسهم بشكلٍ مشترك في خطط العلاج الخاصة بهم.

اقرأ أيضاً: هل يمكن أن يعيش البشر إلى سن تتجاوز 122 عاماً؟ 

الذكاء الاصطناعي يعمل على إعادة تعريف نموذج الصحة الرقمية

خلال السنوات الخمس الماضية، أرسى التحول في مجال الصحة الرقمية في منطقة الشرق الأوسط وإفريقيا الأساس للتغيير مدفوعاً بالتركيبة السكانية المواتية وارتفاع الاتصال بالإنترنت وزيادة انتشار الهواتف الذكية. ولكن الآن يساعد ظهور التقنيات الرئيسية المعتمدة على البيانات في إدخال موجة جديدة من الإبداع.

حيث حقق الذكاء الاصطناعي تقدماً ملحوظاً في العديد من مجالاته الفرعية الأساسية، بالنسبة للرعاية الصحية تُترجم هذه التطورات إلى تحسينات كبيرة في التشخيص والعلاجات الشخصية والتحليلات التنبؤية المحسّنة للكشف المبكر عن الأمراض والوقاية منها. كما ستجعل أجهزة إنترنت الأشياء والأجهزة القابلة للارتداء التحليلات التنبؤية روتينية، مع زيادة مشاركة المرضى من خلال استخدام التنبيهات في الوقت الفعلي ولوحات معلومات الصحة، ما يُتيح النهج الاستباقية لإدارة الصحة والأمراض المزمنة بالإضافة إلى الرعاية الشخصية.

على سبيل المثال، ستمكّن تحليلات البيانات مقدمي الرعاية الصحية من تحليل مجموعات البيانات الضخمة، وتحديد الأنماط المخفية داخل بيانات المرضى بسرعة وفاعلية، ووضع خطط رعاية المرضى الشخصية، وتخصيص العلاج لاحتياجات الفرد المحددة. يُعدّ هذا النهج المدعوم بالذكاء الاصطناعي فعّالاً في رحلة التطور المنشود.

اقرأ أيضاً: البروفيسور ديفيد سنكلير أمام مجلس محمد بن زايد يكشف عن جديد العلم في إطالة عمر الإنسان

الرعاية الصحية المدعومة بالذكاء الاصطناعي تعمل على دفع الابتكار

في حين يعزّز الذكاء الاصطناعي المدمج في الأنظمة الحالية مثل الأجهزة القابلة للارتداء ومنصات سجلات المرضى، تقديم رؤى في الوقت الفعلي ودعم القرار، تعمل أيضاً هذه الابتكارات على دفع الكفاءة وإمكانية الوصول وتحسين نتائج المرضى، فعندما ننظر إلى الذكاء الاصطناعي في الرعاية الصحية اليوم، فإن هناك طريقتين مهمتين تساعدان على تحديد استخدامه داخل القطاع الرقمي للرعاية الصحية هما:

- الذكاء الاصطناعي الخالص (Pure AI) الذي يستفيد من حلول الذكاء الاصطناعي المستقلة المصممة والمنشأة لمعالجة حالات استخدام الرعاية الصحية المحددة، مثل التشخيص وتحليل التصوير الطبي والبحث والتطوير والتحليلات التنبؤية وأتمتة الوثائق السريرية باستخدام معالجة اللغة الطبيعية.

- الذكاء الاصطناعي المضمن (Embedded AI) الذي يستفيد من التكامل المباشر للذكاء الاصطناعي في الأجهزة والأنظمة والعمليات الموجودة. على سبيل المثال، تضمين خوارزميات الذكاء الاصطناعي والنماذج الصغيرة والكبيرة في أنظمة التصوير القديمة وأجهزة مراقبة الصحة القابلة للارتداء وأنظمة السجلات الرقمية للمرضى.

لماذا تُعدّ الرعاية الصحية الرقمية موضوعاً استثمارياً مهماً في الشرق الأوسط وإفريقيا؟

تركّز دول مجلس التعاون الخليجي بشكلٍ متزايد على تطوير بنيتها التحتية للرعاية الصحية المدعومة بالذكاء الاصطناعي، على سبيل المثال أطلقت شركة إم 42 (M42) وهي شبكة رعاية صحية عالمية مقرها الإمارات العربية المتحدة نموذج ميد 42 (Med42) لتعزيز عملية اتخاذ القرار السريري وتوسيع الوصول إلى المعرفة الطبية للمتخصصين في الرعاية الصحية والباحثين والمرضى، ما يسلط الضوء على التزام المنطقة بالاستفادة من الذكاء الاصطناعي للابتكار في مجال الرعاية الصحية.

وفي الوقت نفسه، أطلقت وزارة الصحة والوقاية في الإمارات العربية المتحدة مؤخراً أول مركز للتميز في الذكاء الاصطناعي على الإطلاق في البلاد، للعمل على إنشاء موارد البنك الحيوي اللازمة لتحسين التجارب السريرية وأبحاث الأدوية، كما أطلقت نظامها المدعوم بالذكاء الاصطناعي لإدارة مرافق الرعاية الصحية الذكية ومراقبة المرضى والتشخيص المساعد.

ويأتي تبنّي الذكاء الاصطناعي عبر قطاع الرعاية الصحية في منطقة الشرق الأوسط وإفريقيا بسبب أربعة عوامل رئيسية هي:

  1.  مجموعة البيانات المتنوعة التي توفّرها التركيبة السكانية.
  2. سهولة التشخيص المبكر والعلاج المخصص والرعاية الوقائية بفضل البيانات الغنية التي يولّدها القطاع.
  3. البنية الأساسية للمرافق الصحية الذكية التي تعمل على تبسيط التشخيص والعلاج ما يساعد في التغلب على تحديات نقص الكوادر الطبية.
  4. قدرة الذكاء الاصطناعي على تحليل البيانات الجينومية والسريرية ونمط الحياة الواسعة النطاق التي تساعد على التنبؤ بالأمراض والتنبؤ بالاستجابات الفردية للعلاجات.

اقرأ أيضاً: كيف تغيّر التكنولوجيا الحديثة مستقبل الرعاية الصحية الرقمية؟

كيف يعمل الذكاء الاصطناعي على تحويل قطاع الصحة الرقمية في منطقة الشرق الأوسط؟

يقدّم الذكاء الاصطناعي فرصة قوية للابتعاد عن البروتوكولات المعممة والتحول بدلاً من ذلك إلى علاجات مخصصة وفقاً للاحتياجات الفريدة للمرضى الأفراد، مثل التنبؤ بكيفية استجابة المريض لنهج معين وتخصيص هذا النهج لتحقيق أقصى قدر من النتائج. كما أصبح التحول نحو الرعاية الوقائية والتدخل المبكر ممكناً بفضل ظهور التقنيات التمكينية مثل تحليلات البيانات الضخمة ومعالجة اللغة الطبيعية.

فضلاً عن العوامل الأخرى بما في ذلك التركيبة السكانية المواتية وانتشار بيانات المرضى، حيث أصبح الحديث الآن يتمحور حول التركيز على طول العمر الصحي والعيش دون أمراض مزمنة بدلاً من إطالة العمر بحد ذاته. على سبيل المثال، تستخدم شركة الصحة الرقمية إم 42 (M42) التي تتخذ من الإمارات العربية المتحدة مقراً لها علم الجينوم والذكاء الاصطناعي وغيرها من التقنيات الرقمية المتطورة لتمكين الوقاية المبكرة من الأمراض والكشف عنها، بالإضافة إلى إنشاء تدخلات شخصية، مثل استخدام علم الجينوم لتشخيص وعلاج السرطان في وقت أبكر من التقنيات التقليدية.

اقرأ أيضاً: مستشفى صحة الافتراضي وثورة الرعاية الصحية في السعودية

أهمية الرعاية الشخصية والعمودية لتلبية متطلبات المستهلكين

من خلال الاستفادة من بيانات المرضى غير المستغلة سابقاً والاستثمار في البنية التحتية الرقمية المتقدمة، يقود المبتكرون التحول نحو نماذج الرعاية الصحية المخصصة والمشاركة، حيث تنشر الشركات الناشئة حلولاً عبر أربعة مجالات رئيسية هي:

1- منصات البيانات Data Platforms

التي تستفيد من توحيد كميات هائلة من معلومات المرضى لتوليد رؤى قابلة للتنفيذ والرعاية عن بُعد، والطب الشخصي والرعاية العمودية.

2- الرعاية عن بُعد Remote Care

من خلال توفير حلول بما في ذلك التطبيب عن بُعد والتشخيص عن بُعد لمواجهة تحديات إمكانية الوصول مع توفير الراحة والخصوصية للمرضى.

3- الطب الشخصي Personalized Medicine

الذي يعمل على التطورات في علم الجينوم والذكاء الاصطناعي والتحليلات التنبؤية على دفع خطط العلاج المخصصة التي تعمل على تحسين الفعالية وتقليل الآثار الجانبية.

4- الرعاية العمودية Vertical Care

التي تركّز بشكلٍ متزايد على معالجة احتياجات الرعاية الصحية المحددة، مثل الصحة العقلية والتكنولوجيا النسائية وتقديم حلول مستهدفة تلبي الفئات السكانية المحرومة ومجموعات المرضى المتخصصة، وتعمل كنقطة دخول إلى المشهد الصحي الرقمي الأوسع.

علاوة على ذلك تعمل الشركات الناشئة على تعزيز التخصيص بشكل أكبر، حيث يتوقع المرضى بشكل متزايد مستويات مماثلة من التخصيص والراحة في الرعاية الصحية، كما يختبرونها في قطاعات أخرى مثل البيع بالتجزئة والترفيه وحتى الخدمات المالية. وبالتحديد بين الفئات العمرية الأصغر سناً الأكثر ارتباطاً بالتكنولوجيا مثل جيل الألفية والجيل زد، التي اعتادت على تجارب شخصية عند الطلب والتي يعتبر أفرادها أكثر تبنياً لأجهزة الصحة والرفاهية واللياقة البدنية القابلة للارتداء.

اقرأ أيضاً: التحول الرقمي والرعاية القائمة على القيمة ضرورة لنتائج صحية أفضل في الشرق الاوسط

تمكين الرؤى المستندة إلى بيانات الرعاية الصحية

من خلال كميات هائلة من البيانات والتحليلات، يمكن تمكين أنظمة الرعاية الصحية لتحويل كميات هائلة من البيانات إلى رؤى قابلة للتنفيذ، بحيث لا تعمل هذه القدرة على تحسين الكفاءة التشغيلية فحسب، بل تعزّز أيضاً استمرارية رعاية المرضى والنتائج الصحية العامة. على سبيل المثال، عام 2025 من المتوقع أن تزداد كمية بيانات الرعاية الصحية بأكثر من الثلث، ما يمثّل ارتفاعاً أسرع بنسبة 6% من قطاع التصنيع وبنسبة 10% من الخدمات المالية وبنسبة 11% من وسائل الإعلام والترفيه.

ومن ثَمَّ، فإن التقدم في تكامل البيانات يمكّن من التوحيد السلس لبيانات المرضى الضخمة في رؤى قابلة للتنفيذ وتحويل معلومات المرضى إلى رؤى قابلة للتنفيذ تدفع الرعاية الشخصية عن بُعد في منزل المريض ومرافق الرعاية الصحية. على سبيل المثال، يمكن الآن لعمليات التكامل البرمجية المبتكرة ربط الأجهزة القابلة للارتداء وأجهزة المراقبة عن بُعد والسجلات الصحية الإلكترونية بسلاسة بمنصات الصحة المدعومة بالذكاء الاصطناعي، التي توفّر رؤية واحدة لبيانات صحة المريض وتولد توصيات ورؤى أخرى قابلة للتنفيذ.

المحتوى محمي