قد يبدو العالم على وشك الدخول في مرحلة جديدة من الازدهار للروبوتات ذات الهيئة البشرية. وتَعِد التطورات الجديدة في الذكاء الاصطناعي بالحصول على روبوتات من النوع الذي لم نكن نراه سوى في أفلام الخيال العلمي، وهي الروبوتات المعدة للأغراض للعامة وذات القدرات العالية، والتي تستطيع أن تفعل أشياء مثل تجميع السيارات والعناية بالمرضى وترتيب منازلنا، دون الحاجة إلى تزويدها بتعليمات مخصصة.
اجتذبت هذه الفكرة قدراً هائلاً من الاهتمام ورؤوس الأموال والتفاؤل.
فقد جمعت شركة فيغر (Figure) مبلغ 675 مليون دولار لبناء روبوتها ذي الهيئة البشرية في 2024، بعد تأسيسها بأقل من عامين. وفي حدث نظمته تيسلا في شهر أكتوبر/تشرين الأول الفائت، تفوقت روبوتات أوبتيموس (Optimus) التي عرضتها الشركة على سيارة الأجرة الذاتية القيادة التي كان من المفترض أن تكون نجمة العرض. ويعتقد الرئيس التنفيذي لشركة تيسلا، إيلون ماسك، أن هذه الروبوتات قد تتمكن على نحو ما من بناء "مستقبل خالٍ من الفقر". قد يبدو للبعض أن الروبوتات ذات الهيئة البشرية والقدرات الفائقة تحتاج إلى بضعة أعوام وحسب حتى تنتشر في كل مكان، مثل المنازل ومناطق الحروب وأماكن العمل والمناطق الحدودية والمدارس والمستشفيات، حيث تتولى أدواراً متنوعة، مثل أدوار المعالجين النفسيين والنجارين ومقدمي الرعاية الصحية المنزلية والجنود.
اقرأ أيضاً: بعد 100 عام: كيف ستتطور علاقة البشر بالتكنولوجيا؟
تطورات طالت الشكل أكثر من المضمون
ومع ذلك، يمكن القول إن التطورات الأخيرة كانت أكثر تركيزاً على الشكل منها على المضمون. لا شك في أن التطورات في الذكاء الاصطناعي جعلت تدريب الروبوتات أسهل، لكنها لم تصل بعد إلى مرحلة تمكين الروبوتات من استشعار محيطها فعلياً، و"التفكير" في الخطوات التالية، وتنفيذ هذه القرارات على النحو الذي توحي به بعض مقاطع الفيديو المنتشرة على نطاق واسع. ففي الكثير من هذه العروض التوضيحية (بما فيها الحدث الذي نظمته تيسلا) لا يتصرف الروبوت على نحو ذاتي التحكم عندما يصب شراباً أو يمسح طاولة، حتى لو بدا أنه كذلك ظاهرياً. بل إنه يعمل بالتحكم عن بعد على يد مشغلين من البشر، وهي تقنية يشير إليها مختصو الروبوتات باسم "التشغيل عن بعد" (teleoperation).
عادة ما يستوحي مصممو هذه الروبوتات مظهرها الخارجي ذا الطابع المستقبلي من النماذج النمطية الهوليوودية لأفلام الخيال العلمي التي تتحدث عن مستقبل كئيب، مثل الوجوه المصنوعة من الشاشات والأعين الحادة والهياكل الطويلة المصنوعة من المعدن، ما يوحي في أغلب الأحيان بأن هذه الروبوتات تتمتع بقدرات أكبر من قدراتها الفعلية.
تقول خبيرة الروبوتات ونائبة الرئيس للتصميم والتفاعل بين البشر والروبوتات في شركة روبست أيه آي (Robust AI) المختصة بروبوتات المستودعات، ليلا تاكاياما: "أشعر بالقلق من أننا نعيش ذروة الضجيج الإعلامي. نحن في وضع يشبه سباق التسلح -بالأحرى سباق روبوتات ذات هيئة بشرية- بين الشركات التكنولوجية الكبرى جميعها التي تسعى إلى استعراض إمكاناتها وإثبات قدرتها على تحقيق المزيد من الإنجازات وفعل ما هو أفضل". لهذا السبب، كما تقول، فإن أي مختص روبوتات لا يعمل على الروبوتات ذات الهيئة البشرية أصبح مضطراً لتبرير خياره هذا للمستثمرين. وقد قالت لي تاكاياما: "أصبحنا الآن مضطرين للتحدث عن هذه الروبوتات، وهو ما لم يكن ضرورياً قبل عام".
أما الموظف السابق في شركتي أوبن أيه آي وسكيل أيه آي (Scale AI)، شارق هاشمي، فقد دخل بشركة الروبوتات الخاصة به، بروسبر (Prosper)، في سباق التسلح هذا عام 2021. وتعمل شركته على تطوير روبوت ذي هيئة بشرية تطلق عليه اسم "آلفي" (Alfie) لأداء مهام الخدمة في المنازل والمستشفيات والفنادق. وتأمل بروسبر أن تصنع روبوتات آلفي وتبيع الروبوت الواحد منها بمبلغ يتراوح من 10,000 إلى 15,000 دولار.
"ما الذي يجعلنا مولعين بفكرة بناء نسخة عن أنفسنا؟"
غاي هوفمان، أستاذ مساعد، جامعة كورنيل
خلال عملية تصميم آلفي، حدد هاشمي الجدارة بالثقة بوصفها العامل الذي يجب أن يأخذ الأولوية على حساب الاعتبارات الأخرى جميعاً، والتحدي الأكبر الذي يجب أن نتغلب عليه حتى تصبح الروبوتات مفيدة للمجتمع. يعتقد هاشمي أن أحد الأساليب الرئيسية لدفع البشر إلى الثقة بآلفي هو بناء شخصية مفصلة من الألف إلى الياء، بحيث تبدو شبيهة بالبشر، لكن ليس على نحو مبالغ فيه.
تتجاوز هذه المسألة المظهر الخارجي لآلفي. حيث يعمل هاشمي وزملاؤه على وضع رؤية لطريقة الروبوت في الحركة والتعبير عن خطواته التالية، ويتخيلون الرغبات والعيوب التي تشكل نهجه في التعامل مع المهام، كما يعملون على صياغة مجموعة داخلية من القواعد الأخلاقية التي تحكم التعليمات التي سيقبلها أو يرفضها من مالكيه.
اقرأ أيضاً: 3 مخاطر حقيقية موثقة لاستخدام أنظمة الذكاء الاصطناعي
الجدارة بالثقة
من بعض النواحي، يبدو الاعتماد إلى حد كبير على مبدأ الجدارة بالثقة في آلفي، أمراً سابقاً لأوانه، فقد جمعت بروسبر قدراً ضئيلاً من رأس المال مقارنة بالشركات العملاقة مثل تيسلا أو فيغر، وهي لن تبدأ بشحن منتجاتها قبل عدة أشهر (أو أعوام).
لكن الحاجة إلى التعامل مع مسألة الجدارة بالثقة على نحو مباشر وفي وقت مبكر تعكس فوضوية المرحلة التي تمر بها الروبوتات ذات الهيئة البشرية: فعلى الرغم من الاستثمارات والأبحاث كلها، ما زالت هذه الروبوتات عاجزة حالياً عن أن تمنح الدفء والراحة عند دخولها إلى غرفة المعيشة إلا لدى قلة من البشر.
سوف نتساءل عن البيانات التي تسجلها عنا وعن البيئة المحيطة بنا، وسوف نخشى من أن تسلبنا وظائفنا يوماً ما، أو سنشعر بالنفور من طريقة حركتها، فبدلاً من أن تكون هذه الروبوتات أنيقة ومفيدة، غالباً ما تتسم بأنها خرقاء ومخيفة. سيكون التغلب على الافتقار إلى الثقة العقبة الأولى التي يجب أن نتجاوزها قبل أن تصل الروبوتات ذات الهيئة البشرية إلى المستوى الذي يوحي به الضجيج الإعلامي المثار حولها.
لكن، خلال السعي إلى مساعدة آلفي على الفوز بثقتنا، يخيّم سؤال واحد على هذا المسعى أكثر من غيره: ما هي المهام التي سيتمكن من تنفيذها وحده؟ وإلى أي درجة سيبقى بحاجة إلى الاعتماد على البشر؟
جعلت تقنيات جديدة في الذكاء الاصطناعي تدريب الروبوتات عملية أسرع، وذلك من خلال الاعتماد على البيانات المخصصة لأغراض الإيضاح، وعادة ما تكون مزيجاً من الصور ومقاطع الفيديو وغيرها من البيانات التي أنشأها البشر الذين يؤدون بعض المهام، مثل غسل الأطباق، وهم يرتدون مستشعرات تلتقط حركاتهم. يمكن استخدام هذه البيانات بعد ذلك لتدريب الروبوتات على تنفيذ هذه المهام، على نحو مشابه لاستخدام كمية ضخمة من النصوص لمساعدة نموذج لغوي كبير على صياغة الجمل. على الرغم من هذا، تحتاج هذه الطريقة إلى كمية كبيرة من البيانات، كما تتطلب تدخل الكثير من البشر لتصحيح الأخطاء.
قال لي هاشمي إنه يتوقع أن يكون الإصدار الأول من آلفي قادراً على التعامل مع نسبة 20% فقط تقريباً من المهام بمفرده. أما المهام الباقية فسوف يجري تنفيذها بمساعدة فريق بروسبر من "المساعدين عن بعد"، وهو فريق يتضمن على الأقل بعض الأفراد الموجودين في الفلبين، وسيكون أفراد الفريق قادرين على التحكم في حركات آلفي عن بعد. عندما أعربت عن قلقي إزاء عدة مخاوف، خصوصاً مسألة جدوى اعتماد شركة روبوتات على العمالة البشرية لأداء العديد من المهام، أشار هاشمي إلى نجاحات شركة سكيل أيه آي، التي تعالج بيانات التدريب لتطبيقات الذكاء الاصطناعي، حيث تمتلك عدداً كبيراً من القوى العاملة في الفلبين، وغالباً ما تتعرض إلى الانتقادات بسبب ممارساتها المتعلقة بالعاملين. لقد كان هاشمي أحد المشرفين على القوى العاملة هذه مدة عام تقريباً قبل تأسيس بروسبر. بل إن مغادرته لسكيل أيه آي نفسها كانت ناجمة عن حادثة انتهاك للثقة، وهي حادثة أمضى بسببها بعض الوقت في سجن فيدرالي.
الروبوتات المفيدة قد لا تشبه البشر
سيكشف نجاح آلفي أو فشله عن معلومات كثيرة حول درجة استعداد المجتمع للترحيب بالروبوتات ذات الهيئة البشرية في المساحات الخاصة. وثمة تساؤلات حول مدى استعدادنا لتقبّل نظام عمل جديد للغاية ويفتقر كثيراً إلى التوازن، حيث يستخدم العاملون في البلدان ذات الأجور المنخفضة واجهات روبوتية لتأدية المهام التي تتطلب جهداً جسدياً في منازلنا نيابة عنا. هل يمكننا أن نأتمنهم على بياناتنا الخاصة وصورنا وصور عائلاتنا؟ أما السؤال الأبسط من ذلك: هل ستكون هذه الروبوتات مفيدة حقاً؟
للتعامل مع بعض هذه المخاوف المتعلقة بالثقة، جلب هاشمي باك لويس. قبل عقدين من عمل لويس في مجال الروبوتات، وقبل أن يتولى مهمة تصميم روبوت ذي هيئة بشرية يثق به الناس بدلاً من أن يخشوه، كان يواجه تحدياً آخر، وهو جرذ.
في 2001، كان لويس أحد المختصين بالتحريك الذين يحظون بتقدير كبير، وأحد أهم العقول في شركة بيكسار (Pixar). كان لويس مختصاً بتصميم الشخصيات التي تتمتع بجاذبية عميقة وشاملة، وهو ما يشكل مصدر قلق كبير بالنسبة إلى الاستوديوهات السينمائية التي تمول المشاريع ذات الميزانيات الضخمة التي تهدف إلى جذب الجماهير في أنحاء العالم كافة. كان هذا المجال هو الذي دفع لويس إلى تصميم شاحنات وسيارات تضج بالحياة في فيلم كارز (Cars)، وتصميم شخصيات للكثير من أفلام شركتي دريم ووركس (Dreamworks) وديزني (Disney).
لكن عندما تحدث المنتج والمخرج جان بينكافا (وهو كاتب وصانع رسوم متحركة أيضاً) مع لويس حول مقترحه لمشروعه الإبداعي الذي يسعى إلى تنفيذه، وهو فيلم بعنوان راتاتوي أو "الطباخ الصغير" (Ratatouille) حول جرذ يطمح بأن يصبح طباخاً، بدت المهمة مستحيلة.
فالجرذان تثير الخوف والتوجس لدى البشر، لدرجة أنها أصبحت صفة مختصرة تشير إلى الوشاة والأشخاص الذين لا يمكن الوثوق بهم. كيف يمكن للويس أن يحول قارضاً خبيثاً إلى طباخ محبب؟ قال لي لويس: "إن الاشمئزاز من الجرذان متجذر بعمق لدينا، لأنها مرعبة جداً. وحتى ينجح هذا المشروع، كان لا بد لنا من أن نبتكر شخصية تحدث تغييراً جذرياً في تصورات المشاهدين".
لتحقيق هذا الأمر، أمضى لويس وقتاً طويلاً في التفكير، وهو يتخيل مشاهد متنوعة مثل مجموعة من الجرذان التي تستضيف عشاء عفوياً ومرحاً على رصيف في أحد شوارع باريس. أدى هذا التفكير إلى ابتكار شخصية ريمي، وهو جرذ باريسي لم يكتف بارتقاء المراتب العليا في عالم الطبخ في فيلم راتاتوي وحسب، بل أصبح أيضاً محبوباً لدرجة أدت إلى ارتفاع حاد في الطلب على الجرذان الأليفة بعد عرض الفيلم في 2007.
بعد عقدين من الزمن، قرر لويس تغيير مسار حياته المهنية، وهو حالياً مسؤول عن تصميم كل جانب من جوانب شخصية آلفي في بروسبر. وعلى غرار ريمي الجذاب الذي أحدث تغييراً جذرياً في تصورنا حول الجرذان، يمثل آلفي محاولة من لويس لتغيير صورة الروبوتات ذات الهيئة البشرية، من روبوتات مستقبلية وخطرة إلى روبوتات مفيدة وجديرة بالثقة.
يعكس أسلوب بروسبر مفهوماً أساسياً في الروبوتات صاغه مؤسس شركة آي روبوت (iRobot) التي صنعت الروبوت رومبا، رودني بروكس: "إن المظهر الخارجي للروبوت يعِد بالكثير بشأن قدراته ومستوى ذكائه. وحتى يحظى بالقبول، يجب أن يرقى إلى مستوى هذا الوعد أو يتجاوزه بقليل".
وفقاً لهذا المبدأ، فإن أي روبوت ذي هيئة بشرية يعِد بأنه قادر على التصرف مثل البشر، وهو معيار صعب للغاية. وفي الواقع، فإنه صعب إلى درجة أن بعض الشركات ترفضه. ينظر بعض مختصي الروبوتات بريبة إلى الروبوتات ذات الهيئة البشرية، حيث يشككون بوجود أي حاجة إلى بناء الروبوت المفيد على نحو يشبه البشر عندما يمكن بدلاً من ذلك تحقيق مهام عملية دون تصميمها على هذا النحو.
يتساءل مختص الروبوتات الذي يركز على التفاعلات بين البشر والروبوتات، والأستاذ المساعد في كلية الهندسة في جامعة كورنيل، غاي هوفمان: "ما الذي يجعلنا مولعين بفكرة بناء نسخة عن أنفسنا؟".
لماذا نريد روبوتات تشبه البشر؟
إن الميزة الرئيسية الإيجابية للروبوتات ذات الخصائص البشرية هي ميزة وظيفية: فالبشر هم من بنوا منازلنا وأماكن عملنا، وقد بنوها على نحو مخصص للبشر. ولهذا فإن الروبوت ذا الهيئة البشرية سيكون قادراً على التحرك ضمنها والتعامل معها بسهولة أكبر. لكن هوفمان يعتقد أن ثمة سبباً آخر، حيث يقول: "من خلال هذا النوع من التصميم البشري، نحن نروج لتصوّر معين حول هذا الروبوت، بأنه مكافئ لنا أو للأشياء التي نفعلها إلى حد ما". فبناء روبوت يشبه البشر سيدفع الناس إلى افتراض أنه يتمتع بقدرات مماثلة للقدرات البشرية.
خلال عملية تصميم الشكل الخارجي لآلفي، استعانت بروسبر ببعض الجوانب النمطية للتصميم ذي الهيئة البشرية، لكنها رفضت بعض الجوانب الأخرى. فعلى سبيل المثال، يتحرك آلفي على عجلات بدلاً من الأرجل، لأن الروبوتات الثنائية الأرجل أقل استقراراً في البيئات المنزلية حالياً، لكنه يمتلك رأساً وذراعين. سيكون الروبوت مبنياً على عمود رأسي يشبه الجذع، ولم تعلن بروسبر بعد كم يبلغ ارتفاعه ووزنه بالضبط. وسيكون مزوداً بزرّين مخصصين لإيقاف التشغيل في الحالات الطارئة.
يقول لويس إن تصميم آلفي لن ينطوي على أي محاولات لإخفاء حقيقة أنه روبوت. وقال لي أيضاً: "إن تصميم روبوت على نحو يهدف إلى محاكاة البشر يتضارب مع مبدأ الجدارة بالثقة، ويعتمد مقياس نجاحه على مدى نجاحه في خداعك. ولك أن تتخيل أنك تتحدث إلى هذا الشي مدة 5 دقائق قبل أن تدرك أنه روبوت. أعتقد أن هذا الأسلوب يفتقر إلى النزاهة".
غير أن الكثير من الابتكارات الأخرى في مجال الروبوتات ذات الهيئة البشرية بدأ يتخذ منحى يبدو الخداع فيه مفهوماً جذاباً على نحو متزايد. ففي 2023، ظهرت عدة روبوتات ذات هيئة بشرية واقعية للغاية وسط حشد من الجماهير في إحدى مباريات الدوري الوطني لكرة القدم الأميركية في ملعب سوفي بولاية كاليفورنيا، وبعد انتشار مقطع فيديو لهذه الروبوتات على نحو واسع، اعترفت شركة ديزني بأن هذه الروبوتات كانت فعلياً مجرد أشخاص عاديين يرتدون بدلات خاصة، في حيلة تسويقية للترويج لأحد الأفلام. بعد 9 أشهر، كشف باحثون من جامعة طوكيو الستار عن طريقة لتثبيت جلد مصمم هندسياً يعتمد على الخلايا البشرية فوق وجه روبوت، في محاولة لمحاكاة الوجه البشري على نحو أقرب إلى المثالية.
"من خلال هذا النوع من التصميم ذي الهيئة البشرية، نحن نروج لتصوّر معين حول هذا الروبوت، بأنه مكافئ لنا أو للأشياء التي نفعلها إلى حد ما".
غاي هوفمان، مختص بالروبوتات
أخذ لويس بعين الاعتبار عوامل أخرى كثيرة تتجاوز المظهر الخارجي لآلفي. وفقاً لرؤية لويس وبروسبر، فإن آلفي يعد سفيراً يمثل حضارة مستقبلية تتمتع فيها الروبوتات بأفضل الصفات البشرية.
إنه ليس يافعاً أو مسناً، لكنه يتمتع بحكمة شخص في منتصف العمر، ووظيفته الرئيسية في الحياة هي خدمة الناس وفقاً لمتطلباتهم وشروطهم. تنطوي شخصية آلفي، على غرار أي شخصية جذابة، على بعض النواقص التي تجعلها أقرب إلى الناس، فهو يتمنى أن يكون أسرع، كما يميل بعض الشيء إلى الهوس بإنهاء المهام المطلوبة منه. أما المبادئ الأساسية لخدمة آلفي فهي احترام الحدود، والالتزام بالتكتم والحذر، وعدم إطلاق الأحكام على الآخرين، وكسب الثقة.
يقول لويس: "إنه كيان غير بشري، لكنه يتمتع بنوع من الإحساس. وأنا أحاول أن أتجنب النظر إليه على أنه يمكن مقارنته بالوعي البشري بصورة مباشرة".
لقد كنت أشير إلى آلفي باستخدام ضمير العاقل "هو"، على الرغم من مخاطر المبالغة في إضفاء الصفات البشرية على روبوت ما زال في مرحلة التطوير، لأن لويس يصوّره على أنه يتمتع بصفات ذكورية. وعندما سألته عن السبب الذي يدعوه إلى تصور آلفي على أنه شخص ذو جنس محدد، قال إن السبب على الأرجح يعود إلى النموذج النمطي القديم لرؤساء الخدم الذكور الذين كان يراهم في المسلسلات التلفزيونية مثل باتمان (Batman) خلال طفولته. لكن في إحدى محادثاتي مع هاشمي، علمت بأنه يوجد في الواقع رئيس خدم حقيقي بمثابة مصدر إلهام لتصميم آلفي.
هذا الشخص هو فيتزجيرالد هيسلوب. يمتلك هيسلوب خبرة تمتد عقوداً في مجال التدريب على مهارات الضيافة العالية المستوى، وكان على مدى 7 أعوام الشخص الوحيد المؤهل لتدريب مدراء المنازل المكلفين بإدارة منازل الجنرالات من حملة النجوم الثلاثة والأربعة في وزارة الدفاع الأميركية.
حالياً، يتولى هيسلوب إدارة منزل عائلة ثرية في الشرق الأوسط (وقد رفض الإفصاح عن تفاصيل إضافية) وقد تعاقدت معه بروسبر لتقديم معلومات مفيدة عن أسلوب آلفي للخدمة داخل المنزل.
بعد فترة وجيزة من بدء حواري مع هيسلوب، توسع في الشرح حول تفاصيل الخدمة الممتازة، حيث قال مستشهداً بكتاب ستيفن فيري "رؤساء الخدم ومدراء المنازل: محترفو القرن الحادي والعشرين" (Butlers & Household Managers: 21st Century Professionals): "هذا هو مستوى الإبداع الذي يتعامل معه رئيس الخدم الجيد، أي خلق اللحظات الجميلة لتوفير الراحة للناس وزيادة متعتهم".
كانت تتملكه الثقة وهو يتحدث عن التأثير الذي يمكن أن تحدثه الخدمة الممتازة في العالم، وكيف يمكن للبروتوكولات وآداب السلوك أن تطغى على الغرور حتى لدى أهم الشخصيات. وقد استشهد باقتباس غالباً ما ينسبه الناس إلى المهاتما غاندي قائلاً: "أفضل طريقة للعثور على نفسك هي أن تفقد نفسك في سبيل خدمة الآخرين".
اقرأ أيضاً: 4 أنواع من الروبوتات الحديثة تسهل حياتك اليومية
الروبوتات المنزلية إلى الواجهة
على الرغم من أن هيسلوب لا يمتلك أي خبرة في مجال الروبوتات، فإنه معجب بفكرة وصول الروبوتات المنزلية يوماً ما إلى مرحلة تقديم مستويات متقنة من الخدمة، ويعتقد أن بروسبر تمكنت من تحديد الأولويات الصحيحة للوصول إلى هذه المرحلة.
ويقول: "الخصوصية والسرية، والاهتمام بالتفاصيل، ومراعاة هذه المسائل كلها بدقة، هي عوامل بالغة الأهمية لتحقيق الهدف العام للشركة. والأهم من ذلك، في هذه الحالة، هو آلفي".
إن تخيُّل آلفي على الورق مسألة تختلف اختلافاً جذرياً عن بنائه. ففي العالم الحقيقي، سوف يعتمد الإصدار الأول من آلفي على مساعدين يعملون عن بعد، ويعمل معظمهم في بلدان أخرى، وذلك للتعامل مع 80% تقريباً من مهامه المنزلية. سوف يستخدم هؤلاء المساعدون واجهات تشبه مقابض التحكم المستخدمة في ألعاب الفيديو للتحكم في حركات آلفي، بالاعتماد على البيانات الصادرة عن مستشعراته وكاميراته لترشدهم خلال غسل الأطباق أو رفع الأغراض عن الطاولة.
يقول هاشمي إن الشركة تبذل جهوداً كبيرة لإخفاء المعلومات الشخصية أو إغفال ذكرها من البيانات التي يمكن أن تكشف هويات الأشخاص في أثناء تشغيل الروبوت عن بعد. سيشمل ذلك خطوات مثل إزالة الأغراض المهمة ووجوه الأشخاص من التسجيلات، والسماح للمستخدمين بحذف أي مقاطع فيديو يرغبون في حذفها.
وقد كتب هاشمي في رسالة بالبريد الإلكتروني أن آلفي، في الحالة المثالية، "سيشيح بنظره ببساطة عن أي نشاطات خاصة محتملة".
إن سجل صناعة الذكاء الاصطناعي غير مشرف على الإطلاق فيما يتعلق باستعانتها بالعاملين في البلدان ذات الأجور المنخفضة لأداء الأعمال الخفية المطلوبة لبناء النماذج المتطورة. وتقول التقارير إن العاملين في كينيا كانوا يحصلون من شركة أوبن أيه آي على أقل من دولارين في الساعة لقاء التخلص من البيانات المسيئة ضمن بيانات التدريب، بما في ذلك المحتوى الذي يصف الاستغلال الجنسي للأطفال والتعذيب. أما عملية شركة سكيل أيه آي في الفلبين، التي كان هاشمي يساعد على إدارتها، فقد تعرضت لانتقادات وجهتها مجموعات حقوقية في 2023 بسبب عدم التزامها بمعايير العمل الأساسية، وعدم دفع الأجور المناسبة للعاملين إضافة إلى عدم دفعها في الوقت المناسب، وذلك وفقاً لتحقيق أجرته صحيفة واشنطن بوست (Washington Post).
في بيان لشركة أوبن أيه آي، قالت الشركة إن عملاً كهذا "يجب أن يجري تنفيذه بأسلوب إنساني وطوعي"، وإن الشركة تضع "معايير أخلاقية وصحية للعاملين في تصنيف البيانات لدينا". وقد أجابت سكيل أيه آي عن أسئلة حول الانتقادات التي تعرضت لها عمليتها في الفلبين قائلة: "على مدار العام الماضي وحده، دفعنا مئات ملايين الدولارات من الأجور إلى المساهمين في عملنا، ما منح الناس خيارات عمل مرنة وفرصاً اقتصادية"، وأضافت أن "98% من الشكاوى المتعلقة بالأجور وجدت طريقها إلى الحل بنجاح".
يقول هاشمي إنه لم يكن على علم بالادعاءات الموجهة ضد سكيل أيه آي خلال فترة عمله هناك، التي انتهت في 2019. لكنه قال في رسالة بالبريد الإلكتروني: "ارتكبنا بعض الأخطاء دون شك، وقد صححناها بسرعة، وأخذناها على محمل الجد عموماً". وقد سألته عن الدروس التي استقاها من الادعاءات الموجهة ضد سكيل أيه آي وغيرها من الشركات التي تعهد بالأعمال المتعلقة بالبيانات الحساسة إلى أطراف خارجية، وما هي الضمانات التي يطبقها من أجل الفريق الذي يشكّله في الفلبين لصالح بروسبر، والذي يبلغ عدد أفراده حتى الآن نحو 10 أشخاص.
قال لي هاشمي: "ينتهي المطاف بنسبة كبيرة من الشركات في هذا المجال إلى تأدية هذا العمل بطريقة مسيئة نوعاً ما بحق الأشخاص الذين توظفهم". وقال إن هذا النوع من الشركات غالباً ما يعهد بنشاطات الموارد البشرية المهمة إلى شركاء غير جديرين بالثقة خارج البلاد، أو يفقد ثقة العاملين من خلال اعتماد برامج رديئة للحوافز، وأضاف قائلاً: "مع وجود فريق أكثر خبرة ويخضع لإدارة وثيقة ومشددة، ودرجة عالية من الشفافية التي تحيط بالنظام بأكمله، أتوقع أننا سنكون قادرين على فعل ما هو أفضل بكثير".
من المفيد الكشف عن طبيعة خروج هاشمي من سكيل أيه آي، حيث كان الشخص الرابع عشر الذي يتولى وظيفة هناك في 2017. في مايو/أيار من عام 2019، ووفقاً لبعض الوثائق القضائية، لاحظت سكيل أن ثمة شخصاً سحب مراراً وتكراراً مدفوعات غير مصرح بها، قيمة كل منها 140 دولاراً، وحوّل هذه المبالغ إلى عدة حسابات على منصة باي بال (PayPal).
اتصلت الشركة بمكتب التحقيقات الفيدرالي. وعلى مدار 5 أشهر، بلغ إجمالي المبالغ المسحوبة من الشركة 56,000 دولار تقريباً. كشف التحقيق أن هاشمي، الذي كان يبلغ من العمر آنذاك 26 عاماً، هو الذي سحب هذه المبالغ. وفي أكتوبر/تشرين الأول من ذلك العام، أقر بأنه مذنب في قضية احتيال إلكتروني.
وقبل صدور الحكم بحقه، كتب مؤسس سكيل أيه آي ورئيسها التنفيذي الذي بات مليارديراً الآن، ألكسندر وانغ، رسالة إلى القاضي دعماً لهاشمي، وحذا حذوه 13 شخصاً آخرين من موظفي سكيل الحاليين والسابقين. وقد كتب وانغ قائلاً: "أعتقد أن شارق نادم حقاً على الجريمة التي ارتكبها، وليس لدي أي سبب يدعوني إلى الاعتقاد بأنه سيرتكب فعلة مماثلة مرة أخرى". وأضاف قائلاً إن الشركة لم تكن لترغب بملاحقة الشخص الذي ارتكب هذه الجريمة لو عرفت أنه هاشمي.
خسر هاشمي وظيفته، وخيارات الأسهم التحفيزية التي كانت لديه، كما خسر رعاية سكيل لطلبه في الحصول على بطاقة الإقامة الدائمة. عرضت عليه سكيل مبلغ 10,000 دولار ليكون تعويض نهاية الخدمة قبل مغادرته، غير أنه رفض العرض، وفقاً لرسالة وانغ.
سدد هاشمي الأموال التي أخذها في 2019، وفي فبراير/شباط من عام 2020، حكمت المحكمة عليه بقضاء 3 أشهر في سجن فيدرالي، وقد نفذ الحكم.
حالياً، وانغ هو أحد المستثمرين الرئيسيين في بروسبر روبوتيكس، إضافة إلى المؤسس المشارك لشركة أنثروبيك (Anthropic)، بين مان، والمؤسس المشارك لشركة نوشن (Notion)، سيمون لاست، والمؤسس المشارك والرئيس التنفيذي لشركة كيبلر كومبيوتينغ (Kepler Computing)، ديبو أولاوسيبيكان.
كتب هاشمي رسالة بالبريد الإلكتروني رداً على بعض الأسئلة حول جريمته تلك قائلاً: "لقد ارتكبت خطأ فادحاً في الحكم على الأمور عندما كنت أصغر سناً. كنت أواجه بعض التحديات الشخصية، وسرقت من الشركة التي أعمل فيها. عندما أدركت ما فعلت ورأيت عواقبه، كان ذلك بمثابة صدمة بالنسبة لي، وقد دفعني إلى البحث في أعماق نفسي مطولاً". وفي بروسبر، كتب هاشمي قائلاً: "نحن نعتبر الجدارة بالثقة أسمى طموحاتنا".
اقرأ أيضاً: لماذا يجب أن تتعلم الروبوتات الكسل من البشر؟
التحكم بالروبوتات عن بعد: جوانب إيجابية
ثمة جوانب إيجابية حقيقية في القدرة على التحكم في الروبوتات عن بعد، لكن فكرة تشغيل الروبوتات عن بعد وعلى نطاق واسع على يد عاملين يقطنون خارج البلاد سوف تكون أقرب إلى تحول جذري في مجال العمالة، حتى لو استغرق الأمر أعواماً حتى تثبت هذه الفكرة جدواها.
هذا يفسح المجال أمام التفكير في أنه حتى الأعمال التي تتطلب المجهود البدني والتي تتصف بأنها محلية إلى حد كبير والتي نعتبرها محصنة ضد تعهيدها إلى أطراف خارج حدود البلاد، مثل تنظيف غرف الفنادق أو العناية بمرضى المستشفيات، قد يتولاها يوماً ما عاملون منتشرون في بلاد أخرى. وهذا يتضارب أخلاقياً، على ما يبدو، مع جوهر فكرة الروبوت الجدير بالثقة، لأن فعالية الآلة مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بعامل بشري مجهول يقطن في بلد آخر، والذي يتقاضى على الأرجح أجوراً زهيدة.
تحدث هاشمي عن فكرة استخدام جزء من أرباح بروسبر لتقديم دفعات مالية مباشرة إلى الأشخاص الذين تأثرت وظائفهم أو فقدوها بسبب آلفي، لكنه لا يملك تفاصيل حول كيفية تنفيذ هذا الأمر. إضافة إلى أنه ما زال يفكر في بعض القضايا المتعلقة بالأطراف المشاركة في العمل -سواء كانت بشراً أم أنظمة- التي يجب أن يثق بها عملاء بروسبر عندما يسمحون لروبوتاتها بالدخول إلى منازلهم.
يقول هاشمي: "لا نريد منك أن تثق كثيراً بالشركة أو الأشخاص الذين توظفهم الشركة، فنحن نفضل أن تثق بالجهاز، والجهاز هو الروبوت، والروبوت يضمن أن الشركة لن ترتكب أي تجاوزات".
يعترف هاشمي أن الإصدار الأول من آلفي ربما لن يرقى إلى أقصى طموحاته، لكنه ما زال متمسكاً بحقيقة أن الروبوت قادر على خدمة المجتمع والناس، فقط إذا حاز ثقتهم.