تقرير خاص

طائرات التايفون متعددة الأدوار: مستقبل الهيمنة على المعارك الأكثر تعقيداً

5 دقيقة

يعود تطوير الطائرات المقاتلة إلى أكثر من قرن من الزمن، إذ ظهرت التصاميم المبكرة لهذه الطائرات خلال الحرب العالمية الأولى في الفترة بين عامي 1914 و1918، ثم أدّت التطورات في المواد والديناميكا الهوائية إلى تطوير طائرات أحادية السطح، وهي الطائرات الثابتة الجناحين مع مجموعة رئيسية واحدة من سطوح الأجنحة صُنِعت بالكامل من المعدن في عشرينيات القرن الماضي. وكانت هذه الطائرات أسرع وأكثر متانة من سابقاتها. وخلال فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية، شهدت أواخر الأربعينيات ثورة المحركات النفاثة في تطوير المقاتلات.

واستمر تطوير الطائرات المقاتلة مدفوعاً بالاحتياجات الاستراتيجية للدول والابتكار الهندسي، فعكس هذا التطوّر الطبيعة الديناميكية للطيران العسكري، والتقدم التكنولوجي، والاستخدام المتزايد للمواد المركبة مثل ألياف الكربون وألياف الزجاج. ونتيجة لهذا التطور، ظهرت المقاتلات الحديثة متعددة الأدوار مثل طائرات التايفون (Typhoon)، التي تشارك شركة بي أيه إي سيستمز في تصنيعها إلى جانب ثلاث شركات عالمية في مجال الطيران والفضاء، التي انضمت إلى أساطيل 7 دول حول العالم حتى الآن، منها المملكة العربية السعودية.

الاستثمار في الطائرات المقاتلة

تعزّز الدول استثماراتها في الطائرات المقاتلة ضمن أسطولها الجوي، فوفقاً لتقرير غلوبال فاير باور، تتصدر الولايات المتحدة الأميركية الدول التي تملك أكبر عدد من الطائرات المقاتلة بنحو 1,854 طائرة مقاتلة، تليها الصين بنحو 1,207 طائرات مقاتلة، وروسيا بنحو 809 طائرات مقاتلة. وعربياً، تأتي المملكة العربية السعودية في الصدارة بنحو 283 طائرة مقاتلة.

وتتنافس الدول لتصنيع المقاتلات الأكثر سرعة، وتسعى إلى تزويدها بقدرات متنوعة، وأنظمة رادار متفوقة. على سبيل المثال، تشتهر يوروفايتر تايفون بخفتها وسرعتها، إذ يمكنها الطيران من لندن إلى برمنغهام (التي يبلغ أقصر مسافة خط جوي بينهما نحو 163 كيلومتراً) في أقل من 6 دقائق، وأدّت مهامَّ مختلفة مثل الاستطلاع الجوي والهجوم الأرضي. ومنذ رحلتها الأولى، خضعت هذه الطائرة لترقيات ملحوظة وأثبتت تفوّقها بين الطائرات المقاتلة؛ بفضل تقنياتها المتقدمة مثل قدرتها العالية على المناورة وسرعتها الفائقة، حتى أصبحت إحدى أكثر الطائرات المقاتلة تقدماً في العالم.

بدورها، تشكّل طائرة تايفون المقاتلة جزءاً حيوياً من أسطول القوات الجوية الملكية السعودية، منذ توقيع برنامج سلام (SALAM) عام 2005، وهو اتفاقية حكومية لتزويد المملكة العربية السعودية بطائرات التايفون. وبالفعل انضمت الطائرة إلى أسطول القوات الجوية الملكية السعودية عام 2009، إذ عزّزتها بي أيه إي سيستمز بأهم التقنيات من أنظمة رادار تكنولوجية متقدمة، فضلاً عن قدرتها العالية على المناورة، وتنفيذ المهام المتعددة.

ومنذ ذلك الحين، حققت طائرة التايفون أكثر من 100 ألف ساعة طيران ضمن أسطول القوات الجوية الملكية السعودية حتى الآن، وأسهمت هذه الترقيات في تعزيز فاعلية العمليات الجوية للقوات الجوية السعودية، بينما يسعى برنامج التايفون إلى الإسهام في تحقيق مستهدفات رؤية السعودية 2030.

كيف تؤدي التايفون دوراً في تحقيق مستهدفات رؤية 2030؟

تستعين السعودية بشركاء محليين وعالميين مثل بي أيه إي سيستمز لتنفيذ خططها الرامية إلى خلق 40 ألف فرصة عمل مباشرة في قطاع الدفاع وتوطين إنتاج 50% من حاجتها العسكرية بحلول عام 2030. على سبيل المثال، بلغت نسبة التوطين 25% ضمن برنامج سلام لتعزيز القوات الجوية الملكية السعودية بطائرات التايفون، وشهد توظيف ما يقرب من ألف موظف كنتيجة مباشرة للبرنامج بالتعاون مع شركة بي أيه إي سيستمز وشركائها الرئيسيين ومورديها، ما وفّر الآلاف من فرص العمل غير المباشرة.

واستثمر البرنامج أيضاً في برامج التدريب الفني للمواطنين السعوديين لتدريب أكثر من 400 متخصصٍ في مختلف مجالات الصيانة والتوريد والعديد من الأدوار الفنية. وحتى الآن، فإن المواطنين السعوديين يشكّلون أكثر من 65% من القوى العاملة التي توظّفها بي أيه إي سيستمز ضمن برنامج التايفون.

وتتولى المملكة حالياً إجراءات الصيانة والتصنيع والإصلاحات، إذ يعمل وكلاء الإصلاح في السعودية على إجراء 30% من حيث الحجم و40% من حيث القيمة من إصلاحات التايفون، بينما يتولى الموردون في المملكة 45% من إصلاحات القسم الأمامي و87% من إصلاحات القسم المركزي لحاويات الاستهداف في الطائرة، ووفّرت صناعة التايفون نحو 185 فرصة للعديد من الموردين داخل المملكة.

ومؤخراً، أجرت السعودية محادثات مع المملكة المتحدة لطلب جديد من طائرات التايفون لتضيف نحو 48 طائرة إلى أسطولها، بما يعزّز دور شركة بي أيه إي سيستمز في الإسهام في تحقيق مستهدفات رؤية السعودية 2030 من ناحية، ويضمن الاستفادة من خصائص هذه المقاتلة من ناحية أخرى.

خصائص طائرة التايفون

تعاونت كلٌ من شركة بي أيه إي سيستمز ومجموعة إيرباص للدفاع والفضاء وليوناردو كممثلين لأربع دول هي بريطانيا وألمانيا وإيطاليا وأسبانيا، لتأسيس شركة يوروفايتر بهدف إدارة عملية تصنيع طائرة التايفون ومتابعة تطويرها. في المراحل الأولى من خدمتها، كانت تحسينات التايفون تدريجية، إذ ارتكزت على الاحتياجات التشغيلية الفورية، والترقيات المحورية مثل التطوير إلى طائرة متعددة الأدوار بالكامل لتنفيذ مهام جو-جو وجو-أرض.

وعلى مدار العامين الماضيين، نفذت هذه الطائرة 80% من المهام الجوية التشغيلية التي أجرتها الدول الشريكة في برنامج يوروفايتر، كما يتم تشغيل الطائرة بانتظام من قِبل القوات الجوية في الشرق الأوسط، فمَا هي أبرز خصائصها؟

السرعة:

تعتبر السرعة من أهم الخصائص التنافسية للطائرات المقاتلة، وتمتاز طائرة التايفون بسرعتها ومرونتها، إذ يمكنها الانتقال من وضعية السكون إلى وضعية الإقلاع في 8 ثوانٍ فقط ويمكنها اختراق حاجز الصوت في أقل من 30 ثانية، كما يمكنها الانتقال من وضعية السكون إلى ارتفاع 36 ألف قدم بسرعة تتجاوز 1.6 أضعاف سرعة الصوت خلال أقل من دقيقتين ونصف.

القوة القتالية:

تتضمن التايفون محركين من طراز يوروجيت إي جي 200 (Eurojet EJ200) لتوفير قوة قتالية ممتازة، وأدرجت الشركة نظام "بايفواي إي في"، وهو الجيل التالي من الأسلحة الموجّهة التي اختارتها وزارة الدفاع البريطانية لبرنامج القنابل الموجّهة بدقة ضمن هذه الطائرة لاحتوائه على نظام توجيه ثنائي وقدرة عالية على الاختراق، ما يسمح بإمكانية تحديد الهدف حتى لحظة الإطلاق نفسها.

التصميم الرشيق:

تجمع التايفون متعددة الأدوار بين هيكل طائرة مثبت ورشيق وأحدث أجهزة الاستشعار وأنظمة التحكم والأسلحة، بما يوفّر قدرة قتالية سواء خارج مدى الرؤية أو في القتال القريب، ويساعد على الطيران بطريقة هجومية تحت ظروف القتال كّلها. وتُتيح المساحة الواسعة لمقدمة الطائرة تركيب أكثر من ألف وحدة إرسال واستقبال.

المرونة:

تتمتّع الطائرة بمستويات عالية من المرونة والكفاءة، وتملك قوة معالجة كافية لدعم تحديثات الصواريخ واستهداف القنابل في أثناء الطيران. ويمكنها أيضاً حمل مجموعة واسعة من الأسلحة جو-جو وكذلك جو-أرض، فضلاً عن كفاءتها ضمن مناطق الاشتباك القريبة والبعيدة على حد سواء.

الترقيات المتعددة:

تجرى بي أيه إي سيستمز مجموعة جديدة من الترقيات على التايفون حتى تُمكّنها من الاستهداف بعيد المدى عبر الوصول إلى ما وراء النطاق البصري عن طريق استخدام صاروخ ميتيور، وتمكينها من الأهداف العالية عن طريق دمج صاروخ ستورم شادو جو–أرض بالطائرة. ولتعزيز دقتها، سيجري دمج صاروخ برايمستون جو–أرض، ما يعطي هذه الطائرة دقة فائقة ويقلّل الأضرار الجانبية عند استهداف الأهداف المدرعة سريعة الحركة.

تسريع القدرات التكنولوجية:

تتطوّر قدرات طائرات التايفون تكنولوجياً باستمرار بفضل مرونتها، فمن المقرر أن تتضمن أجهزة الاستشعار وإدارة المعلومات ما يُلبي متطلباتها التشغيلية المستقبلية. وتشمل الطائرة أيضاً رادار كابتور إي الذي ينتمي إلى فئة رادارات مصفوفة المسح الالكتروني النشط (AESA)، ليعزّز تدابير الحماية الإلكترونية للطائرة، ويزيد نطاق كشفها وتعقبها. وتتضمن التايفون أيضاً خوذة سترايكر 2 الرقمية المزودة بكاميرا للرؤية الليلية لتعقب الأهداف بدقة.

مع التطوّرات التكنولوجية المتسارعة، سيتطلب المستقبل وعياً أكبر من الطيارين والعمل مع الطائرات المقاتلة الحالية والمستقبلية للسيطرة على الجو. ومع تحوّل طائرة التايفون عام 2015 إلى منظومة قتالية متطورة ومتعددة الأدوار، يمكن خضوعها باستمرار لترقيات متعددة، ما يمكنه أن يسهم في هيمنتها مستقبلاً على ساحة المعارك المتقدمة تقنياً.

كما أن استمرار إضافة ترقيات بي أيه إي سيستمز على هذه الطائرة، سيضمن بقاءها رمزاً للتفوق الجوي حتى ستينيات القرن الحادي والعشرين، خاصة مع دورها المحوري ضمن أسطول القوات الجوية الملكية السعودية ما يسهم في تحقيق مستهدفات رؤية 2030، بما يعكس الشراكة طويلة الأمد التي تربط شركة بي أيه إي سيستمز بالمملكة العربية السعودية والتي تمتد إلى أكثر من 55 عاماً.

المحتوى محمي