يقولون إن الإنسان يتعلم من الأخطاء، لا من النجاحات. وإذا كان هذا صحيحاً، فهذا المقال مناسب لك، حيث يتحدث عن القائمة السنوية لمجلة إم آي تي تكنولوجي ريفيو لأكبر الإخفاقات والحيل المخادعة والخيبات في المجالات التكنولوجية جميعاً.
كان بعض هذه الإخفاقات مثاراً للضحك والسخرية، مثل الذكاء الاصطناعي "المتوافق مع الأفكار اليسارية التي تنطوي على سياسات الهوية والعدالة الاجتماعية"، الذي أوقع جوجل في ورطة بعد أن رسم أشخاصاً نازيين من أصول إفريقية. وكان بعضها الآخر سبباً للدعاوى القضائية، مثل الخطأ الحاسوبي الذي ارتكبته شركة كراود سترايك (CrowdStrike) والذي أدى إلى تعطيل سفر الآلاف من ركاب شركة دلتا (Delta) للطيران.
جمعنا أيضاً إخفاقات من الشركات الناشئة التي سارعت إلى التوسع بين 2020 و2022، وهي فترة شهدت انخفاضاً كبيراً للغاية في أسعار الفائدة. غير أن الظروف الاقتصادية تغيرت، ولم يعد جني المال سهلاً جداً كما كان من قبل. أما النتيجة فهي مواجهة الإفلاس أو التصفية النهائية للشركات التكنولوجية التي كانت تعمل على مشاريع تكنولوجية طموحة لم تحقق لها الأرباح حتى الآن، وربما لن تحققها على الإطلاق، بدءاً من المزارع العمودية وصولاً إلى أرصدة الكربون.
تابع القراءة.
فضيحة الذكاء الاصطناعي المتوافق مع الأفكار اليسارية التي تنطوي على سياسات الهوية والعدالة الاجتماعية.
يشعر الناس بالقلق إزاء تسلل التحيز إلى الذكاء الاصطناعي. لكن ماذا لو أضفنا التحيز عمداً؟ أصبحنا نعلم النتيجة الآن بفضل جوجل: فايكنغ من أصول إفريقية وسيدات بمناصب اعتاد الرجال على شغلها على مر العصور.
أطلقت جوجل ميزة توليد الصور بالذكاء الاصطناعي باستخدام النموذج جيميناي (Gemini) في فبراير/شباط المنصرم، وقد ضبطت هذه الميزة عمداً حتى تسلط الضوء بقوة على التنوع، بغض النظر عن محتوى كتب التاريخ. فإذا طلبت من جوجل صورة لجنود ألمان من الحرب العالمية الثانية، سوف تحصل على ما يشبه إعلاناً للملابس من العلامة التجارية بينيتون (Benetton)، يظهر فيه زي الجيش الألماني.
سارع المنتقدون إلى إطلاق تعليقاتهم اللاذعة، واضطرت جوجل محرجة إلى التراجع. فأوقفت مؤقتاً قدرة جيميناي على رسم الأشخاص، واعترفت بأن جهودها الحسنة النية الرامية إلى تحقيق الشمولية "لم تكن موفقة على الإطلاق".
ما زال توليد صور الأشخاص غير ممكن باستخدام النسخة المجانية من جيميناي، لكن النسخ المدفوعة تتيح ذلك. فعندما طلبنا توليد صورة تضم 12 مديراً تنفيذياً لشركات عامة للتكنولوجيا الحيوية، أنتج البرنامج صورة ذات جودة فوتوغرافية لرجال متوسطي العمر من أصحاب البشرة البيضاء. وعلى الرغم من أن الصورة لم تكن مثالية، فإنها أقرب إلى الواقع.
بوينغ ستارلاينر
لدينا مشكلة أيها السادة في شركة بوينغ، وهي مركبتكم الفضائية الصالحة للاستخدام المتكرر والتي طال انتظارها: ستارلاينر، التي تسببت في تقطع السبل برائدي الفضاء التابعين لوكالة ناسا، سونيتا "سوني" ويليامز وباري "بوتش" ويلمور، على متن محطة الفضاء الدولية.
كان من المفترض أن تكون بعثة يونيو/حزيران رحلة ذهاب وإياب سريعة تستغرق 8 أيام فقط لاختبار ستارلاينر قبل إطلاقها في بعثات أطول. لكنها عادت خاوية الوفاض بعد تعرضها للعديد من تسريبات الهيليوم ومشاكل محركات الدفع.
الآن، لن يعود بوتش وسوني إلى الأرض حتى 2025، وهو الموعد الذي من المقرر أن تعيدهما فيه مركبة من شركة سبيس إكس (SpaceX) المنافسة لبوينغ.
تستحق بوينغ وناسا الثناء على منح الأولوية للسلامة. لكن هذا لم يكن الخلل الوحيد الذي واجهته بوينغ في 2024، فقد افتتحت الشركة العام بتحطم أحد أبواب طائراتها خلال التحليق، وواجهت إضراباً للعمال، ووافقت على دفع غرامة ضخمة بسبب تضليلها الحكومة بشأن سلامة طائرتها 737 ماكس (التي كانت في قائمتنا لأسوأ التكنولوجيات لعام 2019)، كما شهدت تنحّي رئيسها التنفيذي عن منصبه في مارس/آذار.
بعد كارثة ستارلاينر، أقالت بوينغ رئيس وحدة الفضاء والدفاع فيها، حيث قال الرئيس التنفيذي الجديد للشركة، كيلي أورتبيرغ، في مذكرة إدارية: "في هذه المرحلة الحرجة، أولويتنا هي استعادة ثقة عملائنا وتلبية المعايير العالية التي يتوقعونها منا لتمكينهم من تنفيذ مهامهم الفائقة الأهمية في أنحاء العالم كافة".
اقرأ أيضاً: كيف سيؤثّر فوز ترامب في جهود مكافحة التغيّر المناخي؟
عطل كراود سترايك
تتخذ شركة كراود سترايك للأمن السيبراني من العبارة التالية شعاراً لها: "نحن نوقف الاختراقات" (We stop breaches)، وهذا صحيح، فلا أحد قادر على اختراق كمبيوترك إذا كنت عاجزاً عن تشغيله.
هذا ما حدث بالضبط مع الكثير من الأشخاص في 19 يوليو/تموز، عندما بدأت تظهر "شاشة الموت الزرقاء" على آلاف الأجهزة التي تعمل بنظام ويندوز في شركات الطيران ومحطات التلفزيون والمستشفيات.
لم يكن السبب هجوماً للقراصنة أو برامج الفدية الخبيثة، بل كانت هذه الأجهزة عالقة في حلقة لا نهائية ضمن عملية الإقلاع بسبب تحديث معطوب وزعته كراود سترايك بنفسها. وقد سارع الرئيس التنفيذي للشركة، جورج كورتز، إلى منصة إكس (X) كي يقول إن الشركة حددت "المشكلة" وهي "عيب" ضمن ملف حاسوبي واحد.
إذاً، من يتحمل مسؤولية ما حدث؟ قررت شركة دلتا للطيران (Delta Airlines) التي ألغت 7,000 رحلة بسبب هذه المشكلة، وهي من عملاء شركة كراود سترايك، أن ترفع دعوى قضائية مطالبة بتعويض قدره 500 مليون دولار. وتزعم دلتا أن شركة الأمن السيبراني أحدثت "كارثة عالمية" عندما اتبعت "أساليب مختصرة غير معتمدة وغير خاضعة للاختبار".
من جهتها، ردت كراود سترايك بدعوى قضائية مضادة. وتقول إن اللوم يقع على إدارة دلتا في المشاكل التي تعرضت لها شركة الطيران، وإن شركة الطيران لا تستحق أكثر من استرداد المال.
اقرأ أيضاً: تعرّف إلى كراود سترايك شركة الأمن السيبراني المسؤولة عن أكبر انقطاع للتكنولوجيا في التاريخ
المزارع العمودية
جمعت الشركة الناشئة باوري (Bowery) المختصة بما يسمى "الزراعة العمودية" (vertical farming) ما يزيد على 700 مليون دولار حتى تزرع الخس ضمن المباني باستخدام الروبوتات والزراعة المائية والمصابيح الثنائية الباعثة للضوء (LED). لكن في نوفمبر/تشرين الثاني، أفلست باوري، ما جعلها أكبر شركة ناشئة تواجه الإخفاق هذا العام، وفقاً لشركة تحليل الأعمال سي بي إنسايتس (CB Insights).
زعمت باوري أن المزارع العمودية كانت "أكثر إنتاجية بمائة ضعف" لكل مائة سنتيمتر مربع تقريباً (قدم مربعة) من المزارع التقليدية، بما أنه يمكن تكديس الخزائن التي تحمل النباتات بارتفاعات تصل إلى 12 متراً. أما في الواقع، فقد كان الخس الذي تنتجه الشركة أكثر تكلفة، إضافة إلى أن الشركة عجزت عن توفير منتجاتها النباتية بأي سعر عندما تعرضت النباتات للإصابة بعدوى مستعصية انتشرت في منشآت الشركة على الساحل الشرقي للولايات المتحدة.
أجهزة البيجر المتفجرة
كانت هذه الأجهزة تطلق صوتاً، ثم تنفجر. فقد شهد لبنان في أنحائه كافة موجة من الإصابات البليغة في الأصابع والأوجه.
كان الهجوم مميتاً ويعتمد على مخطط خبيث للغاية. فقد جرى تأسيس شركات وهمية باعت الآلاف من أجهزة البيجر المجهزة بالمتفجرات إلى حزب الله، الذي كان يخشى أن هواتفه كانت تخضع للتجسس فعلاً.
كان هجوماً ناجحاً دون شك، لكن هل كان أيضاً جريمة حرب؟ فمعاهدة عام 1996 تحظر التصنيع المتعمد لأي "أجسام غير مؤذية ظاهرياً" ومصممة حتى تنفجر. تقول صحيفة نيويورك تايمز (New York Times) إن طفلة تبلغ من العمر تسعة أعوام ماتت عندما أطلق جهاز البيجر الخاص بوالدها صوت تنبيه، وسارعت لإحضاره إليه.
اقرأ أيضاً: انفجار أجهزة البيجر في لبنان: هل وراءه هجوم سيبراني أم متفجرات مخفية؟
23 آند مي
إن الشركة الرائدة في مجال توفير الاختبارات الجينية المباشرة للمستهلكين تتدهور بسرعة. فسعر سهمها يتراجع بسرعة، إضافة إلى أن خطتها لتصنيع أدوية قيّمة أصبحت طي النسيان بعد تسريح الفريق القائم على هذه الخطة في نوفمبر/تشرين الثاني.
لطالما كانت شركة "23 آند مي" (23andMe) تتمتع بهالة من الشهرة، حيث كانت تحظى بتغطية إعلامية إيجابية للغاية. أما الآن، فقد أصبحت التغطية الإعلامية سلبية بالكامل. فهي شركة مضطربة واقعة تحت قبضة مؤسستها المسيطرة آن فوجيتسكي، بعد أن استقال مدراؤها المستقلون جماعياً في سبتمبر/أيلول. وقد بدأ العملاء يشعرون بالقلق بشأن مصير بيانات الحمض النووي الخاصة بهم إذا ما أفلست شركة 23 آند مي.
تقول 23 آند مي إنها بنت "أكبر منصة تعهيد جماهيري في العالم للأبحاث الجينية". هذا صحيح، غير أنها لم تتمكن قط من التوصل إلى طريقة لتحقيق بعض الأرباح.
نفايات الذكاء الاصطناعي
أصبحنا جميعاً معرضين على نحو متزايد لاستهلاك ما يحمل اسم "نفايات الذكاء الاصطناعي" (AI slop) عبر الإنترنت، وهي النصوص والصور التي يولدها الكمبيوتر، والتي وصلت إلى أعداد كبيرة تملأ الإنترنت يوماً بعد يوم، على غرار النفايات التي تملأ مزارع الحيوانات.
تتسم نفايات الذكاء الاصطناعي بأنها "مريبة" وفقاً لصحيفة نيويورك تايمز، وبأنها "أعمال فنية تعاكس المعايير التقليدية للجمال" وفقاً لمجلة "وايرد" (Wired). وتتضمن حالات متكررة من الأشياء الغريبة، مثل الرموز الدينية المصممة على شكل كائنات مثل الجمبري (قد يبدو هذا باعثاً على الحيرة إلى درجة بالغة)، أو الأشياء الخادعة، مثل صورة فتاة مرتجفة ضمن زورق تجديف، وهي صورة من المفترض أن تثبت ضعف الإجراءات التي اتخذتها الحكومة الأميركية للتعامل مع إعصار هيلين.
غالباً ما تتسم نفايات الذكاء الاصطناعي بأنها مسلية، وعادة ما تكون مضيعة للوقت، ولا يجري التحقق من صحتها. غالباً ما تهدف نفايات الذكاء الاصطناعي إلى جمع النقرات. وتتجسد نفايات الذكاء الاصطناعي بحساب حاصل على العلامة الزرقاء على منصة إكس (X) وينشر مواضيع مكونة من 10 أجزاء حول روعة الذكاء الاصطناعي، وهي مواضيع كتبها الذكاء الاصطناعي نفسه.
أما الأهم من ذلك، فهو أن نفايات الذكاء الاصطناعي منتشرة على نطاق واسع للغاية. ففي هذا العام، زعم بعض الباحثين أن نحو نصف المنشورات الطويلة على منصتي لينكدإن (LinkedIn) وميديوم (Medium) جرى إنشاؤها جزئياً باستخدام الذكاء الاصطناعي.
اقرأ أيضاً: الذكاء الاصطناعي سيفاقم مشكلة النفايات الإلكترونية فكيف يمكن حلها؟
أسواق الكربون الطوعية
إذا كانت شركتك تتسبب بإطلاق انبعاثات تسهم في الاحترار العالمي، فلماذا لا تدفع بعض الأموال لزرع بعض الأشجار أو شراء موقد طبخ أكثر فاعلية لشخص ما في أميركا الوسطى؟ عندها يمكنك الوصول إلى صافي انبعاثات صفرية والمساعدة على إنقاذ الكوكب.
فكرة رائعة، لكن النوايا الحسنة ليست كافية. ففي هذا العام، جرى إغلاق سوق الكربون نوري (Nori)، وكذلك جرى إغلاق شركة رانينغ تايد (Running Tide) التي كانت تحاول التخلص من الكربون في المحيط. وقد كتب الرئيس التنفيذي لشركة رانينغ تايد في منشور وداعي نسب فيه إفلاس الشركة إلى ضعف الطلب: "تكمن مشكلة سوق الكربون الطوعية في أنها طوعية".
قد يحلو للشركات أن تلقي باللائمة على ضعف الطلب، غير أن هذه ليست المشكلة الوحيدة. إذ أدت التكنولوجيات المريبة والأرصدة المشكوك فيها والتعويضات الكربونية الوهمية إلى خلق مشكلة تتعلق بالمصداقية في أسواق الكربون. ففي أكتوبر/تشرين الأول، وجّه مدّعون عامون في الولايات المتحدة اتهامات إلى رجلين بتنظيم خطة بقيمة 100 مليون دولار تتضمن بيع وفورات انبعاثات غير موجودة.