كشفت شركة جوجل ديب مايند (Google DeepMind) الستار عن نموذج ذكاء اصطناعي يتفوق على أفضل الأنظمة الحالية في مجال التنبؤ بالطقس. يحمل النموذج الجديد اسم "جين كاست" (GenCast)، وقد نشرت الشركة مقالاً عنه في مجلة "نيتشر" (Nature) مؤخراً.
وهذا نموذج الذكاء الاصطناعي الثاني المخصص للطقس الذي أطلقته جوجل خلال الأشهر القليلة الماضية وحسب. ففي يوليو/تموز، نشرت الشركة تفاصيل عن نموذج نيورال جي سي إم (NeuralGCM) الذي يجمع بين الذكاء الاصطناعي والطرق التي تعتمد على الفيزياء، مثل تلك الطرق المستخدمة في الأدوات الحالية للتنبؤ بالطقس. وقد أدى ذلك النموذج أداءً مشابهاً للطرق التقليدية، لكنه تطلّب قدراً أقل من القدرات الحاسوبية.
ما هو نموذج جين كاست للتنبؤ بالطقس؟
أما جين كاست فهو مختلف، إذ يعتمد على طرق الذكاء الاصطناعي فقط. يعمل هذا النموذج على نحو مماثل نوعاً ما لطريقة عمل تشات جي بي تي (ChatGPT)، لكن بدلاً من التنبؤ بالكلمة التالية الأكثر ترجيحاً في جملة معينة، يعطي النموذج حالة الطقس التالية الأكثر ترجيحاً. خلال التدريب، ينطلق النموذج في عمله بالاعتماد على معامِلات أو أوزان عشوائية، ويقارن ذلك التنبؤ ببيانات الطقس الحقيقية. وطوال عملية التدريب، كانت معاملات جين كاست تبدأ بالتوافق مع حالة الطقس الفعلية.
جرى تدريب النموذج على بيانات طقسية تمتد على مدى 40 عاماً (من 1979 إلى 2018)، وبعد ذلك ولّد تنبؤاً للطقس لعام 2019. وقد كان في تنبؤاته تلك أدق من أفضل أنظمة التنبؤ الحالية، الذي يحمل اسم "التنبؤ التجميعي" (Ensemble Forecast) أو اختصاراً "إي إن إس" (ENS)، في 97% من الحالات، كما كان أفضل في التنبؤ بظروف الرياح والطقس المتطرف، مثل مسارات الأعاصير المدارية. إن تحسين القدرة على التنبؤ بالرياح يزيد إمكانية الاستفادة من طاقة الرياح، لأنه يساعد المشغلين على حساب المواعيد الملائمة لتشغيل التوربينات أو إيقافها عن العمل. إضافة إلى أن تحسين التقديرات المتعلقة بالطقس المتطرف يمكن أن يساعد على التخطيط للتعامل مع الكوارث الطبيعية.
اقرأ أيضاً: غراف كاست: أداة ذكاء اصطناعي تتنبأ بالطقس العنيف في أقل من دقيقة
هل تحل نماذج التنبؤ بالطقس محل علم الأرصاد الجوية التقليدي؟
جوجل ديب مايند ليست الشركة التكنولوجية الكبرى الوحيدة التي تطبق الذكاء الاصطناعي في مجال التنبؤ بالطقس. فقد أطلقت شركة إنفيديا (Nvidia) نظام فور كاست نت (FourCastNet) في 2022. وفي 2023، طورت شركة هواوي (Huawei) نموذجها الخاص بالطقس بانغو-ويذر (Pangu-Weather)، الذي تدرب على بيانات تمتد على مدى 39 عاماً. يقدم هذا النموذج تنبؤات حتمية، وهي تنبؤات تتضمن رقماً واحداً بدلاً من مجال، مثل التنبؤ بأن درجة الحرارة يوم غد ستبلغ درجة واحدة تحت الصفر، وأن معدل هطول الأمطار سيصل إلى 17 مليمتراً.
يختلف جين كاست عن بانغو-ويذر في أنه يُنتج تنبؤات احتمالية، أي احتمالات لنتائج الطقس المختلفة بدلاً من التنبؤات الدقيقة. فعلى سبيل المثال، قد يكون التنبؤ على الشكل التالي: "ثمة احتمال بنسبة 40% أن تنخفض درجة الحرارة إلى درجة واحدة تحت الصفر" أو "ثمة احتمال بنسبة 60% أن تهطل الأمطار غداً بكميات تبلغ نحو 17 مليمتراً". هذا النوع من التحليل يساعد المسؤولين على فهم احتمالات الأحداث الطقسية المختلفة والتخطيط وفقاً لذلك.
اقرأ أيضاً: نظام جديد من جوجل مدعوم بالذكاء الاصطناعي لتحسين التنبؤ بالفيضانات
لكن هذه النتائج لا تعني نهاية علم الأرصاد الجوية التقليدي بصفته مجالاً قائماً بذاته. فالنموذج مدرَّب على ظروف الطقس السابقة، وقد يؤدي استخدامه لحساب ظروف الطقس في المستقبل البعيد إلى تنبؤات غير دقيقة لمناخ متغير ومتقلب بصورة متزايدة.
ما زال جين كاست يعتمد على مجموعة بيانات مثل إيرا 5 (ERA5)، وهي تقديرٌ ساعيّ يعود إلى 1940 لمختلف المتغيرات الجوية، وفقاً للأستاذ المساعد في كلية علم الأرصاد الجوية في جامعة أوكلاهوما، آرون هيل، الذي لم يشارك في هذا البحث، ويقول: "تعتمد إيرا 5 على نموذج ذي أساس فيزيائي".
إضافة إلى هذا، ثمة العديد من المتغيرات في غلافنا الجوي التي لا نرصدها بصورة مباشرة، ولهذا يستخدم علماء الأرصاد الجوية معادلات فيزيائية لحساب التقديرات. يجري دمج هذه التقديرات مع بيانات الرصد المتاحة لتلقيم نموذج مثل جين كاست، وستكون هناك حاجة دائمة إلى بيانات جديدة. يقول الباحث في ديب مايند وأحد مصممي جين كاست، إيلان برايس: "عند حساب التنبؤات المتعلقة بعام 2024، سيكون أداء نموذج مُدَرَّب حتى 2018 أسوأ من أداء نموذج مُدَرَّب حتى 2023".
اقرأ أيضاً: خطوة نحو تنبؤ أفضل بالطقس: التعلم العميق يتنبأ بكيفية تشكل بلورات الجليد في الغلاف الجوي
تحديات استخدام النموذج
في المستقبل، تخطط ديب مايند لاختبار نماذجها مباشرة باستخدام بيانات مثل قراءات الريح أو الرطوبة؛ وذلك لدراسة إمكانية إجراء التنبؤات اعتماداً على بيانات الرصد وحدها.
لا تزال نماذج الذكاء الاصطناعي تواجه صعوبات في التعامل مع أجزاء عديدة من عملية التنبؤ، مثل تقدير الظروف الجوية في أعالي طبقة التروبوسفير. وعلى حين قد يكون النموذج جيداً في التنبؤ بالمسار الذي قد يسلكه إعصار مداري معين، فإن تنبؤاته المتعلقة بشدة الأعاصير أقل من الواقع، بسبب عدم وجود ما يكفي من بيانات شدة الأعاصير ضمن البيانات المستخدمة لتدريب النموذج.
يكمن الأمل حالياً في عمل علماء الأرصاد الجوية جنباً إلى جنب مع جين كاست. يقول برايس: "ثمة خبراء فعليون في علم الأرصاد الجوية يدرسون التنبؤات، ويُجرون تقديراتهم الشخصية، ويدرسون بيانات إضافية إذا كانوا لا يثقون بتنبؤ معين".
يتفق هيل مع هذا الرأي. ويقول: "عندما نتحدث عن أنظمة التنبؤ التي تعمل بالذكاء الاصطناعي، فإننا نستخف كثيراً بقيمة الخبير البشري القادر على وضع تنبؤ بعد تجميع الصورة الكاملة. يبحث مختصو التنبؤ البشريون عن كميات أكبر بكثير من المعلومات، ويستطيعون استخلاص هذه المعلومات لتقديم تنبؤات جيدة للغاية".