وفقاً لبحث أجرته شركة أبحاث السوق سي + آر ريسرش (C+R Research)، فإن متوسط ما ينفقه المواطن الأميركي على الخدمات التي تتطلب الاشتراك (Subscription Services) وصل إلى 86 دولاراً شهرياً. ولكن عند إلقاء نظرة فاحصة على نفقاته التفصيلية وجد أن متوسط الإنفاق الشهري لديه وصل إلى أكثر من 2.5 ضعف المبلغ الذي اعتقد أنه قد دفعه بالفعل، أي نحو 215 دولاراً شهرياً، وهو ما يُبيّن أن المستهلك الأميركي لا ينسى فقط مقدار ما ينفقه على الاشتراكات الشهرية، ولكنه ينسى أيضاً عدد الخدمات التي اشترك فيها بالفعل.
كما وجد بحث آخر أجرته شركة بانغو (Bango)، أن المستهلك الأميركي العادي لديه نحو 4.5 اشتراكات، ويدفع في المتوسط ما يصل إلى 924 دولاراً سنوياً على الاشتراكات، بينما على نطاق المنطقة العربية تأتي دولة الإمارات كأكثر البلدان العربية التي لديها إنفاق على خدمات الاشتراك بمتوسط 3 اشتراكات بمبلغ يصل إلى 90 درهماً (24,50 دولاراً).
من المجلات والصحف إلى البرمجيات: كيف تطور اقتصاد خدمات الاشتراكات؟
تاريخياً، كانت الخدمات القائمة على الاشتراكات سوقاً متخصصة منذ القرن السابع عشر تقريباً عندما كان بإمكان الناس دفع رسوم شهرية للمنشورات العادية مثل الصحف أو المجلات وتوصيل الحليب يومياً. ومع دخولنا إلى أواخر القرن العشرين، ظهرت خدمات الاشتراك في تلفزيونات الكابل الذي يُعدّ أحد أكثر خدمات الاشتراك شعبية حينها، حتى إن خدمة بث الفيديو حسب الطلب الأشهر حالياً نتفليكس لم تكن بحاجة إلى الكثير من الترويج، فقد كان المستهلكون مستعدين بالفعل.
وعلى مدى العقد الماضي توسعت خدمات الاشتراكات لتشمل كلَّ شيءٍ تقريباً، حيث يمكنك الاشتراك الآن في كل خدمة مثل مساحات العمل الافتراضية والألعاب والموسيقى، بالإضافة إلى استكشاف عروض خدمات الاشتراك القائمة على النتائج بحيث سيدفع العميل مقابل ما يخدم احتياجاته وليس مقابل الاستخدام. على سبيل المثال، قد تقرر الشركة المصنّعة لآلات الحفر عدم بيع المثاقب، بدلاً من ذلك سيدفع العميل بناءً على عدد الثقوب التي تحفرها.
وقد بدأت الآن نماذج خدمات الاشتراكات المتعددة (Multi-Subscription Service) التي تجمع مجموعة من الخدمات المختلفة في حزمة واحدة تكتسب زخماً متزايداً، مثل بعض الخدمات المرتبطة مع بعضها بعضاً كخدمة مايكروسوفت 360 وبعض الخدمات الأكثر تعقيداً مثل خدمة أمازون برايم التي تجمع بين الشحن المجاني والأفلام والموسيقى والألعاب والخصومات وغيرها الكثير، ما يجعل تقييم هذه الاشتراكات وإدارتها أكثر تعقيداً.
اقرأ ايضاً: كيف يؤثّر تبني التكنولوجيا في صناعة الترفيه بالشرق الأوسط؟
كيف يبدو مشهد سوق اقتصاد نموذج الاشتراكات في المنطقة العربية؟
على الرغم من أن خدمات الاشتراكات في الدول المتقدمة كانت وما زالت موجودة وتنمو بقوة، فإن المنطقة العربية ما زالت تسير ببطء ولا توجد خدمات كثيرة تعتمد على الاشتراكات لتوليد الإيرادات. ولكن انتشار جائحة كوفيد-19 جعل الشركات تتوجه إلى استكشاف مفهوم نموذج أعمال الاشتراكات بدلاً من الاعتماد على النماذج الأخرى بشكل كُلي، مثل الإعلانات وحركة المرور ومنصات التواصل الاجتماعي.
وقد كان تطبيق النموذج الأمثل بالنسبة للمستهلك العربي موضعَ نقاشٍ ضمن القمة الإلكترونية لقادة الإعلام في الشرق الأوسط 2022، حيث أكد خبراء الإعلام والناشرين في جلسة نقاش بعنوان: قيادة التحول الرقمي في الشرق الأوسط - ماذا بعد؟ أن النموذج القائم على الاشتراك هو النموذج الأمثل للتطبيق، من مبدأ أن المحتوى القيم يستحق الدفع من أجله.
حيث قال حمود المحمود، الرئيس التنفيذي للمحتوى في شركة مجرة (Majarra) ومدير تحرير فورتشن العربية، إن نموذج الاشتراكات أصبح ضرورة مطلقة، خاصة وأن الشركة قد بدأت باستكشاف المفهوم منذ عام 2011 للقناعة الراسخة بأن هذا النموذج هو المستقبل.
مضيفاً أن العديد من وسائل الإعلام لن تقوم بهذا التحول حتى يتم حرقها، مشيراً في الوقت نفسه إلى ترحيب الشركة بانضمام المزيد من الشركات إلى هذا التوجه لإنشاء الزخم المناسب لتغيير عقلية المستهلك العربي، خاصة وأن الشركة لديها خبرة كبيرة في هذا المجال لدخولها المبكر إلى سوق اقتصاد الاشتراكات في المنطقة.
اقرأ أيضاً: لماذا تنفق شركات التكنولوجيا الكبرى مليارات الدولارات لتطوير نظارات الواقع المعزز؟
كما أكد ماهر مرشد، المحرر التنفيذي في دار النسر للنشر المالكة لمنصة غولف نيوز (Gulf News) الإخبارية، أن عالم الإعلام قد تغير، ولم يبقَ أمام الشركات خيارٌ سوى تبنّي نموذج قائم على الاشتراك، خاصة وأن عائدات الإعلانات قد تضاءلت، مؤكداً أن شركته قد ارتكبت خطأً أساسياً في الماضي بتقديم معلوماتها الرقمية مجاناً.
ومع ذلك ما زالت الشركات الناشئة تُكافح من أجل جذب المشتركين، حيث ذكر محمد خيرت، مؤسس شركة شوارع مصرية (Egyptian Streets) الإعلامية، أن العديد من الشركات الإعلامية الناشئة ليست معروفة جيداً وتكافح لجذب المشتركين، واصفاً نموذج الاشتراك الرقمي المستقبلي بالمختلف عن التقليدي، ولكنه نموذج يمكن دمجه بشكلٍ فعّال مع وسائل التواصل الاجتماعي.
وعلى الرغم من عدم وجود دراسات حديثة حول مدى نمو اقتصاد الاشتراكات في المنطقة العربية في الوقت الحالي، فإن دراسة أجرتها شركة ومضة المتخصصة في أبحاث قطاع ريادة الأعمال في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا عام 2020، وجدت أن غالبية الشركات التي تتخذ من الاشتراكات نموذجاً لعملها هي شركات ناشئة مع تصنيف أكثر من 70% منها على أنها في مرحلة ما قبل التأسيس أو مرحلة التأسيس.
وقد سلّطت الدراسة الضوء على أن غالبية شركات نموذج عمل الاشتراكات يقع مقرها في الإمارات العربية المتحدة ومصر والمملكة العربية السعودية، وهي دول ذات أسواق تجارة إلكترونية قوية وأنظمة بيئية تقنية أكثر تقدماً، كما أن معظم الشركات الجديدة التي من المقرر أن تظهر خلال الفترة المقبلة ستتخذ هذه البلدان الثلاثة مقراً لها إلى جانب الأردن الذي يتمتّع بنظام بيئي قوي للمطورين.
كيف أصبحت إدارة اشتراكات الخدمات عبر الإنترنت أكثر تعقيداً؟
على الرغم من انتشار خدمات الاشتراكات في كل مكان، فإنها أصبحت أكثر تعقيداً بسبب التنوع المتزايد في مستويات التسعير وانتشار نماذج أكثر مرونة مثل نموذج فريميوم (Freemium) الذي يُتيح الوصول إلى الميزات الأساسية مجاناً مع خيارات مميزة تتطلب اشتراكاً، ما يُنشئ تجربة مستخدم معقدة مع مستويات متعددة من الوصول.
بالإضافة إلى عوامل أخرى مثل المجموعة الواسعة من خيارات الاشتراك التي تجعل من عملية الاختيار بالنسبة للمستهلك مرهقة لاختيار الخيار الأفضل لاحتياجاته، كما أن إدارة اشتراكات متعددة عبر منصات وخدمات مختلفة تعد عملية معقدة للغاية، حيث يحتاج المستهلك إلى تقييم القيمة المقترحة لكل اشتراك بعناية للتأكد من حصوله على أفضل صفقة.
بالإضافة إلى العديد من العوامل الفنية والنفسية منها:
- يستمر بعض المستهلكين في دفع ثمن الاشتراك حتى بعد اتخاذ قرار الإلغاء، لأنهم قد يكونوا قلقين بشأن فقدان الوصول إلى بياناتهم المهمة المخزنة داخل الخدمة، وغالباً ما يشعرون أن عملية نقل البيانات أو نسخها احتياطياً مرهقة أو قد تستغرق وقتاً طويلاً، ما يدفعهم إلى الاستمرار في دفع رسوم الاشتراك لشراء الوقت من أجل تصدير البيانات لاحقاً على الرغم من عدم الحاجة إلى الوظائف الكاملة للخدمة.
- يمكن أن تؤدي واجهات المستخدم المربكة أو ضعف الاتصال بين أفراد العائلة إلى اشتراكات متعددة للخدمة نفسها، حيث قد يكون للأجهزة المختلفة حسابات مختلفة للخدمة نفسها كلٌ منها يتحمل رسوم اشتراك منفصلة.
- يجعل بعض الخدمات عملية إلغاء الاشتراك معقدة، لذلك قد يستمر المستهلك في تأجيل قرار الإلغاء لوقت لاحق، لهذا السبب أصدرت لجنة التجارة الفيدرالية الأميركية قاعدة ملزمة للبائعين تُسمَّى انقر للإلغاء (Click-To-Cancel) لتسهيل عملية إلغاء الاشتراك في الخدمة لتصبح بسهولة عملية الاشتراك وجعل الاتصال بخدمة الدعم المباشر أسهل.
اقرأ أيضاً: 10 اتجاهات للتكنولوجيا عام 2025 على الجميع الاستعداد لها
كيفية إدارة اشتراكاتك عبر خدمات الإنترنت المختلفة والتحكم فيها بفاعلية
من المرجح أن يستمر عدد الاشتراكات لكل شخص في الارتفاع مع إصدار الغالبية العظمى من الشركات لمنتجاتها بموجب نموذج الاشتراك، كما أن أسعار الاشتراكات أصبحت تتزايد باطراد على مدى العامين الماضيين خاصة للخدمات الترفيهية، ما يزيد تكلفة بعض الاشتراكات بمرور الوقت. فكيف يمكنك مراقبة الخدمات التي تشترك فيها وإدارتها بسهولة؟
- تقييم كل خدمة قبل الاشتراك فيها من خلال الإجابة عن أسئلة مثل: هل سأستخدمه بانتظام؟ وهل يوجد خيار الشراء مرة واحدة؟ وكم تكلفة الشراء داخل التطبيق؟
- استخدام تطبيق مخصص لإدارة الاشتراكات لتتبع اشتراكاتك جميعها في مكان واحد وإلغاء الاشتراك في الخدمات التي لم تعد تستخدمها بسهولة.
- إجراء كشف لحسابك بانتظام لتحديد الرسوم التي تدفعها مقابل الاشتراك في كل خدمة.
- ضبط تذكيرات لمراجعة اشتراكاتك بشكلٍ دوري وإلغاء أي اشتراكات غير ضرورية.
- الانتباه إلى فترات التجارب المجانية وإلغاء الاشتراك قبل بدء سداد قيمة الاشتراك التلقائية في حالة عدم الرغبة في الاشتراك في الخدمة.
- اختيار الخدمات التي تسمح بترقيات أو تخفيضات سهلة للخطط بناءً على احتياجاتك.
اقرأ أيضاً: دليلك الشامل لأفضل خدمات مقارنة الأسعار في الدول العربية
ما هي أبرز التحديات التي تواجه اقتصاد الاشتراكات في المنطقة العربية؟
شهدت سوق اقتصاد الاشتراكات في المنطقة العربية نمواً وخاصة في دول مثل الإمارات العربية المتحدة ومصر والمملكة العربية السعودية مدفوعاً بالتقدم في التجارة الإلكترونية والبنية الأساسية للدفع الرقمي، حيث شهدت خدمات البث في المنطقة العربية مثل منصات شاهد (Shahid) وأنغامي (Anghami) نمواً كبيراً في العام الحالي 2024 مع تحول المستهلكين إلى المحتوى المحلي.
ومع ذلك لا تزال السوق تشهد العديد من التحديات التي تعوق من نموها بمثل ما نجدها في الاقتصاديات المتقدمة، ومن أبرز هذه التحديات:
- العديد من المستهلكين ليست لديهم معلومات كافية عن مفهوم خدمات الاشتراك وقد يترددون في الالتزام بالمدفوعات المتكررة، خاصة عندما لا يكونون معتادين على أنظمة الفوترة الآلية (Automated Billing Systems) أو الدفع مقدماً مقابل الخدمات.
- الاعتماد على الدفع عند التسليم والوصول المحدود إلى بوابات الدفع الموثوقة يمكن أن يثني العملاء عن الاشتراك في الخدمات التي تتطلب مدفوعات تلقائية.
- عدم توافق بعض المعايير الثقافية مع نموذج الاشتراك مثل تفضيل الملكية على الوصول.
- المخاوف بشأن أمن البيانات قد تثني المستهلكين عن الاشتراك في الخدمات التي تتطلب معلومات شخصية.
- التحدي في موازنة الجودة مع القدرة على تحمل التكاليف مع جذب المشتركين الذين قد اعتادوا البدائل المجانية أو الأقل تكلفة.