تُعدّ الفيضانات من أكثر أنواع الكوارث الطبيعية شيوعاً ودماراً على كوكب الأرض، حيث تسبب إيقاع دمار واسع النطاق يؤدي إلى خسائر فادحة في الأرواح وأضرار في الممتلكات الشخصية والبنية التحتية الحيوية العامة. وعلى مدار العقدين الماضيين، شكّلت الفيضانات وحدها نحو42% من بين ما يقرب من 10 آلاف كارثة طبيعية، وقد تأثر بها ما يقرب من 3.2 مليارات شخص في الفترة ما بين 1990-2022، كما كلفت الاقتصاد العالمي أكثر من 82 مليار دولار عام 2021 وحده.
وتأتي هذه الأرقام من واقع أن معظم الأساليب المتبعة للتنبؤ بالفيضانات قاصرة بسبب ندرة البيانات الموثوقة، لا سيما في البلدان والمجتمعات النامية والفقيرة. واستجابة لهذا التحدي العالمي، طوّر فريق أبحاث جوجل نموذج التنبؤ بالفيضانات المدعوم بالذكاء الاصطناعي، الذي أعلنته الشرطة في بداية عام 2024، ليشمل أكثر من 100 دولة، ما قد يساعد أكثر من 700 مليون شخص حول العالم على الاستعداد بشكلٍ أفضل عند حدوث الكارثة.
استخدام منتجات جوجل لتنبؤ أدق بحدوث الفيضانات
نظام التنبؤ بالفيضانات الذي طوّرته شركة جوجل هو نموذج هيدرولوجي يحدد ما إذا كان من المتوقع أن يفيض النهر من خلال معالجة مصادر البيانات المتاحة للجمهور، مثل معدلات هطول الأمطار وغيرها من بيانات الطقس والأحواض، ويخرج تنبؤاً لمستوى المياه في النهر في الأيام التالية، ثم تُستخدم هذه التوقعات لتحديد المناطق المعرّضة لخطر الفيضانات وتوزع لاحقاً المعلومات الناتجة على الجمهور عبر قنوات مختلفة، بما في ذلك محرك بحث جوجل وخدمة خرائط جوجل وإشعارات الهواتف الذكية.
وفي نوفمبر 2022 أتاحت جوجل منصة فلود هوب (Flood Hub) لتوفير معلومات في الوقت الفعلي للأشخاص في المناطق التي تكون فيها التوقعات جيدة بما يكفي لمشاركتها، وحيث يسمح للشركة بالقيام بذلك. وتُعدّ هذه المنصة أداة جوجل الرئيسية لنشر المعلومات بين السكان، وهي حيوية في تعزيز جهود الاستجابة في حالات الطوارئ.
اقرأ أيضاً: كيف تسعى المدن جاهدة لمنع الفيضانات؟
جوجل تطوّر نموذجاً مدعوماً بالذكاء الاصطناعي لتنبؤ أدق بحدوث الفيضانات
أدخل فريق أبحاث جوجل تحسينات جوهرية على النموذج الجديد، لتوفير دقة أعلى وموثوقية أكبر، وهذه التحسينات تتفق مع أحدث نماذج التنبؤات الحالية المستخدمة على نطاقٍ واسع والمتاحة عالمياً غلو فاس (GloFAS). هذه الزيادة في موثوقية الفترة الزمنية أمر بالغ الأهمية للقيام بالإجراءات الاستباقية للاستعداد للفيضانات، وتشمل التحديثات الأهم في النموذج الجديد:
زيادة موثوقية المهلة الزمنية: يتمتّع النموذج المحدث بدقة تصل إلى 7 أيام مقارنة بأفضل النماذج أو الأدوات المتاحة حالياً.
إضافة بيانات تدريب واسعة: تضاعفت بيانات التدريب لتشمل 15,980 محطة قياس معظمها من مشروع كارافان (Caravan) وهي قاعدة بيانات مجتمعية مفتوحة المصدر.
تحسين البنية التقنية: تم تحديث بنية النموذج باستخدام نماذج تعلم آلي مثل إل إس تي إم (LSTM) تستخدم أنماط الطقس السابقة للتنبؤ بالطقس المستقبلي، من خلال تعلم العلاقات بين متغيرات الطقس المختلفة عبر الزمن.
دمج نماذج الطقس المتقدمة: إضافة ملف نموذج التنبؤ بالطقس العالمي متوسط المدى غراف كاست (GraphCast) المدعوم بالذكاء الاصطناعي مدخلاً للنموذج، ما زاد دقة التنبؤ بالفيضانات عبر تحسين البيانات الجوية المستخدمة.
جدير بالذكر أن النموذج قد تدرب على استخدام بيانات من مصادر متعددة مثل بيانات الأرصاد الجوية التي تشمل درجة الحرارة والرطوبة وسرعة الرياح والضغط ومعدلات هطول الأمطار، والتي تُجمع عادة من محطات الأرصاد الجوية.
بالإضافة إلى البيانات التي تقدمها الوكالات الوطنية للأرصاد الجوية مثل الإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي (NOAA) ووكالة ناسا للفضاء والمركز الأوروبي لتحليل توقعات الطقس متوسطة المدى - الجيل الخامس (ECMWF ERA5) ومركز بيانات الجريان العالمي (GRDC).
اقرأ أيضاً: كيف تجاوز آيدا دفاعات مدينة نيويورك ضد الفيضانات
أدوات جديدة للباحثين والشركاء
في محاولة لجعل الوصول إلى بيانات التنبؤ بالفيضانات أكثر سهولة، فقد طرحت جوجل خيارين هما:
1- واجهة برمجة تطبيقات في مرحلة التطوير حالياً توفّر تنبؤات في الوقت الفعلي مع مهلة 7 أيام، ما يُتيح للباحثين والممارسين الوصول إلى توقعات النموذج وحالة الفيضانات المتوقعة، بما في ذلك البيانات في المناطق التي يكون فيها توفر البيانات المحلية محدوداً، من أجل تسريع أبحاث الفيضانات والاستجابة لها بشكلٍ أسرع.
2- مجموعة بيانات إعادة تحليل الجريان السطحي وإعادة التنبؤ (GRRR) من جوجل والتي تحتوي على بيانات إعادة تنبؤ تاريخية للفترة 2016 - 2023 وإعادة تحليل للفترة 1980 - 2023.
وتُعدّ سهولة الوصول إلى هذه الثروة من البيانات مهمة للغاية للباحثين خاصة في المناطق التي تفتقر إلى بنية تحتية موثوقة للرصد، ما يؤدي إلى فهم الآثار التاريخية وتطوير استراتيجيات تخفف من عواقب الفيضانات الآن وفي المستقبل، علاوة على ذلك من خلال الوصول إلى هذه البيانات، فإن السلطات المحلية والمنظمات وحتى السكان ستكون لديهم فرصة للاستعداد للفيضانات بشكلٍ أفضل والتخفيف من آثارها.
اقرأ أيضاً: دراسة: لماذا يتزايد السكان بسرعة أكبر في المناطق المعرضة للفيضانات؟
لماذا تُعدّ جهود جوجل في تطوير نماذج التنبؤ بالفيضانات أكثر أهمية من أي وقتٍ مضى؟
يأتي تطوير شركة جوجل أدوات التنبؤ بالفيضانات المدعومة بالذكاء الاصطناعي من واقع التزامها بشكلٍ وثيق بمبادرات العمل المناخي العالمية التي ترعاها منظمة الأمم المتحدة، فمن خلال الاستفادة من استخدام تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، لا تهدف الشركة إلى حماية الممتلكات فحسب، بل تهدف أيضاً إلى حماية الأرواح في المجتمعات الضعيفة خاصة في قارات إفريقيا وآسيا وأميركا الجنوبية.
تعمل جوجل على العديد من المبادرات مع المنظمات الإنسانية مثل منظمة الرؤية العالمية في البرازيل التي استخدمت توقعات الفيضانات من جوجل لتقديم مساعدات سريعة في أثناء أحداث الفيضانات في أقل من يومين، حيث أسهم الوصول إلى البيانات في الوقت الحقيقي بتنفيذ قرارات توزيع المساعدات بفاعلية، ما ضمن وصول الإمدادات الأساسية إلى المتضررين بشكلٍ أكثر كفاءة.
بالإضافة إلى ذلك، أسهمت جوجل في تقديم الدعم المالي لأكثر من 14 ألف أسرة في غضون يوم واحد فقط في دولة موزمبيق لمساعدتها على الاستعداد بشكلٍ أفضل قبل وقوع إعصار فريدي في مارس من عام 2023 بناءً على توقعات نموذج فيضانات جوجل، كما تعاونت جوجل مؤخراً مع اللجنة الدولية للصليب الأحمر في دولة الصومال من خلال تزويدها بخرائط توقعات الفيضانات من نظام التنبؤ الخاص بها، حيث استخدمت المنظمة المعلومات لتحديد أولويات العمليات الإنسانية وتنبيه السكان والسلطات والمراكز الصحية المقاومة للفيضانات وغيرها.
أبرز التحديات التي تواجه تطوير نموذج تنبؤ بالفيضانات أكثر موثوقية
على الرغم من أن جهود شركة جوجل تُعدّ تطوراً لافتاً في مجال التنبؤ بإحدى أكثر الكوارث الطبيعية تقلباً، فإن تطوير نماذج التنبؤ بالفيضانات الأكثر دقة لا يزال يواجه الكثير من الصعوبات والتحديات، ومنها:
- افتقار العديد من المناطق حول العالم، خاصة المناطق النائية، إلى بيانات تاريخية كافية عن هطول الأمطار وتصريف الأنهار وغيرها من المعلمات الحاسمة اللازمة لمعايرة نماذج الفيضانات والتحقق منها بشكلٍ فعّال.
- سمات التضاريس المعقدة مثل المنحدرات الشديدة والغطاء الأرضي المتنوع والبيئات الحضرية يمكن أن تؤثّر بشكلٍ كبير في أنماط الجريان السطحي، ما يجعل من الصعب نمذجة تدفق المياه بدقة عبر منطقة مستجمعات المياه.
- اعتماد نماذج التنبؤ بالفيضانات بشكلٍ أساسي على توقعات الطقس والتي يمكن أن تكون غير دقيقة، وخاصة عند التنبؤ بأحداث هطول الأمطار الغزيرة، ما يؤدي إلى عدم اليقين في التنبؤ بحدوث الفيضانات.
- أنماط هطول الأمطار المتغيرة وزيادة شدة الأحداث الجوية المتطرفة الناجمة عن تغيّر المناخ، يمكن أن تجعل نماذج التنبؤ بالفيضانات أقل فاعلية.
- النماذج الخاصة بالتنبؤ بالفيضانات الأكثر دقة قد تكون مكلفة حسابياً ومالياً.
- دمج البيانات في الوقت الفعلي في النماذج لتحديث التوقعات قد يكون أمراً صعباً بسبب القيود المفروضة على توفر البيانات والجودة.
- تغييرات استخدام الأراضي وتعديلات البنية الأساسية والأنشطة البشرية يمكن أن تؤثّر بشكلٍ كبير في ديناميكيات الفيضانات والتي يمكن مراعاتها في النماذج، ولكن قد يكون من الصعب دمجها بدقة.
اقرأ أيضاً: مشروع لاستخدام الطائرات المسيرة لاستمطار السحب في الإمارات
ومع ذلك، فإن النموذج الذي طوّرته شركة جوجل يمثّل خطوة كبيرة نحو تحسين أنظمة الإنذار المبكر، فمن خلال توفير بيانات دقيقة وتوسيع التغطية وتعزيز التعاون مع الخبراء، يمكن تقليل تأثير الفيضانات في الممتلكات وحماية ملايين الأرواح، ومع استمرار التقدم في تكنولوجيات الذكاء الاصطناعي من المتوقع أن تصبح نماذج التنبؤ بالفيضانات المستقبلية أكثر دقة وشمولية.