هل يمكن بناء نسخة رقمية منك من مقابلة مدتها ساعتان مع نظام ذكاء اصطناعي؟

4 دقيقة
مصدر الصورة: ستيفاني آرنيت/إم آي تي تكنولوجي ريفيو | غيتي

تخيل نفسك جالساً في مقابلة شفوية مدة ساعتين مع نموذج ذكاء اصطناعي. حيث يرشدك صوت ودود خلال محادثة تتناول مواضيع تتراوح من طفولتك والذكريات التي أسهمت في تكوين شخصيتك وحياتك المهنية، وصولاً إلى أفكارك حول السياسات المتعلقة بالهجرة. وبعد فترة وجيزة، تحصل على نسخة افتراضية منك، قادرة على تجسيد قيمك وتفضيلاتك بدقة مذهلة.

أصبح هذا ممكناً الآن، وفقاً لورقة بحثية جديدة من تأليف فريق يتضمن باحثين من جامعة ستانفورد وشركة جوجل ديب مايند (Google DeepMind)، وقد جرى نشر هذه الورقة البحثية على منصة أركايف (arXiv)، لكنها لم تخضع بعد لمراجعة الأقران.

استعان الفريق الذي قاده طالب الدكتوراة في مجال علوم الكمبيوتر في جامعة ستانفورد، جون سونغ بارك، بألف شخص من شرائح متنوعة من حيث العمر والجنس والعرق والمنطقة والتعليم والإيديولوجيات السياسية. وقد دفع الفريق لكل شخص 100 دولار لقاء المشاركة في المشروع. من خلال المقابلات التي أجراها الفريق مع هؤلاء الأشخاص، تمكن من إنشاء نسخ طبق الأصل عن شخصياتهم على شكل منظومات وكيلة افتراضية. ولاختبار قدرة المنظومات الوكيلة على محاكاة أقرانها من البشر ببراعة، خاض المشاركون سلسلة من اختبارات الشخصية، واستطلاعات الرأي الاجتماعية، والألعاب المنطقية، ونفذوا كل اختبار مرتين يفصل بينهما أسبوعان، ثم نفذت المنظومات الوكيلة التمارين نفسها. وصلت درجة التطابق في النتائج بين المنظومات الوكيلة والبشر إلى 85%.

اقرأ أيضاً: هل ستشترك الآلات الذكية في تربية الأطفال المولودين مستقبلاً؟

المستقبل: احتفظ بنسخة منك!

يقول جون: "إذا كان في وسعك أن تمتلك مجموعة من الكيانات الصغيرة المستنسخة عنك والتي تتجول حولك، وتتخذ القرارات التي كنت ستتخذها بنفسك فعلاً، فإن هذا يمثل المستقبل كما أراه".

في الورقة البحثية، أطلق الفريق على هذه النسخ اسم "منظومات المحاكاة الوكيلة" (simulation agents)، أما السبب الذي دفع الباحثين إلى ابتكار هذه النسخ فهو إيجاد طريقة تُسهل على باحثي العلوم الاجتماعية أو غيرها من المجالات إجراء الدراسات التي قد يكون إجراؤها على البشر الحقيقيين مكلفاً أو غير عملي أو غير أخلاقي. تتجه الفرضية إلى أنه إذا تمكنّا من بناء نماذج ذكاء اصطناعي تسلك سلوك البشر الحقيقيين، فسوف نتمكن من استخدامها في اختبار كل شيء، بدءاً من مدى فعالية الإجراءات التدخلية في وسائل التواصل الاجتماعي لمكافحة المعلومات المزيفة، وصولاً إلى السلوكيات التي تتسبب بالازدحام المروري.

تختلف منظومات المحاكاة الوكيلة هذه بعض الشيء عن المنظومات الوكيلة التي تهيمن على عمل شركات الذكاء الاصطناعي الرائدة اليوم. فهذه النماذج التي تحمل اسم "المنظومات الوكيلة القائمة على الأدوات" (tool-based agents)، مبنية كي تنفذ المهام نيابة عنك، وليس للتحدث إليك. على سبيل المثال، يمكنها أن تتولى إدخال البيانات، واسترجاع المعلومات التي خزنتها في مكان ما، وربما ستتمكن يوماً ما من حجز رحلات الطيران وجدولة المواعيد نيابة عنك. أعلنت شركة سيلز فورس (Salesforce) عن منظوماتها الوكيلة القائمة على الأدوات في سبتمبر/أيلول، وتبعتها في ذلك شركة أنثروبيك (Anthropic) في أكتوبر/تشرين الأول، وتخطط أوبن أيه آي (OpenAI) لإطلاق عدد من هذه المنظومات الوكيلة في يناير/كانون الثاني، وذلك وفقاً لموقع بلومبرغ (Bloomberg).

المنظومات الوكيلة القائمة على الأدوات

على الرغم من الاختلافات بين نوعي المنظومات الوكيلة هذين، ثمة قواسم مشتركة بينهما. من المرجح للأبحاث حول منظومات المحاكاة الوكيلة، على غرار المنظومات الوكيلة المطروحة في هذه الورقة البحثية، أن تؤدي إلى زيادة قدرات المنظومات الوكيلة العاملة بالذكاء الاصطناعي (AI agents) عموماً، على حد قول الأستاذ المساعد المختص بتكنولوجيا المعلومات في كلية سلون للإدارة في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، جون هورتون، الذي أسس شركة لإجراء الأبحاث بالاعتماد على منظومات مشارِكة تعمل بالذكاء الاصطناعي ناجمة عن محاكاة أشخاص حقيقيين.

قال هورتون في رسالة إلكترونية وجهها إلى إم آي تي تكنولوجي ريفيو: "تبين هذه الورقة البحثية كيفية بناء نظام هجين نوعاً ما، حيث نعتمد على البشر الحقيقيين لتوليد الشخصيات، ثم يصبح من الممكن استخدام هذه الشخصيات ضمن البرمجيات أو ضمن بيئة المحاكاة بأساليب لا يمكن تطبيقها على البشر الحقيقيين".

غير أن هذا البحث لا يخلو من التحذيرات، خصوصاً الخطر الذي يشير إليه. مثلما جعلت تكنولوجيا توليد الصور إنشاء مزيفات عميقة للأشخاص دون موافقتهم أمراً سهلاً، فإن أي تكنولوجيا لتوليد المنظومات الوكيلة تثير التساؤلات حول سهولة بناء بعض الأشخاص أدوات مخصصة لانتحال شخصيات الآخرين عبر الإنترنت، بحيث يصبح من السهل تزييف أقوالهم أو منح أذونات لم يكن في نيتهم منحها.

اقرأ أيضاً: لماذا تراهن الشركات على وكلاء الذكاء الاصطناعي في السنوات القادمة؟

إضافة إلى ذلك، فإن أساليب التقييم التي استخدمها الفريق لاختبار مدى نجاح المنظومات الوكيلة العاملة بالذكاء الاصطناعي في تجسيد الشخصيات البشرية الموافقة لها كانت بسيطة نوعاً ما. تضمنت هذه الأساليب استطلاع الرأي الاجتماعي العام (General Social Survey) -المخصص لجمع البيانات حول المعلومات الديمغرافية للشخص، ومستوى سعادته، وسلوكياته، وغير ذلك- والتقييمات المتعلقة بعناصر الشخصية الخمسة الأساسية: الانفتاح على التجارب، والضمير الحي، والانبساط النفسي، والوفاق، والعصابية. عادة ما يجري استخدام هذه الاختبارات في أبحاث العلوم الاجتماعية، غير أنه من الواضح أنها لا تلتقط التفاصيل الفريدة التي تميزنا عن غيرنا كلها. إضافة إلى ذلك، كانت المنظومات الوكيلة العاملة بالذكاء الاصطناعي أسوأ أداء في محاكاة البشر خلال الاختبارات السلوكية، مثل "لعبة المستبد"، التي تهدف إلى كشف وجهات نظر المشاركين حول قيم مثل العدالة.

التعبير عن التفرد البشري

لبناء منظومة وكيلة عاملة بالذكاء الاصطناعي تجيد محاكاة البشر، وجد الباحثون أنهم في حاجة إلى استخلاص التفرد البشري والتعبير عنه باستخدام لغة مفهومة بالنسبة إلى نماذج الذكاء الاصطناعي. وهكذا، اختاروا المقابلات النوعية لتحقيق هذا الهدف، على حد قول جون. يقول جون إنه اقتنع بأن المقابلات هي الوسيلة الأكثر فاعلية لاكتشاف تفاصيل الشخصية بعد ظهوره في عدد كبير من التدوينات الصوتية (بودكاست) في أعقاب ورقة بحثية من تأليفه نشرها في 2023 حول المنظومات الوكيلة العاملة بالذكاء الاصطناعي التوليدي، والتي أثارت قدراً هائلاً من الاهتمام في أوساط هذا المجال العلمي. ويضيف جون: "كنت أشارك في مقابلة بودكاست مدة ساعتين تقريباً، وبعد المقابلة، شعرت بأن الناس باتوا يعرفون الكثير عني الآن. يمكن لمقابلة تدوم ساعتين أن تكون مؤثرة للغاية".

يمكن لهذه المقابلات أيضاً أن تكشف بعض الخصوصيات التي من المستبعد أن تكشف عنها استطلاعات الرأي. يقول جون: "تخيل شخصاً مصاباً بالسرطان، لكنه تماثل للشفاء أخيراً في العام الماضي. هذه معلومة فريدة للغاية عنك ويمكن أن تكشف الكثير عن سلوكك وطريقة تفكيرك في الأشياء من حولك". من الصعب صياغة أسئلة استطلاعية تثير هذا النوع من الذكريات والإجابات.

اقرأ أيضاً: تأثير الذكاء الاصطناعي التوليدي في الإنتاجية المهنية للبشر

لكن المقابلات ليست الخيار الوحيد. فالشركات التي تعرض على المستخدمين إمكانية إنشاء "توائم رقمية" لهم، مثل شركة تافوس (Tavus)، يمكنها أن تجعل نماذج الذكاء الاصطناعي الخاصة بها تتعامل مع الرسائل الإلكترونية الخاصة بالعميل، أو غير ذلك من البيانات. أخبرني الرئيس التنفيذي لشركة تافوس، حسان رضا، بأن الأمر يتطلب مجموعة بيانات كبيرة جداً لمحاكاة شخصية المستخدم بهذه الطريقة، لكن هذه الورقة البحثية الجديدة تقترح طريقة أكثر فاعلية.

يقول رضا: "تكمن روعة البحث في أن الباحثين بينوا أننا قد لا نحتاج إلى هذا القدر الكبير من المعلومات"، مضيفاً أن شركته ستجرب هذا النهج. ويضيف: "ما رأيك في التحدث إلى محاور يعمل بالذكاء الاصطناعي مدة 30 دقيقة اليوم، و30 دقيقة أخرى غداً؟ وبعد ذلك، يمكننا أن نستخدم هذه المعلومات لبناء توأم رقمي لك".

المحتوى محمي