تواجه عشرات المدن، وربما مئات المدن، حول العالم مشكلات الازدحام المروري، إذ يعلق السائقون والسكان في أزمات السير الخانقة. في المقابل، استطاعت بعض المدن تجاوز هذه الأزمات عبر إيجاد حلول تكنولوجية، منها تحويل طرقاتها لأنظمة نقل ذكية.
الحلول التكنولوجية الممكنة لمعالجة أزمات السير
مع تقدم التكنولوجيا، جرى تطوير العديد من الحلول التكنولوجية التي يمكن أن تساعد على تخفيف أزمات السير والازدحام المروري، ومنها:
أنظمة إدارة المرور الذكية
يشير مفهوم نظام المرور الذكي إلى ربط عناصر نظام النقل في المدينة بالسحابة. يتم جمع البيانات من كل عنصر في نظام السير -المركبات وإشارات المرور والأشخاص والطرق والخرائط- وتُدمج ويجري تحليلها لتحسين تدفق المركبات في المدينة.
تتكون أنظمة إدارة المرور الذكية من أجهزة استشعار وكاميرات وخوارزميات متقدمة لمراقبة تدفق المرور واكتشاف الازدحام وتحسين توقيت الإشارات، بناءً على البيانات المجموعة لحظيّاً، ما يؤدي بالتالي إلى تخفيف الازدحام وتقليل وقت التنقل من مكانٍ إلى آخر وتعزيز كفاءة تدفق المرور بشكلٍ عام.
للتحول نحو نظام المرور الذكي، يجب ربط البنية التحتية للمدينة بالسحابة، ويشمل ذلك إشارات المرور والسيارات والحافلات والقطارات والدراجات والأشخاص والخرائط والطرقات، ما يسمح بجمع بيانات الموقع والسرعة وغيرها وتخزينها وتحليلها، ليستفيد منها أصحاب القرار في التخطيط واتخاذ القرارات التي تسهم في تسريع حلول التنقل الذكي.
اقرأ أيضاً: أهم تطبيقات الذكاء الاصطناعي في النقل
المركبات المتصلة
إن تجهيز المركبات بأجهزة استشعار وقدرات اتصال، يمكّنها من التفاعل بسلاسة مع البنية التحتية المحيطة بها، والمركبات الأخرى، وأنظمة إدارة حركة المرور. ويُتيح هذا الاتصال ميزات مثل معلومات حركة المرور في الوقت الفعلي، والصيانة التنبؤية، والتحكم التكيفي التعاوني في ثبات السرعة، والتي يمكن أن تعزز السلامة، وتقلل الازدحام، وتحسّن استهلاك الوقود.
إشارات المرور الذكية
يساعد نشر إشارات المرور الذكية التي تتكيف وفقاً لأنماط المرور، على التحكم في توقيت الأضواء الخضراء والصفراء والحمراء، من خلال البيانات المجموعة لحظيّاً حول حالة المرور. وتُعدّ هذه الطريقة أقل تكلفة من تنفيذ طرقات وبنى تحتية جديدة، وتساعد على تخفيف الازدحام، وتقلل رغبة السائقين في تغيير المسارات فجأة أو التوقف والانطلاق أثناء القيادة.
أنظمة تتبع المشاة
لا يمكن أيضاً تجاهل المشاة في إدارة حركة المرور، ولأجلهم يمكن استخدام تكنولوجيا مخصصة لمراقبة حركتهم وإعادة توجيه حركة المركبات وفقاً لذلك، وتحسين إشارات المرور لزيادة السلامة على الطرق. يمكن لأنظمة تتبع المشاة أن توفّر معلومات قيمة تساعد على تحسين تدفق حركة المرور وإدارتها والحد من الازدحام، ويمكن استخدام هذه المعلومات لتحسين تصميم البيئات الحضرية وجعلها أكثر ملاءمة للمشاة.
التعرف التلقائي إلى لوحة الأرقام
تستخدم تقنية التعرف التلقائي على لوحة الأرقام الكاميرات لقراءة وتسجيل أرقام المركبات وتجمع البيانات حول تحركات المركبات. تُستخدم البيانات التي تجمعها هذه الكاميرات في تتبع تدفق حركة المرور وتحديد المناطق المزدحمة وتطبيق قواعد المرور، ما يساعد على تحسين السلامة على الطرقات والحد من الازدحام.
مواقف السيارات الذكية
تؤدي مواقف السيارات المزدحمة إلى بحث السائق وقتاً طويلاً عن مكان يركن فيه سيارته، وقد يضطر إلى الوقوف على جانب الطريق ريثما يفرغ موقف ليركن سيارته، ما يزيد بالتالي الازدحام المروري. يمكن تطبيق أنظمة ذكية، تتضمن أجهزة استشعار في المواقف، تجمع البيانات في الوقت الفعلي عن مواقف السيارات وتوجه السائقين نحو الفارغة منها.
المركبات الذاتية القيادة
لا تحتاج المركبات الذاتية القيادة إلى سائق بشري، فهي تستخدم أجهزة استشعار وأنظمة ذكاء اصطناعي للتحكم في المركبة والتنقل بها وقيادتها، ما قد يساعد على تحسين تدفق حركة المرور، وتقليل الحوادث والأزمات الناجمة عن الخطأ البشري، وتحسين التنسيق بين المركبات بشكل كبير، وجمع البيانات حول مواقف السيارات الفارغة لتحديد أفضل مكان لتوقفها.
اقرأ أيضاً: تقول دراسة جديدة إن سيارة واحدة ذاتية القيادة تخفف من حدة الازدحام المروري
وسائل النقل العامة والمشتركة وتطبيقات التنقل
يساعد التخلي عن فكرة نقل شخص واحد بسيارة واحدة، واستخدام وسائل النقل العام والمشترك والحافلات والقطارات، بشكلٍ كبير على تخفيف أزمة السير. لأجل هذا الغرض يمكن للركاب استخدام تطبيقات التنقل كخدمة (MaaS) التي تسهّل التنقل على سائقي السيارات والركاب عبر أشكال بديلة من وسائل النقل، بالإضافة إلى التخطيط للرحلات بناءً على أولوياتهم وتفضيلاتهم. يمكن أيضاً تطوير تطبيقات الهواتف الذكية التي يمكن للمستخدم البحث من خلالها عن أشخاص يذهبون إلى وجهته ذاتها، ويتشاركون في سيارة واحدة. تشكّل هذه التطبيقات واحداً من حلول الحد من الازدحام المروري الشائعة، بالإضافة إلى توفير الوقود ومواقف السيارات.
الطائرات المسيّرة
أصبحت الطائرات المسيّرة وسيلة لمراقبة حركة المرور، ومواقع البناء، وإغلاق الطرق، والحوادث، وجمع البيانات حول أنماط المرور والازدحام. ويمكن استخدام هذه المعلومات لتحسين تدفق حركة المرور والحد من الازدحام، ما قد يوفّر الوقت والمال. ويمكن الاستفادة من الطائرات المسيرة أيضاً في توصيل الطرود والإمدادات الطبية والطلبات بسرعة، ما يقلل من الازدحام ويحسن الكفاءة.
الهايبرلوب
على الرغم من عدم انتشارها على نطاق واسع بعد، فإن قطارات الهايبرلوب فائقة السرعة، والقطارات التي تعمل بالرفع المغناطيسي، قد تشكّل مستقبل النقل، وتحل أزمة المرور عبر نقل الركاب والبضائع بسرعة كبيرة، وتقليل الضغط على شبكات النقل التقليدية.
ساعات العمل المرنة
يعد تبني ساعات العمل المرنة استراتيجية عملية للتخفيف من الازدحام المروري في ساعات الذروة. فمن خلال السماح للموظفين بتعديل جداول عملهم بعيداً عن ساعات الذروة، يمكن يمكن لأصحاب العمل المساهمة في تسهيل حركة المرور والحد من الازدحام.
بالإضافة إلى ذلك، يمكن لأصحاب العمل السماح للموظفين، الذين تسمح أعمالهم بذلك، في العمل عن بعد لجزء من الوقت، أو طوال الوقت، ما يقلل من رحلات التنقل اليومية ويقلل من الازدحام المروري.
اقرأ أيضاً: قريباً: دبي تدير الحوادث المرورية البسيطة بتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي
أبرز المدن التي تبنت حلولاً تكنولوجية لأزمة السير
برزت سنغافورة واحدةً من أهم المدن الذكية حول العالم، وأقلّها ازدحاماً، وخلال السنوات القليلة الماضية خصصت مليارات الدولارات لتطوير نظام النقل الذكي، بما في ذلك تطوير البنية التحتية الذكية مع أجهزة استشعار لإدارة حركة المرور وضمان سيرها على النحو الأمثل، بعيداً عن الازدحام. يوفّر النظام بيانات عن حركة السكان خلال حياتهم اليومية على مدار الساعة، وبالتالي تحديد أوقات الازدحام واتخاذ القرارات المناسبة. بالإضافة إلى ذلك، تشارك سنغافورة البيانات مع المعنيين الآخرين، بمن فيهم سائقو السيارات القادرون على الوصول إلى نظام مراقبة الطرق السريعة ونظام مواقف السيارات الموجهة.
كذلك، تركز مدينة زيورخ في سويسرا على الأشكال المستقبلية للتنقل العام المتكامل، ونشرت الأدوات التي تقيس تدفق حركة المرور. وتمتلك جنيف السويسرية نظاماً ذكياً لركن السيارات، يعتمد على سلسلة من المستشعرات التي ترسل إشعارات على هواتف السائقين لتخبرهم عن حركة المرور، ما يساعد على تخفيف الازدحام.
تطبّق الرياض عاصمة المملكة العربية السعودية أيضاً مجموعة من التكنولوجيات الذكية التي تهدف إلى تخفيف الازدحام المروري الذي تعاني منه المدينة، فقد نُشرت إشارات المرور الذكية التي تتكيف مع تدفق المركبات في الطرقات، بالإضافة إلى تطبيق حلول المواقف الذكية، وتطبيقات الركوب المشترك.
وفي مكة المكرمة، وفي أثناء موسم الحج، تُستخدم تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي للتحكم في إشارات المرور، ما يقلل الاختناقات المرورية خلال أوقات الذروة، وتُستخدم الطائرات المسيرة في مراقبة الطرقات، والنقل السريع للإمدادات الطبية بين المستشفيات في أثناء الحج.