أحدثت بوتات الدردشة المدعومة بالذكاء الاصطناعي التوليدي ثورة هائلة في كيفية استهلاك مستخدمي الإنترنت المعلومات، بسبب قدرتها على تغيير الطريقة التي تُقدَّم بها المعلومات عن الاستفسارات التي يبحث مستخدمو الإنترنت عن إجابات لها. حيث نجد أن لديها القدرة على التفاعل والتحدث مع المستخدم وتقديم إجابات نصية مختصرة وملخصة سهلة الفهم، بشكلٍ يشبه التحدث إلى إنسان. ومع ذلك فإن دقتها في تقديم الحقائق دائماً ما تكون محل شك، فكيف يمكنك التحقق من صحة المعلومات التي تقدمها؟
لماذا ينبغي لك ألّا تضع كامل ثقتك في الإجابات التي تولّدها بوتات الدردشة المدعومة بالذكاء الاصطناعي التوليدي؟
قبل الغوص في الإجابة عن السؤال، من المهم إدراك أن نماذج اللغة الكبيرة التي تُشغل بوتات الدردشة مثل تشات جي بي تي وجيميناي هي نماذج مدربة مسبقاً على محتوى مُجمَّع من مصادر عدة متوفرة عبر فضاء الإنترنت العام، أو من خلال محتوى محمي بحقوق الملكية الفكرية يتم شراؤه أو استخدامه تحت مبدأ الاستخدام العادل (Fair Use Principle)، مثل الأعمال الأدبية ومحتوى وكالات الأنباء وغيرها.
لذا فإن تقديمها الإجابات الصحيحة أو الموثوقة سيكون غالباً بناءً على جودة المحتوى الذي تم تدريبها عليه مسبقاً، سواء كان محتوى عاماً أو محتوى محمياً؛ فمن الممكن ألّا يكون المحتوى دقيقاً أو حديثاً، والأكثر خطورة أن يكون متحيزاً، لذا اعتماداً على كيفية طرح السؤال، قد تُسيء الخوارزميات تفسير السؤال وتعطي معلومات خاطئة أو غير منطقية، ويمكن أن يكون لذلك عواقب وخيمة إذا تم التصرف بناءً عليها.
اقرأ أيضاً: دليلك لتدريب نماذج الذكاء الاصطناعي دون انتهاك حقوق الملكية الفكرية والنشر
ومن ثَمَّ نجد أنه على الرغم من الطفرة الهائلة التي حدثت لتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي التوليدي، فإن هذه التكنولوجيا غير موثوقة تماماً ولا يمكن أن تحل محل الإنسان بالكامل، بالأخذ في الاعتبار دخول الجميع تقريباً للسوق -سواء شركات كبرى أو شركات ناشئة- للحصول على جزء من العوائد الهائلة التي تَعد بها، وتوفير فرص جديدة للأفراد والشركات للعمل بشكلٍ أكثر ذكاءً.
لذا، سواء كنت كاتباً أو مدوّناً أو موظفاً أو باحثاً، أو حتى مستهلكاً للمحتوى عبر الإنترنت، ينبغي ألا تثق كلياً فيما تقدمه لك. وبدلاً من ذلك من المهم للغاية تطوير مهارات البحث عن المعلومات الموثوقة لتجنب الوقوع في فخ ما تقدمه من معلومات غير دقيقة، أو مختلَقة، ما قد يؤثّر في مسارك المهني أو أي جانب من جوانب حياتك.
كيف تتحقق من صحة المعلومات التي تولّدها بوتات الدردشة المدعومة بالذكاء الاصطناعي التوليدي؟
سواء كنت تدرك ذلك أم لا، فإن المحتوى المنشأ بواسطة بوتات الدردشة المدعومة بالذكاء الاصطناعي التوليدي موجود حولك في كل مكان، من فيديوهات منصة يوتيوب أو الصور المقترنة بمقال ما إلى الموسيقى المدمجة في مقطع على منصات التواصل الاجتماعي. هذا المحتوى كلّه قد تمر عليه سريعاً وقد ينال إعجابك أيضاً، ولكن عندما يتعلق الأمر بمجال عملك، فإن التحقق من صحة المعلومات أو المحتوى يدوياً يصبح أمراً مهماً. وللقيام بذلك يمكنك اتباع العديد من الطرق منها:
المقارنة بمصادر موثوقة
في حالة مطالبة بوتات الدردشة التوليدية بتوليد نصوص عميقة أو محتوى أكثر إبداعاً متعلق بموضوع محدد، فإن المقارنة أمر ضروري للغاية لتجنب الوقوع في فخ النسخ واللصق. في الحقيقة لن تُنشئ لك بوتات الدردشة محتوى من العدم، بدلاً من ذلك سيحاول بوت الدردشة جمع العديد من النصوص المدرب عليه سابقاً من مصادر مختلفة وتلخيصها ووضعها في سياق سهل الفهم.
لذا، فإن أول ما ينبغي لك فعله هو البحث عن مصادر موثوقة عبر إحدى محركات البحث تغطي الموضوع نفسه، للوصول إلى السياق الأصلي، ومقارنته بالمحتوى المنسق أو الذي قدمه لك بوت الدردشة.
اقرأ أيضاً: هلوسات الذكاء الاصطناعي: ما الذي يدفع النماذج اللغوية لاختلاق المعلومات؟
التأكد من صحة المعلومات من مصادرها
ابحث عن مصدر المقال أو النص الذي ولّده بوت الدردشة وتحقق من المعلومات التي يدّعي أنه وجدها، حتى إذا كان النص المولد لديه استشهادات بمصادر ذكرها البوت، حاول على الأقل زيارة المصادر كلّها التي ذكرها لك والاطلاع عليها، لمزيد من التأكد، فقد يختلق معلومات إضافية غير مذكورة في المقالات المرجعية التي استقى منه المعلومات.
تقييم السياق والمعقولية
عند استهلاك المحتوى، انظر إلى السياق الذي يُقدّم فيه المحتوى من خلال تقييم معقولية المعلومات، خاصة عند ورود آراء الخبراء أو اقتباسات لدراسات بحثية، حيث ينبغي لك طرح الأسئلة حول المحتوى وتقييمه بشكلٍ نقدي، سواء كنت تعتقد أنك تعرف أو غير متأكد.
ومن ثَمَّ ينبغي لك التوقف للتأكد من دقة المعلومات، خاصة المعلومات التي تُذكر فيها أرقام أو نسبٍ مئوية أو المثيرة للجدل، والتحقق من صحتها يدوياً، لتحديد اتساقها مع المحتوى. على سبيل المثال، عندما يذكر أن هناك العديد من الدراسات التي تقول إن السمكة تتمتّع بذاكرة أطول، وهي معلومة تخالف ما هو سائد، ينبغي لك التوقف عند الدراسات، والبحث عن هذه الدراسات بشكلٍ مستقل لتأكيد المعلومة.
التحقق من تاريخ معلومات المحتوى
نظراً إلى أن بيانات التدريب الخاصة بنماذج اللغة الكبيرة كثيرة جداً، وترجع إلى أعوام ماضية، فمن المحتمل جداً أن تُنشئ محتوى يبدو متماسكاً وجيداً، ولكنه يحتوي على معلومات أو دراسات قديمة بعض الشيء قد لا تكون مناسبة لمحتوى الموضوع الحالي، بسبب التطور التكنولوجي في المجال.
التفريق بين الآراء والحقائق
عند التعامل مع المحتوى المولّد عبر بوتات الدردشة المدعومة بالذكاء الاصطناعي التوليدي، من المهم مراجعة ما تقدمه للتأكد من ذكر الحقائق كحقائق ودعمها بمصادر تم التحقق منها، وأن الآراء أو المعلومات الخيالية لا تُمرر كمعلومات واقعية، فعندما لا تمتلك مهارات التمييز بين الحقائق والآراء فمن المحتمل أن تقع ضحية معلومات مضللة أو خاطئة.
اقرأ أيضاً: ما الحل إذا نفدت بيانات تدريب الذكاء الاصطناعي؟
4 نقاط ينبغي لك التوقف عندها عند استهلاك المحتوى عبر الإنترنت
إذا كنت تستهلك المحتوى عبر مواقع الويب المختلفة، خاصة المحتوى النصي، فاحتمالية مصادفتك محتوى تم توليده بالذكاء الاصطناعي واردة جداً، وقد تقع في فخ استهلاك معلومات غير دقيقة أو خاطئة أو متحيزة، اعتماداً على تعامل الكاتب مع المحتوى الذي استخدم بوتات الدردشة لتوليده. ومن أهم المحاذير التي ينبغي التوقف عندها:
1- الأسلوب الآلي
عندما تولّد بوتات الدردشة المدعومة بالذكاء الاصطناعي التوليدي محتوى، فإنها تستخدم ما يُسمَّى الأنماط (Patterns) لوضع الكلمات في سياقها الصحيح، وهي طريقة غالباً ما تمنح النص المولّد نقصاً في الكلمات الانتقالية، ما يجعله آلياً تقريباً.
على الرغم من صعوبة تحديد ما إذا كان النص أعلاه مولداً أم لا، فإنه بنظرة سريعة تجد أن هناك انتقالاً في النص بصورة سريعة للغاية، وهو ما يخالف الأسلوب البشري الذي غالباً ما يحتوي على أنماط مختلفة في أنحاء النص كافة.
اقرأ أيضاً: كيف تمكن باحثون من كسر حماية النماذج اللغوية الكبيرة؟ وما الآثار المترتبة على ذلك؟
2- دقة المعلومات في الوقت الفعلي
إذا أردت أن تعرف سريعاً عن مجريات بعض الأحداث الحديثة، فإن بوتات الدردشة المدعومة بالذكاء الاصطناعي ستحاول جاهدة تقديم معلومات لإرضاء مَن يستخدمها، والتي قد تكون خاطئة تماماً أو مختلقة، بعكس محركات البحث التي ستقدّم لك روابط محدّثة لما حدث بمجرد انتهاء الحدث.
3- تكرار الكلمات
إذا لاحظت الكثير من حشو الكلمات الرئيسية في مقال ما فمن المحتمل أن يكون قد وُلد باستخدام بوتات الدردشة، وذلك نظراً إلى أن بعض المستخدمين عندما يستخدمونها لإنشاء المحتوى فإنهم غالباً ما يقومون بتضمين الكلمات الرئيسية في مطالباتهم، ما ينتج عنه حالات تتكرر فيها هذه الكلمة كثيراً في النص.
4- عدم وجود لمسة شخصية
يقدّم معظم الكتاب ببعض الآراء الشخصية من واقع خبراتهم وممارساتهم في بعض نصوص كتاباتهم، وهو ما تفتقر إليه بوتات الدردشة التي تقدّم نصوصاً لن تجد فيها أي مشاعر أو آراء شخصية احترافية.
اقرأ أيضاً: دليلك لتدريب نماذج الذكاء الاصطناعي دون انتهاك حقوق الملكية الفكرية والنشر
متى تكون بوتات الدردشة المدعومة بالذكاء الاصطناعي التوليدي أكثر فاعلية؟
في الحالات التالية، يكون استخدام بوتات الدردشة فعّالاً:
البحث عن الإجابات المعروفة ولكنها غير واضحة
إذا كنت تريد أن تعرف أرقام اللاعب محمد صلاح في الدوري الإنجليزي لموسم 2022، فإن بوتات الدردشة لن تخبرك فقط بالأرقام، بل ستلخص لك الأرقام مرتبة، بالإضافة إلى أي جوائز حصل عليها، وهي طريقة مفيدة للحصول على إجابات سريعة بدلاً من التجول عبر المواقع.
البحث عن إجابات للأسئلة السهلة
إذا كنت لا ترغب في قضاء وقتٍ طويلٍ في قراءة المصادر جميعها التي استقى منها بوت الدردشة إجابته، فإن ما سيُلخصه لك قد يكون فعّالاً. ومع ذلك فإن هذا الأمر قد يكون مناسباً للمواضيع العامة، أمّا المواضيع الأكثر تخصصاً فتتطلب زيارة مصادر المعلومات.
عمليات البحث التي تتطلب تجميع المعلومات من مصادر متعددة
على سبيل المثال، إذا أردت معرفة عدد الأشخاص الذين يعيشون في مدن دبي وأبوظبي والعين باستخدام محرك بحث تقليدي، ستحتاج إلى زيارة مصادر متعددة مثل دوائر الإحصاء في كل مدينة بشكلٍ مستقل، ولكن بوت الدردشة المدعوم بالذكاء الاصطناعي التوليدي يمكنه العثور على الأرقام جميعها وتلخيصها لك.
عمليات البحث التي لا تعرف فيها تماماً ما الذي تبحث عنه
عندما تبدأ باستكشاف موضوع ما، يمكن لبوت الدردشة اقتراح عمليات بحث إضافية في أثناء دخولك جوانب الموضوع الذي يهمك، ما قد ينتج عنه في النهاية موضوع أكثر شمولاً وتنوعاً.