مؤخراً، تلقت شركة مختصة بصناعة المواد التي تعوق اشتعال البطاريات التزاماً بتقديم قرض بقيمة 670.6 مليون دولار من وزارة الطاقة الأميركية.
تصنع شركة أسبين آيروجيلز (Aspen Aerogels) موادَّ عازلة يمكن وضعها في طبقات داخل بطاريات السيارات الكهربائية لمنع الحرارة والحرائق من الانتشار ضمن مجموعة البطاريات، أو إبطاء هذا الانتشار. تعمل الشركة على بناء مصنع جديد في ولاية جورجيا لإنتاج موادها، كما أن مكتب برامج القروض في وزارة الطاقة سيوفر القرض الضخم للشركة حتى يساعدها على بناء مصنعها.
مع تزايد عدد السيارات الكهربائية المنتشرة على الطرق، ثمة مخاوف متزايدة بشأن مشكلة حرائق البطاريات، وهي مشكلة نادرة نسبياً، لكنها خطيرة للغاية. وعلى حين تسجّل حرائق السيارات التي تعمل بالوقود معدلات أعلى مقارنة بغيرها من أنواع السيارات، فإن حرائق البطاريات قد يكون إخمادها أصعب، كما أن هذه الحرائق أكثر عرضة لخطر تكرار الاشتعال، ما يخلق مواقف خطيرة بالنسبة إلى السائقين وأفراد فرق الاستجابة الأولية. يمكن أن تساعد المواد، مثل الحواجز الحرارية التي تنتجها شركة أسبين آيروجيلز (Aspen Aerogels)، على تحسين سلامة البطارية.
اقرأ أيضاً: كيف يمكن للذكاء الاصطناعي أن يساعد على تسريع أبحاث البطاريات؟
الهدف: سلامة البطاريات
يقول مدير مكتب برامج القروض التابع لوزارة الطاقة الأميركية جيغار شاه: "أعتقد أن الهدف هو ضمان أن الشركات تساعد على تحقيق الأهداف المهمة جداً المتعلقة بسلامة البطاريات، وهي أهداف نتشارك فيها جميعاً". ثمة العديد من شركات صناعة السيارات التي تشتري المواد من أسبين آيروجيلز لاستخدامها في صنع سياراتها، بما فيها جنرال موتورز (General Motors) وتويوتا (Toyota) وأودي (Audi). إذا بدأ المصنع الجديد عمله وفق ما هو مخطط له، وزاد إنتاجيته إلى أن يبلغ طاقته القصوى، فقد يوفّر المواد اللازمة لأكثر من مليوني سيارة كهربائية سنوياً.
عندما تتعرض بطارية الليثيوم أيون إلى العطب أو القصر الكهربائي، يمكن أن تمر بعملية تحمل اسم "الانفلات الحراري" (thermal runaway)، وهي حلقة مفرغة من الآثار المرتدة الناجمة عن الحرارة والتفاعلات الكيميائية، التي يمكن أن تؤدي إلى حريق أو انفجار. تتكون مجموعات البطاريات في السيارات الكهربائية من عدد كبير من خلايا البطاريات الصغيرة والمترابطة فيما بينها كهربائياً، ولهذا ثمة خطر في إمكانية انتشار المشكلة التي تصيب إحدى الخلايا إلى الخلايا الأخرى في المجموعة.
يمكن حشر الحواجز الحرارية التي تنتجها الشركة بين خلايا البطارية، لتشكل عائقاً يمكنه منع هذا الانتشار. يمكن للعزل بمادة الهلام الهوائي (الآيروجيل)، وفقاً لطريقة استخدام شركة صناعة السيارات لهذه المواد، أن يبطئ على الأقل انتشار الانفلات الحراري، ما يمنح السائق وقتاً كافياً للخروج من السيارة. أو يمكن لشركات صناعة السيارات أن تستخدم هذه المواد لتصميم بطاريات قادرة على حصر خلية أو مجموعة خلايا معطلة، ومن ثم "بدلاً من اندلاع حريق في السيارة، سيكون لديك حادثة محدودة ومعزولة بدرجة أكبر"، على حد قول الرئيس التنفيذي لأسبين آيروجيلز، دون يونغ.
اقرأ أيضاً: كيف سيؤدي الكبريت إلى ابتكار جيل جديد من البطاريات الأكثر فاعلية؟
المواد الهلامية الهوائية لمنع انتشار الحرائق
تتمتّع المواد الهلامية الهوائية بقدرة عالية على العزل للحفاظ على درجات الحرارة، سواء المرتفعة أو المنخفضة، إذ إنها تتكون في الغالب من جيوب هوائية مجهرية. فازت أسبين بمنح بحثية من وكالة ناسا لدراسة إمكانية استخدام موادها في البدلات الفضائية وغير ذلك من التطبيقات في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، وخلال العقود اللاحقة، باعت موادها لاستخدامها في مختلف أنواع التجهيزات في منشآت مثل مصافي النفط ومحطات الغاز الطبيعي المسال، على حد قول يونغ.
بدأت الشركة تستخدم المواد الهلامية الهوائية التي تنتجها في مواد البطاريات في 2021. وكانت البداية من خلال شراكة مع شركة صناعة السيارات جنرال موتورز، كما يقول يونغ، حيث كانت الأخيرة تعاني في ذلك الحين المشكلات مع بطاريات شيفروليه بولت التي كانت تشتعل فيها النيران.
قد تساعد المواد الهلامية الهوائية على التخفيف من شدة حرائق البطاريات، لكنها لا تستطيع منع وقوع حوادث الانفلات الحراري بالكامل. وفي رسالة بالبريد الإلكتروني، قال الباحث في شركة إل جي للكيماويات (LG Chem) وعضو الفريق الذي نشر مؤخراً بحثاً حول أجهزة السلامة المخصصة لبطاريات الليثيوم أيون، إنْ تايك سونغ: "حالياً، ليس هناك أي تكنولوجيا تجارية معروفة تستطيع منع الانفلات الحراري على نحو موثوق". تحتوي بطاريات الليثيوم أيون على مواد قابلة للاشتعال وقادرة على تخزين الكثير من الطاقة.
اقرأ أيضاً: أسرار لا تعرفها عن البطاريات قد تجعلها أكثر قيمة مما تظن
منع الانفلات الحراري
وقد اتخذت شركات صناعة السيارات وشركات صناعة البطاريات بعض الإجراءات التي تخفف من خطر حدوث انفلات حراري، بما في ذلك تطوير أنظمة لإدارة البطارية، التي يمكنها اكتشاف ظروف البطارية والتحكم فيها لمنع الحرائق قبل حدوثها. تمثّل مواد العزل الحراري -بما فيها تلك المصنوعة من المواد الهلامية الهوائية- جزءاً من المجموعة المتنامية من التقنيات والأساليب التي يمكنها الحد من الضرر في حال حدوث انفلات حراري فعلياً.
من سلبيات هذه المواد أنها تجعل البطارية أضخم حجماً، ما يقلل من كثافتها الطاقية، وهي كمية الطاقة التي يمكن للبطارية أن تخزنها في واحدة معينة من الحجم أو الوزن. تؤدي الكثافة الطاقية الأعلى إلى مدى أطول للسيارات الكهربائية، ويمثّل هذا المدى عاملاً حاسماً لدى الكثير من السائقين عند اتخاذ قرار شراء السيارة الكهربائية. تمتاز المواد الهلامية الهوائية بأنها خفيفة للغاية، بما أنها مكونة من الهواء بنسبة كبيرة، ومن ثَمَّ فهي لا تحدُّ من الكثافة الطاقية بقدر ما تفعله المواد الأخرى.
تتراوح سماكة الحواجز الحرارية التي تنتجها أسبين عادة بين مليمتر واحد و4 مليمترات، ويمكن تكديسها بين خلايا البطاريات. ووفقاً لشركة صناعة السيارات والسيارة المعنية، تتراوح تكلفة وضع هذه الحواجز في السيارات الكهربائية بين 300 و1,000 دولار، على حد قول يونغ.
تبدي السوق تحسناً سريعاً ونشاطاً ملفتاً. فعندما بدأت الشركة تبيع موادها المستخدمة في البطاريات عام 2021، حققت مبيعات بقيمة 7 ملايين دولار تقريباً. وفي عام 2023، وصلت إلى 110 ملايين دولار، وهي تتجه ثانية إلى تحقيق مبيعات تبلغ أكثر من ضعف هذا المبلغ في 2024، على حد قول يونغ.
اقرأ أيضاً: البطاريات الذكية تقود الشاحنات نحو مستقبل نظيف
حالياً، تصنع أسبين آيروجيلز المواد المخصصة لبطاريات السيارات الكهربائية في مصنعها في ولاية رود آيلاند، حيث تصنع أيضاً بعض المواد المخصصة لقطاعات أخرى، مثل صناعة النفط والغاز. يقول يونغ: "نحن نشغل ذلك المصنع بأقصى طاقته". سيدعم قرض وزارة الطاقة بناء منشأة جديدة في جورجيا، وستكون هذه المنشأة مكرّسة بالكامل لصنع المواد الخاصة ببطاريات السيارات الكهربائية. ووفقاً للخطة، يجب تشغيل هذه المنشأة بحلول أوائل عام 2027، كما يقول يونغ.
يقول شاه: "يهدف هذا القرض إلى مساعدتهم على تحقيق زيادة كبيرة في مستوى الإنتاج من خلال أولى منشآتهم التجارية في جورجيا". يجب أن تحقق الشركة بعض المتطلبات المالية والتقنية لاستكمال عملية التمويل.
يقول يونغ: "هذا القرض مهم للغاية بالنسبة لنا، حيث سيساعدنا على إنجاز ذلك المشروع".