في مقال منشور مؤخراً، قال الرئيس التنفيذي لشركة أوبن أيه آي (OpenAI)، سام ألتمان، إن التطور المتسارع لقدرات الذكاء الاصطناعي سينقلنا إلى "عصر ذكي" مثالي، ويطلق موجة "لا يمكن تخيلها" من الازدهار والرخاء ويؤدي إلى "انتصارات غير مسبوقة" مثل "إصلاح المناخ".
إنه وعد لا يمكن لأحد أن يطلقه، كما أنه ينطوي على خطأ جوهري في فهم طبيعة مشكلة التغير المناخي.
أما الأمر الأكثر إثارة للاستياء فهو أن هذا القول يشير إلى أن الكميات الهائلة التي تستهلكها هذه التكنولوجيا من الكهرباء حالياً ليست مسألة مهمة، بما أنها ستتيح لنا توليد الكثير من الطاقة النظيفة في المستقبل. هذا يعني الاستخفاف بالمخاوف المتزايدة بشأن هذه التكنولوجيا التي أدت إلى تسريع المقترحات الخاصة بمحطات التوليد التي تعمل بالغاز الطبيعي، وحرف الشركات التكنولوجية الكبرى عن مسار تحقيق أهدافها المناخية.
وفقاً لكل المؤشرات، فإن متطلبات الذكاء الاصطناعي من الطاقة ستستمر في الارتفاع، حتى مع سعي العالم جاهداً لبناء أنظمة طاقة أكبر وأقل تلويثاً لتلبية احتياجات شحن السيارات الكهربائية، وإنتاج الهيدروجين الأخضر، والمضخات الحرارية، وغيرها من التكنولوجيات المنخفضة الكربون. وتشير التقارير إلى أن ألتمان نفسه التقى مؤخراً بمسؤولين من البيت الأبيض لإقناعهم بضرورة بناء مراكز بيانات ضخمة مخصصة للذكاء الاصطناعي، وهو ما قد يتطلب تشغيل ما يعادل 5 مفاعلات نووية.
اقرأ أيضاً: ما هي الخطوات الفعلية التي يمكن اتخاذها للتغلب على أزمة المناخ؟
تقدُّم الذكاء الاصطناعي ليس بالمستوى الذي روّج له الإعلام
من وجهات النظر الأساسية لدى مجلة إم آي تي تكنولوجي ريفيو، القناعة بأن التقدم التكنولوجي يمكن أن يحقق فوائد حقيقية ويسرع التقدم المجتمعي بطرق هادفة. غير أننا شهدنا عقوداً كاملة من مبالغة الباحثين والشركات في الإشادة بالقدرات الكامنة للذكاء الاصطناعي، سواء من حيث إنتاج أدوية فعالة، أو تحقيق الذكاء الخارق، أو تحرير البشرية من الحاجة إلى العمل. حتى نكون منصفين، فقد شهدنا تقدماً كبيراً، لكنه ليس بالمستوى الذي روج له الضجيج الإعلامي.
ونظراً لهذا السجل الحافل من الوعود الوهمية، أعتقد أنه إذا أردنا أن نؤكد، على نحو يتمتع بالمصداقية، أن الأداة التي طورناها ستحل أعقد المشاكل التي تعانيها البشرية، سواء الفقر المستفحل أو الاحتباس الحراري، فإن هذه الأداة يجب أن تكون قادرة على تحقيق إنجازات أكثر من مجرد اقتراف السرقات الأدبية في مجال الصحافة أو مساعدة الطلاب على الغش في فروضهم المنزلية.
من المؤكد أن الذكاء الاصطناعي قد يساعد العالم على التعامل مع الأخطار المتفاقمة الناجمة عن التغير المناخي. فقد بدأنا نرى مجموعات بحثية وشركات ناشئة تستفيد من هذه التكنولوجيا في محاولة لإدارة شبكات الطاقة على نحو أكثر فعالية، وإطفاء الحرائق البرية بسرعة أكبر، واكتشاف مواد يمكن أن تؤدي إلى صنع بطاريات أو ألواح شمسية أقل تكلفة وأفضل أداء،
غير أن هذه التطورات ما زالت جميعاً صغيرة نسبياً. لكن، لنفترض أن الذكاء الاصطناعي أدى إلى ظهور معجزة في مجال الطاقة. ولعل قدراته العالية في التعرف على الأنماط ستقدم لنا المعرفة المعمقة المفتاحية التي ستسمح لنا أخيراً بتحقيق التفاعل الاندماجي، وهو من التكنولوجيات التي يراهن ألتمان بشدة عليها بصفته أحد المستثمرين.
سيكون هذا أمراً رائعاً! لكن التطورات التكنولوجية ليست سوى البداية، فهي ضرورية بطبيعة الحال، لكنها ليست كافية على الإطلاق للقضاء على الانبعاثات المناخية في العالم.
اقرأ أيضاً: ما هو الأفضل: الطريقة أم السرعة في تحقيق الأهداف المناخية؟ نظرة إلى تجربتي جوجل وأمازون
التطورات التكنولوجية ليست كافية لحل مشكلة التغير المناخي
ما الذي يجعلني متأكداً من هذا؟
لدينا حالياً التكنولوجيات جميعها التي نحتاج إليها لتنظيف قطاع الطاقة، مثل محطات الانشطار النووي، والمزارع الشمسية، والتوربينات الريحية، والبطاريات. ينبغي أن تكون هذه هي المكاسب السهلة المنال على صعيد الانتقال إلى الطاقة النظيفة. وعلى الرغم من هذا، ما زال الوقود الأحفوري بأنواعه المختلفة مصدراً لتوليد 60% من الكهرباء في أضخم اقتصاد في العالم. إن استمرارنا في الاعتماد على الفحم الحجري والنفط والغاز الطبيعي في توليد هذه النسبة الكبيرة من الكهرباء يمثل إخفاقاً على صعيد اللوائح التنظيمية والرقابية بقدر ما يمثل إخفاقاً تكنولوجياً.
وفي تغريدة على منصة إكس (X) رداً على منشور ألتمان، قال عالم المناخ في مؤسسة الأبحاث المستقلة بيركلي إيرث (Berkeley Earth)، زيك هاوسفاذر: "نحن ندعم الوقود الأحفوري بأنواعه المختلفة عملياً من خلال إتاحة استخدام الغلاف الجوي مكباً للمخلفات الناتجة عن استهلاكه، وفي هذا الوضع، لن تستطيع مصادر الطاقة النظيفة أن تنافس الوقود الأحفوري على نحو متكافئ. يتطلب تحقيق الأهداف المناخية تغييراً في السياسات، لا تحقيق إنجازات تكنولوجية غير مسبوقة فقط".
هذا لا يعني أنه لم يعد أمامنا عوائق تقنية كبيرة ما زلنا في حاجة إلى حلها، ويكفي أن نتذكر المحاولات المتواصلة والمضنية لتطوير طرائق نظيفة وذات تكلفة تنافسية لتسميد المحاصيل أو التحليق بالطائرات، لكن التحديات الأساسية للتغير المناخي هي التكاليف الغارقة (أي التي ليس بالإمكان استعادتها) وصعوبات التطوير والتثاقل في إحداث التغييرات أو اتخاذ القرارات.
لقد بذلنا الجهود ودفعنا الأموال حتى نبني اقتصاداً عالمياً ينتج غازات ضارة تؤدي إلى ارتفاع درجة حرارة الكوكب، حيث استثمرنا تريليونات الدولارات في محطات الطاقة ومصانع الفولاذ والمعامل والطائرات النفاثة والمراجل وسخانات المياه والمواقد والسيارات الرباعية الدفع التي تعمل بالوقود الأحفوري. وليس هناك سوى قلة من الأشخاص أو الشركات من المستعدين لشطب هذه الاستثمارات إذا واصلت هذه المنتجات والمنشآت عملها. لا يستطيع الذكاء الاصطناعي أن يعالج هذه المشاكل كلها من خلال توليد أفكار أفضل وحسب، فحتى نتمكن من إزالة كل آلة في كل صناعة حول العالم واستبدال آلة أفضل للمناخ بها، وبالسرعة المطلوبة حالياً، سنحتاج إلى سياسات مناخية ذات مستوىً متصاعد من الشدة والصرامة بحيث تحفز الجميع أو ترغمهم على الانتقال إلى الاعتماد على محطات طاقة ومنتجات وممارسات أقل تلويثاً للبيئة.
قوى تعاكس الجهود المناخية
لكن مع كل مقترح بسن قانون أكثر صرامة، أو تأسيس مزرعة ريحية أو شمسية كبيرة وجديدة، ستظهر قوى تعاكس هذه الجهود وتعوقها، لأن هذه الخطة قد تؤثر سلباً في ثروة شخص ما، أو تزعج شخصاً ما، أو تهدد بعض التقاليد التي يبجلها شخص ما. إن التغير المناخي مشكلة بنى تحتية، ويمثل تشييد البنى التحتية مهمة إنسانية معقدة للغاية.
قد تساعد التطورات التكنولوجية على تخفيف وطأة بعض من هذه المشاكل، فالبدائل الأفضل والأقل تكلفة للصناعات الحالية والراسخة ستسهل صياغة السياسات اللازمة للتعامل مع الخيارات الصعبة، لكن لن تؤدي أي تحسينات نطبقها على خوارزميات الذكاء الاصطناعي أو مجموعات البيانات التي تعتمد عليها هذه الخوارزميات إلى حل مشكلة الموقف الذي يحمل اسم "ليس في عقر داري" (Not In My Back Yard)، أو اختصاراً "نيمبيزم" (NIMBYism) الذي يتلخص برفض السكان المحليين للتطور المُقترح في منطقتهم، أو مشكلة التضارب بين المصالح البشرية، أو مشكلة الرغبة في الحفاظ على البراري العذراء التي يمكن استنشاق الهواء النقي فيها.
إن الجزم بقدرة تكنولوجيا واحدة –تشاء الصدفة أن تكون هي التكنولوجيا التي تعمل شركتك على تطويرها- على تقديم حلول سحرية لهذه المشاكل المستعصية في المجتمع البشري، هو موقف ينطوي في أحسن الأحوال على محاباة للمصالح الذاتية، إن لم يكن موقفاً ساذجاً بعض الشيء. ومن المثير للقلق أن تتبنى هذه الفكرة في مرحلة وصل فيها نمو هذه التكنولوجيا ذاتها إلى مرحلة تهدد بتقويض التقدم الضئيل الذي بدأ العالم يحققه على صعيد مكافحة التغير المناخي.
وفي الواقع، فإن الشيء الوحيد الذي يمكن أن نقوله بثقة عن الذكاء الاصطناعي التوليدي هو أنه يجعل أصعب مشكلة واجهناها على الإطلاق أكثر استعصاء على الحل بكثير.