ملخص: تسعى مؤسسة قطر إلى جعل البحوث الطبية ذات آثار عالمية وبالوقت نفسه تُلبي الاحتياجات المحلية وتساعد على تحسين حياة المرضى في قطر وخارجها. الدكتور خالد مشاقة هو أستاذ في الفيزيولوجيا والفيزياء الحيوية والعميد المشارك الأول للبحوث والابتكارات والتداول التجاري في وايل كورنيل للطب– قطر، انتقل إلى قطر عام 2007 لبدء برنامج أبحاث الطب الحيوي. يدرس مشاقة مسارات التأشير الخلوي وهي الكيفية التي تتواصل بها الخلايا مع بعضها وتستجيب للإشارات من محيطها من أجل القيام بوظائفها. وقد تم دعمه من قِبل مؤسسة قطر والصندوق القطري لرعاية البحث العلمي، بهدف تحسين البنية التحتية التي تمهّد الطريق أمام الطب الشخصي في قطر.
أستاذ في وايل كورنيل للطب - قطر يؤكد أهمية دراسة الأمراض لتقديم علاجات أفضل في العالم العربي
يرى أستاذ الفيزيولوجيا والفيزياء الحيوية والعميد المشارك الأول للبحوث والابتكارات والتداول التجاري في وايل كورنيل للطب– قطر، إحدى الجامعات الشريكة لمؤسسة قطر، الدكتور خالد مشاقة، "أن البحوث الطبية لا بُدّ أن تسعى إلى تلبية الاحتياجات المحلية، على أن تكون في الوقت نفسه ذات آثار عالمية، وتساعد على تحسين حياة المرضى في قطر وخارجها".
يقول الدكتور خالد: "نريد أن تكون البحوث محلية في انطلاقتها، وتركّز على حل المعضلات المحلية ودراسة الأمراض الخاصة بالمنطقة، دون إغفال آثارها العالمية أيضاً".
ويُضيف: "أحد الأهداف طويلة المدى لمؤسسة قطر، والتي تنسجم مع رؤية قطر الوطنية 2030 ورؤية وايل كورنيل للطب- قطر وتتماشى مع قناعاتي، هو تطبيق نتائج بحوثنا العلمية في العيادات التي تهتم بشؤون معالجة الناس. والهدف الأهم في ذهني هو تحسين حياة الناس باستخدام خبراتنا وتقنياتنا ومعارفنا".
الدكتور خالد مشاقة هو أستاذ الفيزيولوجيا والفيزياء الحيوية متخصص في دراسة وتحليل كيفية عمل الخلايا في جسم الإنسان. يدرس مختبره (مختبر مشاقة) مسارات التأشير الخلوي، وهي الكيفية التي تتواصل بها الخلايا مع بعضها وتستجيب للإشارات من محيطها من أجل القيام بوظائفها، كما يبحث المختبر في التغيرات التي تطرأ على مسارات الإشارات عند وجود مرض في الجسم.
يوضّح الدكتور خالد: "يُتيح فهم هذه الآليات الأساسية معالجة الأمراض على نحو مختلف تماماً. فثمة أمراض عديدة تسببها عوامل وراثية، وهناك عوامل بيئية تؤثّر أيضاً في تطور المرض. فالعوامل البيئية تصوغ تفضيلات الغذاء، ونمط الحياة، والعادات الثقافية. لذا، ستبدو الأمراض بأشكال مختلفة وفقاً لموقعها من العالم. من هنا تبرز أهمية امتلاك القدرة على فهم الأمراض في السياق القطري المحلي إذا أردنا معالجتها على نحو أفضل".
ويشرح: "على سبيل المثال، في حالة العوز المناعي، ندرس الطفرات النادرة التي تؤثّر في السكان داخل قطر لأن مرضانا هم من هذا البلد. ومع ذلك، بمجرد تحديدنا الجين ووظيفته، ووظيفة الخلايا المناعية، سيستفيد العالم بأسره من هذا، وهو ما نريده حقاً".
حصل الدكتور خالد على درجة البكالوريوس في الهندسة الزراعية من الجامعة الأميركية في بيروت، ثم نال درجة الماجستير في علوم الدواجن من جامعة جورجيا في مدينة أثينا بالولايات المتحدة الأميركية، حيث تعرّف إلى بحوث علم الخلية. بناءً على هذه التجربة البحثية، قرر دخول مجال البحوث الطبية الحيوية، فالتحق ببرنامج الدكتوراة في علم الأحياء الخلوي والنمائي.
وعن هذا يقول: "لقد أغرمت بالتأشير الخلوي لأنه يحدث بشكل آني، حيث يمكن رؤية ما تفعله الخلايا. وهو أمر مثير جداً للاهتمام، لأننا في هذه الحالة، لا ندرس مرضاً واحداً، بل الآلية الأساسية التي يمكن أن تؤثّر في العديد من الأمراض".
في عام 2007، انتقل الدكتور خالد إلى قطر لبدء برنامج أبحاث الطب الحيوي الذي انطلق رسمياً في عام 2008، وبعدها نقل مختبره (مختبر مشاقة) من جامعة أركنساس للعلوم الطبية، حيث كان عضواً في هيئة التدريس لسنوات عديدة، إلى الدوحة عام 2009، الأمر الذي أمدّ وايل كورنيل للطب، وقطر ككل، بخبرات مهمة في مجال علم الخلية والتأشير الخلوي. وكانت وايل كورنيل للطب – قطر، إحدى الجامعات الشريكة لمؤسسة قطر، قد تأسست في المدينة التعليمية عام 2001، وبدأت تدريس برنامج ما قبل الطب في عام 2002.
والافتقار إلى البنية التحتية اللازمة هو من أبرز التحديات التي واجهت برنامج البحوث في وايل كورنيل للطب – قطر في ذلك الحين. ويبيّن الدكتور خالد ذلك قائلاً: "المشتريات مثال بسيط على أثر غياب البنية التحتية اللازمة؛ فمثلاً عند الحاجة إلى طلب مواد كيميائية وأجسام مضادة وإنزيمات لإجراء الأبحاث، دون وجود سلسلة توريد واضحة ودون وجود سياسات وإجراءات متبعة، تصبح العملية معقدة وبالغة الصعوبة. لذلك، كان علينا أن نبني كل شيء من الصفر، واستغرقت هذه الأمور وقتاً طويلاً. وإذا قارنّا هذا الأمر بالدول المتقدمة بحثياً، فلن تكون هناك حاجة إلى تعلم كيفية إنشاء البنية التحتية الأساسية، لأنها موجودة بالفعل منذ مائة عام. لذلك، كان إنشاء الجانب اللوجستي تجربة تعليمية حقيقية، وربما الجزء الأصعب في العملية".
منذ ذلك الحين، وبفضل دعم مؤسسة قطر والصندوق القطري لرعاية البحث العلمي، نمت الجهود البحثية في قطر نمواً كبيراً على مختلف الصعد، وتترجم فرق البحوث المحلية النتائج إلى حلول واقعية. وعلى صعيد الطب الحيوي، فإن البنية التحتية والنتائج البحثية القوية تمهّد الطريق أمام الطب الشخصي في قطر.
يتابع الدكتور خالد: "على سبيل المثال، هناك عائلة يعاني أطفالها جميعهم من المرض، لكن الأطباء لم يتمكنوا من تحديد السبب، وذلك لأن المورثة المسببة للمرض جديدة. لهذا، أجرينا تسلسلاً جينياً لتحديد المورّثة المتحورة، وأخذنا منهم خلايا لإنشاء نماذج فردية في المختبر حتى نتمكن من دراسة الخلل على نحو أعمق. لقد ساعدتنا الاختبارات الخلوية، والتي تُتيح لنا قياس صحة الخلية وتحديد المورثة المتحورة، على اكتشاف مكمن الخلل. لقد أجرينا أيضاً تحليلات حيوية متعددة على المرضى، وشاركنا هذه النتائج مع الأطباء لمساعدتهم على استكشاف علاجات بديلة".
ويُضيف: "في إحدى الحالات، منحنا طفلة تعاني عوزاً شديداً في المناعة الأولوية لإجراء عملية زرع نخاع العظم بناءً على نتائج بحثنا. والآن هي خارج المستشفى وبصحة جيدة".
يرى الدكتور خالد أن الرعاية الصحية تتجه في نهاية المطاف نحو الطب الشخصي، ويقول: "أعتقد أننا نحرز تقدماً جيداً في هذا الشأن، لكن الطريق ما يزال طويلاً. وأقول هذا لأن الطب الشخصي في البلدان النامية ما يزال غير قابل للتطبيق نظراً لكلفته العالية. لكن من خلال معرفة المزيد عن الفرد، والاستثمار أكثر في أساليب الطب الشخصي، يمكن للطبيب اتخاذ قرارات أفضل. وعندها، لن يكون المريض بحاجة إلى زيارة الطبيب أكثر من مرة، وبالتالي، يوفّر هذا النظام المال على المدى الطويل".