هل يمكن استخدام الذكاء الاصطناعي للتنبؤ بنجاح الأفلام بناءً على سيناريوهاتها؟

5 دقيقة
هل يمكن استخدام الذكاء الاصطناعي للتنبؤ بنجاح الأفلام بناءً على سيناريوهاتها؟
حقوق الصورة: بيكسلز

ملخص: تستغرق عملية تحليل سيناريوهات الأفلام الكثير من الوقت، ما دفع خبراء شركة سينيليتك إلى تطوير أداة تستطيع تقييم السيناريوهات باستخدام الذكاء الاصطناعي التوليدي. تحمل الأداة اسم "كالايا"، وهي تحلل السيناريوهات بسرعة وتقدّم ملخّصات تبين مواطن القوة والضعف فيها وتقيّم الحوار والأصالة. تكمن الفكرة في أن كالايا ستوفر للاستوديوهات طريقة أكثر قدرة على التحليل للتنبؤ بأداء السيناريو عند تحويله إلى فيلم قبل إنفاق الأموال على تسويق الفيلم وإنتاجه، وتسرّع عملية تقييم السيناريوهات وتسهل كشف الكتاب الموهوبين. نتيجة للجدل الدائر في هوليوود حول خطر أدوات الذكاء الاصطناعي، سيرتبط نجاح كالايا بقدرتها على توفير تقييمات بكفاءة تلك التي يوفّرها قرّاء السيناريوهات. تميل نماذج الذكاء الاصطناعي إلى تقديم آراء إيجابية عند تقييم الأعمال الإبداعية، وكالايا ليست استثناءً. لكن وفقاً لشركة سينيليتك، كان أداء النسخة التجريبية جيداً جداً، علماً أنها قد توفّر تنبؤات غير دقيقة حول ميزانيات الأفلام، وأن الشركة ستستمر في تحسينها.

يؤدي العشرات من خريجي كليات السينما ومساعدي الإنتاج وظيفتهم المتمثلة في قراءة السيناريوهات يومياً في مختلف أرجاء هوليوود. مهمة هؤلاء هي انتقاء السيناريوهات الواعدة بين السيناريوهات المقدّمة سنوياً والبالغ عددها نحو 50 ألف سيناريو وتحديد تلك التي تستحق العمل عليها. يتراوح طول كل سيناريو بين 100 و150 صفحة، ما يحتاج نصف يوم لقراءته وكتابة تقرير تحليلي وتقييمي عنه، ما يشير إليه العاملون في هذا المجال باسم "تغطية السيناريو" (coverage)، أو ملخص يوضح مواطن القوة والضعف فيه. بما أن عدد النسخ المبيعة من هذه السيناريوهات لا يتعدى الـ 50 نسخة سنوياً، يتدرب هؤلاء القرّاء على أن يكونوا بلا رحمة.

تهدف شركة التكنولوجيا المتخصصة في الأفلام، سينيليتك (Cinelytic)، التي تعمل مع استوديوهات كبرى مثل وارنر برذرز (Warner Bros) وسوني بيكتشرز (Sony Pictures) على تحليل ميزانيات الأفلام واحتمال نجاحها في شبابيك التذاكر، إلى تقديم تقييمات للسيناريوهات باستخدام الذكاء الاصطناعي التوليدي.

اقرأ أيضاً: كيف يؤثر الذكاء الاصطناعي في صناعة الأفلام؟

كالايا: أداة لتقييم سيناريوهات الأفلام

أطلقت هذه الشركة في 24 سبتمبر/أيلول 2024 أداة جديدة تحمل اسم "كالايا" (Callaia)، يستطيع الكُتّاب الهواة وقرّاء السيناريوهات المحترفين على حد سواء استخدامها لتحليل السيناريوهات مقابل 79 دولاراً لكل سيناريو. تحتاج هذه الأداة المعتمدة على الذكاء الاصطناعي إلى أقل من دقيقة لكتابة تغطية كاملة للسيناريو، تتضّمن ملخصاً وقائمة بالأفلام المشابهة ودرجاتٍ تقيّم نواحي مثل الحوار والأصالة والتوصيات حول الممثلين المناسبين للأدوار. تقدم الأداة أيضاً توصية بشأن تمويل الفيلم المبني على السيناريو من عدمه، وتمنحه تصنيفات مثل "مقبول" أو "يمكن أخذه في الاعتبار" أو "موصى به" أو "موصى به بشدة". على الرغم من أن هذه الأداة تعتمد في بنائها الأساسي على واجهة برمجة التطبيقات الخاصة بتشات جي بي تي، كان على فريق التطوير البرمجي تدريب النموذج على مهام خاصة بالسيناريوهات مثل تقييم الأنواع الأدبية وكتابة ملخّصات الأفلام التي تتألف من جملة واحدة.

يقول المؤسس المشارك والرئيس التنفيذي لشركة سينيليتك، توباياس كيسر، الذي عمل منتجاً للأفلام سابقاً: "تساعد هذه الأداة على فهم السيناريوهات بسرعة كبيرة، ويمكن باستخدامها الاطلاع على عدد أكبر من القصص والسيناريوهات وتجنّب استبعادها بناءً على عوامل تعوق عملية العثور على المحتوى المميز".

فرصة لكتّاب السيناريو غير المعروفين

تكمن الفكرة في أن الأداة كالايا ستوفر للاستوديوهات وسيلة تتسم بقدر أكبر من التحليل للتنبؤ بأداء السيناريو عند تحويله إلى فيلم قبل إنفاق الأموال على تسويق هذا الفيلم أو إنتاجه. لكن خبراء الشركة يقولون إن الهدف من الأداة هو تجنّب تعطيل قراء السيناريوهات لعملية صناعة الأفلام. بما أن عدد النصوص المقدمة التي يجب تصنيفها هائل، قد لا يصل العديد من السيناريوهات إلى صناع القرار إلا إذا كان مؤلفه معروفاً. يقول كيسر إن استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي سيجعل عملية اختيار السيناريوهات تكتسب طابعاً ديمقراطياً وسيفتح المجال لاكتشاف سيناريوهات أفضل وكتّاب أمهر.

قد يؤدي طرح أداة كالايا إلى تأجيج الجدل الدائر في هوليوود حول تأثير الذكاء الاصطناعي على المبدعين في هذا الوسط إن كان إيجابياً أو سلبياً. أثار نموذج تشات جي بي تي منذ إطلاقه رسمياً للاستخدام العام في أواخر 2022 القلق في مختلف مجالات العمل، من أوساط الكتّاب إلى أقسام المؤثرات الخاصة؛ إذ يخشى العاملون في هذه المجالات من أنه سيؤدي إلى خفض قيمة المواهب البشرية أو إدخال شرائح أقل مهارة في دائرة المنافسة على الوظائف نتيجة دوره التعزيزي، أو ربما يتسبب بالاستغناء عن هذه المواهب.

في هذه الحالة، سيكون نجاح أداة كالايا مرتبطاً بقدرتها على توفير تقييمات نقدية بكفاءة تلك التي يوفّرها قرّاء السيناريوهات.

اقرأ أيضاً: 7 من أفضل أدوات توليد الفيديو بالذكاء الاصطناعي

هل سيكون التقييم دقيقاً؟

وفقاً للباحث توهين تشاكرابارتي، الذي درس قدرة الذكاء الاصطناعي على تحليل الأعمال الإبداعية بينما كان يعمل للحصول على درجة الدكتوراة في علوم الكمبيوتر في جامعة كولومبيا، هذا إنجاز صعب التحقيق بالنظر إلى الغرض الأساسي من تطوير نموذج جي بي تي ونماذج الذكاء الاصطناعي الأخرى. طلب تشاكرابارتي في إحدى دراساته إلى جانب زملائه الذين شاركوا فيها من نماذج الذكاء الاصطناعي المختلفة ومجموعة من الخبراء -منهم أساتذة في الكتابة الإبداعية وكاتب سيناريو واحد- تحليل جودة 48 قصة، ظهرت 12 منها في مجلة ذا نيويوركر بينما أنشأ الذكاء الاصطناعي القصص الباقية. وجد فريقه أن تقييم الخبراء لجودة القصص لم يتوافق مع تقييم نماذج الذكاء الاصطناعي في الأغلبية الساحقة من المرات.

يقول تشاكرابارتي: "عندما تسأل أحد نماذج الذكاء الاصطناعي عن مستوى الإبداع في أعمالك، فلن يقدم رأياً سلبياً أبداً؛ إذ سيكون رأيه إيجابياً دائماً لأنه مدرّب على أن يكون أداة مساعدة مفيدة ومهذبة".

يقول الرئيس التنفيذي للتكنولوجيا في شركة سينيليتك، ديف سين، إن هذه السمة شكلت عقبة في عملية تصميم أداة كالايا، وإن المخرجات الأولية للنموذج كانت إيجابية على نحو مفرط. لكن أداء الأداة تحسن مع الوقت وبعد إجراء بعض التعديلات. يقول سين: "لم نهدف لجعل الأداة لاذعة في النقد على نحو مفرط بالضرورة، بل هدفنا لتقديم تحليل أكثر توازناً يشير إلى مواطن القوة والضعف في السيناريو".

وافق صانع الأفلام المستقل الذي فاز فيلمه "أوامر من المستويات العليا" (Orders from Above) بجائزة أفضل فيلم تاريخي في مهرجان كان عام 2021، فير سرينيفاس، على رؤية مثال من مخرجات كالايا لتقييم قدرة نموذج الذكاء الاصطناعي هذا على تحليل السيناريو. عرضتُ على سرينيفاس تقييماً ولّده النموذج لسيناريو قدمته شركة سينيليتك يتألف من 100 صفحة، وهو يروي قصة عازف بوق يعزف موسيقى الجاز ويمر في مرحلة من استكشاف الذات في مدينة سان فرانسيسكو. وفقاً لسرينيفاس، لم تكن تغطية السيناريو التي ولدها النموذج عميقة بما يكفي لتقديم تقييم مفيد حقاً لكاتب السيناريو؛ إذ يقول: "يعالج النموذج النص بطريقة حرْفية للغاية وليست مجازية؛ وهي طريقة يتبعها الجمهور حدسياً ودون وعي. يبدو النموذج وكأنه مجبر على أن يكون دبلوماسياً وألا يثير أي جدل".

عيوب أخرى لأداة كالايا

تعاني أداة كالايا عيوباً أخرى أيضاً. على سبيل المثال، تنبأت هذه الأداة بأن الفيلم الذي يمكن إنتاجه من السيناريو السابق الذكر سيتطلب ميزانية تتراوح من 5 إلى 10 ملايين دولار فقط، لكنها أشارت أيضاً إلى أن نجوم الصف الأول أصحاب الأجور الباهظة، مثل بول رَد، مناسبون لأداء الدور الرئيسي.

يقول خبراء شركة سينيليتك إنهم يعملون حالياً على تحسين المكون الخاص بتقديم توصيات الممثلين، وعلى الرغم من أن الشركة لم تقدم بيانات حول مدى نجاح نموذجها في تحليل السيناريوهات، يقول سين إن تقييمات 100 من قرّاء السيناريوهات الذين اختبروا النسخة التجريبية كانت إيجابية بأغلبيتها الساحقة. يقول سين: "انبهر معظم القراء إلى حد كبير لأن تغطيات السيناريو التي قدمها النموذج كانت بجودة تضاهي جودة التغطيات المألوفة بالنسبة لهم، إن لم تكن أفضل، حسب تعبيرهم".

عموماً، تروّج سينيليتك لأداة كالايا على أنها تهدف إلى توليد تقييمات سريعة لعدد كبير من السيناريوهات، وليس إلى استبدال قرّاء السيناريوهات، الذين عليهم الاطلاع على مخرجات الأداة وتعديلها على أي حال. يأمل كيسر، الذي يدرك أن قدرة الذكاء الاصطناعي على الكتابة أو التحرير على نحو إبداعي وفعال من عدمها مثيرة للجدل في هوليوود، أن تتيح أداة كالايا لقراء السيناريوهات تحديد النصوص البارزة بسرعة أكبر مع توفير مصدر فعال للتقييمات يستفيد منه الكتاب في الوقت نفسه.

يقول كيسر: "ستمثّل أداة كالايا بالنسبة إلى الكتاب الذين يستخدمونها طريقة تساعدهم على تحسين النصوص والعثور على المزيد من فرص العمل. أداة كالايا مفيدة لقراء السيناريوهات والكتّاب على حد سواء".

المحتوى محمي