يشهد عالمنا اليوم ثورة تكنولوجية هائلة تقودها تكنولوجيات الذكاء الاصطناعي والروبوتات، وتُلقي هذه الثورة بظلالها على مختلف القطاعات، بما في ذلك مجال إدارة سلسلة التوريد. ففي ظل التحديات المتزايدة التي تواجهها الشركات، مثل الاضطرابات في سلاسل التوريد العالمية، وارتفاع توقعات العملاء، وارتفاع تكاليف التشغيل، بات من الضروري البحث عن حلول مبتكرة لتعزيز كفاءة ومرونة سلاسل التوريد.
يقدّم دمج تكنولوجيات الذكاء الاصطناعي والروبوتات في إدارة سلسلة التوريد حلولاً واعدة لتحقيق هذه الغاية، وبلغت قيمة الذكاء الاصطناعي العالمي في إدارة سلسلة التوريد 5.2 مليارات دولار أميركي عام 2023، ومن المتوقع أن تصل إلى 230.6 مليار دولار أميركي بحلول عام 2032، بمعدل نمو سنوي مركب (CAGR) يبلغ 52.4% خلال الفترة المتوقعة بين 2024 و2032.
فمن خلال دمج هذه التقنيات، يمكن إنشاء مستودعات ذكية وسلاسل توريد ذاتية التشغيل تتمتّع بالعديد من المزايا.
اقرأ أيضاً: ما دور التكنولوجيات الحديثة في تمكين سلاسل التوريد من مواجهة التحديات المعاصرة؟
ما هي الميزة الأساسية التي تقدّمها تكنولوجيات الذكاء الاصطناعي والروبوتات في مجال إدارة سلاسل التوريد والتي تسهم بشكل مباشر في تحسين الأداء والكفاءة؟
ظهر الذكاء الاصطناعي والروبوتات كحلول واعدة للتغلب على التحديات التي تواجهها إدارة سلاسل التوريد، حيث يمكنهما أتمتة العديد من المهام المتكررة في المستودعات، ما يسهم في تحسين الكفاءة والإنتاجية بشكلٍ كبير. فوفقاً لتقرير صادر عن شركة ماكنزي آند كومباني، يمكن لتكنولوجيات الذكاء الاصطناعي والروبوتات خفض تكاليف التشغيل في المستودعات بنسبة 20%.
كيف أسهمت الروبوتات التي تعمل بالذكاء الاصطناعي في تحسين كفاءة عمليات المستودعات التقليدية؟
تقدّم تكنولوجيات الذكاء الاصطناعي والروبوتات مجموعة واسعة من الحلول لأتمتة المهام في المستودعات، من أهمها:
- فرز البضائع: يمكن للروبوتات المزودة بنظام رؤية حاسوبية فرز البضائع تلقائياً بناءً على خصائصها، مثل الحجم واللون والشكل.
- تخزين البضائع: يمكن للروبوتات المتحركة تخزين البضائع في رفوف عالية وتحديد مواقعها بدقة.
- نقل البضائع: يمكن للروبوتات المتحركة نقل البضائع من مكان إلى آخر داخل المستودع، ما يُقلل من الحاجة إلى استخدام الرافعات والمركبات اليدوية.
- التقاط البضائع والتعبئة: يمكن للروبوتات المزودة بأذرع آلية التقاط البضائع من الرفوف وتعبئتها في صناديق أو حاويات.
- الجرد: يمكن للروبوتات المزودة بنظام رؤية حاسوبية إجراء جرد للمستودعات وتحديد كمية البضائع الموجودة.
تواجه سلاسل التوريد اليوم تحديات هائلة، مثل الاضطرابات المتكررة والطلب المتغير، ما يؤدي إلى نقص في المخزون، وتأخيرات في التسليم، وارتفاع التكاليف. يُقدّم الذكاء الاصطناعي حلولاً مبتكرة للتعامل مع هذه التحديات من خلال تحليل البيانات في الوقت الفعلي للتنبؤ بالطلب وتعديل عمليات سلسلة التوريد بشكلٍ استباقي. أظهرت دراسة أجرتها شركة أكسنتشر Accenture أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يزيد من دقة تنبؤات الطلب بنسبة 20%.
يتم استخدام الذكاء الاصطناعي في سياق سلاسل التوريد لمعالجة كميات هائلة من البيانات من مصادر متنوعة، مثل سجلات المبيعات التاريخية، وتفضيلات العملاء، واتجاهات السوق، ومستويات المخزون الحالية، ونقاط إعادة الطلب، ووقت التسليم، وبيانات الطقس، والأحداث الاقتصادية، والاتجاهات الاجتماعية.
يحلل الذكاء الاصطناعي هذه البيانات باستخدام خوارزميات متقدمة، مثلاً يتم تدريب خوارزميات التعلم الآلي على البيانات لتحديد الأنماط والاتجاهات التي لا يمكن اكتشافها بسهولة من قِبل البشر، وأيضاً يمكن استخدام خوارزميات التنبؤ لإنشاء نماذج تتنبأ بالطلب المستقبلي بناءً على البيانات التاريخية والاتجاهات الحالية. أظهرت دراسة أجرتها شركة فوريستر ريسيرتش Forrester Research أن استخدام الروبوتات في سلاسل التوريد يمكن أن يُقلل من وقت التسليم بنسبة 20%.
يُقدّم استخدام الروبوتات في سلاسل التوريد حلولاً مبتكرة للتعامل مع هذه التحديات من خلال أتمتة المهام المتكررة، ما يُقلل من الحاجة إلى العمالة البشرية ويُقلل من تكاليف التشغيل. أظهرت دراسة أجرتها شركة McKinsey & Company أن أتمتة الروبوتات يمكن أن تُقلل من تكاليف العمالة في سلاسل التوريد بنسبة 30%.
اقرأ أيضاً: ما هو نهج الفيجتال؟ وكيف يؤدي إلى تحسين أداء سلاسل التوريد؟
كيف استطاعت شركة يونيليفر Unilever الاستفادة من تحليلات وسائل التواصل الاجتماعي لتطوير منتجات جديدة؟
تستخدم شركة يونيليفر تحليلات وسائل التواصل الاجتماعي لتتبع اتجاهات السوق واكتشاف الفرص الجديدة. على سبيل المثال، اكتشفت الشركة من خلال تحليلات البيانات أن هناك اهتماماً متزايداً بمستحضرات التجميل النباتية. نتيجة لذلك، طوّرت الشركة خطاً جديداً من مستحضرات التجميل ذات الأساس النباتي لتلبية احتياجات المستهلكين.
ما هي التحديات التي تواجه الشركات عند تبنّي الروبوتات في عملياتها اللوجستية؟ وكيف يمكن التغلب عليها؟
يتم استخدام الروبوتات في سياق سلاسل التوريد لأتمتة مجموعة واسعة من المهام، مثل:
- التحميل والتنزيل: يمكن للروبوتات تحميل المنتجات من الشاحنات وتنزيلها على الناقلات الآلية، ما يُقلل من الحاجة إلى العمالة البشرية ويُحسّن كفاءة عمليات التخزين.
- التخزين: يمكن للروبوتات تخزين المنتجات واستردادها من الرفوف، ما يُقلل من الأخطاء البشرية ويُحافظ على دقة المخزون.
- التغليف: يمكن للروبوتات تغليف المنتجات وتحضيرها للشحن، ما يُقلل من الوقت اللازم لإنجاز هذه المهام ويُحافظ على جودة المنتجات.
- الفرز والتفتيش: يمكن للروبوتات فرز المنتجات حسب النوع أو الحجم أو اللون، وتفتيشها بحثاً عن التلف أو العيوب، ما يُقلل من الهدر ويُحافظ على جودة المنتجات.
- النقل: يمكن للروبوتات نقل المنتجات داخل المستودعات أو بين المنشآت، ما يُقلل من الحاجة إلى استخدام المركبات اليدوية ويُحافظ على سلامة العمال.
كيف تستخدم شركة دي آتش إل DHL الروبوتات لتحسين عمليات الشحن؟
تُعدّ شركة دي آتش إل DHL من الشركات الرائدة في مجال استخدام الروبوتات في سلاسل التوريد لتحسين كفاءة عمليات الشحن وتقليل وقت التسليم، كما تساعد الروبوتات على زيادة إنتاجية عمليات الشحن من خلال العمل على مدار 24 ساعة في اليوم دون تعب.
يتم استخدام روبوتات الفرز لفرز الطرود حسب الحجم والوجهة، باستخدام أجهزة الاستشعار والكاميرات للتعرف إلى الأبعاد والتسميات الموجودة على الطرود ولتحديد موقع صناديق الطرود وتتبع مسارها، كما يتم استخدام أذرع الروبوتات لرفع الطرود ونقلها إلى صناديق مخصصة لكل وجهة؛ ومن ثَمَّ وضع صناديق الطرود في الموقع الصحيح داخل الشاحنة.
تستخدم شركة دي آتش إل روبوتات الفرز في مركزها اللوجستي في مدينة بون بألمانيا لفرز 50,000 طرد في الساعة، وتستخدم روبوتات التوجيه في مركزها اللوجستي في مدينة سينسيناتي بالولايات المتحدة الأميركية لتوجيه 100,000 طرد في اليوم، كما تستخدم روبوتات التحميل في مركزها اللوجستي في مدينة شنغهاي بالصين لتحميل 20,000 طرد في الساعة.
تواجه شركات التوصيل اليوم تحديات هائلة، مثل الازدحام المروري وارتفاع تكاليف الوقود وازدياد الطلب على التوصيلات السريعة. ويُقدّم الذكاء الاصطناعي حلولاً مبتكرة للتعامل مع هذه التحديات من خلال تحسين دقة التنبؤات بالطلب وتحسين عمليات التوصيل، ما يؤدي إلى تسليم أسرع وأكثر دقة للمنتجات للعملاء. أظهرت دراسة أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يُقلل من وقت التسليم بنسبة 15%.
كيف يساعد الذكاء الاصطناعي على تحسين عمليات التوصيل؟
من خلال النقاط التالية، يُسهم الذكاء الاصطناعي في تحسين عمليات التوصيل:
- تخطيط مسارات التوصيل: يمكن للذكاء الاصطناعي تحليل البيانات المرورية في الوقت الفعلي وتحديد أفضل مسارات التوصيل لتجنب الازدحام المروري وتقليل وقت التسليم.
- إدارة أسطول المركبات: يمكن للذكاء الاصطناعي إدارة أسطول المركبات بشكلٍ أكثر كفاءة من خلال تحديد المركبات المناسبة لكل توصيلة وتتبع موقع المركبات في الوقت الفعلي.
- التوصيل الذكي: يمكن للذكاء الاصطناعي استخدام الروبوتات والمركبات الذاتية القيادة لتوصيل المنتجات إلى العملاء، ما يُقلل من تكاليف التوصيل ويُحسّن من كفاءة العمليات.
تُعدّ شركة أوبر Uber من رواد استخدام الذكاء الاصطناعي في مجال النقل لتقديم تجربة أفضل للعملاء. تُستخدم تطبيقات أوبر لجمع بيانات الموقع والسفر من ملايين الركاب، وتستخدم خوارزميات التعلم الآلي لتحليل البيانات المُجمّعة وتحديد الأنماط. وتُركّز تحليلات البيانات على تحديد الطلب على الرحلات في مختلف الأوقات والمناطق، وتوقع الازدحام المروري، وتحديد أفضل مسارات التوصيل، وتوزيع السائقين بشكلٍ فعّال. وبناءً على تحليلات البيانات، تتخذ شركة أوبر قرارات استراتيجية بشأن تحديد أسعار الرحلات، وتوجيه السائقين إلى الركاب، وإدارة أسطول المركبات. فتزداد أسعار الرحلات خلال ساعات الذروة والمناطق المزدحمة، ويتم نقل المركبات من المناطق ذات الطلب المنخفض إلى المناطق ذات الطلب المرتفع.
اقرأ أيضاً: هل أصبح الذكاء الاصطناعي جاهزاً لأتمتة المهام الروتينية في المستودعات؟
بشكل عام، يمثّل دمج تكنولوجيات الذكاء الاصطناعي والروبوتات في إدارة سلسلة التوريد فرصة هائلة لتعزيز الكفاءة والمرونة وخفض التكاليف وتحسين تجربة العملاء، ويمثّل دمج تكنولوجيات الذكاء الاصطناعي والروبوتات في إدارة سلسلة التوريد ثورة حقيقية في هذا المجال. فمن خلال هذه التقنيات، يمكن للشركات تعزيز كفاءة ومرونة سلاسل التوريد الخاصة بها وخفض التكاليف وتحسين تجربة العملاء.
فالشركات التي تُطبِّق هذه التقنيات بذكاء ستكون في طليعة الثورة القادمة في مجال إدارة سلسلة التوريد.