يستفيد الباحثون في مختلف التخصصات من تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، والكيميائيون من هؤلاء أيضاً، إذ تسهم تقنيات الذكاء الاصطناعي في تسريع الأبحاث والتطوير وتحسين فهم الظواهر الكيميائية المعقدة، ما يؤدي إلى تحسين الكفاءة والدقة في العمليات الكيميائية المختلفة، وبالتالي تطوير حلول مبتكرة وفعّالة في مجال الكيمياء. ومن المتوقع أن يؤدي الاستخدام المستقبلي للذكاء الاصطناعي إلى توسيع مجال العلوم الكيميائية بشكلٍ كبير وتحقيق اختراقات جديدة.
اقرأ أيضاً: هل أصبح الذكاء الاصطناعي جاهزاً لأتمتة المهام الروتينية في المستودعات؟
تطبيقات الذكاء الاصطناعي في الكيمياء
يستفيد الكيميائيون من قدرات الذكاء الاصطناعي اليوم بعدة طرق، أهمها:
اكتشاف الأدوية
لعل أهم إسهامات الذكاء الاصطناعي في الكيمياء هو تسريع اكتشاف الأدوية، إذ يمكن للخوارزميات تحليل قواعد البيانات الكيميائية الضخمة والبيانات التجريبية بسرعة لتحديد مركبات الأدوية الجديدة التي تتمتّع بخصائص مرغوبة.
بالإضافة إلى تسريع تصميم الأدوية، يمكن للذكاء الاصطناعي تحسين تصميمها، فتتنبأ نماذج التعلم الآلي بنشاط المركبات الدوائية المحتملة وسميتها وخصائصها الأخرى، كما يمكن استخدام الذكاء الاصطناعي لتصميم أدوية جديدة ذات خصائص محسّنة مثل الاستقرار والذوبان والنشاط الحيوي والسميّة.
يتطلب إنتاج دواء واحد بالطرق التقليدية مليارات الدولارات وأكثر من 15 عاماً. في المقابل يؤدي استخدام الذكاء الاصطناعي إلى تقليل الوقت والتكلفة اللازمين لطرح دواء جديد في السوق بشكلٍ كبير، إذ يتقلص الوقت اللازم لإنتاج الدواء إلى بضع سنوات أو حتى أشهر، أو أيام في بعض الأحيان.
اقرأ أيضاً: نظام ذكاء اصطناعي يكتشف دواءً جديداً محتملاً في 46 يوماً فقط
الخصائص الجزيئية
يُجري العلماء تجارب يدوية طويلة وقد تكون معقدة لاكتشاف خصائص الجزيئات، لكن استخدام الذكاء الاصطناعي يؤدي إلى تسريع العملية وجعلها أكثر كفاءة وأقل تكلفة، حيث تتمتّع الخوارزميات بالقدرة على تحليل وتوقع مجموعة واسعة من الخصائص الجزيئية بسرعة، وهذا يسمح للباحثين بتقييم إمكانات المركبات الافتراضية قبل تصنيعها.
يمكن لتقنيات التعلم الآلي أيضاً استكشاف قواعد البيانات الضخمة الحاوية على المركبات المعروفة وخصائصها لتحديد الأنماط واقتراح إمكانات جديدة، وهذا يمكّن من اكتشاف جزيئات جديدة ذات خصائص مرغوبة، مثل الذوبان ونقطة الانصهار، ما يمنح الباحثين القدرة على تحديد المركبات الأهم واختبارها.
تصميم الجزيئات
بالإضافة إلى اكتشاف خصائص الجزيئات، ساعد الذكاء الاصطناعي العلماء على تصميم جزيئات جديدة تتمتّع بخصائص مرغوبة، وذلك بناءً على البيانات المتوفرة عن جزيئات سابقة، والعلاقات الكيميائية الأساسية، وتركيب الروابط الكيميائية، ما يساعد على تطوير علم الكيمياء وتقدمه بشكلٍ كبير.
التنبؤ بالمواد الداخلة في التفاعلات والناتجة عنها
يستغرق تخليق مركبات كيميائية جديدة باستخدام الطرق التقليدية الكثير من الوقت، وذلك بسبب المحاولات والأخطاء التجريبية لإيجاد المواد المناسبة الداخلة في التفاعل والحصول على المواد الناتجة المطلوبة. لكن يمكن عبر الذكاء الاصطناعي اختصار هذه العملية، وتحديد المواد المناسبة لتخليق جزيئات المواد الناتجة الجديدة، بما يُسمَّى عملية التخليق الرجعي.
الكيمياء الخضراء
يتوجه المختصون اليوم نحو تطوير مواد كيميائية أكثر استدامة وخضرة، ويمكن للذكاء الاصطناعي المساعدة على تحقيق ذلك بشكلٍ أسرع، إذ يمكنه تحليل التفاعلات الكيميائية والتأثيرات البيئية وتصميم مركبات أكثر كفاءة وصديقة للبيئة، علاوة على تقليل توليد النفايات وتعزيز ممارسات التصنيع الأكثر استدامة.
الأتمتة والروبوتات
يمكن أن يساعد الجمع بين الذكاء الاصطناعي والروبوتات على أتمتة العمليات المخبرية وتعزيز الإنتاجية، فيُترك لها أداء المهام الروتينية المتكررة مثل تحليل البيانات وإعداد العينات، وبالتالي يركّز الباحثون على المهام الأكثر أهمية.
دمج البيانات الضخمة
تُنتج الصناعات الكيميائية كماً هائلاً من البيانات الناتجة عن عمليات المحاكاة والتجارب والدراسات والأبحاث وغيرها من المصادر. وللاستفادة منها، تُجمع هذه البيانات وتُخزَّن، ويجب تحليلها بشكلٍ صحيح، وسيكون الذكاء الاصطناعي مساعداً على ذلك، إذ يمكنه تحليل هذه البيانات لكشف الأنماط والعلاقات الخفية وتوليد فرضيات جديدة.
التحليل التنبؤي
ساعد تطبيق الذكاء الاصطناعي في الكيمياء العلماء على اكتساب تحليل تنبؤي، وذلك لأنه بمساعدة البيانات السابقة وتفسير البيانات الحالية، تولّد خوارزميات الذكاء الاصطناعي المتقدمة تحليلات تنبؤية للمستقبل، تتمتّع بالدقة والفاعلية من حيث الإمكانية والاحتمالية. ومع تزويد الخوارزميات بالبيانات باستمرار، تتحسن مهارات التفسير لديها.
ويُسلّط هذا التطبيق الضوء على التأثيرات المحتملة لبعض المركبات الكيميائية أو الأدوية.
اقرأ أيضاً: كيف يسهم الذكاء الاصطناعي في تسريع اكتشاف المواد الجديدة؟
منصات ذكاء اصطناعي لإجراء التفاعلات الكيميائية
طُوِّرَت منصات الذكاء الاصطناعي المختلفة لتعزيز إجراء التفاعلات الكيميائية افتراضياً، وبالتالي تحسين عمليات التصنيع وظروف التفاعل. من هذه المنصات "فونيكس" (Phoenics)، و"كيميرا" (Chimera).
على الرغم من هذه القدرات، فإن تحقيق إمكانات الذكاء الاصطناعي الكاملة في الكيمياء يتطلب التغلب على بعض التحديات، والتي تشمل توفير بيانات بجودة عالية، والاعتبارات الأخلاقية، والقيود المفروضة على تكنولوجيات الذكاء الاصطناعي الحالية. لكن يمكن الآن دمج الذكاء الاصطناعي مع الأساليب التجريبية التقليدية والخبرة البشرية لتحسين عملية اكتشاف الأدوية وغيرها من التطبيقات.