منذ عامين تقريباً، كنت أفكر في مجموعة من صور الأسماك التي رأيتها في أحد المؤتمرات.
كان هذا العرض التقديمي جزءاً من فعالية كلايميت تيك (ClimateTech) التي نظمناها في 2022، عندما وجهنا الدعوة إلى عدد من العلماء والمهندسين ورواد الأعمال في مجالات مختلفة تراوحت بين الطاقة الاندماجية والزراعة، كي يتحدثوا عن أعمالهم. كانت المؤسسة المشاركة في شركة نيتل إنيرجي (Natel Energy)، غيا شنايدر، تتحدث عن مهمة شركتها التي تتلخص بتصميم توربينات كهرومائية أكثر أماناً للأسماك.
عرضت شنايدر صوراً لأسماك أصابتها شفرات التوربينات التقليدية، وبصراحة، لم تكن هذه الصور جميلة على الإطلاق. فعندما تتعرض الأسماك إلى ضربات هذه القطع المعدنية التي تتحرك بسرعات عالية، تفقد شكلها الطبيعي، دون أن نذكر المزيد من التفاصيل المؤلمة. من ناحية أخرى، بدا أن الأسماك التي تسبح عبر توربينات نيتل لم تتعرض لأي مشكلة تذكر، حيث كانت تسبح في مسارات منحنية حول التوربينات وتتابع طريقها دون أي عائق يذكر مع التيار.
مؤخراً، سنحت لي فرصة التحدث مع شنايدر أخيراً حول الأسلوب الذي تتبعه نيتل في عملها لتغيير التكنولوجيا الكهرومائية، والتوفيق بين العمل المناخي والأنظمة البيئية للمياه العذبة. يمكنك أن تقرأ كل شيء عن هذا الموضوع في مقالي الأخير، وفي هذه الأثناء، سأشرح سبب اهتمامي الشديد بالأسماك والتكنولوجيا الكهرومائية.
اقرأ أيضأً: تقنية كهرومائية صديقة للأسماك: حل جديد للطاقة المتجددة
لماذا يجب التعلم من تجربة الطاقة الكهرومائية؟
تمثل الطاقة الكهرومائية أكبر مصدر للكهرباء المتجددة في العالم. وغالباً ما تؤدي دوراً حاسماً في الحفاظ على توازن الشبكة الكهربائية، نظراً إلى أن محطات التوليد الكهرومائية المزودة بسدود قادرة على تخزين الطاقة، ما يتيح إمكانية رفع استطاعة التوليد وخفضها وفقاً للطلب على الكهرباء. عندما ينخفض إنتاج الطاقة الكهرومائية، كما حدث في العام الماضي عندما ضرب الجفاف مناطق غرب الولايات المتحدة، يزداد إطلاق الانبعاثات.
لكن الطاقة الكهرومائية يمكن أن تتسبب أيضاً بالعديد من الآثار السلبية على البيئة، فقد أسهمت السدود في انهيار أعداد أسماك المياه العذبة المهاجرة، حيث تراجعت أعدادها بنسبة تفوق 80% منذ 1970. من الجدير بالذكر إن عمليات التعدين وتحويل المياه كان لها دور في هذه المشكلة أيضاً؛ ولهذا لا يمكننا أن نلقي باللائمة بالكامل على الطاقة الكهرومائية أو حتى السدود المستخدمة لأغراض أخرى.
تسعى نيتل إلى جعل الطاقة الكهرومائية أكثر ملاءمة للأسماك بقليل، فتوربيناتها منحنية بطريقة مختلفة، وتتميز بحواف غير حادة تدفع الماء أمامها، ما يؤدي إلى تشكيل ما يشبه "الوسادات الهوائية للأسماك"، على حد وصف شنايدر؛ وهو ما يساعد المزيد من الأسماك على عبور محطة توليد الطاقة بأمان.
توضح شنايدر إن الوقت مناسب الآن لإعادة النظر في التكنولوجيا التي نستخدمها في محطات التوليد الكهرومائية؛ لأن مجموعات المحطات آخذة بالتقادم، ومن المقرر أن الكثير منها ستعيد ترخيص عمله الجهات الرقابية في العقد المقبل أو نحو ذلك.
وفقاً لوجهة نظرها، فإن السؤال الذي يواجه مؤسسات المرافق العامة هو التالي: "هل سنستخدم بدلاً من المحطات القديمة التصاميم نفسها التي استخدمناها في الماضي، والتي ندرك آثارها السلبية على البيئة؟ أم أننا سنتمكن من إيجاد وسائل لترقية مجموعات محطات التوليد وتحديثها بحيث تُمكننا الاستفادة من أدائها الجيد على مدى 4 أو 5 عقود إضافية، لكن بطريقة تحدث أثراً إيجابياً ملموساً في الأداء على الصعيد البيئي؟"
التضارب بين مكافحة التغير المناهي والحفاظ على التوازن الحيوي
يمكننا أن نقارن مع الكثير من الأوضاع الأخرى التي شهدت تضارباً بين الجهود الرامية إلى مكافحة التغير المناخي والجهود الرامية إلى الحفاظ على التنوع الحيوي والبيئة.
لنأخذ التعدين مثالاً لهذا، فنحن في حاجة إلى الليثيوم والكثير من المعادن الأخرى لبناء البنى التحتية اللازمة لتزويد العالم بالطاقة بالاعتماد على المصادر المتجددة وغيرها من المصادر ذات الانبعاثات الكربونية المنخفضة. لكن تحديد المواقع التي يمكن استخراج هذه المواد منها، والحصول على موافقة المجتمعات المحلية على هذا العمل، قد يمثل تحدياً، كما أورد زميلي جيمس تيمبل في مجموعة من المقالات العام الماضي، حيث كان يتحدث عن مشروع مُقتَرَح لفتح منجم لليثيوم في ولاية مينيسوتا.
اقرأ ايضاً: 7 تحديات تعيق استخدام الطاقة المائية لتوليد الكهرباء
وعلى حين أصبحت ألواح الطاقة الشمسية مصدراً رئيسياً للطاقة ذات الانبعاثات الكربونية المنخفضة عبر غرب الولايات المتحدة، فقد تعرضت المشروعات الجديدة في بعض الأحيان إلى الرفض والمقاومة؛ بسبب المخاوف بشأن كيفية تأثيرها على الحياة البرية المحلية في الأنظمة البيئية للمروج والصحراء هناك. يساور علماء الأحياء القلق على وجه الخصوص بشأن حيوانات مثل الوعل الشوكي القرون، فقد تراجعت أعداد هذه المخلوقات الشبيهة بالظباء إلى أن أصبحت تشكل نسبة ضئيلة مقارنة بما كانت عليه في السابق، ويمكن أن يؤدي التطوير إلى إحداث أضرار إضافية حتى بموائلها.
قد يكون من الصعب تحقيق التوازن بين احتياجات الأنظمة البيئية المحلية والمجتمعات المحلية من جهة، والحاجة إلى إحراز تقدم عالمي نحو تحقيق أهداف الانبعاثات. قد تبدو التضاربات مختلفة باختلاف المشروعات والأنظمة البيئية، لكن المشروعات الجديدة يجب تأخذ هذا التوازن على محمل الجد، لأن التغير المناخي يؤثر فينا جميعاً، بما في ذلك الأسماك.